إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفرح والحزن

تقليص
X
تقليص
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفرح والحزن

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    الإنسان مخلوق هادف معطاء، يقول عنه القرآن الكريم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، فبما أن الإنسان وجود هادف لا بد أن تنعكس الهدفية على خطواته وحركاته وسكناته ومشاريعه كلها، فالمطلوب من الإنسان أن يكون هادفًا في شؤونه كلها، حتى في فرحه وحزنه، فما هو الفرح الهادف وما هو الحزن الهادف؟

    القرآن الكريم وضع لنا خطوطًا تشرح لنا الفرح والحزن الهادفَيْن:

    الخط الأول: استشعار المسؤولية.

    يجب ألا يطغى عليك الفرح بحيث ينسيك المسؤولية، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قصة قارون، حيث قال: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾، هؤلاء لم ينهوا عن مطلق الفرح، وإنما نهوا عن الفرح الذي ينسي الإنسانَ المسؤولية، حيث أن قارون فرح بنعمته وثروته ونسي أن هناك حقوقًا في ثروته، ونسي أن هناك دار أخرى تنتظره، وهذا الفرح الذي ينسي الإنسانَ الدارَ الآخرة، وينسيه حقوقَ المحرومين، ويبعثه على الظلم والاعتداء على الآخرين، فرحٌ مذمومٌ ممقوتٌ، وأما الفرح الممدوح فهو الذي يعيش استشعار المسؤولية، ولذلك قال القرآن الكريم: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾، ثم قال: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، فلا يوجد مانع من أن تفرح وتبتهج، ولكن ليكن فرحك في إطار معين.

    الخط الثاني: التوازن.

    أنت ليس المطلوب منك تفرح فرحًا ينسيك الحزن ولا أن تحزن حزنًا ينسيك الفرح، بل المطلوب منك حالة التوازن، كما قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾، أي: حتى لا يطغى عليك - أيها الإنسان - الأسى ولا الفرح، فالخط الثاني من خطوط الفرح الهادف هو التوازن.

    بيان ذلك أن الإنسان إذا أراد أن ينشئ مشروعًا تجاريًا أو ثقافيًا مثلاً، فلا بد
    له من أن يقرأ متغيرات الظروف، إذ أن الظروف ليست دائمًا على نسق واحد، ولذلك من قرأ متغيرات الظروف استطاع مشروعه الصمود والبقاء، وأما من لم يقرأ متغيرات الظروف فإن مشروعه يفشل، حيث أن التخطيط الذي يقرأ متغيرات الظروف هو الذي يجعل الإنسان متوازنًا لا فرحًا ولا حزينًا.

    لذلك القرآن الكريم يخبرنا بأن هناك مصائب، ويقول لنا: لا تظنوا أن الأمور تمضي كما تشاؤون، ولا تظنوا أن الوضع مهيأ لكم وأن الدنيا معدة لكم، ولذلك يجب أن تخططوا من البداية كيفية تجاوز هذه المصائب، كما قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾، ثم علّل القرآن وضع هذه المصائب بقوله تعالى: ﴿لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾، أي: حتى يصبح الإنسان متوازنًا.

    الخط الثالث: القرآن الكريم يقرن الفرح بالإنجاز.

    الإنسان العاقل يفرح إذا أنجز، لا أنه يرقص ويهوس لمحض الفرح بلا أي هدف، أو يصنع أفراحًا على المصائب التي هو فيها! إذا أنجز الإنسان وأعطى وقدّم عطاء وإنجازًا للمجتمع فإن من حقه أن يفرح، ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ﴾، أي أن المؤمنين لأنهم قدموا إنجازًا وحصلوا على نصر الله فرحوا بإنجازهم، ويقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾ أي أن عندكم عطاء وإنتاجًا، فلماذا تخافون؟!

    الخط الرابع: القرآن كما يبعث نحو الفرح الهادف يذم الحزن الذي يبعث على التشاؤم.

    لا يقبل القرآن بحزن يبعث على التشاؤم، بل إنه دائمًا يبعث إلى التفاؤل، ولذلك يقول مخاطبًا المؤمنين: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، أي أنك - أيها المجتمع الإسلامي - تستطيع بطاقاتك الخلاقة وقدراتك العملاقة أن تتجاوز الظروف والمحن، فلماذا تخاف وتحزن؟! لا تقل: «والله داعش هجمت على المؤمنين وقامت بإبادات جماعية»! هذا لا يبعثنا على التشاؤم، ولا يبعثنا على التراجع
    أبدًا، بل هذا يبعثنا على الصمود والوقوف بقوة؛ لأننا الأعلون، فالقرآن يبعث على التفاؤل وعلى روح العطاء والتضحية والبذل، ولا تجعل للحزن مجالاً ليتسرب إلى قلب الإنسان ويتشبع فيه فيجعله إنسانًا متشائمًا أبدًا، فكما أن الفرح الذي ينسي الإنسانَ المسؤوليةَ مذمومٌ، كذلك الحزن الذي يبعثه على التشاؤم مذمومٌ أيضًا.

    الخط الخامس: القرآن الكريم لا يذم البكاء دائمًا.

    هناك من يستنكر على الشيعة بكاءهم كثيرًا كل سنة ويقول: إلام أوصلكم هذا البكاء؟! وماذا قدم لكم هذا البكاء؟! وماذا أعطى لكم هذا البكاء والنحيب والحزن؟!

    نحن نقول: الفكر الإمامي هو فكر القرآن، والقرآن يمدح البكاء في بعض الحالات، فليس البكاء باعثًا على الحزن والأسى دائمًا، بل قد يكون البكاء منطلقًا نحو الحياة، إذ أن الإنسان الذي تخيك عليه الهموم والغموم قد لا يستطيع أحيانًا أن يخرج من صومعته إلا بالبكاء، فالبكاء يغسل الهموم ويطهّر روح الإنسان من الأسى، ويفتح الإنسان على الحياة، ويبعث منه إنسانًا معطاء منتجًا، فالبكاء أحيانًا وسيلة ضرورية للعطاء وللانفتاح على الحياة.

    القرآن الكريم عندما يتحدث عن الباكين يقول: ﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾، فها هم عمالقة التاريخ - محمد وآل محمد - كانوا بكّائين، فمثلاً: علي بن أبي طالب كان إنسانًا بكّاء، لكنه هو المتقدم في مختلف المجالات، فهو الجندي المحارب، وهو القاضي بين الناس، وهو الأديب البليغ، وهو الحاكم العادل، وهو في نفس الوقت البكّاء، فالبكاء ما حجب عليًا عن العطاء والإنتاج، بل جعل من علي إنسانًا معطاء بكل صور العطاء.

    هو البكّاء في المحراب ليلاً

    هو النبأ العظيم وفلك نوح
    هو الضحّاك إن جد الضرابُ

    وباب الله وانقطع الخطابُ

    لذلك القرآن عندما يتحدث عن المنافقين يقول بأنهم يحتاجون إلى علاج، وعلاجهم هو البكاء، فيقول: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا﴾، فالبكاء يخرج المنافق من الإحساس بالذنب والخطيئة ويجعله إنسانًا متوازنًا معطاء، فهو وسيلة للعطاء.
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...