الشبهة التي يتغنى بها المشككون في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) وهي أن الظلم قد ملأ الأرض وهو شرط ظهور المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ليملأها قسطاً وعدلاً، فلو كان موجوداً لظهر لوجود شرط ظهوره، وإليه أشار الناظم بقوله:
وكيف وهذا الوقت داع لمثله * * * ففيه توالى الظلم وانتشر الشر
وما هو إلا ناشر العدل والهدى * * * فلو كان موجوداً لما وجد الجور
والجواب:
أما أوّلاً _ فبأن الموجود في متون الصحاح من أخبار المهدي (عجل الله فرجه الشريف) أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر بأنه يظهر فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً فالشرط وجود الظلم العام في الأرض وقت ظهوره لا ظهوره وفرق بين أن يقال: إذا ملئت الأرض يظهر المهدي أو يظهر في وقت ملئت.
وعلى الأول لابد من ظهوره في أوّل عموم الظلم لو اجتمعت باقي الشروط وارتفعت الموانع وإلا فلا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط إلا أن يقال: إن ظهور الظلم علة لخروجه فلابد من وجود المعلول عند وجود العلة، وعلى الثاني يصدق الأخبار النبوية ولو ظهر وقد مضى من انتشار الظلم ألف سنة.
وأخرج الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتملأن الأرض ظلماً وعدوانا ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً وعدواناً.
وفيه عن الجزء الثاني من كتاب (الفردوس) لابن شيرويه في باب الهاء عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يكون بعدي خلفاء وبعد الخلفاء أمراء وبعد الأمراء ملوك وبعد الملوك جبابرة وبعد الجبابرة يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً.
وظاهره كون أيام الجبابرة أيام انتشار الجور، والله العالم بعدتهم ومدتهم وهو صريح في تأخير الظهور عن أيام عموم الجور.
نعم في بعض الأحاديث الموجودة في غير الصحاح ما لعله يمكن استظهار الوجه الأوّل منه.
وعليه فنقول: هذا الإيراد مشترك بين الفريقين، فإنا نقول: قد أخبر الصادق المصدق نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) حسب الأحاديث المتواترة: إن رجلاً من أهل بيته يقال له المهدي يخرج في آخر الزمان متى عم الظلم العباد وانتشر الجور في البلاد، وقد عمّ الظلم وانتشر ولا نرى صدق ما أخبر لا المهدي ظهر ولا الظلم تبتر، فهل عجز رب البرية نعوذ بالله عن إيجاد المهدي وإظهاره أو كذب النبي (صلى الله عليه وآله) والعياذ بالله في إخباره، أو خلقه وأمر فعصى ولم يخرج، أو الظلم والجور لم ينتشر في البلاد أو انتشر ولكن الشرط وجوده في وقت ظهوره فيجوز أن تكون أيام الظلم قروناً متطاولة فلا فرق بين القول بالولادة وعدمها من هذه الجهة.
ولا مناص للناظم إلا الالتزام بأحد الشقين الأخيرين ليجيب عن السؤال عن سر عدم الإيجاد، وهو الجواب عن السؤال عن علة عدم الظهور حرفاً بحرف والسؤال عن الفائدة في إيجاده وإخفائه إلى أوان ظهوره شبهة أخرى تأتي إنما الكلام في شبهة عدم الظهور مع عموم الجور، وقد تبين أنها مشتركة.
وأما ثانياً: فلأن رافع الظلم وهادمه ظهوره وخروجه (عجل الله فرجه الشريف) لا مجرد وجوده، وإلا فعلى أصول أهل السنة إذا ولد لابد وأن يصير بالغاً عاقلاً حتى يكون قابلاً للإمامة والخلافة ولا يرتفع الظلم في هذه المدة لمجرد أنه وجد بل يحتاج إلى بلوغه ورشده وخروجه، وهذا الخروج لا بدّ وأن يكون بأمر من الله تعالى فإنه خليفة الله في أرضه، فلا يفعل شئياً إلا بأمره تعالى، فمرجع السؤال إلى أنه تعالى لم لا يأمره بالظهور والخروج لو كان موجوداً لأن الأرض ملئت جوراً.
وهذا السؤال _ مضافاً إلى الاشتراك لأنه يقال للنافي أيضاً لم لا يوجد الله المهدي ويأمره بالخروج وأن يملأ الأرض عدلاً فإنه أخبر بأنه إذا ملئت الأرض بالظلم يخرج المهدي وقد ملئت، فلابد من الخروج المتوقف على الولادة صوناً للأحاديث النبوية عن احتمال تطرق الكذب فيها _ لا وقع له، فإن بابه مسدود وسائله مردود، فإنه تعالى لا يسأل عما يفعل، ولا يجوز أن يقال له تعالى لو فعلت عند جميع المسلمين وأن افترقوا في وجهه وعلته.
ووجه عدم جواز السؤال على أصول الأشعرية أظهر، إذ ليس فعله تعالى معللاً بغرض وحكمه، بل كل ما يفعله حكمة لأنه يفعل ما فيه الحكمة، فلا محل للسؤال حتى يحكم عليه بالجواز وعدمه.
وأما ثالثاً: فعلى فرض التسليم فالجهل بوجه الإخفاء وحكمة عدم الظهور ولا يجوز أن يصير سبباً لرفع اليد عما أداه الدليل وقام عليه البرهان من السنن المتواترة التي أشرنا إلى طوائف منها، وإلا لزم إنكار كثير من أفاعيله تعالى بالنسبة إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) وأفاعيله (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى أمته التي لم تكن إلا بالوحي وأكثر الأوامر والمناهي مما لا نعلم سرها وحكمتها.
وقد أخرج محمّد بن علي بن بابويه القمي في كتاب (علل الشرائع) وهذا كتاب قد أعتمد عليه الشيخ عبد الملك العصامي في تاريخه وأخرج منه جملة من أخباره _ فروى فيه مسنداً عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: إن لصاحب الأمر غيبة لا بدّ منها يرتاب فيها كل مبطل. فقلت له: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى إلا وقت افتراقهما. يا بن الفضل هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله.
ومتى علمنا أنه جل جلاله حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا، وهذا كسابقة في كونه متفقاً عليه من المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــ
المصدر: كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار، الحاج الميرزا حسين النوري الطبرسي
تعليق