قال ابن الصلاح في مقدمته ص 176
أكثر الصحابة حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو هريرة ،
روي ذلك عن سعيد بن أبي الحسن وأحمد بن حنبل ، وذلك من الظاهر الذي لا يخفي علي حديثي (كذا) وهو أول صاحب حديث ، بلغنا عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال: رأيت أبا هريرة في النوم وانا بسجستان اصنف حديث أبي هريرة فقلت اني لاحبك فقال انا أول صاحب حديث كان في الدنيا . وعن أحمد بن حنبل أيضا رضي الله عنه قال: ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثروا الرواية عنه وعمروا: أبو هريرة ، وابن عمر ، وعائشة ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس وأنس ، وأبو هريرة أكثرهم حديثا ، وحمل عنه الثقات .
انتهى
وقال النووي في شرح صحيح مسلم ج 1 ص 67
ولأبي هريرة رضى الله عنه منقبة عظيمة ، وهى أنه أكثر الصحابة رضى الله عنهم رواية عن رسول الله ص ، وذكر الامام الحافظ بقى بن مخلد الأندلسى في مسنده لأبى هريرة خمسة آلاف حديث وثلثمائة وأربعة وسبعين حديثا (5374)
وليس لأحد من الصحابة رضى الله عنهم هذا القدر ولا ما يقاربه .
انتهى
فمن كان هذا حاله ، فلا بد من دراسة سيرته دراسة معمقة ، لنرى هل هو أهل للاعتماد أم لا ؟
وأول ما يلفت الانتباه ويثير الشك في صدق هذا الرجل ، قصر الفترة الزمنية التي عاشها مع النبي صلى الله عليه وآله ، التي لم تتجاوز على اكثر الأقوال 4 سنوات ... بل هناك من جزم بانه لم يمكث في المدينة سوى سنة وتسعة أشهر فقط ، فكيف تسنى له سماع هذا العدد الهائل الذي تميز به ؟؟؟
قال الشيخ المصري السني المعاصر محمود أبو رية في كتابه "شيخ المضيرة أبو هريرة" ص 63
إقصاء أبى هريرة إلى البحرين ومدة صحبته للنبى صلى الله عليه وآله:
بينا لك من قبل كيف كانت حياة أبى هريرة ، وهو من أهل الصفة بالمدينة ، ولكى تعرف ماذا كانت حياته بعدها ، نسوق إليك نبأ ذلك لكى يتصل الحديث عن حياته كلها بعضه ببعض .
لبث أبو هريرة في الصفة يعانى فيها ما يعانى كما وصف ذلك بلسانه زمنا يبتدئ من شهر صفر سنة 7 ه وهو الشهر الذى وقعت فيه غزوة خيبر - وينتهى إلى شهر ذى القعدة سنة 8 ه ثم انتقل بعد ذلك إلى البحرين وبذلك يكون قد قضى بالمدينة :
سنة واحدة وتسعة أشهر -
لا كما اشتهر بين الجمهور من أنه قضى بالمدينة حياة النبي - ثلاث سنين ! وبعضهم أوصلها إلى أربع سنين ! وإليك قصة ذهابه إلى البحرين وإقامته بها نوردها لك من أوثق المصادر ، وأصح الاسانيد ..... الى ان قال:
ثم شهادته على قدامة عندما شرب الخمر وهو في البحرين ، على رغم ذلك كله وغيره . من الادلة القاطعة ، والقرائن الصحيحة التى تقطع بوجوده في البحرين من يوم أن ذهب مع العلاء بن الحضرمي - يأتي ابن حجر الذى يقولون عنه بأنه أمير المؤمنين في الحديث فيروى من مزاعم أبى هريرة هذا الخبر بغير مناقشة ولا اعتراض ، كأنه من الاخبار الصحيحة كعادتهم في تصديق كل صحابي فيما يرويه مهما كان ، على حين أنه ينادى على نفسه بأنه كذب محض وهذا الخبر هو : " قدمت ورسول الله بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين ، فأقمت معه حتى مات ! ! أدور معه في بيوت نسائه ! وأخدمه - وأغزو معه وأحج فكنت أعلم الناس بحديثه . وهذه المتناقضات وغيرها مما لا نعرض له ، لا نعنى بها ، ولا نلتفت إليها ، وندعها لاصحابها ! وإنما الذى يهمنا ويعنينا ويجعلنا لا نحول وجهنا إلى غيره مهما كان ، ومهما كان قائله - هو إثبات وجود أبى هريرة في البحرين من يوم أن ذهب إليها مع العلاء بن الحضرمي في شهر ذى القعدة سنة 8 ه وأنه ظل هناك ولم يعد إلى المدينة إلا بعد وفاة النبي صلوات الله عليه بسنين طويلة - لكى يتبين للناس كافة مقدار الزمن الصحيح الذى قضاه تحت ظل الصفة بمسجد المدينة في حياة النبي صلى الله عليه وآله ، وهذا الزمن هو عام وتسعة أشهر فقط ، وهذه حقيقة ثابتة لا يستطيع أحد أن يدفعها ، أو يمارى فيها .
ومن كان عنده دليل صحيح يثبت عودته من البحرين إلى المدينة في عهد النبي فليبده ، ونحن لا نجد ما يمنع من تصديقه . أما ما زعمه هو وروته عنه كتب السنة ، من أنه أقام مع النبي حتى مات أو صحب النبي صلى الله عليه وآله حتى مات ! فهذا كله محض افتراء منه وممن رووه عنه . ولا يمكن لعاقل أن يستمع إليه ، أو يعول عليه . اللهم إلا إذا كان قد فقد عقله ومنطقه ....... ثم قال:
ويثبت ما قلناه ثبوتا قاطعا لا ريب فيه أن مدة صحبته للنبى صلى الله عليه وآله كانت من شهر صفر سنة 7 ه إلى ذى القعدة سنة 8 ه لا كما هو مشهور لدى الجمهور من أنه صاحب النبي ثلاث سنين ! أخذا بروايته هو ! ولا بد لنا - لكى نمتلخ عروق الشك فيما أدى إليه بحثنا الذى لم يصل إليه أحد من قبلنا - من أن نقول إن أبا هريرة لم يصاحب النبي صلى الله عليه وآله غير عام وتسعة أشهر ، لان المشهور أنه صاحب النبي ثلاث سنين - ورفعها بعضهم إلى أربع ! ........ الخ
انتهى
ومن أعاجيبه ما رواه الحاكم في المستدرك ج 4 ص 48
حدثنا الشيخ أبو بكر بن اسحاق انبأ على بن الحسين بن الجنيد ( ح ) وحدثنا محمد بن احمد بن سعيد الرازي املاء في الجامع حدثنا أبو زرعة الرازي ( قالا ) ثنا المعافى بن سليمان الحرانى ثنا محمد بن سلمة عن ابى عبد الرحيم عن زيد بن ابى انيسة عن محمد عبد الله بن عمرو بن عثمان عن المطلب بن عبد الله عن ابى هريرة رضى الله عنه قال:
دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة عثمان ، وبيدها مشط ، فقالت خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من عندي آنفا ، رجلت رأسه ، فقال لى كيف تجدين ابا عبد الله ؟ قلت بخير . قال اكرميه فانه من اشبه اصحابي بي خلقا .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ، واهى المتن ، فان رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر ، وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر ، والله اعلم ، وقد كتبناه باسناد آخر .
انتهى
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 578
أبو هريرة ( ع ) الامام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو هريرة الدوسي اليماني .
سيد الحفاظ الاثبات .
اختلف في اسمه على أقوال جمة ; أرجحها : عبدالرحمن بن صخر .
وقيل : ابن غنم .
وقيل : كان اسمه : عبد شمس ، وعبد الله .
وقيل : سكين .
وقيل : عامر .
وقيل : برير .
وقيل : عبد بن غنم .
وقيل : عمرو .
وقيل : سعيد .
وكذا في اسم أبيه أقوال . قال هشام بن الكلبي ...... الى ان قال:
وقد جاع أبو هريرة ، واحتاج ، ولزم المسجد .
ولما هاجر ، كان معه مملوك له ، فهرب منه .
قال ابن سيرين : قال أبو هريرة : لقد رأيتني أصرع بين القبر والمنبر من الجوع ، حتى يقولوا : مجنون !
هشام ، عن محمد ، قال : كنا عند أبي هريرة ، فتمخط ، فمسح بردائه ، وقال : الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان ! لقد رأيتني ، وإني لاخر ليما بين منزل عائشة والمنبر مغشيا علي من الجوع ، فيمر الرجل ، فيجلس على صدري ، فأرفع رأسي فأقول : ليس الذي ترى ، إنما هو الجوع .
قلت : كان يظنه من يراه مصروعا ، فيجلس فوقه ليرقيه ، أو نحو ذلك .
عطاء بن السائب ، عن عامر ، عن أبي هريرة ، قال : كنت في الصفة ، فبعث إلينا رسول الله بتمر عجوة ; فكنا نقرن التمرتين من الجوع ; وكان أحدنا إذا قرن ، يقول لصاحبه : قد قرنت ، فاقرنوا .
عمر بن ذر : حدثنا مجاهد ، عن أبي هريرة ، قال : والله ; إن كنت لاعتمد على الارض من الجوع ، وإن كنت لاشد الحجر على بطني من الجوع ; ولقد قعدت على طريقهم ، فمر بي أبو بكر ، فسألته عن آية في كتاب الله ما أسأله إلا ليستتبعني فمر ، ولم يفعل ، فمر عمر ، فكذلك ، حتى مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرف ما في وجهي من الجوع ، فقال : " أبو هريرة " ؟ ، قلت : لبيك يا رسول الله .
فدخلت معه البيت ، فوجد لبنا في قدح ، فقال : " من أين لكم هذا " ؟
قيل : أرسل به إليك فلان .
فقال : " يا أبا هريرة ، انطلق إلى أهل الصفة ، فادعهم " ، وكان أهل الصفة أضياف الاسلام ، لا أهل ولا مال إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة ، أرسل بها إليهم ، ولم يصب منها شيئا ، وإذا جاءته هدية ، أصاب منها وأشركهم فيها ، فساءني إرساله إياي .
فقلت : كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ، وما هذا اللبن في أهل الصفة ! ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد ، فأتيتهم ، فأقبلوا مجيبين ، فلما جلسوا ، قال : " خذ يا أبا هريرة ، فأعطهم " .
فجعلت أعطي الرجل ، فيشرب حتى يروى ، حتى أتيت على جميعهم ; وناولته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع رأسه إلي متبسما ، وقال : " بقيت أنا وأنت " .
قلت : صدقت يا رسول الله .
قال : " فاشرب " .
فشربت .
فقال : " اشرب " .
فشربت .
فما زال يقول : اشرب ، فأشرب ; حتى قلت : والذي بعثك بالحق ، ما أجد له مساغا .
فأخذ ، فشرب من الفضلة .
ابن شهاب ، عن سعيد ، وأبي سلمة : أن أبا هريرة قال : إنكم تقولون : إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وتقولون : ما للمهاجرين والانصار لا يحدثون مثله ! وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق ، وكان إخواني من الانصار يشغلهم عمل أموالهم ; وكنت امرا مسكينا من مساكين الصفة ، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني ، فأحضر حين يغيبون ، وأعي حين ينسون ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه يوما : " إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي ، ثم يجمع إليه ثوبه ، إلا وأعى ما أقول " .
فبسطت نمرة علي ، حتى إذا قضى مقالته ، جمعتها إلى صدري .
فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شئ .
الزهري أيضا عن الاعرج ، عن أبي هريرة ، قال : تزعمون أني أكثر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ! والله الموعد إني كنت امرأ مسكينا ، أصحب رسول الله على ملء بطني ، وإنه حدثنا يوما ، وقال : " من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي ، ثم قبضه إليه ، لم ينس شيئا سمع مني أبدا " ففعلت .
فوالذي بعثه بالحق ، ما نسيت شيئا سمعته منه . والحديثان صحيحان محفوظان .
أبو الاحوص ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق ، عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبو هريرة وعاء من العلم " .
ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين : فأما أحدهما ، فبثثته في الناس ; وأما الآخر ، فلو بثثته ، لقطع هذا البلعوم .
سعيد بن عبد العزيز ، عن إسماعيل بن عبيدالله ، عن السائب بن يزيد : سمع عمر يقول لابي هريرة : لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لالحقنك بأرض دوس !
وقال لكعب : لتتركن الحديث ، أو لالحقنك بأرض القردة .
يحيى بن أيوب ، عن ابن عجلان : أن أبا هريرة كان يقول : إني لاحدث أحاديث ، لو تكلمت بها في زمن عمر ، لشج رأسي .
قلت : هكذا هو كان عمر رضي الله عنه يقول : أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث ; وهذا مذهب لعمر ولغيره .
فبالله عليك ، إذا كان الاكثار من الحديث في دولة عمر ، كانوا يمنعون منه ، مع صدقهم وعدالتهم وعدم الاسانيد ، بل هو غض لم يشب ; فما ظنك بالاكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الاسانيد ، وكثرة الوهم والغلط ، فبالحري أن نزجر القوم عنه ; فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف ، بل يروون والله الموضوعات والاباطيل ، والمستحيل في الاصول والفروع ، والملاحم والزهد ; نسأل الله العافية .
فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه ، وغر المؤمنين ، فهذا ظالم لنفسه ، جان على السنن والآثار ، يستتاب من ذلك ; فإن أناب وأقصر ، وإلا فهو فاسق ; كفى به إثما أن يحدث بكل ما سمع . وإن هو لم يعلم ، فليتورع ، وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته .
نسأل الله العافية ; فلقد عم البلاء ، وشملت الغفلة ، ودخل الداخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون ; فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام .
قال محمد بن يحيى الذهلي : حدثنا محمد بن عيسى : أخبرنا يزيد بن يوسف ، عن صالح بن أبي الاخضر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : ما كنا نستطيع أن نقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; حتى قبض عمر رضي الله عنه ، كنا نخاف السياط .
محمد بن كناسة الاسدي ، عن إسحاق بن سعيد ، عن أبيه ، قال : دخل أبو هريرة على عائشة ; فقالت له : أكثرت يا أبا هريرة عن رسول الله ! قال : إي والله يا أماه ; ما كانت تشغلني عنه المرأة ، ولا المكحلة ، ولا الدهن . قالت : لعله .
ورواه بشر بن الوليد ، عن إسحاق ، وفيه : ولكني أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثي .
قالت : لعله .
انتهى
قال الشيخ ابو رية بعد أن نقل انكار عمر على كثرة روايات أبي هريرة ص 105
ذلك أن عمر لو كان يعلم - وهو الناقد البصير الذى يعرف منازل الصحابة من النبي صلى الله عليه وآله ومكانتهم من العلم والفضل - أن أبا هريرة من الصفوة الممتازين منهم ، وأنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وآله ويصحبه في غدوه ورواحه ، ولم يفارقه لا في سفر ولا حضر من يوم أن أسلم كما زعم هو وأنصاره ، وأنه قد أتيح له أن يسمع كل ما ينطق به النبي صلى الله عليه وآله ويضبطه ويحفظه ولا يفوته شئ منه - وأنه وحده قد ظفر بنفحات نبوية ملأ بها ثوبه وأجربته لم يظفر بمثلها أحد غيره من الصحابة حتى صارت رواياته بذلك كلها وثيقة ، وأحاديثه متواترة صحيحة ، وأنه مع ذلك من أهل الفقه والبصر بالدين الذين كانوا في عهد النبي وأبى بكر قبله من المفتين الذين يؤخذ برأيهم ، ويصغى إلى أقوالهم ! لو كان عمر يعلم ذلك كله - وأنه قد بلغ هذه المنزلة التى لم يبلغها أحد سواه من الصحابة جميعا - لاباح له الرواية ، ولرضى عنها - بل لكان أولى الناس بأن يتخذه مرجعا علميا ، يرجع إليه فيما يغيب عنه معرفته ، أو يشك فيه من أحاديث الرسول ، فكان - على سبيل المثال - يرجع إليه في حديث الطاعون الذى حيره ! أو يسأله عن حديث فاطمة بنت قيس وحديث الاستئذان الذى سأل عنه أبا موسى الاشعري ، وغير ذلك من الاحاديث التى كان يشك فيها - وهذا أمر يقع كل يوم ، وعلى سبيل المثال كذلك - أين كان أبو هريرة عندما استبهم أمر ميراث الجدة على أبى بكر وأخذ يسأل الناس عنه ! وأين وأين - ولكن من يفهم !
حقا لو كان عمر يعرف لابي هريرة هذه المزايا التى لو كانت صحيحة لاشتهر بها بين الصحابة جميعا ولاصبح بها يشار إليه بينهم بالبنان ، ولذاع اسمه بسبها في كل مكان ، ولكان قد اتقى درة عمر من أن تباشر ظهره ، ولحرص عمر الحرص كله على أحاديثه ولامر بكتابتها ، كما حرص على كتابة القرآن لتبقى بجوار كتاب الله خالدة على وجه الزمان !
وبذلك تكون أحاديث أبى هريرة وحدها موضع ثقة المسلمين جميعا في مشارق الارض ومغاربها على مد العصور - وتأتى منزلتها عندهم بعد منزلة القرآن في اتباعها ، والاخذ بها ، ثم لجعلها علماء النحو من دون أحاديث الصحابة جميعا مما يستشهدون به على اللغة والنحو لانها جاءت - كما يطلبون متواترة في لفظها ومعناها ، وتظل هذه الاحاديث على مدى الاجيال أعظم ثروة أدبية في حقيقة مبناها ، وأجل ذخيرة لغوية ينعم الناس بارتشاف رياها !
وعلى الجملة يكون الكتاب الذى يحمل أحاديث أبى هريرة ، هو الكتاب الثاني - في الصدق - بعد القرآن في الدين والعلم والادب واللغة والبلاغة !
وإذا قلنا إن عمر قد تعنت مع أبى هريرة فمنعه من الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وبالغ في التعنت فضربه بغير حق ليكفحه بلجام درته ! لو قلنا ذلك لكان عمر - ولا ريب ظالما لابي هريرة أي ظلم ، وجانيا على الدين - وعلى من جاء به - أكبر جناية يعاقب عليها يوم القيامة عقابا شديدا !
ولكن الذى يقضى به الدين والعقل والمنطق والتاريخ ، أن عمر لم يفعل ما فعل مع أبى هريرة إلا لانه كان يعلم من أمره ، أنه ليس أهلا لان يكون راوية أمينا صادقا عن النبي صلى الله عليه وآله ولا هو ممن يصح أن يظل ما يرويه باقيا بين المسلمين ، يأخذه الخلف عن السلف بالرضا والقبول .
وما لنا نذهب بعيدا في أمر موقف عمر من أبى هريرة - وهذا الامر مقطوع به ومعروف قبل عمر وأبى بكر ، ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله قد حسمه وقضى فيه بصائب حكمه عندما أقصاه إلى البحرين .
فلو كان صلى الله عليه وآله يعلم في أبى هريرة خيرا لابقاه بجواره بالمدينة لكى يحفظ عنه أحاديثه ثم يبثها من بعده بين المسلمين حتى تظل محفوظة مصونة ، وبذلك يصبح بحق ( راوية الاسلام ) كما خرف وخرق بذلك جماعة من شيوخ الدين واستعلنوا به في آخر الزمان بين العالمين ! وكأن هذا الامر الخطير قد غاب علمه عن السلف الصالح وعمن جاء بعدهم جميعا على مد التاريخ الاسلامي كله فلم يعرفه النبي ولا خلفاؤه ولا أئمة المسلمين جميعا حتى اهتدى إليه هؤلاء الشيوخ في آخر الزمان ! وسبحان واهب العقول ! وسنزيد هذا الامر بيانا عند كلامنا على كتاب عجاج الخطيب في آخر الكتاب .
انتهى
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 67
قال أبو جعفر : وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضى الرواية ، ضربه عمر بالدرة ، وقال : قد أكثرت من الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلى الله عليه ! وروى سفيان الثوري عن منصور ، عن إبراهيم التيمى ، قال : كانوا لا يأخذون عن أبى هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار .
وروى أبو أسامة عن الاعمش ، قال : كان إبراهيم صحيح الحديث ، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه ، فأتيته يوما بأحاديث من حديث أبى صالح عن أبى هريرة ، فقال : دعني من أبى هريرة إنهم كانوا يتركون كثيرا من حديثه .
وقد روى عن على عليه السلام أنه قال : ألا إن أكذب الناس - أو قال : أكذب الاحياء - على رسول الله صلى الله عليه وآله أبو هريرة الدوسى .
وروى أبو يوسف ، قال : قلت لابي حنيفة : الخبر يجئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف قياسنا ما تصنع به ؟ قال : إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأى ، فقلت : ما تقول في رواية أبى بكر وعمر ؟ فقال : ناهيك بهما ! فقلت : على و عثمان ، قال : كذلك ، فلما رأني أعد الصحابة قال : والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ، ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك .
وروى سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عمر بن عبد الغفار ، أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية ، كان يجلس بالعشيات بباب كندة ، ويجلس الناس إليه ، فجاء شاب من الكوفة ، فجلس إليه ، فقال : يا أبا هريرة ، أنشدك الله ، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلى بن أبى طالب : ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) ! فقال : اللهم نعم ، قال : فأشهد بالله ، لقد واليت عدوه ، وعاديت وليه ! ثم قام عنه .
وروت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق ، ويلعب معهم ، وكان يخطب وهو أمير المدينة ، فيقول : الحمد لله الذى جعل الدين قياما ، وأبا هريرة إماما ، يضحك الناس بذلك . وكان يمشى وهو أمير المدينة في السوق ، فإذا انتهى إلى رجل يمشى أمامه ، ضرب برجليه الارض ، ويقول : الطريق الطريق ! قد جاء الامير ! يعنى نفسه .
قلت قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب ، ، المعارف ، ، في ترجمة أبى هريرة ، وقوله فيه حجة لانه غير متهم عليه .
أكثر الصحابة حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو هريرة ،
روي ذلك عن سعيد بن أبي الحسن وأحمد بن حنبل ، وذلك من الظاهر الذي لا يخفي علي حديثي (كذا) وهو أول صاحب حديث ، بلغنا عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال: رأيت أبا هريرة في النوم وانا بسجستان اصنف حديث أبي هريرة فقلت اني لاحبك فقال انا أول صاحب حديث كان في الدنيا . وعن أحمد بن حنبل أيضا رضي الله عنه قال: ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثروا الرواية عنه وعمروا: أبو هريرة ، وابن عمر ، وعائشة ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس وأنس ، وأبو هريرة أكثرهم حديثا ، وحمل عنه الثقات .
انتهى
وقال النووي في شرح صحيح مسلم ج 1 ص 67
ولأبي هريرة رضى الله عنه منقبة عظيمة ، وهى أنه أكثر الصحابة رضى الله عنهم رواية عن رسول الله ص ، وذكر الامام الحافظ بقى بن مخلد الأندلسى في مسنده لأبى هريرة خمسة آلاف حديث وثلثمائة وأربعة وسبعين حديثا (5374)
وليس لأحد من الصحابة رضى الله عنهم هذا القدر ولا ما يقاربه .
انتهى
فمن كان هذا حاله ، فلا بد من دراسة سيرته دراسة معمقة ، لنرى هل هو أهل للاعتماد أم لا ؟
وأول ما يلفت الانتباه ويثير الشك في صدق هذا الرجل ، قصر الفترة الزمنية التي عاشها مع النبي صلى الله عليه وآله ، التي لم تتجاوز على اكثر الأقوال 4 سنوات ... بل هناك من جزم بانه لم يمكث في المدينة سوى سنة وتسعة أشهر فقط ، فكيف تسنى له سماع هذا العدد الهائل الذي تميز به ؟؟؟
قال الشيخ المصري السني المعاصر محمود أبو رية في كتابه "شيخ المضيرة أبو هريرة" ص 63
إقصاء أبى هريرة إلى البحرين ومدة صحبته للنبى صلى الله عليه وآله:
بينا لك من قبل كيف كانت حياة أبى هريرة ، وهو من أهل الصفة بالمدينة ، ولكى تعرف ماذا كانت حياته بعدها ، نسوق إليك نبأ ذلك لكى يتصل الحديث عن حياته كلها بعضه ببعض .
لبث أبو هريرة في الصفة يعانى فيها ما يعانى كما وصف ذلك بلسانه زمنا يبتدئ من شهر صفر سنة 7 ه وهو الشهر الذى وقعت فيه غزوة خيبر - وينتهى إلى شهر ذى القعدة سنة 8 ه ثم انتقل بعد ذلك إلى البحرين وبذلك يكون قد قضى بالمدينة :
سنة واحدة وتسعة أشهر -
لا كما اشتهر بين الجمهور من أنه قضى بالمدينة حياة النبي - ثلاث سنين ! وبعضهم أوصلها إلى أربع سنين ! وإليك قصة ذهابه إلى البحرين وإقامته بها نوردها لك من أوثق المصادر ، وأصح الاسانيد ..... الى ان قال:
ثم شهادته على قدامة عندما شرب الخمر وهو في البحرين ، على رغم ذلك كله وغيره . من الادلة القاطعة ، والقرائن الصحيحة التى تقطع بوجوده في البحرين من يوم أن ذهب مع العلاء بن الحضرمي - يأتي ابن حجر الذى يقولون عنه بأنه أمير المؤمنين في الحديث فيروى من مزاعم أبى هريرة هذا الخبر بغير مناقشة ولا اعتراض ، كأنه من الاخبار الصحيحة كعادتهم في تصديق كل صحابي فيما يرويه مهما كان ، على حين أنه ينادى على نفسه بأنه كذب محض وهذا الخبر هو : " قدمت ورسول الله بخيبر وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين ، فأقمت معه حتى مات ! ! أدور معه في بيوت نسائه ! وأخدمه - وأغزو معه وأحج فكنت أعلم الناس بحديثه . وهذه المتناقضات وغيرها مما لا نعرض له ، لا نعنى بها ، ولا نلتفت إليها ، وندعها لاصحابها ! وإنما الذى يهمنا ويعنينا ويجعلنا لا نحول وجهنا إلى غيره مهما كان ، ومهما كان قائله - هو إثبات وجود أبى هريرة في البحرين من يوم أن ذهب إليها مع العلاء بن الحضرمي في شهر ذى القعدة سنة 8 ه وأنه ظل هناك ولم يعد إلى المدينة إلا بعد وفاة النبي صلوات الله عليه بسنين طويلة - لكى يتبين للناس كافة مقدار الزمن الصحيح الذى قضاه تحت ظل الصفة بمسجد المدينة في حياة النبي صلى الله عليه وآله ، وهذا الزمن هو عام وتسعة أشهر فقط ، وهذه حقيقة ثابتة لا يستطيع أحد أن يدفعها ، أو يمارى فيها .
ومن كان عنده دليل صحيح يثبت عودته من البحرين إلى المدينة في عهد النبي فليبده ، ونحن لا نجد ما يمنع من تصديقه . أما ما زعمه هو وروته عنه كتب السنة ، من أنه أقام مع النبي حتى مات أو صحب النبي صلى الله عليه وآله حتى مات ! فهذا كله محض افتراء منه وممن رووه عنه . ولا يمكن لعاقل أن يستمع إليه ، أو يعول عليه . اللهم إلا إذا كان قد فقد عقله ومنطقه ....... ثم قال:
ويثبت ما قلناه ثبوتا قاطعا لا ريب فيه أن مدة صحبته للنبى صلى الله عليه وآله كانت من شهر صفر سنة 7 ه إلى ذى القعدة سنة 8 ه لا كما هو مشهور لدى الجمهور من أنه صاحب النبي ثلاث سنين ! أخذا بروايته هو ! ولا بد لنا - لكى نمتلخ عروق الشك فيما أدى إليه بحثنا الذى لم يصل إليه أحد من قبلنا - من أن نقول إن أبا هريرة لم يصاحب النبي صلى الله عليه وآله غير عام وتسعة أشهر ، لان المشهور أنه صاحب النبي ثلاث سنين - ورفعها بعضهم إلى أربع ! ........ الخ
انتهى
ومن أعاجيبه ما رواه الحاكم في المستدرك ج 4 ص 48
حدثنا الشيخ أبو بكر بن اسحاق انبأ على بن الحسين بن الجنيد ( ح ) وحدثنا محمد بن احمد بن سعيد الرازي املاء في الجامع حدثنا أبو زرعة الرازي ( قالا ) ثنا المعافى بن سليمان الحرانى ثنا محمد بن سلمة عن ابى عبد الرحيم عن زيد بن ابى انيسة عن محمد عبد الله بن عمرو بن عثمان عن المطلب بن عبد الله عن ابى هريرة رضى الله عنه قال:
دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة عثمان ، وبيدها مشط ، فقالت خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من عندي آنفا ، رجلت رأسه ، فقال لى كيف تجدين ابا عبد الله ؟ قلت بخير . قال اكرميه فانه من اشبه اصحابي بي خلقا .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ، واهى المتن ، فان رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر ، وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر ، والله اعلم ، وقد كتبناه باسناد آخر .
انتهى
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 578
أبو هريرة ( ع ) الامام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو هريرة الدوسي اليماني .
سيد الحفاظ الاثبات .
اختلف في اسمه على أقوال جمة ; أرجحها : عبدالرحمن بن صخر .
وقيل : ابن غنم .
وقيل : كان اسمه : عبد شمس ، وعبد الله .
وقيل : سكين .
وقيل : عامر .
وقيل : برير .
وقيل : عبد بن غنم .
وقيل : عمرو .
وقيل : سعيد .
وكذا في اسم أبيه أقوال . قال هشام بن الكلبي ...... الى ان قال:
وقد جاع أبو هريرة ، واحتاج ، ولزم المسجد .
ولما هاجر ، كان معه مملوك له ، فهرب منه .
قال ابن سيرين : قال أبو هريرة : لقد رأيتني أصرع بين القبر والمنبر من الجوع ، حتى يقولوا : مجنون !
هشام ، عن محمد ، قال : كنا عند أبي هريرة ، فتمخط ، فمسح بردائه ، وقال : الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان ! لقد رأيتني ، وإني لاخر ليما بين منزل عائشة والمنبر مغشيا علي من الجوع ، فيمر الرجل ، فيجلس على صدري ، فأرفع رأسي فأقول : ليس الذي ترى ، إنما هو الجوع .
قلت : كان يظنه من يراه مصروعا ، فيجلس فوقه ليرقيه ، أو نحو ذلك .
عطاء بن السائب ، عن عامر ، عن أبي هريرة ، قال : كنت في الصفة ، فبعث إلينا رسول الله بتمر عجوة ; فكنا نقرن التمرتين من الجوع ; وكان أحدنا إذا قرن ، يقول لصاحبه : قد قرنت ، فاقرنوا .
عمر بن ذر : حدثنا مجاهد ، عن أبي هريرة ، قال : والله ; إن كنت لاعتمد على الارض من الجوع ، وإن كنت لاشد الحجر على بطني من الجوع ; ولقد قعدت على طريقهم ، فمر بي أبو بكر ، فسألته عن آية في كتاب الله ما أسأله إلا ليستتبعني فمر ، ولم يفعل ، فمر عمر ، فكذلك ، حتى مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرف ما في وجهي من الجوع ، فقال : " أبو هريرة " ؟ ، قلت : لبيك يا رسول الله .
فدخلت معه البيت ، فوجد لبنا في قدح ، فقال : " من أين لكم هذا " ؟
قيل : أرسل به إليك فلان .
فقال : " يا أبا هريرة ، انطلق إلى أهل الصفة ، فادعهم " ، وكان أهل الصفة أضياف الاسلام ، لا أهل ولا مال إذا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة ، أرسل بها إليهم ، ولم يصب منها شيئا ، وإذا جاءته هدية ، أصاب منها وأشركهم فيها ، فساءني إرساله إياي .
فقلت : كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ، وما هذا اللبن في أهل الصفة ! ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد ، فأتيتهم ، فأقبلوا مجيبين ، فلما جلسوا ، قال : " خذ يا أبا هريرة ، فأعطهم " .
فجعلت أعطي الرجل ، فيشرب حتى يروى ، حتى أتيت على جميعهم ; وناولته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع رأسه إلي متبسما ، وقال : " بقيت أنا وأنت " .
قلت : صدقت يا رسول الله .
قال : " فاشرب " .
فشربت .
فقال : " اشرب " .
فشربت .
فما زال يقول : اشرب ، فأشرب ; حتى قلت : والذي بعثك بالحق ، ما أجد له مساغا .
فأخذ ، فشرب من الفضلة .
ابن شهاب ، عن سعيد ، وأبي سلمة : أن أبا هريرة قال : إنكم تقولون : إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وتقولون : ما للمهاجرين والانصار لا يحدثون مثله ! وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق ، وكان إخواني من الانصار يشغلهم عمل أموالهم ; وكنت امرا مسكينا من مساكين الصفة ، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني ، فأحضر حين يغيبون ، وأعي حين ينسون ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه يوما : " إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي ، ثم يجمع إليه ثوبه ، إلا وأعى ما أقول " .
فبسطت نمرة علي ، حتى إذا قضى مقالته ، جمعتها إلى صدري .
فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شئ .
الزهري أيضا عن الاعرج ، عن أبي هريرة ، قال : تزعمون أني أكثر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ! والله الموعد إني كنت امرأ مسكينا ، أصحب رسول الله على ملء بطني ، وإنه حدثنا يوما ، وقال : " من يبسط ثوبه حتى أقضي مقالتي ، ثم قبضه إليه ، لم ينس شيئا سمع مني أبدا " ففعلت .
فوالذي بعثه بالحق ، ما نسيت شيئا سمعته منه . والحديثان صحيحان محفوظان .
أبو الاحوص ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق ، عن أبي سعيد الخدري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبو هريرة وعاء من العلم " .
ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين : فأما أحدهما ، فبثثته في الناس ; وأما الآخر ، فلو بثثته ، لقطع هذا البلعوم .
سعيد بن عبد العزيز ، عن إسماعيل بن عبيدالله ، عن السائب بن يزيد : سمع عمر يقول لابي هريرة : لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لالحقنك بأرض دوس !
وقال لكعب : لتتركن الحديث ، أو لالحقنك بأرض القردة .
يحيى بن أيوب ، عن ابن عجلان : أن أبا هريرة كان يقول : إني لاحدث أحاديث ، لو تكلمت بها في زمن عمر ، لشج رأسي .
قلت : هكذا هو كان عمر رضي الله عنه يقول : أقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وزجر غير واحد من الصحابة عن بث الحديث ; وهذا مذهب لعمر ولغيره .
فبالله عليك ، إذا كان الاكثار من الحديث في دولة عمر ، كانوا يمنعون منه ، مع صدقهم وعدالتهم وعدم الاسانيد ، بل هو غض لم يشب ; فما ظنك بالاكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الاسانيد ، وكثرة الوهم والغلط ، فبالحري أن نزجر القوم عنه ; فيا ليتهم يقتصرون على رواية الغريب والضعيف ، بل يروون والله الموضوعات والاباطيل ، والمستحيل في الاصول والفروع ، والملاحم والزهد ; نسأل الله العافية .
فمن روى ذلك مع علمه ببطلانه ، وغر المؤمنين ، فهذا ظالم لنفسه ، جان على السنن والآثار ، يستتاب من ذلك ; فإن أناب وأقصر ، وإلا فهو فاسق ; كفى به إثما أن يحدث بكل ما سمع . وإن هو لم يعلم ، فليتورع ، وليستعن بمن يعينه على تنقية مروياته .
نسأل الله العافية ; فلقد عم البلاء ، وشملت الغفلة ، ودخل الداخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون ; فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام .
قال محمد بن يحيى الذهلي : حدثنا محمد بن عيسى : أخبرنا يزيد بن يوسف ، عن صالح بن أبي الاخضر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : ما كنا نستطيع أن نقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; حتى قبض عمر رضي الله عنه ، كنا نخاف السياط .
محمد بن كناسة الاسدي ، عن إسحاق بن سعيد ، عن أبيه ، قال : دخل أبو هريرة على عائشة ; فقالت له : أكثرت يا أبا هريرة عن رسول الله ! قال : إي والله يا أماه ; ما كانت تشغلني عنه المرأة ، ولا المكحلة ، ولا الدهن . قالت : لعله .
ورواه بشر بن الوليد ، عن إسحاق ، وفيه : ولكني أرى ذلك شغلك عما استكثرت من حديثي .
قالت : لعله .
انتهى
قال الشيخ ابو رية بعد أن نقل انكار عمر على كثرة روايات أبي هريرة ص 105
ذلك أن عمر لو كان يعلم - وهو الناقد البصير الذى يعرف منازل الصحابة من النبي صلى الله عليه وآله ومكانتهم من العلم والفضل - أن أبا هريرة من الصفوة الممتازين منهم ، وأنه كان يلازم النبي صلى الله عليه وآله ويصحبه في غدوه ورواحه ، ولم يفارقه لا في سفر ولا حضر من يوم أن أسلم كما زعم هو وأنصاره ، وأنه قد أتيح له أن يسمع كل ما ينطق به النبي صلى الله عليه وآله ويضبطه ويحفظه ولا يفوته شئ منه - وأنه وحده قد ظفر بنفحات نبوية ملأ بها ثوبه وأجربته لم يظفر بمثلها أحد غيره من الصحابة حتى صارت رواياته بذلك كلها وثيقة ، وأحاديثه متواترة صحيحة ، وأنه مع ذلك من أهل الفقه والبصر بالدين الذين كانوا في عهد النبي وأبى بكر قبله من المفتين الذين يؤخذ برأيهم ، ويصغى إلى أقوالهم ! لو كان عمر يعلم ذلك كله - وأنه قد بلغ هذه المنزلة التى لم يبلغها أحد سواه من الصحابة جميعا - لاباح له الرواية ، ولرضى عنها - بل لكان أولى الناس بأن يتخذه مرجعا علميا ، يرجع إليه فيما يغيب عنه معرفته ، أو يشك فيه من أحاديث الرسول ، فكان - على سبيل المثال - يرجع إليه في حديث الطاعون الذى حيره ! أو يسأله عن حديث فاطمة بنت قيس وحديث الاستئذان الذى سأل عنه أبا موسى الاشعري ، وغير ذلك من الاحاديث التى كان يشك فيها - وهذا أمر يقع كل يوم ، وعلى سبيل المثال كذلك - أين كان أبو هريرة عندما استبهم أمر ميراث الجدة على أبى بكر وأخذ يسأل الناس عنه ! وأين وأين - ولكن من يفهم !
حقا لو كان عمر يعرف لابي هريرة هذه المزايا التى لو كانت صحيحة لاشتهر بها بين الصحابة جميعا ولاصبح بها يشار إليه بينهم بالبنان ، ولذاع اسمه بسبها في كل مكان ، ولكان قد اتقى درة عمر من أن تباشر ظهره ، ولحرص عمر الحرص كله على أحاديثه ولامر بكتابتها ، كما حرص على كتابة القرآن لتبقى بجوار كتاب الله خالدة على وجه الزمان !
وبذلك تكون أحاديث أبى هريرة وحدها موضع ثقة المسلمين جميعا في مشارق الارض ومغاربها على مد العصور - وتأتى منزلتها عندهم بعد منزلة القرآن في اتباعها ، والاخذ بها ، ثم لجعلها علماء النحو من دون أحاديث الصحابة جميعا مما يستشهدون به على اللغة والنحو لانها جاءت - كما يطلبون متواترة في لفظها ومعناها ، وتظل هذه الاحاديث على مدى الاجيال أعظم ثروة أدبية في حقيقة مبناها ، وأجل ذخيرة لغوية ينعم الناس بارتشاف رياها !
وعلى الجملة يكون الكتاب الذى يحمل أحاديث أبى هريرة ، هو الكتاب الثاني - في الصدق - بعد القرآن في الدين والعلم والادب واللغة والبلاغة !
وإذا قلنا إن عمر قد تعنت مع أبى هريرة فمنعه من الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وبالغ في التعنت فضربه بغير حق ليكفحه بلجام درته ! لو قلنا ذلك لكان عمر - ولا ريب ظالما لابي هريرة أي ظلم ، وجانيا على الدين - وعلى من جاء به - أكبر جناية يعاقب عليها يوم القيامة عقابا شديدا !
ولكن الذى يقضى به الدين والعقل والمنطق والتاريخ ، أن عمر لم يفعل ما فعل مع أبى هريرة إلا لانه كان يعلم من أمره ، أنه ليس أهلا لان يكون راوية أمينا صادقا عن النبي صلى الله عليه وآله ولا هو ممن يصح أن يظل ما يرويه باقيا بين المسلمين ، يأخذه الخلف عن السلف بالرضا والقبول .
وما لنا نذهب بعيدا في أمر موقف عمر من أبى هريرة - وهذا الامر مقطوع به ومعروف قبل عمر وأبى بكر ، ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله قد حسمه وقضى فيه بصائب حكمه عندما أقصاه إلى البحرين .
فلو كان صلى الله عليه وآله يعلم في أبى هريرة خيرا لابقاه بجواره بالمدينة لكى يحفظ عنه أحاديثه ثم يبثها من بعده بين المسلمين حتى تظل محفوظة مصونة ، وبذلك يصبح بحق ( راوية الاسلام ) كما خرف وخرق بذلك جماعة من شيوخ الدين واستعلنوا به في آخر الزمان بين العالمين ! وكأن هذا الامر الخطير قد غاب علمه عن السلف الصالح وعمن جاء بعدهم جميعا على مد التاريخ الاسلامي كله فلم يعرفه النبي ولا خلفاؤه ولا أئمة المسلمين جميعا حتى اهتدى إليه هؤلاء الشيوخ في آخر الزمان ! وسبحان واهب العقول ! وسنزيد هذا الامر بيانا عند كلامنا على كتاب عجاج الخطيب في آخر الكتاب .
انتهى
وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 67
قال أبو جعفر : وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضى الرواية ، ضربه عمر بالدرة ، وقال : قد أكثرت من الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلى الله عليه ! وروى سفيان الثوري عن منصور ، عن إبراهيم التيمى ، قال : كانوا لا يأخذون عن أبى هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار .
وروى أبو أسامة عن الاعمش ، قال : كان إبراهيم صحيح الحديث ، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه ، فأتيته يوما بأحاديث من حديث أبى صالح عن أبى هريرة ، فقال : دعني من أبى هريرة إنهم كانوا يتركون كثيرا من حديثه .
وقد روى عن على عليه السلام أنه قال : ألا إن أكذب الناس - أو قال : أكذب الاحياء - على رسول الله صلى الله عليه وآله أبو هريرة الدوسى .
وروى أبو يوسف ، قال : قلت لابي حنيفة : الخبر يجئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف قياسنا ما تصنع به ؟ قال : إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأى ، فقلت : ما تقول في رواية أبى بكر وعمر ؟ فقال : ناهيك بهما ! فقلت : على و عثمان ، قال : كذلك ، فلما رأني أعد الصحابة قال : والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ، ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك .
وروى سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عمر بن عبد الغفار ، أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية ، كان يجلس بالعشيات بباب كندة ، ويجلس الناس إليه ، فجاء شاب من الكوفة ، فجلس إليه ، فقال : يا أبا هريرة ، أنشدك الله ، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلى بن أبى طالب : ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) ! فقال : اللهم نعم ، قال : فأشهد بالله ، لقد واليت عدوه ، وعاديت وليه ! ثم قام عنه .
وروت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق ، ويلعب معهم ، وكان يخطب وهو أمير المدينة ، فيقول : الحمد لله الذى جعل الدين قياما ، وأبا هريرة إماما ، يضحك الناس بذلك . وكان يمشى وهو أمير المدينة في السوق ، فإذا انتهى إلى رجل يمشى أمامه ، ضرب برجليه الارض ، ويقول : الطريق الطريق ! قد جاء الامير ! يعنى نفسه .
قلت قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب ، ، المعارف ، ، في ترجمة أبى هريرة ، وقوله فيه حجة لانه غير متهم عليه .