قبل الإجابة نذكر مقدمة هي :
نحن نعتقد أن موقف الامام الحسن (عليه السلام), وموقف الامام الحسين (عليه السلام) واحد, فلا تعارض ولا تنافي بين موقفيهما (عليهما السلام) . بمعنى أنه لما كان موقف الامام الحسن (عليه السلام) هو الصلح مع معاوية كان موقف الامام الحسين (عليه السلام) ذلك أيضاً, وإلا لثار على معاوية, وعارض أخيه الحسن (عليه السلام) على صلحه, بينما ينقل لنا التاريخ مساندته لأخيه الحسن (عليه السلام) ومعاضدته .
وهكذا لو قدّر الله تعالى أن يكون الامام الحسن (عليه السلام) حيا يوم عاشوراء, لكان موقفه (عليه السلام) نفس موقف أخيه الحسين (عليه السلام), ولا يرضى بالصلح مع يزيد .
وعلى أساس هذه العقيدة يتضح معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( الحسن والحسين إمامان ان قاما وان قعدا )) .
وأما الجواب : فقد اجيب عن هذا السؤال بعدة أجوبة :
منها : ان شخصية معاوية تختلف عن شخصية يزيد, فمعاوية لم يكن يشكل خطراً جدياً على الاسلام بمقدار ما كان يشكله يزيد, لان معاوية كان يحافظ على بعض المظاهر الاسلامية, بينما كان يزيد متجاهراً بالفسق والفجور, وشرب الخمور, وقتل النفس المحترمة, ولم يراع أي شيء من المظاهر الاسلامية .
وعليه فكان الصلح مع معاوية ممكنناً دون الصلح مع يزيد .
ومنها : ان الامام الحسن (عليه السلام) قام بالثورة ضد معاوية, ولكن خانه أكثر قادته, وباعوا ضمائرهم لمعاوية بإزاء أموال ومناصب . حتى أن بعض المقربين للامام الحسن (عليه السلام), كتب الى معاوية رسائل سرية قال فيها : ان شئت سلمناك الحسن حياً, وان شئت سلمناه ميتاً !
فاضطر (عليه السلام) الى الصلح وترك الحرب لوجود هؤلاء الخونة, دون أخيه الحسين (عليه السلام) فقد وجد انصاراً واعوانا .
ومنها : أراد الامام الحسن (عليه السلام) من صلحه أن يحفظ نفسه وأهل بيته وأصحابه من الفناء, إذ لو كان محارباً لانتصرت الأموية انتصاراً باهراً, وذلك بإنهاء الذرية الطيبة للنبي (صلى الله عليه وآله), والثلة الصالحة من اعوانهم .
ومنها : ان الامام الحسن (عليه السلام) استشار الجموع الملتفة حوله في الظاهر, والمتخاذلة عنه في السر بقوله : (( الا وان معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة, فان اردتم الموت رددناه عليه, وحاكمناه الى الله عزوجل بظبا السيوف, وان اردتم الحياة قبلناه, واخذنا لكم الرضا ؟ ... ))، فناداه الناس من كل جانب .. البقية, البقية. فساير (عليه السلام) قومه, واختار ما اختاروه من الصلح, فصالح كارهاً كما قبل أبوه (عليه السلام) التحكيم من قبل وهو كاره له .
ومنها : ان إرادة الله تعالى ومشيئته اقتضت ان يصالح الامام الحسن (عليه السلام) معاوية, وان يثور الامام الحسين (عليه السلام) على يزيد, ولن يرضى بمصالحته .
ويظهر من مراجعة كلمات الامام الحسن (عليه السلام), التي أجاب بها على من اعترض عليه بعد الصلح, أنه (عليه السلام) أراد صلاح الأمة الاسلامية, ـ كما أراد ذلك الامام الحسين (عليه السلام) عند خروجه على يزيد حيث قال : ( وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ) ـ واليك بعض هذه النصوص :
1- قال له رجل : بايعت معاوية ومعك أربعون الفاً, ولم تأخذ لنفسك وثيقة, وعهداً ظاهراً ؟ فقال له : (اني لو أردت ـ بما فعلت ـ الدنيا, لم يكن معاوية بأصبر مني عند اللقاء, ولا أثبت عند الحرب مني, ولكني أردت صلاحكم) (تاريخ ابن عساكر 2/225).
2- وقال له رجل آخر : يا بن رسول الله, لوددت أن أموت قبل ما رأيت أخرجتنا من العدل الى الجور ...
فقال له الامام : (يا فلان ... اني رأيت هوى معظم الناس في الصلح, وكرهوا الحرب, فلم أحب ان أحملهم على ما يكرهون ..).
3- وقال له ثالث : لم هادنت معاوية, وصالحته, وقد علمت : ان الحق لك دونه, وان معاوية ضال باغ ؟ فأجابه الامام (عليه السلام) : (علة مصالحتي لمعاوية, علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة, وبني أشجع, ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية, أولئك كفار بالتنزيل, ومعاوية وأصحابة كفار بالتأويل ..).
4- وقال له رجل : لماذا صالحت ؟ فأجابه (عليه السلام) : (اني خشيت أن يجتث المسلمون على وجه الارض فأردت ان يكون للدين ناع).
ورى الشيخ الصدوق قدس في العلل ج١ ص٢١١ هذه الرواية تكشف لنا علة الصلح:
أَبُو اَلْعَلاَءِ اَلْخَفَّافُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَقِيصَا قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ *لِمَ دَاهَنْتَ مُعَاوِيَةَ وَ صَالَحْتَهُ* وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ اَلْحَقَّ لَكَ دُونَهُ وَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ *ضَالٌّ بَاغٍ* فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ أَلَسْتُ حُجَّةَ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى خَلْقِهِ وَ إِمَاماً عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ قُلْتُ بَلَى قَالَ أَلَسْتُ اَلَّذِي قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِي وَ لِأَخِي اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا قُلْتُ بَلَى - قَالَ فَأَنَا إِذَنْ إِمَامٌ لَوْ قُمْتُ وَ أَنَا إِمَامٌ إِذْ لَوْ قَعَدْتُ يَا أَبَا سَعِيدٍ عِلَّةُ مُصَالَحَتِي لِمُعَاوِيَةَ *عِلَّةُ مُصَالَحَةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ وَ بَنِي أَشْجَعَ وَ لِأَهْلِ مَكَّةَ حِينَ اِنْصَرَفَ مِنَ اَلْحُدَيْبِيَةِ* أُولَئِكَ كُفَّارٌ بِالتَّنْزِيلِ وَ مُعَاوِيَةُ وَ أَصْحَابُهُ *كُفَّارٌ بِالتَّأْوِيلِ* يَا أَبَا سَعِيدٍ إِذَا كُنْتُ إِمَاماً مِنْ قِبَلِ اَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُسَفَّهَ رَأْيِي فِيمَا أَتَيْتُهُ مِنْ مُهَادَنَةٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ وَ *إِنْ كَانَ وَجْهُ اَلْحِكْمَةِ فِيمَا أَتَيْتُهُ مُلْتَبِساً* أَ لاَ تَرَى اَلْخَضِرَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا خَرَقَ اَلسَّفِينَةَ وَ قَتَلَ اَلْغُلاَمَ وَ أَقَامَ اَلْجِدَارَ سَخِطَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِعْلَهُ لاِشْتِبَاهِ وَجْهِ اَلْحِكْمَةِ عَلَيْهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ فَرَضِيَ هَكَذَا أَنَا *سَخِطْتُمْ عَلَيَّ بِجَهْلِكُمْ* بِوَجْهِ اَلْحِكْمَةِ فِيهِ وَ لَوْ لاَ مَا أَتَيْتُ لَمَا تُرِكَ مِنْ شِيعَتِنَا عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ أَحَدٌ إِلاَّ قُتِلَ".
منقول بتصرف وإضافات
تعليق