بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
الإنسانُ الّذي هوَ مَحَطُّ إهتمامِ الخالقُ عَزَّ و جَلَّ في كُلِّ نواحي وسُبُلُ الوجودِ وعوالمهِ منْ عالمِ النورِ وبدايةِ الخلقِ المتمثلِ بخلق نورِ مُحَمَّدٍ وآل مُحَمَّدٍ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِم أجْمَعِينَ ، عن أبي سلمى عنْ رسولِ اللهِ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في حديث قدسي: ( يَا مُحَمَّدُ إِنِّي خَلَقْتُكَ وَ خَلَقْتُ عَلِيّاً وَ فَاطِمَةَ وَ اَلْحَسَنَ وَ اَلْحُسَيْنَ وَ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ مِنْ شَبَحِ نُورٍ مِنْ نُورِي )، بحارُ الأنوارِ ، ج 27 ، ص، 200 ،هذهِ الرِّوايةُ ورواياتٌ أُخرى تَنُصُّ أنَّهُم كَانوا أنواراً وأرواحاً وأبداناً، يسمعونَ ويعقلونَ، فالرِّواياتُ مِنْهَا مَا يقولُ أنَّ اللهَ تَكَلَّمِ بكَلمَةٍ فصارتْ نوراً فخَلَقَ مِنْهَا النَّبيَّ الأعظمَ، ثُمَّ خلقَ مِنْ نورِهِ عليِّاً، ثُمَّ مِنْ نُورِهِمَا فاطمةَ ثُمَّ الحَسنَ والحسينَ وهكذا.
وبعضُ الرُّواياتِ أنَّ النَّبيَّ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) و عليِّاً منْ نورٍ واحدٍ، وهَيَ كثيرةٌ.
وفي بعضِ الرُّواياتِ أنَّ أصحابَ الكِساءِ منْ نورٍ واحدٍ وشجرةٍ وطينَةٍ واحدةٍ.
وبعضُهَا أنَّ جميعَ الأئمةِ منْ نورٍ واحدٍ.
والقَدَرُ المُتَيَقَّنُ منَ الرِّواياتِ أنَّ اللهَ عَزَّ و جَلَّ خَلَقَهُم منْ نورِ عَظَمتِهِ، أو منْ نورِ كلمتِهِ الصَّادرةُ منْهُ، والخِلافُ في أنَّ الصَّادرَ الأوَّلُ والنُّورَ الأوَّلُ هلْ هوَ النَّبيُّ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وحدَهُ؟ أمْ هو وعليٌّ وفاطمةُ والأئمةُ؟
والّذي يتناسبُ معَ قاعدَةِ أنَّ الواحدَ لَا يَصدُرُ منْهُ إلَّا واحدٌ هو خَلقُ نُورَ النَّبيِّ (صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أولاً، ثُمَّ منْهُ شَعَّتْ الأنوارُ، الَى عَالَمِ الآخرةِ والنُّورِ الأبَديِّ ، هذا الإنسانُ الّذي أرادَهُ اللهُ والجِّنَ لكي يُعرَفُ عَزَّ و جَلَّ ، لقَولِهِ تَعَالَى في الكِتَاب المَجيدِ : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾، سُورَةُ الذَّارياتِ ، الآيات 56-58، و رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ: ( خَرَجَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْماً إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : أَيُّهَا النّاسُ! إِنَّ اللهَ جَــــلَّ ذِكْرُهُ ما خَلَقَ الْعِبــادَ إِلاّ لِيَعْرِفُوهُ، فَإِذا عَرَفُوهُ عَبَدُوهُ، فَـإِذا عَبَدُوهُ اِسْتَغْنَوا بِعِبادَتِهِ عَنْ عِبادَةِ ما سِواهُ )، نزهةُ النَّاظرُ و تنبيهُ الخَاطرُ ، ص80 .
كانَ اللهُ عَزَّ و جَلَّ مخفياً عنِ المَعرفةِ لعدمِ وجودِ عارفٍ، لَا أنَّهُ في ذَاتِهِ مَخفيٌ . فلمَّا أوجدَ الخَلقَ وفيهم منْ شأنِهِ أنْ يعرفَ كالإنسِ والملائكَةِ والجِّنِ وغيرِهِم اصبحَ معروفاً بمَا عرّفَ لَهْم نَفْسَهُ ، ومعَ ذلكَ فمعرفتُهُ سُبحانَهُ درجاتٌ لَا يُحصيهَا إلَّا اللهُ، ومنْهُ يتبيَّنُ أنَّ المَعرِفَةَ تتناسبُ طَردياً معَ الكَمالِ، فكُلَّمَا كانَ المخلوقُ أكملُ في سُلَّمِ الرُّقيِّ الوجودي يكونُ أكثرَ معرفَةً باللهِ تَعالَى منَ الّذينَ هُمْ دونَهُ درجةً .
فلابُدَّ أنْ ينتبهَ هذا الإنسانُ ويُتَرجمَ الإهتمامَ الإلهيَّ إلَى أفعالٍ وأعمالٍ تُشيرُ إلَى أنَّهُ عرفَ مقصودَ الخالقَ فيُكَرسَ حياتَهُ لِغَرَضِ بَيانِ وتَوضيحِ هذا المقصودُ ومنْ هذهِ الأعمالُ والأفعالُ موضوعُ الخيرَ :-
قيلَ والخيرُ ضَربانِ: خيرٌ مُطلقٌ وهوَ أنْ يكونَ مرغوباً فيهِ بِكُلِّ حَالٍ وعندَ كُلِّ أحَدٍ كمَا وصفَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام بهِ اَلْجَنَّةَ فقالَ: ( مَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ اَلنَّارُ وَ مَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ اَلْجَنَّةُ وَ كُلُّ نَعِيمٍ دُونَ اَلْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ وَ كُلُّ بَلاَءٍ دُونَ اَلنَّارِ عَافِيَةٌ )، نهج البلاغة ج1 ص544.
وخيرٌ وشَرٌّ مقيدانِ وهوَ أنْ يكونَ خيراً لواحدٍ شرّاً لآخرِ كالمَالِ الَّذى رُبَمَا يكونُ خيراً لزيدٍ وشرّاً لعمرو، ولِذلكَ وصَفَهُ اللهُ تَعالَى بالأمرينِ فقالَ في موضعٍ :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ ، الآية 180، وقال في موضع آخر : ﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾، سُورَةُ المؤمنونَ ، الآيات 54- 56 ،وقوله تعالى: ﴿ إِن تَرَكَ خَيْرًا﴾، أي إنْ تركَ مالاً.
والخيرُ والشَرُّ يُقالانِ علِى وجهينِ، أحَدُهُمَا: أنْ يكونَا إسمينِ كمَا تَقدمَ وهوَ قولُهُ: ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، سُورَةُ آلِ عُمرانَ ، الآية 104.
والثَّانى: أنْ يكونَا وصفينِ وتقدِيرُهُمَا تقديرُ أفعلُ منْهُ نَحو هذا خيرٌ منْ ذاكَ وأفضلُ وقولُهُ: ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ ، الآية 106،﴿ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا﴾ وقوله: ﴿....وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ، سُورَةُ البَقَرَةِ ، الآية 184، فخيرٌ هَا هنَا يَصحُ أنْ يكونَ إسماً وأنْ يكونَ بِمعنَى أفعلْ ومنْهُ قولُهُ: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ ، سُورَةُ البَقَرَةِ ، الآية 197، تقديره تقدير أفعل منه.
فالخير يقابل به الشر مرة والضر مرة نحو قوله تعالى: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، سُورَةُ الأنعَامِ ، الآية 17، وقوله: ﴿ فِيهِنَّ خَيْرَٰتٌ حِسَانٌ﴾، سُورَةُ الرَّحمانِ، الآية 70،قيل أصْلُهُ خيراتٍ فخفَّفَ، فالخَيراتُ منَ النِّساءِ الخَيِّراتُ، يُقالُ رجلٌ خيِّرٌ وامرأةٌ خَيِّرةٌ وهذا خيرُ الرِجالِ وهذهِ خِيرَةُ النِّساءِ ، والمُرادُ بذلكَ المُختاراتُ أي فيهُنَّ مختاراتٌ لَا رَذِلَّ فيهِنَّ . المفرداتُ في غريبِ القُرانِ، كتابُ الخَاءِ،الراغبُ الأصفهاني .
كلمةُ (الخَيْرَ) لها مَعنى واسعٌ يشملُ كُلَّ نعمةٍ ، كثيرٌ منَ النِّعَمِ مِثلُ العِلمُ والمعرفةُ والتَّقوى والجَّنةُ والسَّعادةُ ليستْ مذمومةٌ، ولَا يَنكرُ عليهَا القرآنُ فقالَ :
﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾، سُورَةُ العَادياتِ، الآية 8،أي إنَّهُ شديدُ الحُبِّ للمالِ والمَتاعِ ، فَسَّرَ الخيرَ في الآيةِ بأنَّهُ (المال)، يَدِلُّ علَى ذلكَ قرينةُ المَقامِ والآيةِ السَّابقةِ، وآياتٍ أُخرَى كقولِهِ سُبحانَهُ: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ ، الآية 180، " الخير " علَى المالِ في الآيةِ يعودُ إلَى أنَّ المالَ في حَدِّ ذاتِهِ شئٌ حسنٌ، ويستطيعُ أنْ يكونَ وسيلةً لأنواعِ الخيراتِ ،لكنَّ الإنسانَ الكنودِ يصرفُهُ عنْ هدفِهِ الأصليِّ، وينفقُهُ في طَريقِ ذاتياتِهِ وأهوائِهِ . الأمثلُ في تفسيرِ كتابِ اللهِ المُنْزَلِ ، ج ٢٠ ، ص ٣٩٩.
وعَلَيْهِ فَإنسانُ الخَيْرِ هو الكريمُ العطوفُ الّذي ينفعُ الآخرينَ ، يَخافُ اللهَ عَزَّ و جَلَّ ولا يَلتَجئ الَى الأعمالِ التَّي تُغضبُ اللهَ ، الغيرُ متعلقٌ قلبُهُ بالدُّنيا وزينَتَهَا ، لا يؤذي جيرانَهُ بلْ يحترمَهُم ويواسي الآخرينَ ، بطئُ الغضبَ سَريعُ الرِّضا ،
كَمَا قالَ رَسولُ اللهِ : ( خَيْرُكُمْ مَنْ دَعَاكُمْ إِلَى فِعْلِ اَلْخَيْرِ خَيْرُكُمْ )، تنبيهُ الخَواطرِ و نزهةُ النواظرِ (مجموعة ورّام) ، ج2 ، ص119.
سُئِلَ أمیرُالمؤمنینَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عَنِ اَلْخَيْرِ مَا هُوَ فَقَالَ : ( لَيْسَ اَلْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَ وَلَدُكَ وَ لَكِنَّ اَلْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَ عَمَلُكَ وَ أَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ وَ أَنْ تُبَاهِيَ اَلنَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اَللَّهَ وَ إِنْ أَسَأْتَ اِسْتَغْفَرْتَ اَللَّهَ وَ لاَ خَيْرَ فِي اَلدُّنْيَا إِلاَّ لِرَجُلَيْنِ رَجُلٍ أَذْنَبَ ذَنْباً فَهُوَ يَتَدَارَكُهَا بِالتَّوْبَةِ وَ رَجُلٍ يُسَارِعُ فِي اَلْخَيْرَاتِ وَ لاَ يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ اَلتَّقْوَى وَ كَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ )، بحار الأنوار ج66 ص409.
قَالَ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( وَإِنَّ خَيْرَ اَلْعِبَادِ مَنْ يَجْتَمِعُ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ إِذَا أَحْسَنَ اِسْتَبْشَرَ وَ إِذَا أَسَاءَ اِسْتَغْفَرَ وَ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ وَ إِذَا اُبْتُلِيَ صَبَرَ وَ إِذَا ظُلِمَ غَفَرَ )، بحار الأنوار ، ج75 ،ص206.