من جديد أقدم شكري وتقديري الى الشهداء الذين يسمحون لي محاورتهم، والبحث في سجل بطولاتهم، وأشكر كل من ساعدني لأصل مبتغاي، ومنهم من صدق ومنهم من لم يصدق.
أحدهم قال لي: خالة كيف تلتقين ببشار علي، وهو استشهد عام 2015م؟ سألته أو تظن أن بشاراً مات؟ أو هو حي يرزق؟ سكت حينها وأشار لي: أنا جندي وانت أديبة، وكل منا ينظر بمنظاره الخاص.
قلت معترضة: ناس يرحلون الى القمر وخارج القمر، وأنتم تصدقون، وأنا أرحل الى الشهادة وعالم الشهادة والشهيد، غريب عليكم مسعاي، قال: هي مغامرة أو نوع من أنواع الخيال، ولكي أنهي الجدال ناديت باسم الشهيد؛ كي يحضر وأنهي المسالة، توقعت منذ الوهلة الأولى أن هناك من سيعتقد اني اشكو الخلط في رأسي.
قلت لبشار: على كل حال، ماذا تعني الشهادة؟ فقال: هو عالم الكرامة والذكاء، اذا أردنا الإجابة عن هذا السؤال، سنجد هناك مذلة، وسلب اعراض، وبيعاً في مزادات النخاسة، واحتلال وطن، اذن، الشهادة تعني التبصر بأسلوب عارف، والحياة بعد الشهادة تصبح اكثر رسوخاً عند الشهيد.
إن الذي تعرفونه في حياتكم أن لكل حياة نهاية إلا الشهيد، هذا الدرس يعلمهم، فالحياة مستمرة لا تنتهي لدي، قلت لأساله: انت من أين؟ فقال: انا من الموصل من أمّ الربيعين من معقل الحضارة والمقامات والمراقد الدينية، نحن أبناء دين أسرة دينية اجتماعية، نعيش ضمن احياء مدينة (تل كيف) المضحية في سبيل الله والمقدسات، منطلق التضحية ليس غريباً عنا، فهل تتصورين مثلي من يصبر على حقارتهم؟ أي دين هذا الذي يتيح لهم ان يلعبوا برؤوس الشهداء كرة قدم؟ لا نملك الا النزوح وكأن العراق هاجر من الموصل الى مدن الوسط والجنوب، وما فائدة الالتزام الديني اذا ابتعد الانسان عن المروءة، وما فعلوه من جرائم لا تتقبلها المروءة، بينما اهل بابل يطوقوننا بحنان الأهل وبوطنية الانتماء وبالهوية العراقية، ومن الطبيعي أن أنتمي للحشد بكل ما أملك من ايمان.
أتعرفين أن الحياة في العراق انقسمت الى قسمين: إما داعش او الحشد، ولا ثالث بينهما، ومن يعزل نفسه فهو يميل الى العدوان. يفرحني أن أرى معظم زملاء الحشد هم زملائي من خَدَمَة المواكب الحسينية مثلما كنا نستبشر بضيافة زائر الحسين (عليه السلام) نستبشر بضيافة الشهادة؛ كونها هوية انتماء الى منهج اهل البيت (عليهم السلام).
بقيت صامتة لا ادري ماذا أسأله كإعلامية، مذهل هو منطق الشهداء قلت له: وكيف كان الرحيل الى الحياة؟ فقال: في عمليات تحرير جبال حمرين وفي منطقة حقول علاس، أصبت بإطلاقات نارية غاشمة، سال دمي وأنا ابتسم، والأصدقاء مستغربون، وانادي: هنا كربلاء فخرا وكرامة لبيك يا حسين، لبيك يا عراق.
بكيت انا الإعلامية التي رأت الكثير من هذه المواقف، ولم اعد احتمل البكاء، فجلست عند رأسه أقرأ الفاتحة، ورجعت وانا أرى دهشة المقاتلين، فقلت لهم: مذهل هو منطق الشهداء.