اللهم صل على محمد وآل محمد
ونحن نحتفل بعيد الولاية الحقة هناك ثلاث نقاط جديرة بالتوقف عندها والتذكير بها .
أولى هذه النقاط :
أنّه عادة ما يُعترض علينا ، أنّه ما ثمرة إستذكار خلاف مرّ عليه ما يزيد على الألف والأربعمئة سنة ، وأنّه هل بلّغَ الرسول الأكرم عن الله سبحانه إمامة أمير المؤمنين او لم يُبَلِّغ ؟!
ف ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) !
وجواب ذلك :
أنّ المسألة لا تتوقف عند ذلك التاريخ فحسب ، بل المسألة كل المسألة أنّنا نريد أنْ نعرف الآن أنّه عمّن نأخذ ديننا ، فنحن لم نعاصر الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلَّم ) ولم نسمع منه ما نبّه عليه من تصحيح للعقائد السائدة ، ولا ما بَلّغ به من شريعة حَقّة .
إنّما لنا اليه ( صلى الله عليه وآله وسلَّم ) طريقان :
الأول : ما ينقله كل صحابي ولو كان من أمثال عمرو بن العاص ومروان بن الحكم ومعاوية بن أبي سفيان وسمرة بن جندب وابن المغيرة ، وأمثال هذه النماذج !
من الذين يشملهم قول الله سبحانه في كتابه الكريم :
( فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ ) [ التوبة : 77 ] .
وأيضاً : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ) [ التوبة : 80 ] .
وايضاً : ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ * وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ ) [ التوبة : 84 - 85 ] .
فهذه الآيات صريحة في أنَّ بعض مَن يحسبونهم من الصحابة قد ماتوا على الكفر مع كونهم كانوا يتمظهرون بالإسلام .
فالآية الأولى عبّرت ب ( إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ) ، والآية الثالثة عبّرت ب ( وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ ) ، وايضاً : ( وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ ) .
وهذه التعابير تأبى القول أنّه سبحانه قد رضي عنهم بعد ذلك .
وبهذه الآيات يتبين المراد من قوله تعالى :
( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [ التوبة : 100 ]
اذ المراد ليس ما يتبجح به أصحاب نظرية عدالة جميع الصحابة ، إنّما المراد فئة من المهاجرين والأنصار ، ممَن صدقوا ما عاهدوا الله عليه كسلمان المحمدي وأبي ذر وعمار وأمثالهم ، وهم مَن عرفوا بشيعة عليٍّ ( عليه السلام ) .
بقرينة أنَّ الآيات السابقة تحدثت عن الكفار والمنافقين ، والمنافقون كانوا في صفوف المسلمين ، وبعضهم - لمصلحة ما - قد أخفى الله حقيقته حتى على الرسول
يقول تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ ) [ التوبة : 101 ] .
فبعد أنْ تحدثت الآيات الكريمة عن فئتين من الناس ، هم الكفار والمنافقين ، تحدثت عن فئة ثالثة من المهاجرين والأنصار ، وقالت أنَّ هؤلاء قد رضى الله سبحانه عنهم ورضوا عنه .
ولا دلالة في الآية المباركة على أنّ جميع الصحابة قد رضي الله سبحانه عنهم .
بل حتى لو تنزلنا عن ذلك وقلنا أنّه سبحانه قد رضي وغفر لجميع الصحابة فهذا لا يعني عدالتهم وتصحيح أعمالهم حينما كانوا فُسّاقاً ليكون نقلهم عن رسول الله حجة .
فكونهم قد غُفر لهم شيئ ، وأنّهم كانوا عدولاً ، وأنَّ نقلهم عن الرسول حجة شيئ آخر .
الطريق الثاني : هم آل بيت النبوة وبعض الصحابة ممَن لم تُدَنس الدنيا فطرتهم .
ولو تركنا كل أحاديث الرسول الصريحة في إبلاغ المسلمين بإمامة أمير المؤمنين ، كالغدير والثقلين والدار وأمثال ذلك ، وقرأنا تاريخ الرجال ، تاريخ رجال الطريق الأول ، وتاريخ عليِّ وأتباعه ، لَما كان يصح من منصف أنْ يُقَدّم غير عليٍّ عليه ، ولا يصح لمَن يريد الدين الحق أنْ يأخذه من عمرو بن العاص ومروان وسمرة بن جندب وأمثالهم ، كما يُقرّ بذلك بعض المنصفين من علماء أهل السُنّة .
لذا فالقضية ليست بحثاً مُعَلَّقاً على التاريخ ، إنّما هي بحث إبتلائي منذ رحيل الرسول الأكرم وسيستمر الى يوم القيامة ؛ اذ القضية كل القضية أنَّ ديننا عمَّن نأخذه .
وبهذه الصيغة لطرح القضية لا يبقى معنىً للإشكال بأنَّ تلك أمة قد خلت .
هذه نقطة .
أمّا ثاني هذه النقاط فهي :
أنَّ الخلاف بيننا وبين أخوتنا من مدرسة الخلفاء ليس في مصداق الخليفة بعد الرسول ، وأنّه هل هو أمير المؤمنين او هو ( ابو بكر ) فحسب .
فهذا إشتباه ، بل نحن نختلف معهم حتى في أصل معنى الخلافة ، فهم يرون أنَّ الخلافة ليست أكثر من قيادة سياسية ، بينما نحن نراها إمامة للدين والدنيا .
هم لا يروَن أنَّ أبا بكر إمام في الدين ، إنّما هو مجرد قائد سياسي لتمشية أمور الناس ، وأمّا الإمامة الدينية فهي ليست من شأنه ، لذلك ففي أوقات الحاجة وعندما يواجهون معضلة يضطرون للّجوء لأمير المؤمنين .
بعبارة : أنّهم فصلوا بين الدين والسياسة ، فالدين عندما تواجههم فيه معضلة ما فجوابها الشافي عند أبي الحسن ؛ لذلك قال الثاني : " لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها ابو الحسن " ،
ولكن أبا الحسن هذا الذي نصّت عليه السماء لا يصلح للقيادة السياسية !
لتبريرات سخيفة ، منها : أنَّ قريش أبت أنْ تجمع لبني هاشم النبوة والخلافة !
الله سبحانه يريد ، ويُقَدَّم رفض قريش !!
هذا ما عليه المدرسة الأخرى .
وعلى تفسيرهم هذا للخلافة فالإنصاف أنَّ أمر الخلافة لن يكون من أصول الدين ، بل هو فرع من الفروع ، اذ سيكون البحث حينها أنّه هل يصح للأمة أنْ تختار مَن تريده لقيادتها السياسية أو لا ! والبحث عن الصحة وعدمها والجواز من عدمه حكم شرعي وهو كأي فرع من الفروع .
بينما على وفق المعنى الحق للإمامة والخلافة وأنّها إمتداد للرسالة فهي من أصول الدين ، لأننا نرى أنَّ ( 23 ) سنة ، فترة تواجد الرسول كنبي في الأمة ، ( 13 ) سنة منها قبل الهجرة لم تثنَ له فيها الوسادة ، و العشر المتبقية كانت مليئة بالحروب ، هذه الفترة القليلة جداً لا تكفي لترسيخ قيم الإسلام في النفوس ، مع علمنا بأنّ كثير من المسلمين لم يكونوا آذاناً صاغية واعية لتلك القيم ؛ لذلك فالحاجة الى تطبيق معصوم تكون من الضرورة بمكان ، وبهذا المعنى فقط تكون الإمامة أصلاً من أصول الدين لأنّها حينئذ تكون إمتداداً للرسالة ولكن من دون وحي .
وبعبارة :
وفق مدرسة أهل البيت الأصل هو الإمامة الدينية ، وأمّا القيادة السياسية فهي شأن من شؤون تلك الإمامة .
بمعنى : أنّه مع وجود إمام معصوم منصوص عليه ، فهو القائد الواجب الإتباع دينياً وسياسياً ، فإنْ شاء التصدي مباشرة لكلا الأمرين فله ذلك ، وإنْ شاء أنْ ينيب عنه في إدارة الحكم الثقة المأمون فله ذلك ايضاً .
على أنّنا نعبر بذلك لمزيد من التوضيح ، وإلّا فلا إثنينية ، فالسياسة - التي هي بمعنى سياسة أمور الناس وإدارة شؤونهم - هي من الدين ايضاً .
ولا يصح لأيٍّ كان أنْ يتقدم بخطوة او يتأخر لا في التصدي السياسي ولا في غيره إلّا بالرجوع للإمام ، كما كان حاصلاً في زمن رسول الله .
وثالث هذه النقاط :
مدرسة الخلفاء قالت ولم تزل : أنَّ الرسول لم يوصِ لأحد ؛ لأنّه ترك الأمر شورى للأمة ، فهي أمة رشيدة قادرة على أنْ تختار لنفسها !
ونقول : اذا أغمضنا النظر عن كل الآيات والروايات ، وكل الأدلة الأخرى ، فلو كان الأمر كذلك ، وأنَّه لم تكن هناك حاجة لتنصيب النبي لشخص من بعده !
لو كان ذلك واقعياً ، فلماذا أوصى الأول للثاني ؟!
ولماذا أوصى الثاني لستة ، جعل أحدهم أمير المؤمنين ، وهو أمر أوجع قلبه كثيراً سلام الله عليه ، اذ يقول في ذلك في خطبته الشِّقشِقيّة :
( مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ ) .
فلو كانت نظرية أنَّ الرسول لم يوصِ لأحدٍّ صحيحة ، فلماذا أوصى الأولان لغيرهم ، ولم يتركوا الأمر شورى في الأمّة ، في الوقت الذي يُفترض أنَّ تلك الأمّة قد إزدادت تجربة وخبرة ورشداً !
أم انّهما أكثر إهتماماً وحرصاً من رسول الله على مصير الرسالة ؟!
سلام الله عليك أبا الحسن ، يوم ولدت ويوم ظُلمتَ وظُلمتْ الأمة بحرمانها من قيادتك لها ، ويوم ستقف - بين يدي رب عادل - مع مَن ظلمك وظلم الأمة بإستبعادك ولم يزل ، بل لم تزل تُظلَم حتى من كثير ممَن يدّعون أنّهم من أتّْباعك وهم أبعد ما يكونون عن منهجك .
----------
منقول