إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

37- الإنسانُ السَّوِيِّ والرِزقُ الحلالِ:-

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • 37- الإنسانُ السَّوِيِّ والرِزقُ الحلالِ:-

    بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
    اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
    السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ الله وبُرَكآتُهْ

    أكّدَ القرآنُ الكريمُ علَى وجوبِ مراعاةِ المُسلمِ طهارةَ غذائِهِ الجَسديّ، وفي الوقتِ نفسِهِ أوجبَ عليهِ مراعاةَ طهارةَ غذائِهِ الرُّوحيّ، الأمرُ الّذي صَرّحتْ بهِ السُّنّةِ الشَّريفَةِ وحثّتْ عليهِ ، وبعبارةٍ أُخرى: يجبُ علَى المُسلِمِ أنْ يُراعي طَهارةَ غذائِهِ، ظاهريّاً، وباطنيّاً، حتّى في أصعبِ الظُّروفِ.
    ونستلهِمُ مِنْ قِصّةِ أصحابِ الكَهفِ في القُرآنِ الكريمِ أنّهُم، وإنْ كانوا بعدَ يَقظَتِهِم بحاجةٍ شديدةٍ إلَى الطَّعام، ولَكنَّهُم قالوا لِلشَّخصِ الّذي كلَّفوهُ بِشراءِ الطَّعامِ : لَا تَشترِ الطَّعامَ مِنْ أيٍّ كانَ، وإنَّمَا أُنظرْ أيُّهم أزكى طعاماً وأطهر، فأتنا منهُ ،

    لِقَولِهِ تَعَالَى في كتابِهِ المَجيدِ: ﴿ وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾، سُورَةُ الكَهفِ، الآية 19.
    إنّ معظمَ البَشرِ في عَصرنَا الرَّاهنِ أدركوا أهمّيّةَ طَهارةَ الغِذاءِ منَ اللَّوثِ الظَّاهريّ، لكنَّهُم مَا زالوا غافلينَ عنْ أهمّيّةِ طَهارتِهِ منَ اللَّوثِ البَاطنيّ، الّذي يؤثّرُ علَى الإنسانِ، أثَرِ أكلِ السُّحتِ، منْ خلالِ المُعاملاتِ الرَّبويّةِ، والغِشّ، وغيرِ ذلكَ.

    قَالَ رسولُ اللهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) : ( الْعِبَادَةُ سَبْعَةُ أَجْزَاءٍ أَفْضَلُهَا طَلَبُ الْحَلَالِ )، بحارُ الأنوارِ ،ج 74 ،ص 142.
    رُوِيَ عنِ الإمامِ جعفرِ بنِ مُحَمَّدِ الصَّادقِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أنَّهُ قالَ: ( كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا أَصْبَحَ خَرَجَ غَادِياً فِي طَلَبِ الرِّزْقِ.
    فَقِيلَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، أَيْنَ تَذْهَبُ ؟
    فَقَالَ: "أَتَصَدَّقُ لِعِيَالِي".
    قِيلَ لَهُ: أَ تَتَصَدَّقُ ؟!

    قَالَ: مَنْ طَلَبَ الْحَلَالَ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ )، الكافي،ج 4 ،ص12.
    أكّدت الرِّواياتِ علَى وجوبِ مَشروعيّةِ الدَّخْلِ، فإنّهَا في الوقتِ نفسِهِ حثّتْ علَى وجوبِ كونِ الإنفاقِ مَشروعاً - أيضاً -، أي يجبْ علَى الإنسانِ أنْ يُنفِقَ منْ مالِهِ الّذي يمتلِكَهُ بشكلٍ لَا يتعارضُ معَ أحكامِ الشَّرعِ، فلو أنفقَ مالاً إكتسَبَهُ منْ طريقٍ مُحرّمٍ، فعليهِ إرجاعِهِ إلَى أصحابِهِ، وإنْ أنفَقَهُ في مُعامَلَةٍ، فإنّ مُعاملتَهُ باطلةٌ.
    والقرآنُ الكريمُ - بدورِهِ - أشارَ إلَى هذا الأمرِ في قولِهِ تَعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ، الآية 267، وفسَّر الإمامُ جعفرُ الصَّادقِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) هذهِ الآيةُ بقولِهِ: ( إنَّها نَزلَت فِي أقوامٍ لَهُم رِباً فِي الجاهِلَيَّةِ، وكانُوا يَتَصَدَّقُونَ مِنهُ، فنَهاهُم اللهُ عَن ذلكَ، وأمرَ بالصَّدَقَةِ مِن الطيِّبِ الحلالِ )، وسائلُ الشِّیعَةِ ،ج17 ،ص212 .
    وهذا الأمرُ الربّانيّ يبيّنُ أهمّيّةَ الكَسبِ الحَلالِ وعدمِ الإفراطِ في إكتنَازِ الأموالِ
    والسؤالٌ هُنَا لِمَنْ يَبحَثُ عنِ الرِزقِ بأيِّ صُورَةٍ كانت هل التجارة بالتذاكي؟
    والجَوابُ : كلَا لَيستْ كذلكِ، لأنَّنَا لَا نَرَى الأكثرَ ذكاءً أو احتيالاً، غنيَّاً،...، ولَا نَرَى الأكثرَ سذاجةً وحمقاً فقيراً .

    وفي النَصِّ عنْ عليٍّ أميرِ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : ( لَوْ جَرَتِ اَلْأَرْزَاقُ بِالْأَلْبَابِ وَ اَلْعُقُولِ لَمْ تَعْشِ اَلْبَهَائِمُ وَ اَلْحُمْقَى غُرَرُ الحِکَمِ ، ج1 ،ص570.
    قالَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى ٱلْأَرْضِ حَلَٰلًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۚ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾، سُورَةُ البَقَرَةِ، الآية 168.
    فالمُسلِمُ طَيبٌ، ولَا يأكلُ إلَّا منَ الطَّيبِ، ولَا يدخُلُ علَى مالِهِ مَا فيهِ شُبهةٍ فضَلاً عنِ الحَرامِ الواضِحِ.
    فبعضُ التِّجاراتِ ربَّمَا تجلبُ الكثيرَ مِنَ المالِ، لكنَّهُ مالٌ سُّحتٌ، يأنَفُ عنْهُ المُسلمُ .
    ومِنْ هذهِ التِّجاراتِ، مالُ الرَّقصِ، والغناءِ، والمُوسيقَى المُحَرَّمَةِ، وبيعُ لَحمِ الخِنزيرِ، وبيعُ الخَمرِ، وأكلُ مالِ اليَتيمِ، والغِشُّ بأنواعِهِ ومراتِبِهِ علَى إختلافِهَا، وغصبُ المَالِ أو أكلُهُ بالبَاطِلِ أو بدونِ إذنِ صاحبِهِ...

    وعَلَيهِ يَجبْ علَى الإنسانِ المؤمنِ أنْ يَتَجَنبَ المالَ والأكلَ الحرامَ وفيهِمَا آثار دُنيَويَّةٍ وأُخرويَّةٌ لاَ تُحمدُ عُقباهَا :
    قالَ اللهَ جَلَّ وعَلَا: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلْإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَٰنًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾، سُورَةُ الأعرافِ، الآية 33.
    وعَنِ اَلنَّبِيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) قَالَ: ( مَنْ أَكَلَ لُقْمَةَ حَرَامٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَ لَمْ تُسْتَجَبْ لَهُ دَعْوَةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً وَ كُلُّ لَحْمٍ يُنْبِتُهُ اَلْحَرَامُ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ وَ إِنَّ اَللُّقْمَةَ اَلْوَاحِدَةَ تُنْبِتُ اَللَّحْمَ )، بحارُ الأنوارِ ، ج63 ،ص314.
    عندمَا إزدادتْ عائلةُ الإمامِ الصَّادقِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وأصبحَ القِيامُ بمهامِهِا ثقيلاً، صَمَّمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أنْ يشتغِلَ بالتِّجارَةِ، فقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ اَلْفَزَارِيِّ قَالَ: دَعَا أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ مُصَادِفٌ فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ وَ قَالَ لَهُ: ( تَجَهَّزْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَى مِصْرَ فَإِنَّ عِيَالِي قَدْ كَثُرُوا قَالَ: فَتَجَهَّزَ بِمَتَاعٍ وَ خَرَجَ مَعَ اَلتُّجَّارِ إِلَى مِصْرَ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْ مِصْرَ اِسْتَقْبَلَتْهُمْ قَافِلَةٌ خَارِجَةٌ مِنْ مِصْرَ فَسَأَلُوهُمْ عَنِ اَلْمَتَاعِ اَلَّذِي مَعَهُمْ مَا حَالُهُ فِي اَلْمَدِينَةِ وَ كَانَ مَتَاعَ اَلْعَامَّةِ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمِصْرَ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَحَالَفُوا وَ تَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ لاَ يَنْقُصُوا مَتَاعَهُمْ مِنْ رِبْحِ اَلدِّينَارِ دِينَاراً فَلَمَّا قَبَضُوا أَمْوَالَهُمْ وَ اِنْصَرَفُوا إِلَى اَلْمَدِينَةِ فَدَخَلَ مُصَادِفٌ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَ مَعَهُ كِيسَانِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفُ دِينَارٍ فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ هَذَا رَأْسُ اَلْمَالِ وَ هَذَا اَلْآخَرُ رِبْحٌ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا اَلرِّبْحَ كَثِيرٌ وَ لَكِنْ مَا صَنَعْتَهُ فِي اَلْمَتَاعِ فَحَدَّثَهُ كَيْفَ صَنَعُوا وَ كَيْفَ تَحَالَفُوا فَقَالَ: سُبْحَانَ اَللَّهِ تَحْلِفُونَ عَلَى قَوْمٍ مُسْلِمِينَ أَلاَّ تَبِيعُوهُمْ إِلاَّ رِبْحَ اَلدِّينَارِ دِينَاراً ثُمَّ أَخَذَ أَحَدَ اَلْكِيسَيْنِ فَقَالَ: هَذَا رَأْسُ مَالِي وَ لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي هَذَا اَلرِّبْحِ ثُمَّ قَالَ يَا مُصَادِفُ مُجَادَلَةُ اَلسُّيُوفِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ اَلْحَلاَلِ )، الکافي ، ج5،ص161.
    رويَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) قَالَ: ( إِنَّ اَلرَّجُلَ إِذَا أَصَابَ مَالاً مِنْ حَرَامٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ حَجٌّ وَ لاَ عُمْرَةٌ وَ لاَ صِلَةُ رَحِمٍ حَتَّى أَنَّهُ يَفْسُدُ فِيهِ اَلْفَرْجُ )، وسائلُ الشِّیعَةِ ، ج17 ،ص91.
    فكَمْ مِنَ النَّاسِ ، وخاصةً مِنَ التَّجارِ، تسنَحُ لَهُمْ الفُرصَةَ في ظروفِ مُعينَةٍ، لإستغلالِ حَاجَةِ النَّاسِ أو سَذاجَتَهم وقِلَّةِ خبرتَهُم أو إضطرارِهِم... لِيزيدوا مِنْ ثرواتِهِم، مغمضينَ الطَّرفَ عنِ الحلالِ والحرامِ، والإضطرارِ والحَاجَةِ، ولَا يَصلُحُ هؤلاءِ إلَّا الخوفَ منَ اللهِ تَعالَى جَلَّ علَاه.
    فهنيئاً لِمَنْ وُفِقَ للتَّغلُبِ علَى هوى نَفسِهِ، وقَهَرَ شَهوتَهُ، وأكتفَى بالحلالِ الطَّيبِ، وتنَزَهَ عنِ الحرامِ الخَبيثِ... فهذا، لَنْ يَحرمَهُ اللهُ تَعالَى منْ نظرةٍ رحيمَةٍ، في عاجلِ الدُّنيَا قبلَ آجلِهَا.

    قالَ رسولُ اللهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) : ( لا يَقْدِرُ رَجُلٌ على حَرَام ثُمَّ يَدَعُهُ، لَيْسَ بِهِ إِلا مَخافَةُ الله، إِلا أَبْدَلَهُ الله فِي عاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ ما هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذلكَ )، كنزُ العُمالِ، 43113 .


المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X