بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ اللهِ وَبَرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ اللهِ وَبَرَكآتُهْ
رَوَى الشَّيخُ الصَّدوقُ ( رَحِمَهُ اللهُ ) عنْ إبْنِ مَسْرُورٍ ، عَنِ ابْنِ عَامِرٍ ، عَنْ عَمِّهِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ ، قَالَ : قَالَ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا ، وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا ، وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا ، وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا ، وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا ، وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا.
إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا ، وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا ، وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ.
فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ ). الأمالي ،الشيخ الصدوق، ص190.
ومعنَى قولُهُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): "وأذلَّ عزيزنَا" هو أنَّه تمَّ الإستضعافُ والإستهانَةُ وإيقاعُ الإهانَةَ والإذلالَ بعزيزنَا، والمُرادُ مِنَ العزيزِ في الرِّوايةِ هُمْ كُلُّ فردٍ فرد مِنْ أبناءِ الرَّسولِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبناتِهِ وسائرِ قرابَتِهِ ممَّنْ كانوا معَ الحُسينِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في كربلاءَ، فكُلُّ هؤلاءِ الكِرامِ قدْ تَمَّ إستضعافُهُم والإستهانُةُ بِهِم والإهانُةُ لَهُم وذلكَ بمثلِ التَّنكيلِ والتَّمثيلِ بأجسادِ الشُّهداءِ مِنْهُم والأسرِ والسَّبي لِمَنْ بقيَ مِنْهُم، ولِذلكَ رُويَ أنَّ الإمامَ الحُسينِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) خاطبَهم يومَ عاشوراءَ بقولِهِ: ( صَبْرًا يا بَني عُمُومَتي! صَبْرًا يا أَهْلَ بَيْتي! لا رَأَيْتُمْ هَوانًا بَعْدَ هذَا الْيَوْمِ أَبَدًا) . اللهوف،إبن طاووس، ص68.
فما أعطى الدنيَّة من نفسِه، وما وجدوا منْهُ إستكانَةً، ومَا ظهرَ علَى محيَّاه خوفٌ أو تلكأٌ، يقولُ الإمامُ البَاقرُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كمَا في صَحيحَةِ بُريدِ العَجلَي: ( أُصيبَ الحسينُ بن عليٍّ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) ووُجدُ بِهِ ثلاثمائةَ وبضعةَ وعشرونَ طَعنةً برمحٍ أو ضربةٍ بسيفٍ أو رميةً بسهمٍ، فرُويَ أنَّها كانتْ كُلُّها في مقدَّمه لأنَّه (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كان لا يولِّي ) . الأمالي ،الشَّيخُ الصَّدوقِ، ص228.
إنَّ المُعَسكَرَ الأموي عمِلَ جاهدًا علَى إستضعافِ أهلِ البيتِ وإمتهانِهم في كَربلاءَ، فتوسَّلَ بكلِّ وسيلةٍ يرجو منْهَا الوصولَ إلَى إخضَاعِهِم وقَسرِهم علَى الإستسلامِ إبتداءً بحصارهِم الخانِقِ الّذي لمْ يتَّفقَ لَهُ مثيلٌ، ثُمَّ حِرمانِهِم منَ الماءِ، وحينَ لمْ يُفلحُ في إرغامِهِم علَى القَبولِ بالهَوانِ زحفَ عليْهِم بجمْعِه فلمْ يرقُبُ فيهِم إلًّاً ولَا ذمَّةً حتَّى كادَ أنْ يستأصلَهم، وحينَ أبادَ الكبيرَ والصَّغيرَ منْهُم ولَمْ يجدُ في ذلكَ شِفاءً لغليلِه المستعِر بين جوانحه -والذي أوقذتْه وزادتْ من أوارهِ مظاهرُ العزَّة والإباءِ التي تجلَّت في مواقفِ الشُّهداءِ منْ أهلِ البيتِ- راحَ يبحثُ عمَّا يَشفي بِهِ غيظَهُ وحنقَهُ فلَمْ يجدُ ذلكَ إلَّا في الإنتقامِ منْ جثامينِ الشَّهداءِ الّذينَ مرَّغوا كبرياءَهُ في الوَحلِ فصنعَ بهَا مَا يعتقدُ أنَّهُ يَحُطُّ منْ أقدارِهَا، فكانَ يطأُهَا بسنابكِ خيلِهِ، ويُبضِّعُ أوصالَها بخناجرِهِ، ويجتزُّ رؤوسَها ويرفعُها على رؤوسِ الرِّماحِ ليَظهرَ بهَا في مظهَرِ القَّاهرِ المُّنتَصِر علَّهُ يسترُ بهَا مَا انطوتْ عليْهِ نفسُهُ منْ خَوارٍ وضِعةٍ وصَغارٍ، فكانَ يحرصُ علَى التَّظاهرِ بالقَّهرِ والغَّلَبَةِ، وهذا هو مَا دَفعَهُ إلَى أنْ يُشعِلَ النَّارَ في مُخيَّماتِ الشُّهداءِ ويسوقَ بناتَ الرَّسولِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كمَا تُساقُ الأُسارى، لِيظهروا بحسبِ وهمِهِ في مظهرِ المذلّةِ والهوانِ ويظهرُ هو في مظهرِ العزِّ والاقتدارِ.
فالمقصودُ منْ قولِ الإمامِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : ( وأذلَّ عزيزنَا بأرضِ كَربٍ وبَلاءٍ ) هو الإشَارةُ إلى الهيئَةِ المُزريَّةِ الّتي حرَصَ المُعسكرُ الأموي أنْ يُظهِرَ عليْهَا أهلُ البيتِ في كربلاءَ.
قولُ الإمامُ الصَّادِقُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يخاطبُ الإمامَ الحُسينِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : ( وضمّنَ ـ اللهُ ـ الأرضَ ومَنْ علَيْهَا دمَكَ وثَارَكَ) . مستدرك الوسائل ،ص 326.
لمْ يَكنْ حَدثاً عَادياً في تاريخِ الإسلامِ بلْ الإنسانيَّةِ، بلْ تربُطُ بينَ هذا الحَادثُ المؤلمُ وبينَ عالَمِ التَّكوينِ، وتتحدثُ عنْ حُزنِ الأرضِ والسَّماءِ والحُورِ وسكّانِ الجِّنانِ، ومواساةِ الأنبياءِ والمرسلينَ وبكائِهِم علِى الإمامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) مِنْ لَدُّنِ آدمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) حتَّى خاتَمِ الأنبياءِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كلّمَا مَرَّ ذِكرُ الحُسينِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أو مرّ أحدُهُم بأرضِ كربلاءَ المُقدَّسَةِ حتَّى قبلَ وقوعِ الحَادِثَةِ، ومنها:
الوثيقة البريطانية
الوثيقةُ التَّاريخيَّةُ التَّاليَّةُ تؤكدُ هذهِ الحَقيقَةُ أيضاً:
فقدْ جاءَ في كِتابِ (وقائع عصر الأنغلو ساكسون) الّذي تَرجَمَهُ ونَقّحَهُ مَيشيلُ اسوانتون (MICHAEL SWANTON) وصَدرَ في بريطانيَا عامَ 1996 للميلادِ وأُعيدَ طَبعَهُ ثانيةً منْ قِبَلِ جامعةِ إكستَر (Exeter) في ولايةِ نيويورك الأميركيَّةِ عام 1998 للميلاد، جاء في الصفحة 38 من هذا الكتاب ما نصّه:
( 685. Here in Britain there was Bloody rain, and milk and butter were turned to blood )
ومعناه: ( في عامِ 685 ـ للميلادِ ـ هُنَا في بريطانيا مطرتْ السَّماءُ دَماً وتحوّلَ الحَليبُ والزِّبدَةُ إلَى دَمٍ أو صَارَ لونُهُمَا أحمرُ ).
وعندَ مُقارنَةِ هذهِ السَّنةِ الميلاديَّةِ (685) معَ السِّنينَ الهِجريَّةِ نجدُ أنَّهَا تُطابِقُ سنة 61 للهجرةِ وهي السَّنةُ الّتي إُستشهِدَ فيهَا مولانَا أبي الأحرارِ الإمامِ الحُسينِ وأهلِ بيتِهِ الأطهارِ وأصحابِهِ الأخيارِ صلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَليهِمْ أجمعينَ.
ومنْهَا مَا جاءَ في كُتبِ العَامَّةِ: « ... أنبأنَا خلفَ بنَ خليفةِ عَنْ أبيِهِ قالَ: لَمَّا قُتِلَ الحُسينُ إسوَدَّتِ السَّماءُ وظهرتِ الكَواكبُ نهاراً حتَّى رأيتُ الجَوزاءَ عنْدَ العَصرِ وسقطَ التُرابُ الأحمرُ ». تاريخُ دمشقَ ، ترجمة الإمام الحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، لإبنِ عساكِرِ، ص354.
ومِنْهَا حديثُ القَارورَةِ وهو: « ... وكانت أوّلُ صارخةً فيهَا علَى الحُسينِ، (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، عندمَا قُتِلَ بكربلاءَ أمُّ سَلَمَةِ زوجُ النَّبيِّ، (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وذلكَ أنّ رسولَ اللهِ دفعَ إليهَا قارورةً فيها تُربَةً منْ كربلاءَ، وقالَ لِهَا: إِنَّ جَبْرَئيلَ أَعْلَمَني أَنَّ أُمَّتي تَقْتُلُ الحُسَيْنَ، وَأَعْطاني هَذِهِ التُّرْبَةَ، فَإِذا صارَتْ دَماً عَبيطاً فَاعْلَمي أَنَّ الحُسَيْنَ قَدْ قُتِلَ ".." صارَتِ القارورَةُ عِنْدَها، فَلَمّا حَضَرَ ذَلِكَ الوَقْتُ جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلى القارورَةِ في كُلِّ ساعَةٍ، وَفي يَوْمِ الطَّفِّ رَأَتْها صارَتْ دَماً عَبيطاً! فَصاحَتْ: واحُسَيْناهُ! يا ابْنَ رَسولِ اللهِ!.. فَتَصارَخَتِ النِّساءُ في المَدينَةِ حَتّى سُمِعَ في المَدينَةِ رَجَّةٌ ما سُمِعَ مِثْلُها قَط ». تاريخ اليعقوبي، ج2، ص245.
ومنْهَا خروجُ الدَّمِ مِنْ رأسِ إبراهيمَ علَيْهِ وعلَى نَبينَا وآلهِ صلواتِ اللهِ وسَلامِهِ عندمَا مرَّ بأرضِ كربلاءَ موافقةً لِدَّمِ الإمامِ سيدِ الشُّهداء(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) .
ومنْهَا مَا ذكرَهُ المؤرخونَ مِنْ أنَّهُ مَا رُفِعَ حَجَرٌ في بيتِ المَقدِسِ إلَّا ورُئيَ تحتَهُ دَمٌ عبيطٌ وأنَّ الشَّمسَ كُسفتْ ثلاثاً كمَا في الرَّوايَةِ التَاليَّةِ:
عن زين بن عمرو الكندي قال: « قالتْ أُمُّ حيَّان : يوم قُتِلَ الحسينُ اظلمّتْ علينا ثلاثاً ، ولم يمسّ أحدٌ من زعفرانهم شيئاً فجعله على وجهه إلاّ احترقَ ، ولم يقلبْ حَجَرٌ ببيت المقدِس إلاّ أصبحَ تحتَهُ دمٌ عبيطٌ ». تاريخ دمشق/ ترجمة الإمام الحسين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) / لابن عساكر/ ص362.
وقولُ الإمامُ المَهديِّ(عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ)يخاطبُ جَدّهُ الحُسينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أيضاً: ( وَ لَطَمَتْ عَلَيْكَ اَلْحُورُ اَلْعِينُ )، بحارُ الأنوارِ ، ج۹۸،ص۳۱۷.
اَللَّهُمَّ اِلْعَنِ اَلْعِصَابَةَ اَلَّتِي جَاهَدَتِ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ شَايَعَتْ وَ بَايَعَتْ وَ تَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ اَللَّهُمَّ اِلْعَنْهُمْ جَمِيعاً .