بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
رسالة عمر إلى معاوية و هي الرسالة التي أخبر عمر بها معاوية بكل أحداث الهجوم على الدار
(تحقيق مركز سيد الشهداء عليه السلام للبحوث الاسلامية)
سلسلة بحث: قَبَسٍ من ضياء روح الخلافة المحمّدية مليكة عالم الأكوان الصدِّيقة الكبرى
"والآية العظمى أمُّ أبيها حضرة السيّدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليه
رسالة عمر إلى معاوية :
العلامة المجلسي في البحار, حدثنا أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري قال: حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام قال: حدثنا جعفر ابن محمد بن مالك الفزاري الكوفي قال: حدثني عبد الرحمن بن سنان الصيرفي, عن جعفر بن علي الحوار, عن الحسن بن مسكان, عن المفضل بن عمر الجعفي, عن جابر الجعفي, عن سعيد بن المسيب, قال: لما قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهما ورد نعيه إلى المدينة, وورد الاخبار بجز رأسه وحمله إلى يزيد بن معاوية, وقتل ثمانية عشر من أهل بيته, وثلاث وخمسين رجلاً من شيعته, وقتل علي ابنه بين يديه وهو طفل بنشابة, وسبي ذراريه, أقيمت المآتم عند أزواج النبي (ص) في منزل أم سلمة رضي الله عنها, وفي دور المهاجرين والانصار, قال: فخرج عبد الله بن عمر بن الخطاب صارخاً من داره لاطماً وجهه شاقاً جيبه يقول: يا معشر بني هاشم وقريش والمهاجرين والانصار! يستحل هذا من رسول الله | في أهله وذريته وأنتم أحياء ترزقون!! لا قرار دون يزيد, وخرج من المدينة تحت ليله, لا يرد مدينة إلا صرخ فيها واستنفر أهلها على يزيد, وأخباره يكتب بها إلى يزيد, فلم يمر بملأ من الناس إلا لعنه وسمع كلامه, وقالوا هذا عبد الله بن عمر ابن خليفة رسول الله (ص)وهو ينكر فعل يزيد بأهل بيت رسول الله (ص) ويستنفر الناس على يزيد, وإن من لم يجبه لا دين له ولا إسلام, واضطرب الشام بمن فيه, وورد دمشق وأتى باب اللعين يزيد في خلق من الناس يتلونه, فدخل إذن يزيد إليه فأخبره بوروده ويده على أم رأسه والناس يهرعون إليه قدامه ووراءه, فقال يزيد: فورة من فورات أبي محمد, وعن قليل يفيق منها, فأذن له وحده فدخل صارخاً يقول: لا أدخل يا أمير المؤمنين! وقد فعلت بأهل بيت محمد | ما لو تمكنت الترك والروم ما استحلوا ما استحللت, ولا فعلوا ما فعلت! قم عن هذا البساط حتى يختار المسلمون من هو أحق به منك, فرحب به يزيد وتطاول له وضمه إليه وقال له: يا أبا محمد! اسكن من فورتك, واعقل, وانظر بعينك واسمع بأذنك, ما تقول في أبيك عمر بن الخطاب أكان هادياً مهدياً خليفة رسول الله (ص) وناصره ومصاهره بأختك حفصة, والذي قال: لا يعبد الله سراً؟ فقال عبد الله: هو كما وصفت, فأي شيء تقول فيه؟ قال: أبوك قلّد أبي أمر الشام, أم أبي قلد أباك خلافة رسول الله (ص)؟ فقال: أبي قلد أباك الشام, قال: يا أبا محمد! أفترضى به وبعهده إلى أبي أو ما ترضاه؟ قال: بل أرضى, قال: أفترضى بأبيك؟ قال: نعم, فضرب يزيد بيده على يد عبد الله بن عمر وقال له: قم يا أبا محمد حتى تقرأ, فقام معه حتى ورد خزانة من خزائنه, فدخلها ودعا بصندوق ففتح واستخرج منه تابوتاً مقفلاً مختوماً فاستخرج منه طوماراً لطيفاً في خرقة حرير سوداء, فأخذ الطومار بيده ونشره, ثم قال: يا أبا محمد, هذا خط أبيك؟ قال: إي والله! فأخذه من يده فقبله, فقال له: اقرأ, فقرأه ابن عمر, فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الذي أكرهنا بالسيف على الاقرار به فأقررنا, والصدور وغرة, والانفس واجفة, والنيات والبصائر شائكة مما كانت عليه من جحدنا ما دعانا إليه, وأطعناه فيه رفعاً لسيوفه عنا, وتكاثره بالحي علينا من اليمن, وتعاضد من سمع به ممن ترك دينه وما كان عليه آباؤه في قريش, فبهبل أقسم والاصنام والاوثان واللات والعزى ما جحدها عمر مذ عبدها ولا عبد للكعبة رباً!! ولا صدَّق لمحمد (ص) قولاً, ولا ألقى السلام إلا للحيلة عليه وإيقاع البطش به, فإنه قد أتانا بسحر عظيم, وزاد في سحره على سحر بني إسرائيل مع موسى وهارون وداود وسليمان وابن أمه عيسى, ولقد أتانا بكل ما أتوا به من السحر وزاد عليهم ما لو أنهم شهدوه لاقروا له بأنه سيد السحرة, فخذ يابن أبي سفيان سُنة قومك واتباع ملتك والوفاء بما كان عليه سلفك من جحد هذه البنية التي يقولون إن لها رباً أمرهم بإتيانها والسعي حولها وجعلها لهم قبلة فأقروا بالصلاة والحج الذي جعلوه ركناً, وزعموا أنه لله اختلقوا , فكان ممن أعان محمداً منهم هذا الفارسي الطمطاني روزبه, وقالوا إنه أوحي إليه: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين} وقولهم: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} وجعلوا صلاتهم للحجارة, فما الذي أنكره علينا لولا سحره من عبادتنا للاصنام والاوثان واللات والعزى وهي من الحجارة والخشب والنحاس والفضة والذهب؟! لا واللات والعزى ما وجدنا سبباً للخروج عما عندنا وإن سحروا وموهوا, فانظر بعين مبصرة, واسمع بأذن واعية, وتأمل بقلبك وعقلك ما هم فيه, واشكر اللات والعزى واستخلاف السيد الرشيد عتيق بن عبد العزى على أمة محمد وتحكمه في أمواله ودمائهم وشريعتهم وأنفسهم وحلالهم وحرامهم, وجبايات الحقوق التي زعموا أنهم يجبونها لربهم ليقيموا بها أنصارهم وأعوانهم, فعاش شديداً رشيداً يخضع جهراً ويشتد سراً, ولا يجد حيلة غير معاشرة القوم, ولقد وثبت وثبة على شهاب بني هاشم الثاقب, وقرنها الزاهر, وعلمها الناصر, وعدتها وعددها مسمى بحيدرة المصاهر لمحمد على المرأة التي جعلوها سيدة نساء العالمين يسمونها فاطمة, حتى أتيت دار علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين وابنتيهما زينب وأم كلثوم, والامة المدعوة بفضة, ومعي خالد بن وليد وقنفذ مولى أبي بكر ومن صحب من خواصنا, فقرعت الباب عليهم قرعاً شديداً, فأجابتني الامة, فقلت لها: قولي لعلي دع الاباطيل ولا تلج نفسك إلى طمع الخلافة, فليس الامر لك, الامر لمن اختاره المسلمون واجتمعوا عليه, ورب اللات والعزى لو كان الامر والرأي لأبي بكر لفشل عن الوصول إلى ما وصل إليه من خلافة ابن أبي كبشة, لكني أبديت لها صفحتي, وأظهرت لها بصري, وقلت للحيين نزار وقحطان بعد أن قلت لهم ليس الخلافة إلا في قريش, فأطيعوهم ما أطاعوا الله, وإنما قلت ذلك لما سبق من ابن أبي طالب من وثوبه واستيثاره بالدماء التي سفكها في غزوات محمد وقضاء ديونه, وهي ثمانون ألف درهم وإنجاز عداته, وجمع القرآن, فقضاها على تليده وطارفه , وقول المهاجرين والانصار لما قلت إن الامامة في قريش قالوا: هو الاصلع البطين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي أخذ رسول الله | البيعة له على أهل ملته, وسلمنا له بإمرة المؤمنين في أربعة مواطن, فإن كنتم نسيتموها معشر قريش فما نسيناها وليست البيعة ولا الامامة والخلافة والوصية إلا حقاً مفروضاً, وأمراً صحيحاً, لا تبرعاً ولا إدعاءً فكذبناهم, وأقمت أربعين رجلاً شهدوا على محمد أن الامامة بالاختيار, فعند ذلك قال الانصار: نحن أحق من قريش, لأنَّا آوينا ونصرنا وهاجر الناس إلينا, فإذا كان دفع من كان الامر له فليس هذا الامر لكم دوننا, وقال قوم: منا أمير ومنكم أمير, قلنا لهم: قد شهدوا أربعون رجلاً أن الائمة من قريش, فقبل قوم وأنكر آخرون وتنازعوا, فقلت والجمع يسمعون: ألا أكبرنا سناً وأكثرنا ليناً, قالوا: فمن تقول؟ قلت: أبو بكر الذي قدمه رسول الله | في الصلاة, وجلس معه في العريش يوم بدر يشاوره ويأخذ برأيه, وكان صاحبه في الغار, وزوج ابنته عائشة التي سماها: أم المؤمنين, فأقبل بنو هاشم يتميزون غيظاً, وعاضدهم الزبير وسيفه مشهور وقال: لا يبايع إلا علي أو لا أملك رقبة قائمة سيفي هذا, فقلت: يا زبير! صرختك سكن من بني هاشم, أمك صفية بنت عبد المطلب, فقال: ذلك والله الشرف الباذخ والفخر الفاخر, يابن خنتمة ويابن صهاك! أسكت لا أم لك, فقال قولاً فوثب أربعون رجلاً ممن حضر سقيفة بني ساعدة على الزبير, فوالله ما قدرنا على أخذ سيفه من يده حتى وسدناه الارض, ولم نر له علينا ناصراً, فوثبت إلى أبي بكر فصافحته وعاقدته البيعة وتلاني عثمان بن عفان وسائر من حضر غير الزبير, وقلنا له: بايع أو نقتلك, ثم كففت عنه الناس, فقلت له: أمهلوه, فما غضب إلا نخوة لبني هاشم, وأخذت أبا بكر بيده فأقمته وهو يرتعد قد اختلط عقله, فأزعجته إلى منبر محمد إزعاجاً, فقال لي: يا أبا حفص! أخاف وثبة علي, فقلت له: إن علياً عنك مشغول, وأعانني على ذلك أبو عبيدة بن الجراح كان يمده بيده إلى المنبر وأنا أزعجه من ورائه كالتيس إلى شفار الجاذر , متهوناً, فقام عليه مدهوشاً, فقلت له: اخطب! فأغلق عليه وتثبت فدهش, وتلجلج وغمض, فعضضت على كفي غيظاً, وقلت له: قل ما سنح لك, فلم يأت خيراً ولا معروفاً, فأردت أن أحطه عن المنبر وأقوم مقامه, فكرهت تكذيب الناس لي بما قلت فيه, وقد سألني الجمهور منهم: كيف قلت من فضله ما قلت؟ ما الذي سمعته من رسول الله (ص) في أبي بكر؟ فقلت لهم: قد قلت سمعت من فضله على لسان رسول الله ما لو وددت أني شعرة في صدره ولي حكاية, فقلت: قل وإلا فانزل, فتبينها والله في وجهي وعلم أنه لو نزل لرقيت, وقلت ما لا يهتدي إلى قوله, فقال بصوت ضعيف عليل: وليتكم ولست بخيركم وعلي فيكم, واعلموا أن لي شيطاناً يعتريني وما أراد به سواي فإذا زللت فقوموني لا أقع في شعوركم وأبشاركم, وأستغفر الله لي ولكم, ونزل فأخذت بيده وأعين الناس ترمقه وغمزت يده غمزاً, ثم أجلسته وقدمت الناس إلى بيعته وصحبته لأرهبه, وكل من ينكر بيعته ويقول: ما فعل علي بن أبي طالب؟!
فأقول: خلعها من عنقه وجعلها طاعة المسلمين قلة خلاف عليهم في اختيارهم, فصار جليس بيته, فبايعوا وهم كارهون, فلما فشت بيعته علمنا أن علياً يحمل فاطمة والحسن والحسين إلى دور المهاجرين والانصار يذكرهم بيعته علينا في أربعة مواطن, ويستنفرهم فيعدونه النصرة ليلاً ويقعدون عنه نهاراً, فأتيت داره مستيشراً لإخراجه منها, فقالت الامة فضة وقد قلت لها قولي لعلي: يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون فقالت إن أمير المؤمنين (ع) مشغول, فقلت: خلي عنك هذا وقولي له يخرج وإلا دخلنا عليه وأخرجناه كرهاً, فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب, فقالت: أيها الضالون المكذبون! ماذا تقولون؟ وأي شئ تريدون؟ فقلت: يا فاطمة! فقالت فاطمة: ما تشاء يا عمر؟! فقلت: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب؟ فقالت لي: طغيانك يا شقي أخرجني وألزمك الحجة, وكل ضال غوي, فقلت: دعي عنك الاباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج, فقالت: لا حب ولا كرامة أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر! وكان حزب الشيطان ضعيفاً, فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها ناراً على أهل هذا البيت وأحرق من فيه, أو يقاد علي إلى البيعة, وأخذت سوط قنفذ فضربت وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلموا في جمع الحطب, فقلت: إني مضرمها, فقالت: يا عدو الله وعدو رسوله وعدو أمير المؤمنين, فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه فرمته فتصعب عليَّ فضربت كفيّها بالسوط فألمها, فسمعت لها زفيراً وبكاءً, فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب فذكرت أحقاد علي وولوعه في دماء صناديد العرب, وكيد محمد وسحره, فركلت الباب وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه, وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها,
وقالت: يا أبتاه! يا رسول الله! هكذا كان يفعل بحبيبتك وابنتك, آه يا فضة! إليك فخذيني فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل, وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار, فدفعت الباب ودخلت فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري, فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثرت إلى الارض, وخرج علي, فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوت من أمر عظيم! وفي رواية أخرى: قد جنيت جناية عظيمة لا آمن على نفسي, وهذا علي قد برز من البيت وما لي ولكم جميعاً به طاقة, فخرج علي وقد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها وتستغيث بالله العظيم ما نزل بها, فأسبل علي عليها ملاءتها وقال لها: يا بنت رسول الله! إن الله بعث أباك رحمة للعالمين, وأيم الله لئن كشفت عن ناصيتك سائلة إلى ربك ليهلك هذا الخلق لأجابك حتى لا يبقى على الارض منهم بشراً, لأنك وأباك أعظم عند الله من نوح الذي غرق من أجله بالطوفان جميع من على وجه الارض وتحت السماء إلا من كان في السفينة, وأهلك قوم هود بتكذيبهم له, وأهلك عادا بريح صرصر, وأنت وأبوك أعظم قدراً من هود وعذب ثمود وهي اثنا عشر ألفاً بعقر الناقة والفصيل, فكوني يا سيدة النساء رحمة على هذا الخلق المنكوس ولا تكوني عذاباً, واشتد بها المخاض ودخلت البيت فأسقطت سقطاً سماه علي محسناً, وجمعت جمعاً كثيراً, لا مكاثرة لعلي ولكن ليُشد بهم قلبي وجئت وهو محاصر فاستخرجته من داره مكرهاً مغصوباً وسقته إلى البيعة سوقاً, وإني لأعلم علماً يقيناً لا شك فيه لو اجتهدت أنا وجميع من على الارض جميعاً على قهره ما قهرناه, ولكن لهنات كانت في نفسه أعلمها ولا أقولها, فلما انتهيت إلى سقيفة بني ساعدة قام أبو بكر ومن بحضرته يستهزؤن بعلي,
فقال علي: يا عمر! أتحب أن أعجل لك ما أخرته سواء عنك؟ فقلت: لا, يا أمير المؤمنين! فسمعني والله خالد بن الوليد, فأسرع إلى أبي بكر, فقال له أبو بكر: ما لي ولعمر! ثلاثاً, والناس يسمعون, ولما دخل السقيفة صبا أبو بكر إليه, فقلت له: قد بايعت يا أبا الحسن فانصرف, فأشهد ما بايعه ولا مد يده إليه, وكرهت أن أطالبه بالبيعة فيعجل لي ما أخره عني, وود أبو بكر أنه لم ير علياً في ذلك المكان جزعاً وخوفاً منه, ورجع علي من السقيفة وسألنا عنه, فقالوا: مضى إلى قبر محمد فجلس إليه, فقمت أنا وأبو بكر إليه, وجئنا نسعى وأبو بكر يقول: ويلك يا عمر!! ما الذي صنعت بفاطمة, هذا والله الخسران المبين, فقلت: إن أعظم ما عليك أنه ما بايعنا ولا أثق أن تتثاقل المسلمون عنه, فقال: فما تصنع؟ فقلت: تظهر أنه قد بايعك عند قبر محمد, فأتيناه وقد جعل القبر قبلة, مسنداً كفه على تربته وحوله سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وحذيفة بن اليمان, فجلسنا بإزائه وأوعزت إلى أبي بكر أن يضع يده على مثل ما وضع علي يده ويقربها من يده, ففعل ذلك وأخذت بيد أبي بكر لامسحها على يده, وأقول قد بايع, فقبض علي يده فقمت أنا وأبو بكر موليا, وأنا أقول: جزا الله علياً خيراً فإنه لم يمنعك البيعة لما حضرت قبر رسول الله |, فوثب من دون الجماعة أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري وهو يصيح ويقول: والله! يا عدو الله ما بايع علي عتيقاً, ولم يزل كلما لقينا قوماً وأقبلنا على قوم نخبرهم ببيعته وأبو ذر يكذبنا, والله ما بايعنا في خلافة أبي بكر ولا في خلافتي ولا يبايع لمن بعدي ولا بايع من أصحابه اثنا عشر رجلاً لا لأبي بكر ولا لي, فمن فعل يا معاوية فعلي واستشار أحقاده السالفة غيري! وأما أنت وأبوك أبو سفيان وأخوك عتبة فأعرف ما كان منكم في تكذيب محمد | وكيده, وإدارة الدوائر بمكة وطلبته في جبل حرى لقتله, وتألف الاحزاب وجمعهم عليه, وركوب أبيك الجمل وقد قاد الاحزاب, وقول محمد: لعن الله الراكب والقائد والسائق, وكان أبوك الراكب وأخوك عتبة القائد وأنت السائق, ولم أنس أمك هنداً وقد بذلت لوحشي ما بذلت حتى تكمن لحمزة الذي دعوه أسد الرحمن في أرضه وطعنه بالحربة, ففلق فؤاده وشق عنه وأخذ كبده فحمله إلى أمك, فزعم محمد بسحره أنه لما أدخلته فاها لتأكله صار جلموداً فلفظته من فيها, فسماها محمد وأصحابه: آكلة الاكباد, وقولها في شعرها لاعتداء محمد ومقاتليه:
نحن بنات طارق * نمشي على النمارق
كالدر في المخانق * والمسك في المفارق
إن يقبلوا نعانق * أو يدبروا نفارق
فراق غير وامق
ونسوتها في الثياب الصفر المرئية مبديات وجوههن ومعاصمهن ورؤوسهن يحرصن على قتال محمد, إنكم لم تسلموا طوعاً وإنما أسلمتم كرهاً يوم فتح مكة فجعلكم طلقاء, وجعل أخي زيداً وعقيلاً أخا علي بن أبي طالب والعباس عمهم مثلهم, وكان من أبيك في نفسه, فقال: والله يا بن أبي كبشة! لأملأنّها عليك خيلاً ورجلاً وأحول بينك وبين هذه الاعداء, فقال محمد: ويؤذن للناس أنه علم ما في نفسه أو يكفي الله شرك يا أبا سفيان! وهو يرى الناس أن لا يعلوها أحد غيري, وعلي ومن يليه من أهل بيته فبطل سحره وخاب سعيه, وعلاها أبو بكر وعلوتها بعده وأرجوا أن تكونوا معاشر بني أمية عيدان أطنابها, فمن ذلك قد وليتك وقلدتك إباحة ملكها وعرفتك فيها وخالفت قوله فيكم, وما أبالي من تأليف شعره ونثره, أنه قال: يوحى إلي منزل من ربي في قوله: {والشجرة الملعونة في القرآن} فزعم أنها أنتم يا بني أمية, فبين عداوته حيث ملك كما لم يزل هاشم وبنوه أعداء بني عبد شمس, وأنا مع تذكيري إياك يا معاوية وشرحي لك ما قد شرحته ناصح لك ومشفق عليك من ضيق عطنك وحرج صدرك, وقلة حلمك, أن تعجل فيما وصيتك به ومكنتك منه من شريعة محمد | وأمته أن تبدي لهم مطالبته بطعن أو شماتة بموت أو رداً عليه فيما أتى به, أو استصغاراً لما أتى به فتكون من الهالكين, فتخفض ما رفعت وتهدم ما بنيت, واحذر كل الحذر حيث دخلت على محمد مسجده ومنبره وصدق محمداً في كل ما أتى به وأورده ظاهراً, وأظهر التحرز والواقعة في رعيتك, وأوسعهم حلماً, وأعمهم بروايح العطايا, وعليك بإقامة الحدود فيهم وتضعيف الجناية منهم لسببا محمد من مالك ورزقك ولا ترهم أنك تدع لله حقاً ولا تنقض فرضاً ولا تغير لمحمد سنة فتفسد علينا الامة, بل خذهم من مأمنهم, واقتلهم بأيديهم, وأبدهم بسيوفهم وتطاولهم ولا تناجزهم, ولن لهم ولا تبخس عليهم, وافسح لهم في مجلسك, وشرقهم في مقعدك, وتوصل إلى قتلهم برئيسهم, وأظهر البشر والبشاشة بل أكظم غيظك واعف عنهم يحبوك ويطيعوك, فما آمن علينا وعليك ثورة علي وشبليه الحسن والحسين, فإن أمكنك في عدة من الامة فبادر ولا تقنع بصغار الامور, واقصد بعظيمها واحفظ وصيتي إليك وعهدي واخفه ولا تبده, وامتثل أمري ونهيي وانهض بطاعتي, وإياك والخلاف علي, واسلك طريق أسلافك, واطلب بثارك, واقتص آثارهم, فقد أخرجت إليك بسري وجهري, وشفعت هذا بقولي:
معاوي إن القوم جلت أمورهم * بدعوة من عم البرية بالوتري
صبوت إلى دين لهم فأرابني * فابعد بدين قد قصمت به ظهري
وأن أنس لا أنس الوليد وشيبة * وعتبة والعاص السريع لدى بدر
وتحت شغاف القلب لدغ لفقدهم * أبو حكم أعني الضيئل من الفقري
أولئك فاطلب يا معاوي ثارهم * بنصل سيوف الهند والاسل السمري
وصل برجال الشام في معشرهم * هم الاسد والباقون في أكم الوعري
توسل إلى التخليط في الملة التي * أتانا به الماضي المسموه بالسحري
وطالب بأحقاد مضت لك مظهراً * لعلة دين عم كل بني النضر
فلست تنال الثار إلا بدينهم * فتقتل بسيف القوم جيد بني عمري
لهذا لقد وليتك الشام راجياً * وأنت جدير أن تؤول إلى صخري
قال: فلما قرأ عبد الله بن عمر هذا العهد, قام إلى يزيد فقبل رأسه, وقال: الحمد لله يا أمير المؤمنين! على قتلك الشاري ابن الشاري, والله ما أخرج أبي إلي بما أخرج إلى أبيك, والله لا رآني أحد من رهط محمد بحيث يحب ويرضى, فأحسن جائزته وبره, ورده مكرماً, فخرج عبد الله بن عمر من عنده ضاحكاً, فقال له الناس: ما قال لك؟ قال: قولاً صادقاً لوددت أني كنت مشاركه فيه, وسار راجعاً إلى المدينة, وكان جوابه لمن يلقاه هذا الجواب, ويروى أنه أخرج يزيد لعنه الله إلى عبد الله بن عمر كتاباً فيه عهد عثمان بن عفان فيه أغلظ من هذا وأدهى وأعظم من العهد الذي كتبه عمر لمعاوية, فلما قرأ عبد الله العهد الآخر قام فقبل رأس يزيد لعنهما الله, وقال: الحمد لله على قتلك الشاري ابن الشاري, واعلم أن والدي عمر أخرج إليّ من سره بمثل هذا الذي أخرج إلى أبيك معاوية, ولا أرى أحداً من رهط محمد وأهله وشيعته بعد يومي هذا إلا غير منطو لهم على خير أبداً, فقال يزيد: أفيه شرح الخفا يا بن عمر؟ والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله, قال ابن عباس: أظهروا الايمان وأسروا الكفر, فلما وجدوا عليه أعواناً أظهروه
===========
البحار ج30 ص287.
تعليق