مناظرة يحيى بن يعمر مع الحجاج في أول أيام عيد الأضحى المبارك .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
أسعد الله أيامكم جميعاً بحلول عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعلى الجميع بالخير واليمن والبركة .
ننقل لجنابكم الكريم هذه القصة التي حدثت في مثل هذا اليوم .
قال الشعبي : كنت بواسط ، وكان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جائني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، وقد أردت أن أضحي برجل من أهل العراق ، وأحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به .
فقلت : أيها الاَمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتضحي بما أمر أن يضحي به ، وتفعل فعله ، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .
فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، وإدخاله الشبهة في الاسلام .
قلت : أفيرى الاَمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط ، وبالسيَّاف فأُحضر ، وقال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر (١) ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟
فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .
قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسـن والحسـين عليهما السلام من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله .
قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .
قال : وبأي حق قلت ؟
قال : بكتاب الله عز وجل .
فنظر إليَّ الحجاج ، وقال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .
وفكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل: ( فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أَبناءَنا وَأَبْنَاءَكم وَنِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ على الكاذبينَ ) وأن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً ، وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى : والله ، إنها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلت .
فاصفرَّ وجه الحجاج ، وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال : نعم .
قال الشعبي : فغمني قوله فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ ( وَمِن ذُرِّيتهِ دَاوُدَ وَسليمانَ ) (الاَنعام: الآية ۸٤) من عنى بذلك ؟
قال الحجاج : إبراهيم عليه السلام .
قال : فداود وسليمان من ذريته ؟
قال : نعم .
قال يحيى : ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى : ( وَأيّوب وَيوسفَ وَموسى وَهارونَ وَكذلِكَ نَجزي المُحسنينَ ) . (الاَنعام: الآية ۸٤) .
قال يحي : ومن ؟
قال : ( وَزكريا وَيَحيى وَعِيسى ) (الاَنعام : الآية ۸٥ ) .
قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم عليه السلام ، ولا أب له ؟
قال : مِن قِبَل أُمّه مريم عليها السلام .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم عليه السلام أم فاطمة عليها السلام من محمد صلى الله عليه وآله؟ وعيسى من إبراهيم ، أم الحسن والحسين عليهما السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال : أطلقوه قبّحه الله ، وادفعوا إليه عشرة الآف درهم لا بارك الله له فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه ، ودعا بجزور فنحره وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه ، وما تكلّم بكلمة حتى افترقنا ولم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً ) - 1 -
******************************
الهوامش :
1 - شرح الأخبار ، القاضي النعمان المغربي ، ج 3 ، ص 92 *** بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج 10 ، ص 147 *** مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي ، ج 1 ، ص 67 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
أسعد الله أيامكم جميعاً بحلول عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعلى الجميع بالخير واليمن والبركة .
ننقل لجنابكم الكريم هذه القصة التي حدثت في مثل هذا اليوم .
قال الشعبي : كنت بواسط ، وكان يوم أضحى ، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج ، فخطب خطبةً بليغة ، فلما انصرف جائني رسوله فأتيته ، فوجدته جالساً مستوفزاً ، قال : يا شعبي هذا يوم أضحى ، وقد أردت أن أضحي برجل من أهل العراق ، وأحببت أن تسمع قوله ، فتعلم أني قد أصبت الرأي فيما أفعل به .
فقلت : أيها الاَمير ، لو ترى أن تستن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتضحي بما أمر أن يضحي به ، وتفعل فعله ، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .
فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقول صوبت رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، وإدخاله الشبهة في الاسلام .
قلت : أفيرى الاَمير أن يعفيني من ذلك ؟
قال : لا بدّ منه .
ثم أمر بنطع فبسط ، وبالسيَّاف فأُحضر ، وقال : أحضروا الشيخ ، فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر (١) ، فأغممت غماً شديداً ، فقلت في نفسي : وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله ؟
فقال له الحجاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟
قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .
قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسـن والحسـين عليهما السلام من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله .
قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .
قال : وبأي حق قلت ؟
قال : بكتاب الله عز وجل .
فنظر إليَّ الحجاج ، وقال : اسمع ما يقول ، فإن هذا مما لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فجعلت أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .
وفكر الحجاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عز وجل: ( فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدْعُ أَبناءَنا وَأَبْنَاءَكم وَنِساءَنا ونِساءَكُم وأنفُسَنا وأنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهل فَنَجعَل لَعنةَ اللهِ على الكاذبينَ ) وأن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .
قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً ، وقلت في نفسي : قد خلص يحيى ، وكان الحجاج حافظاً للقرآن .
فقال له يحيى : والله ، إنها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلت .
فاصفرَّ وجه الحجاج ، وأطرق ملياً ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال : إن جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك ، فلك عشرة آلاف درهم ، وإن لم تأت بها فأنا في حلٍ من دمك .
قال : نعم .
قال الشعبي : فغمني قوله فقلت : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه ، فإن جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أن يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .
فقال يحيى للحجاج : قول الله عزّ وجلّ ( وَمِن ذُرِّيتهِ دَاوُدَ وَسليمانَ ) (الاَنعام: الآية ۸٤) من عنى بذلك ؟
قال الحجاج : إبراهيم عليه السلام .
قال : فداود وسليمان من ذريته ؟
قال : نعم .
قال يحيى : ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته ؟
فقرأ يحيى : ( وَأيّوب وَيوسفَ وَموسى وَهارونَ وَكذلِكَ نَجزي المُحسنينَ ) . (الاَنعام: الآية ۸٤) .
قال يحي : ومن ؟
قال : ( وَزكريا وَيَحيى وَعِيسى ) (الاَنعام : الآية ۸٥ ) .
قال يحيى : ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم عليه السلام ، ولا أب له ؟
قال : مِن قِبَل أُمّه مريم عليها السلام .
قال يحيى : فمن أقرب : مريم من إبراهيم عليه السلام أم فاطمة عليها السلام من محمد صلى الله عليه وآله؟ وعيسى من إبراهيم ، أم الحسن والحسين عليهما السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
قال الشعبي : فكأنّما ألقمه حجراً .
فقال : أطلقوه قبّحه الله ، وادفعوا إليه عشرة الآف درهم لا بارك الله له فيها .
ثمّ أقبل عليَّ فقال : قد كان رأيك صواباً ولكنّا أبيناه ، ودعا بجزور فنحره وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه ، وما تكلّم بكلمة حتى افترقنا ولم يزل ممّا احتجّ به يحيى بن يعمر واجماً ) - 1 -
******************************
الهوامش :
1 - شرح الأخبار ، القاضي النعمان المغربي ، ج 3 ، ص 92 *** بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج 10 ، ص 147 *** مواقف الشيعة ، الأحمدي الميانجي ، ج 1 ، ص 67 .