بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حظي القرآن الكريم بمكانة كبرى عند المسلمين لم يحظ بها أي كتاب آخر سواه . فمنذ نزوله أحبّه المسلمون وتلو منه ما تيسر لهم ناء الليل ، وأطراف النهار ، حتى حفظوا آياته ، وفهموا معانيه ، واعتنوا بتفسيره واستجلاء مقاصده .
لقد اكتشف المسلمون ولا سيما في الجزيرة العربية ان القرآن هو الأفضل من بين جميع الكتب المنزلة وغير المنزلة وافتخروا به أشد افتخار فهو المستجمع لجميع عناصر الروحانية والجمال ، وهو الذي أوجد منهم أمة عظيمة الشأن ، منيعة الجانب ، سامية الحضارة ، محترمة بين الشعوب والأمم ، بما أعطاهم من شخصية ، وسمو في الذات والمعنى .
غير أن القرآن الكريم حظي عند أهل البيت ( عليهم السلام ) بدءاً من الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ومروراً بفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ثم الحسنين والأئمة التسعة من ولد الحسين ( عليهم السلام ) بمكانة أكبر ، ومنزلة أسمى فاقت ما حظي به هذا الكتاب العظيم من المكانة والمنزلة عند غيرهم من المسلمين .
أهمية القرآن الكريم عند أهل البيت
فهذا أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) يقول في شأن القرآن موجهاً أنظار المسلمين إلى أهمية هذا الكتاب : ( الله الله أيها الناس فيما استحفظكم من كتابه ) .
وقال في هذا المجال أيضاً : ( عليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والري النافع ، والعصمة للمتمسك ، والنجاة للمتعلق ، لا يعوَج فيقام ، ولا يزيغ فيستعتب ) .
وهذا الإمام سيد الساجدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقول عن القرآن الكريم : ( لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت ، بعد أن يكون القرآن معي ) .
ولم يكن هذا بالأمر الغريب فهم قرناء الكتاب حسب حديث ( الثقلين ) المتواتر ، وهما معاً يشكلان المصدرين الأساسين للثقافة الإسلامية بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلا غرابة أن تهتم العترة النبوية بالكتاب وتلفت النظر إليه كما اهتم الكتاب بالعترة الطاهرة ، ولفت الأنظار إليها بقوله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) الأحزاب/ ۳۳ . ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) الشورى/ ۲۳.
من هنا بالغ أهل البيت ( عليهم السلام ) في الحث على العناية بالقرآن الكريم بجميع الأشكال والصور .
فتارة حثوا على تعلمه؛ ولو بمشقة وصعوبة ، فقد قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ( تعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث ، وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب ) .
وقال حفيده الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلم القرآن ، أو يكون في تعلمه ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) أيضاً : (مَن شدد عليه في القرآن كان له أجران ، ومَن يسر له كان مع الأولين).
وتارة أكدوا على تعليمه للشباب والأولاد خاصة ، فقد قال الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) : ( إن القرآن يأتي يوم القيامة بالرجل الشاحب يقول لربه : يا رب هذا اظمأت نهاره ، واسهرت ليله ، وقويت في رحمتك طمعه ، وفسحت في رحمتك أمله ، فكن عند ظني فيك وظنه .
يقول الله تعالى : أعطوه الملك بيمينه والخلد بشماله ، واقرنوه بأزواجه من الحور العين ، واكسوا والديه حلة لا تقوم لها الدنيا بما فيها . . ) .
وقال الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في هذا الصدد : ( ان الله عزوجل ليهم بعذاب أهل الأرض جميعاً حتى لا يحاشي منهم أحداً إذا عملوا بالمعاصي واجترحوا السيئات ، فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات ، والولدان يتعلمون القرآن ، رحمهم فأخر ذلك عنهم ) .
كما دعا الأئمة الطاهرون الناس إلى الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتلاوة آياته ، فقد قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( عليكم بتلاوة القرآن فإن درجات الجنة على عدد آيات القرآن ، فإذا كان يوم القيامة قيل لقارئ القرآن إقرأ وارق ، فكلما قرأ آية يرقى درجة ) .
وقال ( عليه السلام ) أيضاً : ( القرآن عهد الله إلى خلقه ، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده ، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية ) .
وقال ( عليه السلام ) كذلك وهو يؤكد على التلاوة في المصحف بالذات : ( مَن قرأ القرآن في المصحف متّع بصره وخفف عن والديه وإن كانا كافرين ) .
وقد سئل الإمام زين العابدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) ذات مرة : أي الأعمال أفضل ؟ فقال : الحال المُرتحِل . فقيل : وما الحال المُرتحِل ؟ فقال ( عليه السلام ) : (فتح القرآن وختمه، كما جاء بأوله ارتحل في آخره).
أي ختم القرآن وابتدأ بأوله ولم يفصل بينهما بزمان ، بل وحث الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) على حفظ آيات القرآن واستظهارها ، وقراءتها عن ظهر قلب ليختلط بدم المسلم ولحمه ، ويملأ عقله وفؤاده : ( اقرأوا القرآن واستظهروه فإن الله لا يعذب قلباً وعى القرآن ) .
وعمن يعالج حفظ القرآن وهو يعاني من ضعف الذاكرة وقلة الحفظ قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الذي يعالج القرآن ليحفظه بمشقة منه ، وقلة حفظه ، له أجران ) .
ولم يفُتْهُم ( عليه السلام ) أن يؤكدوا على قراءة القرآن الكريم بالصوت الحسن لأن ذلك يزيد من روعته وجماله ، ويساعد على تأثيره في النفوس ونفوذه في القلوب ، لأن للصوت الحسن قيمة جمالية وأحرى بها أن تنضم إلى أجمل جمالات الكون ألا وهو القرآن الكريم ، وبالتالي تتناسق نغمة الصوت الحسن ونسمة الوحي المقدس لتحيي القلوب ، وتنعش النفوس . ألم يقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( ان من أجمل الجمال الشعر الحسن ، ونغمة الصوت الحسن ) .
فأي موضع أجدر بأن تستعمل فيه هذه الموهبة الإلهية من قراءة القرآن وتلاوته ؟
ولهذا قال الإمام أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ) لأبي بصير عندما قال للإمام ( عليه السلام ) : إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان ، فقال : إنما ترائي بهذا أهل والناس : ( يا أبا محمد ، اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك ، ورجِّع بالقرآن صوتك فإن الله عزوجل يحب الصوت الحسن يرجّع فيه ترجيعاً ) .
أي اقرأ قراءة متوسطة ، لا هي بالخفية التي لا تسمع ولا هي بالعالية التي تصك الآذان .
هذا وقد صحح العلامة المجلسي في مرآته هذا الحديث .
ومن هنا قال الإمام أبو عبدالله جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ( يكره أن يقرأ ( قل هو الله أحد ) بنفس واحد ) .
لأن ذلك من شأنه التقليل من فرص الانتباه إلى جمال هذه السورة ، والتقليل بالتالي من نفوذها في نفس القارئ والسامع .
وقد كان تلاوة القرآن بالصوت الحسن والقراءة الجميلة هو دأب أهل البيت ( عليهم السلام ) وديدنهم ، فعن أبي عبدالله الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال : ( كان علي بن الحسين ( السجاد ) صلوات الله عليه أحسن الناس صوتاً بالقرآن وكان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يسمعون قراءته ، وكان أبو جعفر ( الباقر ) عليه السلام أحسن الناس صوتاً -أي بالقرآن- ).
تعليق