إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تَحرُّكُ موكبُ سبَايَا أهلِ البيتِ من كربلاءَ نحو الكُوفةِ:-

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تَحرُّكُ موكبُ سبَايَا أهلِ البيتِ من كربلاءَ نحو الكُوفةِ:-

    بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
    اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
    السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ اللهِ وَبَرَكآتُهْ


    يذكرُ أصحابُ السِّيَرِ أنَّهُ في الحَادي عشرِ منَ المُحرّمِ عام 61هـ، تَحرَّكَ موكبُ سبَايَا أهلِ البيتِ(رحيل سبايا الإمام الحسين كربلاء) من كربلاءَ المُقدَّسَةِ نحو مدينةِ الكُوفةِ.
    حيثُ بقِىَ عمرُ بنُ سعدٍ حتّى ظُهرَ ذلكَ اليومُ، فصلّى علَى جُثَثِ القَتلى القتَلَةِ المُجرمينَ منْ جيشِهِ ودَفنَ جِيَفَهم، وبعدَ مُنتصفِ النَّهارِ أمَرِ بحملِ الرَّكبِ الحُسينيّ منْ بناتِ النُّبوّةِ علَى إبِلٍ بلَا وطاءٍ ولَا غطاءٍ، ثُمّ مَرّ الرَّكبُ الكئيبُ علَى حومةِ الطفِّ الرهيبَةِ، ووقعتْ الأنظارُ علَى تلكَ المَشاهدِ المأساويّةِ المؤلمَةِ، حيثُ المولَى الحُسينُ سيّدِ الشُّهداءِ(رحيل سبايا الإمام الحسين كربلاء) وحولَهُ كوكبةُ الشُّهداءِ، مجزّرينَ كالأضَاحي علَى رمالِ كربلاءَ !.
    وكانَ ابنُ سعدٍ قدْ سيّرَ رؤوسَ الشُّهداءِ إلَى الكُوفَةِ، فإذا حَلَّ الزَّوالُ إرتَحَلَ ومعَهُ لفيفٌ منْ أسرى آلِ بيتِ المُصطفى(صلوات الله عليه) منْ نساءِ الحُسينِ وصبيتِهِ، وعيالاتِ أصحابِهِ .
    وقدْ وقفتْ العقيلَةُ المُكرّمةُ زينبُ بنتُ أميرِ المؤمنينَ(رحيل سبايا الإمام الحسين كربلاء) على بَدنِ أخيهَا الحُسينِ وصَاحَتْ: (يَا مُحَمَّدَاهْ صَلَّى عَلَيْكَ مَلِيكُ اَلسَّمَاءِ هَذَا حُسَيْنٌ بِالْعَرَاءِ مُرَمَّلٌ بِالدِّمَاءِ مُقَطَّعُ اَلْأَعْضَاءِ يَا مُحَمَّدَاهْ وَ بَنَاتُكَ سَبَايَا وَ ذُرِّيَّتُكَ قَتْلَى تَسْفِي عَلَيْهِمُ اَلصَّبَا . فَأَبْكَتْ كُلَّ صَدِيقٍ وَ عَدُوٍّ !! مثیرُ الأحزانِ ، ج۱،ص84 .
    ثمّ سارت جبلُ الصَّبرِ.. والبُكاءُ والعويلُ يغزو مَسامعَهَا منْ كُلِّ حَدَبٍ وصوبٍ، فيفترشُ الألمُ أضلعَها ليزيدَ قلبَها الموجوعَ مرارةً وحرقَةً، فقدْ غابتْ الأقمارُ وذُبحتْ الشُّموسُ وسُلبتْ أجسادُ الأطهارِ وسُبيتْ الدُررُ والجَواهرُ .
    سارتْ وفي قلبِهَا المألومُ لوعةً.. فالأجسادُ خلفَهَا والرؤوسُ أمامَهَا، واليتامَى والأراملُ حولَهَا تسيرُ علَى أقتابِ الجِّمالِ بغيرِ وِطاءٍ ، وهي ابنةُ مَنْ كانتْ منزلتهُ منَ الرَّسولِ كمنزلةِ هارونَ منْ موسَى، وأمّها سيّدةُ نساءِ العالمينَ من الأوّلينَ والآخرينَ
    ، وبهذه المحطّة ابتدأ فصلٌ آخرٌ منْ فصولِ عاشوراءَ الدَّاميَةِ، الّذي كانتْ السَّيدةُ زينبُ هي قطبُ الرَّحَى فيهِ .
    وحُملتْ عقائلُ النُّبوَّةِ وحرائرُ الوحي سبايَا إلَى الكُوفةِ ومعهُنَّ الأيتامُ، وقدْ رُبطوا بالحبالِ، وحُملوا علَى جمالٍ بغيرٍ وطاءٍ، وقدْ عُزفتْ أبواقُ الجَيشِ، وخَفَقتْ راياتُهُم، وكانَ منظراً رهيباً تهلعُ منْهُ القلوبُ، فعَنْ مُسْلِمٍ اَلْجَصَّاصِ قَالَ: دَعَانِي اِبْنُ زِيَادٍ لِإِصْلاَحِ دَارِ اَلْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ فَبَيْنَمَا أَنَا أُجَصِّصُ اَلْأَبْوَابَ وَ إِذَا أَنَا بِالزَّعَقَاتِ قَدِ اِرْتَفَعَتْ مِنْ جَنَبَاتِ اَلْكُوفَةِ فَأَقْبَلْتُ عَلَى خَادِمٍ كَانَ مَعَنَا فَقُلْتُ مَا لِي أَرَى اَلْكُوفَةَ تَضِجُّ قَالَ : اَلسَّاعَةَ أَتَوْا بِرَأْسِ خَارِجِيٍّ خَرَجَ عَلَى يَزِيدَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا اَلْخَارِجِيُّ فَقَالَ: اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ فَتَرَكْتُ اَلْخَادِمَ حَتَّى خَرَجَ وَ لَطَمْتُ وَجْهِي حَتَّى خَشِيتُ عَلَى عَيْنِي أَنْ يَذْهَبَ وَ غَسَلْتُ يَدَيَّ مِنَ اَلْجِصِّ وَ خَرَجْتُ مِنْ ظَهْرِ اَلْقَصْرِ وَ أَتَيْتُ إِلَى اَلْكِنَاسِ فَبَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ وَ اَلنَّاسُ يَتَوَقَّعُونَ وَصُولَ اَلسَّبَايَا وَ اَلرُّءُوسِ إِذْ قَدْ أَقْبَلَتْ نَحْوَ أَرْبَعِينَ شُقَّةً تُحْمَلُ عَلَى أَرْبَعِينَ جَمَلاً فِيهَا اَلْحُرَمُ وَ اَلنِّسَاءُ وَ أَوْلاَدُ فَاطِمَةَ (عَلَيْهَا السَّلاَمُ) وَ إِذَا بِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عَلَى بَعِيرٍ بِغَيْرِ وِطَاءٍ وَ أَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَماً وَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يَبْكِي وَ يَقُولُ :
    يَا أُمَّةَ اَلسَّوْءِ لاَ سُقْيَا لِرَبْعِكُمْ............................... يَا أُمَّةً لَمْ تُرَاعِ جَدَّنَا فِينَا
    لَوْ أَنَّنَا وَ رَسُولُ اَللَّهِ يَجْمَعُنَا ............................ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَا
    تُسَيِّرُونَا عَلَى اَلْأَقْتَابِ عَارِيَةً ................................ كَأَنَّنَا لَمْ نُشَيِّدْ فِيكُمْ دِيناً
    بَنِي أُمَيَّةَ مَا هَذَا اَلْوُقُوفُ عَلَى ...................... تِلْكَ اَلْمَصَائِبِ لاَ تُلَبُّونَ دَاعِيَنَا
    تُصَفِّقُونَ عَلَيْنَا كَفَّكُمْ فَرَحاً ........................ وَ أَنْتُمُ فِي فِجَاجِ اَلْأَرْضِ تَسْبُونَا
    أَ لَيْسَ جَدِّي رَسُولُ اَللَّهِ وَيْلَكُمْ ..................... أَهْدَى اَلْبَرِيَّةِ مِنْ سُبُلِ اَلْمُضِلِّينَا
    يَا وَقْعَةَ اَلطَّفِّ قَدْ أَوْرَثْتِنِي حَزَناً ...................... وَ اَللَّهُ يَهْتِكُ أَسْتَارَ اَلْمُسِيئِينَا

    بحارُ الأنوارِ ، ج45، ص 114.
    عَنْ حَذْلَمِ بْنِ سُتَيرٍ ، قَالَ: قَدِمْتُ اَلْكُوفَةَ فِي اَلْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَ سِتِّينَ ، مُنْصَرَفَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ) بِالنِّسْوَةِ مِنْ كَرْبَلاَءَ وَ مَعَهُمُ اَلْأَجْنَادُ يُحِيطُونَ بِهِمْ، وَ قَدْ خَرَجَ اَلنَّاسُ لِلنَّظَرِ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَقْبَلَ بِهِمْ عَلَى اَلْجِمَالِ بِغَيْرِ وِطَاءٍ جَعَلَ نِسَاءِ اَلْكُوفَةِ يَبْكِينَ، وَ يَلْتَدِمْنَ ، فَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وَ هُوَ يَقُولُ بِصَوْتٍ ضَئِيلٍ، وَ قَدْ نَهَكَتْهُ اَلْعِلَّةُ، وَ فِي عُنُقِهِ اَلْجَامِعَةُ، وَ يَدُهُ مَغْلُولَةٌ إِلَى عُنُقِهِ: ( إِنَّ هَؤُلاَءِ اَلنِّسْوَةَ يَبْكِينَ، فَمَنْ قَتَلَنَا ).
    فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا بِالرَّأْسِ إِلَى اِبْنِ زِيَادٍ وَ اِجْتَمَعَ اَلنَّاسُ لِلنَّظَرِ إِلَى سَبْيِ آلِ اَلرَّسُولِ وَ قُرَّةِ عَيْنٍ اَلْبَتُولِ فَأَشْرَفَتِ اِمْرَأَةٌ مِنَ اَلْكُوفَةِ وَ قَالَتْ مِنْ أَيِّ اَلْأُسَارَى أَنْتُنَّ فَقُلْنَ نَحْنُ أُسَارَى مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فَنَزَلَتْ وَ جَمَعَتْ مُلاَءً وَ إِزَاراً وَ مَقَانِعَ وَ أَعْطَتْهُنَّ فَتَغَطَّيْنَ وَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) مَعَهُنَّ وَ اَلْحَسَنُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلْمُثَنَّى وَ كَانَ قَدْ نُقِلَ مِنَ اَلْمَعْرَكَةِ وَ بِهِ رَمَقٌ وَ مَعَهُمْ زَيْدٌ وَ عُمَرُ وَلَدَا اَلْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَجَعَلَ أَهْلُ اَلْكُوفَةِ يَبْكُونَ . مثیر الأحزان ، ج۱، ص85 .
    من أبرز الصفات النفسيّة الماثلة في شخصية سيدة النساء زينب (عَلَيْهَا السَّلاَمُ)هي العزّة والكرامة ؛ فقد كانت من سيّدات نساء الدنيا في هذه الظاهرة الفذّة ، فقد حُملت بعد مقتل أخيها من كربلاء إلى الكوفة سبيّة , ومعها بنات رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) قد نُهب جميع ما عليهنّ من حُلي وما عندهنّ من أمتعة ، وقد أضرّ الجوع بأطفال أهل البيت وعقائلهم ، فترفّعت العقيلة أن تطلب من اُولئك الممسوخين ـ من شرطة ابن مرجانة ـ شيئاً من الطعام لهم .
    ولمّا انتهى موكب السبايا إلى الكوفة , وعلمنَ النساء أنّ السبايا من أهل بيت النبوّة , سارعنَ إلى تقديم الطعام إلى الأطفال الذين ذوت أجسامهم من الجوع ، فانبرت السيّدة زينب مخاطبة نساء أهل الكوفة قائلة : الصدقة محرّمة علينا أهل البيت .

    ولمّا سمع أطفال أهل البيت (عَلَيْهِم السَّلاَمُ) من عمّتهم ذلك ألقوا ما في أيديهم وأفواههم من الطعام ، وأخذ بعضهم يقول لبعض : إنّ عمّتنا تقول : ( الصدقة حرام علينا أهل البيت ).مقتل الحسين(عَلَيْهِم السَّلاَمُ) ، ج 3،ص335.
    أيّ تربية فذّة تربّى عليها أطفال أهل البيت(عَلَيْهِم السَّلاَمُ)! إنّها تربية الأنبياء والصدّيقين التي تسمو بالإنسان فترفعه إلى مستوى رفيع يكون من أفضل خلق الله .
    ولمّا سُيّرت سبايا أهل البيت (عَلَيْهِم السَّلاَمُ) من الكوفة إلى الشام لم تطلب السيدة زينب طيلة الطريق أيّ شيء من الإسعافات إلى الأطفال والنساء مع شدّة الحاجة إليها ؛ فقد أنفت أن تطلب أيّ مساعدة من اُولئك الجفاة الأنذال الذين رافقوا الموكب .
    لقد ورثت عقيلة بني هاشم من جدّها وأبيها العزّة والكرامة , والشرف والإباء ، فلم تخضع لأيّ أحدٍ مهما قست الأيام وتلبّدت الظروف ، إنّها لم تخضع إلاّ إلى الله تعالى .

    وحينما رأت حفيدة الرسول (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) زينب الجموع الزاخرة التي ملأت الشوارع والأزقة، وقد أحاطت بها اندفعت إلى الخطابة لبلورة الرأي العام، وإظهار المصيبة الكبرى التي داهمت العالم الإسلامي بقتل ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتحميل الكوفيّين مسؤولية هذه الجريمة النكراء، فهم الذين نقضوا ما عاهدوا الله عليه من نصرة الإمام الحسين(عليه السّلام) والذبّ عنه،ولكنّهم خسروا ذلك وقتلوه ثم راحوا ينوحون ويبكون، كأنهم لم يقترفوا هذا الإثم العظيم، وهذا نصّ خطابها: قَالَ: وَ رَأَيْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وَ لَمْ أَرَ خَفِرَةً قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا، كَأَنَّهَا تَفْرُغُ عَنْ لِسَانِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) . قَالَ: وَ قَدْ أَوْمَأَتْ إِلَى اَلنَّاسِ أَنِ اُسْكُتُوا، فَارْتَدَّتِ اَلْأَنْفَاسُ، وَ سَكَنَتِ اَلْأَصْوَاتُ، فَقَالَتْ: ( اَلْحَمْدُ لِلَّهِ، وَ اَلصَّلاَةُ عَلَى أَبِي رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) . أَمَّا بَعْدُ: يَا أَهْلَ اَلْكُوفَةِ ، وَ يَا أَهْلَ اَلْخَتْلِ وَ اَلْخَذْلِ، فَلاَ رَقَأَتِ اَلْعَبْرَةُ وَ لاَ هَدَأَتِ اَلرَّنَّةُ، فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ اَلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهٰا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكٰاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمٰانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ ، أَلاَ وَ هَلْ فِيكُمْ إِلاَّ اَلصَّلَفُ اَلظَّلَفُ وَ اَلضَّرَمُ الشرف [اَلسَّرَفُ] خَوَّارُونَ فِي اَللِّقَاءِ، عَاجِزُونَ عَنِ اَلْأَعْدَاءِ، نَاكِثُونَ لِلْبَيْعَةِ، مُضَيِّعُونَ لِلذِّمَّةِ، فَبِئْسَ مَا قَدِمْتَ لَكُمْ أَنْفُسَكُمْ أَنْ سَخِطَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ فِي اَلْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ . أَ تَبْكُونَ! إِي وَ اَللَّهِ فَابْكُوا كَثِيراً وَ اِضْحَكُوا قَلِيلاً، وَ لَقَدْ فُزْتُمْ بِعَارِهَا وَ شَنَارِهَا ، وَ لَنْ تَغْسِلُوا دَنَسَهَا عَنْكُمْ أَبَداً. فَسَلِيلَ خَاتَمِ اَلرِّسَالَةِ، وَ سَيِّدَ شَبَابِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ ، وَ مَلاَذَ خِيَرَتِكُمْ، وَ مَفْزَعَ نَازِلَتِكُمْ، وَ أَمَارَةَ مَحَجَّتِكُمْ، وَ مَدْرَجَةَ حُجَّتِكُمْ خَذَلْتُمْ وَ لَهُ قَتَلْتُمْ! أَلاَ سَاءَ مَا تَزِرُونَ فَتَعْساً وَ نَكْساً، وَ لَقَدْ خَابَ اَلسَّعْيُ، وَ تَبَّتِ اَلْأَيْدِي، وَ خَسِرَتِ اَلصَّفْقَةُ، وَ بُؤْتُمْ بِغَضَبٍ مِنَ اَللَّهِ ﴿ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ اَلذِّلَّةُ وَ اَلْمَسْكَنَةُ ﴾، . وَيْلَكُمْ! أَ تَدْرُونَ أَيَّ كَبِدِ لِمُحَمَّدٍ فَرَيْتُمْ، وَ أَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ، وَ أَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَصَبْتُمْ ﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا `تَكٰادُ اَلسَّمٰاوٰاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ اَلْأَرْضُ وَ تَخِرُّ اَلْجِبٰالُ هَدًّا ﴾، . وَ لَقَدْ أَتَيْتُمْ بِهَا خَرْقَاءَ شَوْهَاءَ بَلاَغَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّمَاءِ، أَ فَعَجِبْتُمْ أَنْ قَطَرَتِ اَلسَّمَاءُ دَماً، وَ لَعَذَابُ اَلْآخِرَةِ أَخْزَى، فَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكُمُ اَلْمَهَلُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْفِزُهُ اَلْبِدَارُ، وَ لاَ يُخَافُ عَلَيْهِ فَوْتُ اَلثَّأْرِ، كَلاَّ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصٰادِ ﴾، ). قَالَ: ثُمَّ سَكَتَتْ، فَرَأَيْتُ اَلنَّاسَ حَيَارَى، قَدْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَ رَأَيْتُ شَيْخاً قَدْ بَكَى حَتَّى اِخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ، وَ هُوَ يَقُولُ::
    كُهُولُكُمْ خَيْرُ اَلْكُهُولِ وَ نَسْلُكُمْ.................... إِذَا عُدَّ نَسْلٌ لاَ يَخِيبُ وَ لاَ يَخْزَى
    الأمالي (للمفید) ، ج۱،ص۳۲۰.
    لقد قرعتهم عقيلة الرسول بخطابها البليغ، وعرّفتهم زيف إسلامهم، وكذب دموعهم، وأنّهم من أحطّ المجرمين، فقد اقترفوا أفضع جريمة وقعت في الأرض، فقد قتلوا المنقذ والمحرّر الذي أراد لهم الخير، وفروا بقتله كبد رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وانتهكوا حرمته، وسبوا عياله، فأي جريمة أبشع من هذه الجريمة .
    وانبرى إلى الخطاب الإمام زين العابدين(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فقال بعد حمد الله والثناء عليه:( أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا أُعَرِّفُهُ بِنَفْسِي: أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَا ابْنُ الْمَذْبُوحِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ مِنْ غَيرِ ذَحْلِ وِلاِ تِرَاتٍ، أَنَا ابنُ مَنِ انْتُهِكَ حَرِيمُهُ وَسُلِبَ نَعِيمُهُ وَانْتُهِبَ مَالُهُ وَسُبِيَ عِيَالُهُ، أَنَا ابْنُ مَنُ قُتِلَ صَبْراً وَكَفىَ بِذَلِكَ فَخْراً .
    أَيُّهَا النَّاسُ، نَاشَدْتُكُمُ اللهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كَتَبْتُمْ إِلى أَبِي وَخَدَعْتُمُوهُ وَأَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ أَنْفُسِكُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَالْبَيْعَةَ وَقَاتَلْتُمُوهُ وَخَذَلْتُمُوهُ؟! فَتَبّاً لِمَا قَدَّمْتُمْ لأَنْفُسكُمْ وَسَوْءاً لِرَأُيكُم، بِأَيَّةِ عَيْنٍ تَنْظُرُون إِلى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) إِذْ يَقُولُ لَكُمْ: قَتَلْتُمْ عِتْرَتِي وَانتَهَكْتُمْ حُرْمَتِي فَلَسْتُمْ مِنْ أُمَّتِي؟!).
    وجردّهم بهذه الكلمات من الإسلام، ودلّهم على جرائمهم وآثامهم التي سوّدت وجه التأريخ، وقد علت أصواتهم بالبكاء، ونادى مناد منهم:هلكتم وما تعلمون واستمر الإمام في خطابه قائلاً :

    (فقَالَ: رَحِمَ امْرءاً قَبِلَ نَصِيحَتِي وَحَفِظَ وَصِيَّتِي فِي اللهِ وَفِي رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ لَنَا فِي رَسولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةُ ).
    فهتفوا قائلين: نحن يا بن رسول الله سامعون، مطيعون، حافظون لذمامك غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فإمّا حرب لحربك وسلم لسلمك، نبرأ ممن ظلمك وظلمنا .
    وردّ الإمام عليهم هذا الولاء الكاذب قائلاً :
    ( هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، أَيَّتُها الْغَدَرَةُ الْمَكَرَةُ، حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ شَهَواتِ أَنْفَسٍكُمْ، أَتُريدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ كَمَا أَتَيْتُمْ إِلىَ أَبِي مِنْ قَبْلُ؟! كَلاّ وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ(أي النجوم)، فَإِنَّ الْجَرْحَ لَمَّا يَنْدَمِلُ، قُتِلَ أَبِي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ بِالأَمْسِ وِأَهْلُ بَيْتِهِ مَعَهُ، وَلَمْ يُنْسَ ثَكْلُ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَثَكْلُ أَبي وَبَنِي أَبِي، وَوَجَدَهُ بَيْنَ لِهَاتِي وَمَرَارَتُهُ بَيْنَ حَنَاجِرِي وَحَلْقِي، وَغُصَصُهُ تَجرِي فِي فِرَاشِ صَدْرِي وَ مَسْأَلَتِي أَنْ لاَ تَكُونُوا لَنَا وَ لاَ عَلَيْنَا ). بحارُ الأنوارِ ، ج45،ص۱۱۲.
    وأمسك الإمام عن الكلام، وتركهم حيارى يندبون حظّهم التعيس .
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X