إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التوسل والتبرك

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التوسل والتبرك

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    التوسل.

    و هو مسألة اللجوء إلى محمد وآل محمد في قضاء الحوائج، والاستغاثة والتوسل بهم في إنجاز المهمات والشدائد «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين». أن الفلاسفة يقولون: هناك مقتض وهناك شرط، المقتضي ما منه الوجود، والشرط ما به الوجود، كيف؟

    مثال: وجود الجنين في بطن أمه، حتى يتكون الجنين في بطن أمه يحتاج إلى عاملين: العامل الأول هو المقتضي، وهو الذي يفيض الحياة، ما منه الوجود، من هو المقتضي الذي يفيض الحياة؟ هو الله ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، هو مفيض الحياة تبارك وتعالى. وعندنا عامل آخر، وهو الشرط، ما به الوجود، ألا وهو لا لقاء الذكر والأنثى، بلقاء الذكر والأنثى يتحقق الشرط، لما تحقق الشرط جاء دور الإفاضة، فأفاض الله تبارك وتعالى الحياة على هذه النطفة المتطورة.

    إذن، هناك عاملان: عامل المقتضي وعامل الشرط. وهذا ما نقول به في أهل البيت، نحن لا نعتقد أن أهل البيت مصدر إفاضة، بل هم وسائط، وفرق بين وسائط الفيض وبين مصدر الإفاضة. مصدر الإفاضة هو الله عز وجل، هو مصدر الحياة، هو مصدر العطاء، هو مصدر الخلق والرزق، منه الوجود تبارك وتعالى، الإمام واسطة في الإفاضة، كما مثلنا: المفيض لحياة الجنين هو الله لكن الواسطة في الإفاضة لقاء الذكر والأنثى، أيضًا المفيض لقضاء الحوائج، المفيض لإنجاز الشدائد، المفيض لكل الأمور هو الله ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾، ولكن هذه الإفاضة لها واسطة تحمل الإفاضة من مصدرها - وهو الله تبارك وتعالى - إلى الوعاء المتمثل في الإنسان، فهم وسائط في الفيض لا أنهم مصدر الفيض.

    والقرآن الكريم نفسه يتحدث عن مقتض ويتحدث عن شرط، مثلًا
    القرآن الكريم في بعض آياته يقول: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾، ويقول في آية أخرى: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾، فكيف نجمع بين الآيتين؟ بالذي قلناه، المقتضي للوفاة ولقبض الأرواح هو الله، لكن الواسطة في القبض ملك الموت، ملك الموت مجرد واسطة. وقال في آية: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ يعني الأمر بيده، بينما في آية أخرى يقول: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ يعني الملائكة يدبرون الأمر، فالأمر بيده وأما الملائكة فهم وسائط في تدبير الأمر.

    ربما يقول قال: لماذا كل هذا اللف والدوران؟! الله هو الذي يفيض وهو الواسطة، هو الأول والآخر، فلماذا تقومون بكل هذه الالتفافات وتقولون: هو المفيض ولكن هناك واسطة في الفيض؟! لماذا لا يفيض الله مباشرة ويتكفل الأمور كلها؟! والجواب عن ذلك: أن حكمة الله جرت على ذلك، وبعبارة فلسفية: القصور في القابل لا في الفاعل. ابن أبي العوجاء عندما يسأل الإمام الصادق عليه السلام يقول له: هل الله قادر على أن يخلق الدنيا في بيضة؟ الإمام أجابه بحسب الفلاسفة: القصور في القابل لا في الفاعل.

    الله لا قصور في قدرته، ولا قصور في خالقيته، وإنما القصور في المخلوق نفسه، البيضة ليس لديها القابلية أن تستوعب الدنيا، القصور في البيضة وليس في قدرة الله، البيضة ليس لها القابلية أن تستوعب الدنيا كلها، الظرف الصغير ليس له قابلية استيعاب المظروف الكبير، هذا قصور في القابل. كذلك هذه الوجودات المادية، الإنسان والكون كله وجود مادي، الوجود المادي لا يقبل تلقي الإفاضة إلا بواسطة، هذا قصور فينا نحن وليس قصورًا في الله عز وجل، الوجود المادي قاصر عن تقبل الإفاضة إلا بواسطة في الفيض، لذلك نحتاج إلى الملائكة كوسائط في الفيض، القصور فينا نحن القابل وليس القصور فيه هو الفاعل، الوجود المادي يتوقف قبوله للإفاضة على الواسطة، لذلك خلق الله واسطة، وكما أننا نحتاج إلى وساطة الفيض من قبل الملائكة، نحتاج أيضًا إلى وساطة الفيض من قبل محمد وآمحمد «صلوات الله وسلامه عليهم».

    ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، الله هو المفيض للغنى، والنبي واسطة في الفيض. إذن، هذه الواسطية في الفيض هي التي أصبحت ملاكًا في التوسل بأهل البيت، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾، الوسيلة قد تكون زمانية مثل ليلة القدر، قد تكون مكانية مثل الكعبة المشرفة، قد تكون شخصًا إنسانيًا كما في شخص النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾.

    ويذكر الطبراني في معجمه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين دفن فاطمة بنت أسد الهاشمية أم أمير المؤمنين عليه السلام، حينما دفنها نزل إلى قبرها واضطجع فيه، وقال: ”أسألك بحق نبيك وبحق الأنبياء من قبلي إلا غفرت لأمي فاطمة بنت أسد ووسعت عليها مدخلها، ثم قال: رحمك الله يا أمي“، الأنبياء من قبله أغلبهم موتى «موسى وإبراهيم ونوح...»، رسول الله يتوسل بالموتى لأنه يعتقد أنهم وسائط في الفيض.

    التبرك.

    مسألة سراية البركة من أجسام أهل البيت إلى ما يتعلق بأجسامهم من تراب وأضرحة وقبور مشرفة.. قد يستغرب الإنسان ويقول: ما هي العلاقة؟! جسم أهل البيت جسم يمرض ويتعب، وجسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد كُسِرَت رباعيته، كُسِرَت أسنانه، وسالت الدماء على وجهه وصدره، بالنتيجة جسم رسول الله كسائر الأجسام، يمرض ويتعب، وتعرض عليه الطهارة والنجاسة، ومثله مثل سائر الأجسام، فما هي الخصوصية في جسم النبي؟!

    نلتفت هنا إلى أثر العنصر الروحي على هذا الجسد المادي، الجسم المادي يتأثر بالعنصر الروحي، و نثبت هذا من القرآن الكريم، نلاحظ قوله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾، الجبل مادي والقرآن مضامين روحية، إذن حتى الجسم المادي يتأثر بالجانب الروحي، يتأثر بالعلقة الروحية بالله تبارك وتعالى، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾.

    يقول القرآن الكريم: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾، مع أن مقام إبراهيم صخرة مثل سائر الصخور، أحضرها وجلس عليها فأصبحت مباركة، سرت إليها البركة من ذلك الجسم المبارك، جسم إبراهيم جسم صُرِف في العبادة، صُرِف في طاعة الله. أنت عندما تأخذ شيخًا كبيرًا من المؤمنين الأتقياء، هذا الذي قطع ستين أو سبعين سنة في العبادة، هذا جسمه مبارك، العبادة تطرح البركة في هذا الجسم، تجعل هذا الجسم جسمًا مباركًا، إبراهيم هذا الجسم المبارك الذي بذل في طاعة الله سرت البركة منه إلى الصخرة.

    القرآن الكريم يقول: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾، هو وادٍ مثله مثل سائر الوديان، لكنه أصبح مقدسًا لأن الوحي الإلهي سرت بركته إلى تراب هذا الوادي، فأصبح واديًا مباركًا. إذن، البركة تسري من الجانب من الجانب الروحي إلى الجانب المادي، ولذلك تاريخ المسلمين كله يذكر - الطبري، ابن عساكر، ابن هشام، صحيح البخاري، صحيح مسلم، كتب الشيعة... إلخ» أنه لما حج محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع كان إذا توضأ أخذ المسلمون فضل وضوئه، يعني هذه القطرات التي تنزل من يده يأخذها المسلمون ويتبركون بها بمرأى ومسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه ماء مبارك اختلط بالجسم المبارك، ولما حلق شعره بمنى هو الذي أعطاه المسلمين، وزع شعره على المسلمين يأخذونه ويتبركون به. في هذا الزمان هناك بعض شعيرات النبي في مصر، وبعض شعيراته في تركيا، وبعض شعيراته في العراق، هذه كلها من حجة الوداع عندما حلق شعره .

    وكما كان شعره مباركًا، كان ريقه كذلك. كل المسلمين يروون أن عليًا عليه السلام في يوم خيبر.. لما فشل المسلمون في حسم المعركة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ”لأعطين الراية غدًا رجلًا يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، كرارًا غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه“، يقول ابن عباس: فاشرأبت أعناق القوم أيهم يعطاها.. أيهم أهل لهذه الراية، اشرأبت أعناقهم، بقوا طول الليل ينتظرون اليوم الثاني، فلما جاء الغد قال: أين علي؟ قالوا: أرمد العين يا رسول الله، قال: ائتوني به. أتي به فبصق في عينه فشفيتا، وقال علي عليه السلام: ”ما رأيت أذىً في عيني بعد ذلك اليوم أبدًا“. إذن، الجسم المبارك مصدر للبركة، لبركة العبادة والارتباط بالله تبارك وتعالى الذي حل في ذلك الجسم المبارك.
    التعديل الأخير تم بواسطة يازهراء; الساعة 14-08-2022, 04:44 AM.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X