بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ
تُمَثِلُ حادثةُ الغديرِ المرحلةَ الاخيرةَ في بناءِ المُجتمعِ الإسلاميِّ علَى عهدِ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) وذلكَ حينَ بيَّنَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) لأمتِهِ ولايةِ عليٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وكونُهَا إمتداداً لولايةِ اللهِ وولايةِ رسولِهِ وضمانةً لِمَنْ أرادَ أنْ يُحافظَ علَى طاعةِ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) ومِنْ ثَمَّ المُحافظةَ علَى الهِدايَةِ وعدمِ الوقوعِ في الضَّلالِ ، قالَ تَعالَى : ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ ، سورة النور ، الآية: 54 ، والضَّميرُ في قولِهِ تَعالَى : ﴿ ... وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ... ﴾ ، يعودُ الى الرَّسولِ وبخلافِ ذلكَ فإنَّهم إنْ يَعصوهُ يَضلوا ويَهلَكوا ، قالَ تَعالَى : ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ ... ﴾، سُورَةُ النِّساءِ ، الآية: 41.
ومِنْ هُنَا كانتْ الولايَةُ يومَ الغديرِ أفضلُ الفرائضِ ، وورَدتْ رواياتٌ عديدةٌ في هذا الشأن منْهَا : روى زرارة عن أبي جعفر (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قال : (بُنِيَ الإِسلامُ عَلى خَمسَةِ أشياءَ : عَلَى الصَّلاةِ ، وَالزَّكاةِ ، وَالحَجِّ ، وَالصَّومِ ، وَالوَلايَةِ.
قالَ زُرارَةُ : فَقُلتُ : وأيُّ شَيء مِن ذلِكَ أفضَلُ ؟
فَقالَ : الوَلايَةُ أفضَلُ ؛ لاِنَّها مِفتاحُهُنَّ ، وَالوالي هُوَ الدَّليلُ عَلَيهِنَّ ...
ثم قال : ذِرْوَةُ الْأَمْرِ وَسَنَامُهُ وَمِفْتَاحُهُ وَبَابُ الْأَنْبِيَاءِ وَرِضَا الرَّحْمَنِ الطَّاعَةُ لِلْإِمَامِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ ،
ثُمَّ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : إِنَّ الله عَزَّ و جَلَّ يَقُولُ : ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾، سورة النساء ، الآية: 80 ،
أَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَامَ لَيْلَهُ وَ صَامَ نَهَارَهُ وَ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَ حَجَّ جَمِيعَ دَهْرِهِ وَ لَمْ يَعْرِفْ وَلاَيَةَ وَلِيِّ اَللَّهِ فَيُوَالِيَهُ وَ يَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ بِدَلاَلَتِهِ إِلَيْهِ مَا كَانَ لَهُ عَلَى اَللَّهِ حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ وَ لاَ كَانَ مِنْ أَهْلِ اَلْإِيمَانِ ، ثُمَّ قَالَ: أُولَئِكَ اَلْمُحْسِنُ مِنْهُمْ يُدْخِلُهُ اَللَّهُ اَلْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَ رَحْمَتِهِ )، بحار الأنوار ج۲۳ ص 294.
وقوله (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : " وَ لَمْ يَعْرِفْ وَلاَيَةَ وَلِيِّ اَللَّهِ فَيُوَالِيَهُ وَ يَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ بِدَلاَلَتِهِ إِلَيْهِ " : أي إنَّ الطَّريقَ لِمعرفةِ هذهِ العباداتِ علَى وجهِهَا الصَّحيحِ هو الإمامُ ، مُضافاً الَى أنَّ إعتقادَ الولايةِ هو بنفسِهِ شَرطٌ في قَبولِ العَملِ كالنِيَّةِ شَرطٌ في صِحةِ الصَّلاةِ مثلاً ، والسِرُّ في ذلكَ أنَّهَا مِمَّا أمَرَ بهِ الرَّسولُ ، ثُمَّ الإمامُ هوَ بابُ مدينةِ عِلمِ الرِّسولِ ، فلَا يُعرفُ عِلْمُ الرَّسولِ إلَّا مِنْ خلالِهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ولَا يأمرُ إلَّا بِمَا أمرَ بهِ الرَّسولُ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) .
فإنْ سئَلَ سائلٌ لِماذا المخلِصونَ لولايَةِ عليِّ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وبايعوهُ في الغديرِ بَيعَةَ حَقٍّ علَى غِرارِ غيرهِم مِمَنْ إنقَلبوا بَعدَ ذلكَ ، لم يأتِ واحدٌ مِنْ آلافِ الصَّحابَةِ ويغضبُ لعليٍّ أبنَ أبي طَالبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، ولَا حتّى عمَّارُ بنَ ياسرٍ ، ولَا المقدادُ بنَ عمروٍ ، ولَا سلمانُ الفَارسي « رضيَ اللهُ عَنْهُمُ » ، فيقولُ : يا أبَا بكرٍ ، لِماذا تَغصِبُ الخِلافةَ منْ عليٍّ وأنتَ تعرفُ ماذا قالَ الرسولُ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) في غديرِ خُم ؟!
أولاً : إنَّ مَنْ يَرى مَا جَرَى علَى الزَّهراءِ (عَلَيْهِا السَّلاَمُ) مِنْ ضَربٍ ، وإهانةٍ ، وإسقاطِ جنينٍ ، وهيَ سيدةُ نساءِ العاَلمينَ ، وبضعةُ الرَّسولِ ، ومنْ آذاها فقدْ آذاهُ ، ومنْ أغضَبَهَا فقدْ أغضَبَهُ ..
ويرَى ويسمعُ قولَهُم لرسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) مباشرةً : إنَّهُ يهجرُ ، وهوَ لَا يزالُ حياً يُرزقُ ..
ويرَى مَا جرَى في السَّقيفَةِ منْ تهديداتٍ وإهاناتٍ ، ونزاعاتٍ جرَتْ بينَ الأنصارِ وبينَ الّذينَ إستأثروا بالأمرِ بعدَ وفاتِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ)..
ويرَى أنَّ جميعَ الصَّحابَةِ قد بايعوا علياً (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يومَ الغديرِ قبلَ سبعينَ يوماً فقطْ منْ وفاتِهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) ..
ويرَى كيفَ أنَّ النَّاسَ كانوا يُساقونَ إلَى البيعةِ لأبي بَكرٍ في المسجدِ ..
ثم يرَى كيفَ تَمَّ غَصْبُ فدكَ منْ الزَّهراءِ (عَلَيْهِا السَّلاَمُ). . حيثُ تعرضَتْ للإهانَةِ والضَّربِ منْ أجلِ ذلكَ أيضاً .
إنَّ مَنْ يرَى ذلكَ كُلِّهِ وسِواهُ ثُمَّ يتوهَمُ أنَّ أبَا بكرٍ سَوفَ يَستجيبُ لِقولِهِ ، ويعترفُ لَهُ بالحَقِّ ، ويتخلَى عنْ هذا الأمرِ ، ويُسلمَهُ إلَى صَاحبِهِ الشَّرعيِّ ، بمجرَدِ أنْ يقولَ لَهُ أحَدَهُم : يا أبَا بكرٍ ، لماذا تَغصِبُ الخلافةَ منْ عليٍّ ، وأنتَ تَعرفُ ماذا قالَ الرَّسولُ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) في غديرِ خُم ؟ !
نعمْ ، إنَّ منْ يتوهمُ ذلكَ ، سَيُتَهَمُ بأنَّه مجنونٌ بلَا ريبَ .
ثانياً : معَ غَضِّ النَّظرِ عنْ ذلكَ كُلِّهِ ، فإنَّ لنَا أنْ نسألُ : منْ أينَ عرَفَ هذا السَائِلُ : أنَّ هؤلاءِ وكثيرٌ غيرُهم لمْ يحتَجوا علَى أبي بكرٍ بذلكَ ، ولمْ يطالبوهُ ببيعتِهِ ، ولمْ يسألوهُ عنْهَا ؟! فإنَّ عدمَ الوجدانِ لا يدلُّ على عدمِ الوجودِ . . والدَّواعي متوفرةٌ لطَّمسِ أمثالِ هذهِ الأخبارِ ، وإخفائِهَا ، ومطالبةِ بلْ معاقبةِ كُلُّ منْ يعملُ علَى إفشائِهَا.
والكُلُّ يعلَمُ كَمْ كانَ الخُلفاءُ ومنْ هُمُ علَى نَهجِهِم مُتشدَّدينَ في المَنعِ منْ إفشاءِ الحَديثِ عنْ رسولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) ، وطَمسِ معالِمِهِ ،
ثالثاً : هناكَ دلائلٌ كثيرةٌ علَى وجودِ إعتراضاتٍ ومطالباتٍ إحتجاجيَّةٍ لعدَّدٍ منَ الصَّحابَةِ لأبي بكرٍ بمَا جَرَى منْ غصبِ الخِلافَةِ بعدَ رسولِ اللهِ(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ
رابعاً : قالَ السائِلُ : « إذا كانتْ الشِّيعةُ تزعمُ أنَّ الّذين حَضروا غديرَ خُمٍّ هُمْ آلافُ الصَّحابةِ قدْ سمعوا جميعاً الوصيَّةَ بالخِلافَةِ لعليٍّ بنَ أبي طالبٍ « رضي الله عنه »-علَى تَقديرِ كونِ السائِلِ منْ أبناءِ العامَّةِ- بعدَ رسولِ اللهِ الخ . . » . مع أنَّ رواياتِ الغديرِ لَا تنحصرُ بالشِّيعةِ ، فقد ذكرَ أهلُ السُّنةِ أيضاً في كُتُبِهِم بصورةٍ مكثفةٍ ، وإنَّمَا يحتجُ الشِّيعةُ علَى أهلِ السُّنةِ في هذا الأمرِ بخصوصِ مِا في كُتبِ أهلِ السُّنةِ ، فراجع كتاب الغدير للأميني ، وغيره.
والحمدُ للهِ وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ. .