إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

منزل الإرادة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منزل الإرادة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    منزل الإرادة، ما معنى الإرادة؟

    الإرادة، علماء العرفان يقولون: هناك قوس النزول وهناك قوس الصّعود، أنت تعيش في حركةٍ دائريّةٍ، لا تعيش أنت في حركةٍ مستقيمةٍ، لا، أنت تعيش في حركةٍ دائريّةٍ، تتصوّر أنك تعيش في حركةٍ مستقيمةٍ، لا، أنت تعيش في حركةٍ دائريّةٍ، وستعترف وسترى أنّك تعيش في حركةٍ دائريّةٍ في بعض الأوقات، أنت الآن عندما ترسم دائرة، دائرة فيها نقطتان متقابلتان، تسير من النقطة الأولى إلى النقطة المقابِلة لها، إذا تريد أن تستمرّ في الدّائرة فستكون حركتك حركة عَوْدٍ، حركة رجوع، ترجع من النقطة المقابلة إلى النقطة نفسها التي بدأت منها، الحركة هذه حركة دائريّة، الإنسان يعيش حركة دائريّة.

    1/ ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ أنت تعيش حركة دائريّة.

    2/ ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ أنت تعيش حركة دائريّة.

    3/ ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ سترجع، ستلتقي معه مرّة أخرى، كنت معه وستلتقي معه مرّة أخرى ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ الإنسان يعيش حركة دائريّة.

    يبدأ الإنسانُ أوّلاً بقوس النزول ثم يبدأ بقوس الصّعود، كيف قوس النزول؟ يُولَد، يسمع، يتعلم، يعرف الأشياء، ثم يصبح رجلاً يخوض العمل، أعمال وأتعاب وشغل ووظيفة وكلام مع فلان وجدال مع فلان وحرب مع فلان ونقاش مع فلان واليوم مريض فلان واليوم ميّت فلان واليوم صار كذا.. حياة، مادام في هذه الحياة فهو يعيش غبار الحياة ويعيش موجة الحياة، موجٌ مضرمٌ يعيش الإنسانُ داخله وفي لجّته من دون أن يشعر بنفسه، اليوم هنا، اليوم هنا، اليوم يبحث عن العمل، اليوم يبحث عن المال، اليوم يبحث عن تجارةٍ أخرى، اليوم يبحث عن أن يحصل على مكسبٍ آخر... لجّة الحياة، غمار الحياة، يعيش فيها هذا الإنسان، هذا نسمّيه قوس النزول، يعني: كان ملتقيًا مع ربّه فبَعُدَ لانشغاله بهموم الحياة، لأنّه انشغل بهموم الحياة وانشغل بأتعاب الحياة، أتعاب العمل، أتعاب الأسرة، أتعاب الأولاد، أتعاب الدّنيا.. لأنّه انشغل بهذه الهموم والأتعاب أين ذهبت
    مشيت أنت أكثر من ألف كيلو، مشيت أنت أكثر من مليون كيلو، بعيدٌ عن الحضرة القدسيّة، بعيدٌ عن مجلى الذات الإلهيّة، أين مشيت؟! يقف هذا الإنسان يومًا من الأيام عندما تقف عنده وعندما تحصل عنده يقظة الضّمير، تراه يومًا من الأيام يقف: أنا ماذا؟! أنا ماذا أصنع؟! أنا أين والله في أين؟! أنا في أين؟! أنا ماذا أعمل؟! إلى متى أنا في أتعاب العمل؟! وإلى متى أنا في أتعاب الدّنيا؟! وإلى متى أنا في أتعاب الأسرة؟! وإلى متى أنا في هذه الهموم؟! وإلى متى أنا أعيش وأحتطب الذنوب وأحتطب المعاصي وأتحمّل الرذائل على ظهري؟! إلى متى؟! عندما يحصل عنده هذا الإحساس يومًا من الأيام يبدأ قوس الصّعود، هو كان في ماذا؟ كان في قوس النزول، غارق، هو غارق في بحر الدّنيا من طبقةٍ إلى طبقةٍ من همّ إلى همّ، وقفت المسيرة، تنبّه عنده الضّميرُ، استيقظت النفسُ، بدأ يحاسِبُ، أنا أين؟! أين وصلت؟! إلى ماذا انتهيت؟! ماذا اكتسبت؟! ماذا حصلت؟! على ماذا؟! هنا عندما غالبًا الإنسان عندما يبلغ سنّ ما بعد الثلاثين يستيقظ إلى نفسه، يستيقظ إلى طريقه، يستيقظ إلى تجربته، أين وصلت؟! أين مشيت؟! ماذا حصلت؟! هنا إذا استيقظ بدأ يرجع مرّة ثانية، وهي قوس الصّعود، بدأت من النقطة المقابلة إلى النقطة التي بدأ منها، بدأ الإنسان في قوص الصّعود، الإحساس بأنّني لابدّ أن أرجع إلى ربّي هذا يسمّى المنزل الأوّل من منازل النور ألا وهي منزلة الإرادة.

    الإرادة الميل إلى الله، الإرادة المحبّة للرّجوع إلى الله تبارك وتعالى، هذا هو المنزل الأوّل منزل الإرادة، منزل الإرادة يتسم بالإحساس بالغربة، منزل الإرادة يتسم بالإحساس بالظمأ الرّوحي، منزل الإرادة يتسم بالإحساس بالضّعف، الإنسان.. لاحظ نفسك يومًا من الأيام أنت جدًا متعبٌ نفسيًا، وجدًا مهمومٌ بقضايا الحياة وقضايا الذنوب وقضايا الرّذائل، إذا حصل عندك هذا الإحساس الفطري الذي نعبّر عنه بالإرادة، إذا حصل عندك هذا هذا الإحساس وهذا الشّعور ماذا تحس؟

    أوّلاً تحسّ بالغربة: واقعًا أنا غريبٌ حتى لو كنتُ أعيش بين أهلي، مَنْ الذي يشعر بما أشعر؟! وإنْ كنتُ أعيش بين أهلي وأسرتي وزوجتي وأولادي لكني غريبٌ، إحساسٌ بالغربة، أشعر بأنّني وحدي، أصارع الهموم وحدي، من الذي يتحمّل هموم الذنوب عني؟! من الذي يأخذ قسطًا من هذه الذنوب عني؟! من الذي يُبْدِي استعداده ويقول: أنا أتحمّل ذنوبك ومعاصيك وسيّئاتك وأنت سر فارغ البال؟! من؟! إذن وإن كنتُ في جو اجتماعي إلا أنّني في الواقع غريبٌ، والغريب يحتاج إلى من يقف معه، والغريب يحتاج إلى من يؤنسه، الغريب يشعر بالوحدة وبالوحشة فيحتاج إلى من يؤنسه ويرفع عنه وحشته، من الذي يؤنسني؟! من الذي يخفف عناء غربتي؟! من الذي يخفف ثقل وحدتي؟! ليس هناك إلا ذلك الذي ابتعدتُ عنه، لأنّني ابتعدتُ عنه أحسستُ بالغربة، لأنّني ابتعدتُ عنه أحسستُ بالوحدة، لأنّني ابتعدتُ عنه أحسستُ بالوحشة، لابدّ إذن أن أرجع إليه، هو المؤنِس، هو الذي يرفع الوحدة والوحشة، المناجاة، اللقاء، الحديث مع الله تبارك وتعالى، إحساسٌ بالغربة.

    وهناك إحساسٌ بالظمأ الرّوحي: مشكلتنا، مشكلة مجتمعاتنا كلها، مشكلة مجتمعاتنا الماديّة الإحساس بالظمأ الرّوحي، الصّبح عملٌ، والعصر عملٌ، وذاهبٌ إلى جلسات الأصدقاء، وذاهبٌ إلى المحادثات والسّوالف والرّحلات وإلى وإلى وإلى.. عملٌ ورحلاتٌ وأصدقاءٌ ومشاهدة التلفزيون وسماع الأخبار والنتيجة؟! والنتيجة ما هي؟! يشعر هذا الإنسان بأنّ قلبه فارغ من العلاقة الرّوحيّة مع الله عزّ وجلّ، يشعر بأنّه فيه ظمأ، فيه عطشٌ، لم يُرْوَ هذا الظمأ ولم يُرْوَ هذا العطش، مازال ظامئًا، أنا لا ترويني الجلسات ولا يرويني الأصدقاء ولا ترويني الدّنيا بزخارفها ومظاهرها، الذي يروي روحي أن أشعر بعلاقةٍ ودّيّةٍ روحيّةٍ مع من؟ مع الخالق، مع المحبوب الأتمّ، مع الله تبارك وتعالى، الإرادة تعني الإحساس بالظمأ، تعني الإحساس بالعطش، أفتح الكتاب، كلّ يوم أنا اقرأ كتاب فيزياء، كتاب كيمياء، كتاب إنجليزي، أشاهد التلفزيون.. اليوم لا، أخذتُ كتابًا اسمه مفاتيح الجنان، فتحتُ هذا الكتاب، ذكرتُ عبارة المناجاة الخمس عشر، جئتُ للمناجاة: مناجاة التائبين، مناجاة الخائفين، مناجاة الرّاغبين، مناجاة الزاهدين.. جئتُ لهذه المناجاة، بدأتُ أقرؤها، رأيتُ نفسي بعيدًا عن هذا، أين أنا وأين هذه الكلمات؟! أين أنا وأين هذه المضامين؟! أنا في وادٍ وهذا الكلام في وادٍ آخر، أنا لا أشعر بطعمه ولا أشعر بلذته ولا أشعر بكنهه ولا أشعر منه بأيّ دوافع، هذا معنى أنّني عندي ظمأ، هذا معنى أنّني عندي عطشٌ، لماذا لا أشعر بطعمه؟! لماذا إذا قرأتُ القرآنَ لا أشعر بطعم القرآن؟! لماذا إذا قرأتُ الدّعاءَ لا أشعر بطعم الدّعاء؟! لماذا إذا صليتُ النافلة أصليها كما أمارس رياضة الصّباح؟! لماذا؟! لماذا لا أعيش لذة العبادة ولذة اللقاء الرّوحي مع الله؟! لأنّني غريبٌ، لأنّني بعيدٌ عن هذا العالم، فأنا أعيش حالة الظمأ الرّوحي.

    هذه هي الإرادة، الإرادة بدايتها الإحساس، الإحساس بالغربة، الإحساس بالضعف، الإحساس بالنقص والوحدة، الإحساس بالظمأ الرّوحي، إذا حصل عند الإنسان هذا الإحساس بدأ المسيرة، بدأ قوسَ الصّعود، بدأ الرّجوع إلى الله تبارك وتعالى، هذا نسمّيه: منزل الإرادة.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X