بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ
قالَ البَاري تَعَالَى في كِتَابِهِ المَجيدِ: ﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾،سُورَةُ الحَجِّ، الآية، 32.
أي تعظيمُ الشَّعائرِ الإلهيَّةِ منَ التَّقوَى ، فالضَّميرُ لِتعظيمِ الشَّعائرِ المَفهومِ مِنَ الكَلامِ ثُمَّ كأنَّهُ حَذَفَ المُضافَ وأُقيمَ المُضافُ إليهِ مقامَهُ فأرجعَ إليهِ الضَّميرَ. تفسيرُ الميزانِ ، السَّيدُ الطَباطبائيِّ ، ج 14، ص 374.
شَعائرُ اللهِ: هي معالمُ اللهِ الّتي يُعرَفُ بِهَا طريقَ اللهِ ، فعندمَا يُوضعُ مَعْلَماً لغرضٍ ما فإنّ هذا المَعْلَمُ يكونُ الغرَضُ منْ وضعِهِ هو التَّعريفُ بالطَّريقِ المُوصلِ للمَقصودِ ، فيكونُ هذا المَعْلَمُ هو وسيلَةُ التَّعريفِ بالمُرادِ والمقصودِ للواضِعِ.
فشَعائرُ الدِّينِ هي معالمُ الدِّينِ الّتي يُتعرَّفَ بِهَا علَى الدِّينِ، ومنْ خلالِهَا وبواسطتِهَا يُمكنُ الوصولُ إلَى الدِّينِ، وأحكامِهِ، وشرائِعِهِ، وأصولِهِ، ومقاصدِهِ. هذا المَعْلَمُ يكونُ وسيلَةَ الوُصُولِ، ويكونُ هو المؤشِّرُ والمعرِّفُ لكُلِّ مَا يشتملُ عليهِ الدِّينُ مِنْ مفاهيمِ، وقِيَمٍ، ومقاصِدٍ، و مبادئٍ، و أصولٍ، وأحكامٍ، وشرائِعٍ، ومُعتقداتٍ
وإضافةِ التَّقوَى إلَى القُلوبِ للإشارةِ إلَى أنَّ حقيقةَ التَّقوَى وهيَ التَّحَرزُ والتَّجنبُ عنْ سخطِهِ تَعالَى والتَّورعُ عنْ محارمِهِ أمرٌ معنويٌ يرجِعُ إلَى القلوبِ وهَي النُّفوسُ وليستْ هي جسدُ الأعمالِ الّتي هَي حركاتٌ وسكناتٌ فإنَّها مُشتركَةٌ بينَ الطَّاعةِ والمَعصيةِ كالمَسِّ في النِّكاحِ والزِّنا ، وإزهاقِ الرُّوحِ في القَّتلِ قِصاصَا أو ظُلمَاً والصَّلاةِ المأتِي بِهَا قُربَةً أو رياءً وغيرَ ذلكَ ، ولَا هي العناوينَ المُنتَزعَةِ مِنَ الأفعالِ كالإحسانِ والطَّاعَةِ ونحوهَا .
ثُمَّ إنَّ التَّعظيمَ ليسَ بِمعنَى التَّقديرِ والتَّقديسِ وحَسب، فذلكَ مَظهرٌ مِنْ مظاهرِ التَّعظيمِ، وليسَ هو حقيقةُ التَّعظيمِ ، كَمَا نُلاحِظُ في قولِهِ تَعالَى : ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ ، الآية، 158؛ إذْ منَ المَعلومِ أنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ موجوداتٌ صَامِتَةٌ جامدةٌ ، ولكنْ لأنَّهَا إرتبطَتْ بالمَسعَى – مبدأُ السَّعي ومُنتَهَاهُ– ، وهنَا في هذهِ المَساحةِ وقعتْ بعضُ الحَوادِثِ ، حيثُ هاجَرُ أُمُّ النَّبيِّ إسمَاعيلِ(عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ) هرولَتْ طلباً للمَاءِ لِولَدِهَا ؛ فكانَ لهَا ذلكَ التَّميُّزِ والتَّعظيمِ .
فإذا كانتْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةُ منْ شعائرِ اللهِ ، فألَا يكونُ الحَسنُ والحُسينُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) منْ شعائرِ اللهِ ، وهُمَا الَّلذانِ يُمثلانِ خَطَّ الرِّسالةِ في زمانِهِمَا ؟.. فإذنْ، هذهِ مِنْ الشَّعائرِ.. هذهِ منْ أيامِ اللهِ.. عيدُ الفِطرِ يومٌ إلهيٌّ ، وعيدُ الأضحَى يومٌ إلهيٌّ ؛ وكذلكَ الغَديرُ يومٌ إلهيٌّ ، لأنَّ هذا اليومُ يُذكرُنَا باللهِ عَزَّوجَلَّ ، أضِفْ إلَى أنَّهُ عيدَ الغديرِ يومٌ إلهيٌّ مُرتبِطٌ بالعقيدَةِ ، وبأصولِ الدِّينِ ؛ فإذنْ، المَسألةُ في غايةِ الأهميَّةِ.
والحُسينُ الشَّهيدُ عليهِ أفضَلِ الصَّلاةِ والسَّلامِ واحدٌ منْ شعائرِ اللهِ، أي هو مَعْلَمٌ منْ معَالِمِ اللهِ ، ومَعنَى أنَّهُ مَعْلَمٌ هو أنَّهُ الطَّريقُ إلَى معرفةِ اللهِ، والطَّريقُ الّذي إذا سُلِكَ كانَ مُوصلاً إلَى اللهِ، ومُوصلاً إلَى دينِ اللهِ، وإلَى أحكامِ اللهِ، وإلَى شَريعتِهِ، وإلَى مقاصدِ الشَّريعَةِ الإلهيَّةِ.. هذا هو مَعنى أنَّ الحُسينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) شَعيرَةٌ مِنْ شعائِرِ الدِّينِ ، وهكذا فإنَّ كُلَّ نَبيٍّ فهو مَعْلَمٌ منْ معالِمِ دينِ اللهِ، والقرآنُ مَعْلَمٌ من مَعالِمِ دينِ اللهِ ؛ لأنَّهُ المُعرِّفُ بدينِ اللهِ، والمُعرِّفُ بأحكامِ اللهِ، وبأصولِ العَقيدَةِ، وبِمَا شَرَّعَهُ اللهُ عَزَّوجَلَّ لِعبادِهِ.. وهكذا فإنَّ مُحَمَّداً الرَّسولَ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) شعيرةً منْ شعائرِ اللهِ؛ لأنَّهُ المُعرَّفُ بدينِ اللهِ، وعليٌّ أميرِ المؤمنينَ، والحَسنُ، وسائرُ أئمةِ أهلِ البيتِ هُمْ منْ شعائرِ اللهِ؛ لأنَّهُم الطُّرقُ الموصِلَةِ والمُعرِّفةِ بدينِ اللهِ . فكُلُّ هؤلاءِ الّذينَ ذكرنَاهُم هُمُ الطُّرقُ المُوصلَةُ إلَى دينِ اللهِ -عزَّ إسمُهُ وتَقدَّس-.
الحُسينُ الشَّهيدُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) مَعْلَمٌ مِنْ معالِمِ الدِّينِ ، وطَريقٌ جعلَهُ اللهُ عَزَّوجَلَّ إلَى دِينِهِ، ودليلٌ علَى شَريعَتِهِ، وهو المُعرِّفُ بأحكامِ اللهِ وبأصولِ العَقيدَةِ وبمقاصِدِ القُرآنِ ومعانِيِهِ، هذا مَعنَى أنَّ الحُسينَ شعيرةٌ مِنْ شعائِرِ اللهِ، وهذا مَعنَى أنَّ الحُسينَ مَعْلَمٌ من مَعالِمِ الدينِ ، فإذا كانَ كذلكَ فإذنْ يَلزَمُ تَعظيمَهُ، ومَنْ تَعظيمَهُ -كَمَا قُلنا- هذا المَظهرُ مِنَ التَّقديرِ والتَّبجيلِ والإكبارِ والإجلالِ، فهذا مَظهرٌ مِنْ مظاهرِ التَّعظيمِ، أنْ تُكبِرَ الحُسينِ، أن تُجِلَ الحُسينِ، أنْ تُقَدِّسَ الحُسينِ، فذلكَ مَظهرٌ مِنْ مظاهرِ التَّعظيمِ إلَّا إنَّ تَعظيمَهُ الحَقيقيُّ هو العملُ بِهدي الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، وتعظيمِ الحُسينِ لِكونِهِ مَعْلَماً من مَعالِمِ دينِ اللهِ عَزَّ و جَلَّ معناهُ العملُ بهدي الحُسينِ، معناهُ إعتمادُ قِيَمِ الحُسينِ، ومبادئِهِ الّتي كانَ يَدعو إليهَا، معنَى تَعظيمُ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) هو إعتبارُهُ النَّموذجُ الّذي يَنبغي أنْ يُحتَذا بمواقفِهِ، بخطاباتِهِ، بمَا كانَ يقولُ، بمَا كانَ يفعلُ، وأنْ يُعْتَمَدَ كوسيلةٍ للوصولِ إلَى اللهِ عَزَّ و جَلَّ ، وللوصولِ إلَى دينِ اللهِ -عزَّ إسمُهُ وتقدَّسَ-. وهذا هو مَعنى أنَّ الحُسينَ -كما وَرَدَ عنْ الرِّسولِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) حيثُ قالَ: ( مِصْبَاحُ هُدًى وَ سَفِينَةُ نَجَاةٍ )،بحارُ الأنوارِ ، ج 91 ، ص 184، فهو مِصباحُ هُدىً يُستَضاءُ بهَدْيِهِ يُسْتضاءُ بمَا كانَ عليهِ منْ سَجايَا وخصالٍ، وهو سَفينةُ نجاةٍ، فمَنْ رَكِبَهَا كانَ في النَّاجينَ، ومنْ تخلَّفَ عنْهَا كانَ في الغَارقينَ .
فالقرآنُ إذنْ يؤصِّلُ لأصلٍ عامٍّ بقولِهِ: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلوُبِ ﴾،سُورَةُ الحَجِّ، الآية، 32. وبَيَّنَ الإمامُ الصَّادقُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) حيثيات وأُصول وطُرق هذا التَّعظيمِ منْ خلالِ مَا سألَهَ بِهِ أحَدِ خَواصِ أصحَابِهِ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وهو اَلْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ ، وفيهِ :
عَنِ اَلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) كِتَاباً فَجَاءَهُ هَذَا اَلْجَوَابُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) . ( أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ وَ نَفْسِي بِتَقْوَى اَللَّهِ وَ طَاعَتِهِ،.................................................. ...........................
وَ أُخْبِرُكَ حَقّاً يَقِيناً أَنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اِخْتَارَ اَلْإِسْلاَمَ لِنَفْسِهِ دِيناً وَ رَضِيَهُ لِخَلْقِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ عَمَلاً إِلاَّ بِهِ وَ بِهِ بَعَثَ أَنْبِيَاءَهُ وَ رُسُلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَ بِالْحَقِّ أَنْزَلْنٰاهُ وَ بِالْحَقِّ نَزَلَ فَعَلَيْهِ وَ بِهِ بَعَثَ أَنْبِيَاءَهُ وَ رُسُلَهُ وَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ، فَأَصْلُ اَلدِّينِ مَعْرِفَةُ اَلرُّسُلِ وَ وَلاَيَتُهُمْ. وَ إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَحَلَّ حَلاَلاً، وَ حَرَّمَ حَرَاماً فَجَعَلَ حَلاَلَهُ حَلاَلاً إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، وَ جَعَلَ حَرَامَهُ حَرَاماً إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ. فَمَعْرِفَةُ اَلرُّسُلِ وَ وَلاَيَتُهُمْ وَ طَاعَتُهُمْ هِيَ اَلْحَلاَلُ، فَالْمُحَلَّلُ مَا حَلَّلُوا، وَ اَلْمُحَرَّمُ مَا حَرَّمُوا، وَ هُمْ أَصْلُهُ، وَ مِنْهُمُ اَلْفُرُوعُ اَلْحَلاَلُ، فَمِنْ فُرُوعِهِمْ أَمْرُهُمْ شِيعَتَهُمْ وَ أَهْلَ وَلاَيَتِهِمْ بِالْحَلاَلِ، مِنْ إِقَامَةِ اَلصَّلاَةِ، وَ إِيتَاءِ اَلزَّكَاةِ، وَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَ حِجِّ اَلْبَيْتِ، وَ اَلْعُمْرَةِ، وَ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ شَعَائِرِهِ وَ مَشَاعِرِهِ، وَ تَعْظِيمِ اَلْبَيْتِ اَلْحَرَامِ ، وَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرَامِ ، وَ اَلشَّهْرِ اَلْحَرَامِ ، وَ اَلطُّهْرِ، وَ اَلاِغْتِسَالِ مِنَ اَلْجَنَابَةِ، وَ مَكَارِمِ اَلْأَخْلاَقِ وَ مَحَاسِنِهَا، وَ جَمِيعِ اَلْبِرِّ، وَ ذَكَرَ اَللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: ﴿ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ اَلْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي اَلْقُرْبىٰ وَ يَنْهىٰ عَنِ اَلْفَحْشٰاءِ وَ اَلْمُنْكَرِ وَ اَلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾، سُورَةُ النَّحْلِ، الآية، 95........ الحديث). مختصرُ البصائرِ ج1 ص 238 .