إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

26- الإنسَانُ والتَّضحيَّةُ:-

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 26- الإنسَانُ والتَّضحيَّةُ:-

    بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
    اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
    السَلآْم عَلْيُكّمٌ وٍرٍحَمُةّ الله وٍبُرٍكآتُهْ


    لا يمكنُ أنْ تنتصرَ قضيّةٌ ليسَ أصحابُها مُستعدّينَ للتَّضحيَةِ منْ أجلِهَا ، غيرَ أنَّ هُنالِكَ فرقاً بينَ منْ يبحثُ عنِ المجدِ الشَّخصي ، وإحرازُ الإنتصارَ علَى أعدائِهِ في حياتِهِ ، وبينَ منْ يمتلكُ قضيَّةً ، ويسعَى منْ أجلِ إنتصَارِهَا ، حتّى وإنْ أدَّى ذلكَ إلَى التَّضحيَةِ بنفسِهِ ...
    فالأوّلُ : إذا خَسِرَ ، سَتكونُ في خسَارَتِهِ نهايتُهُ.
    والثَّاني : إذا خَسِرَ ، فقدْ تكونُ في خسَارَتِهِ نجاحُهُ.
    فالأهدافُ العُليَا ، كالمُثُلِ والقِيَمِ والدِّينِ ، سَتَجِدُ منْ ينتصرُ لهَا يوماً ، ولذلكَ فمَنْ يموتُ دونَ قضيَّةٍ ، يَزيدُهَا قوّةً ومناعَةً ... فالتَّضحيَةُ بالنَّفْسِ للقضَايَا ... تقوّيهَا وتُحييِّهَا.
    بينَمَا التَّضحيَةُ للنَّفْسِ بالقضَايَا ... تُنهيهَا وتَقضي عليهَا ، وعلَى أيَّةِ حالٍ فإنَّ المُغامَرَةَ منْ أجلِ الأهدافِ ، وخوضِ الغَمراتِ في الدِّفاعِ عنْهَا ، ضرورةٌ منْ ضروراتِ العملِ للحقِّ ، وواجبٌ منْ واجباتِ الإيمانِ بالقِيَمِ.
    وأساساً كيفَ نَعرفُ صدقَ المُدّعينَ إلّا حينمَا يُدعونَ إلَى التَّضحيَةِ والفِداءِ ؟

    إنّ أدعياءَ الحقِّ كثيرونَ ، ولكنَّ المُستعدينَ لِبذلِ كُلِّ شيءٍ لَهُ ، هُمْ الصَّادقونَ منْهُمُ ، وهُمُ الأقلونَ ،وكَمَا قالَ الإمامُ الحُسينُ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : ( فَإِنِّي لاَ أَرَى اَلْمَوْتَ إِلاَّ اَلْحَيَاةَ وَ لاَ اَلْحَيَاةَ مَعَ اَلظَّالِمِينَ إِلاَّ بَرَماً إِنَّ اَلنَّاسَ عَبِيدُ اَلدُّنْيَا وَ اَلدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلاَءِ قَلَّ اَلدَّيَّانُونَ )، بحار الأنوار ، ج75 ، ص116، ويبدو أنّ ذلكَ منْ سُنَّةِ اللهِ في الخَلقِ حتّى يميزُ المجاهدينَ منْهُم عنِ الكاذبينَ ،لقولِهِ تعالَى في الكِتابِ الكَريمِ: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَ‌كُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ،سُورَةُ العَنكَبوتِ ،الآيات 1 - 3.
    إنَّ الطَّريقَ إلَى تحقيقَ المُثلَ العُليَا ، مليءٌ بالأشواكِ كمَا هي الطَّريقُ إلَى الجَنَّةِ ، فقدْ كمَا قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) : ( حُفَّتِ اَلْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَ حُفَّتِ اَلنَّارُ بِالشَّهَوَاتِ )، روضة الواعظین ، ج2 ، ص421.
    وإذا كانتْ لنَا برسولِ اللهِ قدوةً حسنةً ، فإنَّ النَّبيَّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كمَا قالَ أميرُ المؤمنينَ عنه: ( خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اَللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ وَ تَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ . وَ قَدْ تَلَوَّنَ لَهُ اَلْأَدْنَوْنَ وَ تَأَلَّبَ عَلَيْهِ اَلْأَقْصَوْنَ وَ خَلَعَتْ إِلَيْهِ اَلْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا وَ ضَرَبَتْ إِلَى مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَاوَتَهَا مِنْ أَبْعَدِ اَلدَّارِ وَ أَسْحَقِ اَلْمَزَارِ )، نهجُ البَلاغَةِ ، ج1 ،ص307 .
    إذنْ ومِنْ خلالِ كتابِ للإمامِ عليٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) إلى أمرائِهِ علَى الجُيوشِ : ( وَ لاَ تُفَرِّطُوا فِي صَلاَحٍ وَ أَنْ تَخُوضُوا اَلْغَمَرَاتِ إِلَى اَلْحَقِّ .
    ولقدْ أوصَى الإمامُ ولدَهُ الحسنَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ـ وهو العزيزُ علَى قلبِهِ ـ أنْ يخوضَ كأبيِهِ الغمراتِ للحقِّ فِي وَصِيَّتِهِ لِلْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قائلاً : ( وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَ أَنْكِرِ اَلْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَ لِسَانِكَ وَ بَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ وَ جَاهِدْ فِي اَللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَ لاَ تَأْخُذْكَ فِي اَللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ مستدركُ الوسائِلِ ، ج12 ،ص190.
    إنّ التَّضحيَةَ المَطلوبةَ ، لَا تعني بالضَّرورَةِ أنْ يموتَ الإنسانُ منْ أجلِ قضيّتَهُ ، ولكنّهَا تعني حَتماً الإستعدادُ للمُغامَرَةِ منْ أجلِهَا وعدمِ وضعِ حدٍّ لِمَا تَتَطلَّبَهُ منَ الغالي ، والرَّخيصِ.
    وأينَ تكونُ التَّضحيَةُ في سبيلِ اللهِ والفناءِ في ذاتِ اللهِ والعملِ في جنبِ اللهِ إلَّا حينَ تستقيمُ النَّفْسُ سَافرةً لَا تلتمِسُ ريبةً ، صَريحَةً لَا تتكلفُ مُداراةً ولَا مُداورَةً ولَا إستخفاءً ، مُجاهدةً جهادُها الأكبرُ في تَحطيمِ ميولِهَا الشَّخصيَّةِ ، ومعاكسةِ طَبيعتِهَا البَشريَّةِ بكبحِ جماحِهَا الأرضيِّ الانانيّ.
    وهَا هيَ ذي « الإمامَةِ » بِكُلِّ معانيهَا المُنقَطِعَةِ إلَى اللهِ وهَا هو ذا « الإمامُ » المنقطعُ إلَى اللهِ بِكُلِّ معانِيِهِ.
    واذا لمْ يكنْ الظَّرفُ القائمُ بينَ يديِهِ ، كافياً للإنتصارِ علَى البَاطلِ فلمْ لَا يتخذُ منْهُ ظَرفاً كافياً للإحتفاظِ بالحَقِّ ؟
    وهكذا الإمامُ عليٌّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) كانَ دائماً علَى إستعدادٍ للمُغامرَةِ بحياتِهِ في سبيلِ الرِّسالةِ ، فمَا منْ غَزوةٍ إلّا وهو أميرُهَا ، أو بَطلُهَا ، ومَا منْ دعوةٍ تَتطلبُ التَّضحيَةُ إلّا وهو أوّلُ منْ يستجيبُ لهَا، وكذلكَ الإمامُ الحسنُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ضَحَى بالخلافةِ في سبيلِ الحَفاظِ على الإسلامِ وكانت النَّتيجةُ الشَّهادةُ في سبيلِ اللهِ ، إنَّهَا المرحلةُ الدَّقيقةُ منْ مراحلِ تاريخِ الإسلامِ ، وهي مرحلةُ الفَصلِ بينَ الخِلافَةِ الحقيقيَّةِ والمُلكِ [ بينَ الامامَةِ الدِّينيَّةِ والسُّلطانِ ] ، بينَ السُّلطَةِ الزَّمنيَّةِ والسُّلطَةِ الرُّوحيَّةِ.
    ولمْ يكنْ هذا الفَصلُ ـ على صورتِهِ الظَّاهرةِ ـ مِمَّا تألفَهُ الذِّهنيَّةُ الإسلاميَّةُ بادىءَ الرأيِّ ، ولكنَّهُ الأمرُ الواقعُ الّذي دَرَجَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وألِفَهُ المُسلمونَ منْ حيثُ يعلمونَ ومنْ حيثُ لَا يعلمونَ ، مُنْذُ قُبضَ رسولُ اللهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، إلَّا في الفَتراتِ القَصيرَةِ الّتي كانتْ قَطرةً في بَحرِ هذهِ القرونِ.

    وكانَ الإستسلامُ لعمليَّةِ الفصلِ منْ قِبَلِ أولاياءِ الأمرِ الشَّرعيينَ ، الوسيلةُ الإصلاحيَّةُ الّتي يجبُ الأخذُ بهَا عندَ الخوفِ علَى بيضةِ الإسلامِ ، وأيضاً تجلتْ التَّضحيَةُ بِكُلِّ معانيهَا في الإمامِ الحسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)وأهل بيتهِ واصحابِهِ ، وكنموذج علَى هؤلاءِ الأنصارِ للحقِّ للحسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) بَشيرُ بنُ عَمرو الحَضرَمِيُّ ، وقيلَ : إسمُهُ مُحَمَّدُ بَشيرُ مُحَمَّدُ بنُ الحَضرَمِيُّ، كانَ منْ حضرَموت وعدادَهُ في كِندةِ، وكانَ تابعياً ولَهُ أولادٌ معروفونَ بالمَغازي، وهوَ منْ أصحابِ الإمامِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)‌ الراسخينَ والأوفياءِ.
    سَمِعَ النبأَ الفادحَ لأسرِ إبنِهِ وهو في كربلاءَ ، وفي حين كانَ بإمكانِهِ أنْ يَترُكَ ساحةَ الحربِ بذريعةِ فكاكِ إبنِهِ منَ الأسرِ، إلّا أنَّهُ أثبتَ فُتوّتَهُ ولمْ يَترُكَ الإمامَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)‌ . قيلَ لِمُحَمَّدِ بنِ بَشيرٍ الحَضرَمِيِّ : قَد اُسِرَ ابنُكَ بِثَغرِ الرَّيِّ ، قالَ : عِندَ اللّهِ أحتَسِبُهُ ونَفسي ، ما كُنتُ اُحِبُّ أن يُؤسَرَ ، ولا أن أبقى بَعدَهُ.
    فَسَمِعَ الحُسَينُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)‌ قَولَهُ ، فَقالَ لَهُ : ( رَحِمَكَ اللّهُ ! أنتَ في حِلٍّ مِن بَيعَتي ، فَاعمَل في فِكاكِ ابنِكَ )، قالَ : أكَلَتنِي السِّباعُ حَيّا إن فارَقتُكَ.
    قالَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ( فَأَعطِ ابنَكَ هذِهِ الأَثوابَ البُرودَ (البُرْد : نوعٌ منَ الثِّيابِ معروفٌ ، والبُرْدة : الشَّملَةُ المُخطّطةُ ) يَستَعينُ بِها في فِداءِ أخيهِ فَأَعطاهُ خَمسَةَ أثوابٍ ثَمَنُها ألفُ دينارٍ.
    وفي كتابِ مقاتل الطالبيّين عن حميد بن مسلم :جاءَ رَجُلٌ حَتّى دَخَلَ عَسكَرَ الحُسَينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)‌ ، فَجاءَ إلى رَجُلٍ مِن أصحابِهِ ، فَقالَ لَهُ : إنَّ خَبَرَ إبنِكَ فُلانٍ وافى ؛ إنَّ الدَّيلَمَ أسِروهُ ، فَتَنصَرِفُ مَعي حَتّى نَسعى في فِدائِهِ ، فَقالَ : حَتّى أصنَعَ ماذا ؟ عِندَ اللّهِ أحتَسِبُهُ.
    وجاء في رواية اُخرى أنّ الإمام (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)‌ قال إنّه سيعطيه فديةَ فَكاكِ أسرِ إبنِهِ أيضاً لكنّه لمْ يقبلُ ذلكَ ، وقالَ:، هَيهاتَ أن اُفارِقَكَ ، ثُمَّ أسأَلَ الرُّكبانَ عَن خَبَرِكَ ! لا يَكونُ ـ وَاللّهِ ـ هذا أبَدا ، ولا اُفارِقُكَ .
    واستناداً لرواية الطبري فإنّ بشيرا وسويدا كانا آخرُ أصحابِ الإمامِ الّذينَ إلتَحقوا بموكبِ شهداءِ كربلاءَ.
    خرجَ لقتالِ الأعداءِ وهو يرتجزُ بهذه الأبياتِ حتّى أُستشهدُ :
    اليَومَ يا نَفسُ اُلاقِي الرَّحمانَ............ وَاليَومَ تُجزَينَ بِكُلِّ إحسانِ
    لا تَجزَعي فَكُلُّ شَيءٍ فانٍ........... وَالصَّبرُ أحظى لَكَ عِندَ الدَّيّانِ
    وردَ إسمُهُ في زيارةِ النَّاحيةِ المُقدّسَةِ هكذا:

    السَّلامُ عَلى بِشرِ بنِ عُمَرَ الحَضرَمِيِّ ، شَكَرَ اللّهُ لَكَ قَولَكَ لِلحُسَينِ وقَد أذِنَ لَكَ فِي الاِنصِرافِ : أكَلَتني إذَن السِّباعُ حَيّا إن فارَقتُكَ وأسأَلُ عَنكَ الرُّكبانَ ، وأخذُلُكَ مَعَ قِلَّةِ الأَعوانِ ، لا يَكونُ هذا أبَدا .

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X