على امواج الفرات الرقراق انعكست صورة قمرين صغيرين واقفين على شاطئه الذي لا يزال يئن حزناً على قمر العشيرة .. امسك كل قمر بيد الاخر في لحظات الوداع الاخيرة وعيناهما تحكي الكثير بلحظة صمت رهيبة عمت ارجاء المكان .
وتاها مع زحام الذكريات التي مرت امام ناظريهما سراعاً قبل ان يحز السيف نحرهما .
لحظة انتقلت ما بين اعمدة الدخان والسنة اللهب والنيران التي استعرت في خيام الحسين (عليه السلام) ظهيرة عاشوراء وبين سنابك الخيول التي سحقت اوصال القتلى الزواكي للعترة الطاهرة ووسط صرخات الاطفال والنساء تعثرت خطى هذان القمران ليلوذا بالفرار .
ومرت لحظة اخرى في قطار الذكريات الاليمة حيث الكوفة التي جرهما القدر اليها متتبعين اريج السفير وصوت صرخاته وجهاده في تلك المدينة الناكثة للعهود حتى افل نورهما وغُيّبا في سجونها .
وبرقت لحظة اخرى عادت بهما الى هروبهما من ذلك السجن ووصولا الى هذه المدينة التي لم تعطيهما حق الضيافة وحق القرابة للرسول وحق الطفولة والبراءة ، هنا حيث كرر سكين الغدر فعلته وطعن السفير مرة اخرى بقمريه اليتيمين حيث خانهما قربى من اجارتهما واخذهما الى حيث هذا الشاطئ ليذبحهما طمعاً بالجائزة .
في هذا المقطع الزمني توقف قطار الذكريات في اللحظة الاخيرة وانتهى الوداع وحان وقت الموت وأزفت تباشيره، هنا نطق الصمت وبدأ القمران الكلام وطلبا ان ينهيا رحلتهما بالصلاة فكانت لهم اللحظة القدسية في تلك الرحلة الاخيرة، اعقبها طلب اخير من كل قمر ان يذبح قبل الاخر .
وانعكست اخر صورة لهما على شاطئ الفرات ، صورة رأسي القمرين المذبوحين وهما يقطران دماً من المخلاة ، وكأن الفرات له موعد آخر مع قمرين الهاشميين صغيرين فلم يكتف بالقمر الاكبر ودمائه الطاهرة بل امتزج ايضا بدماء القمرين الصغيرين وجسديهما الطاهرين الذي احتضن كل منهما الاخر ليجريا معاً الى كل مصبات العالم الإنسانية لتروي لها معالم الاباء وظلامة الطفولة المذبوحة في كربلاء .
والسلام عليكم يا سادتي ويا موالي ولدا مسلم بن عقيل وعلى ابيكما ورحمة منه وبركات .