إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

المفهوم الحقيقي للإشراك - كيف يعبد الشيطان - من كتاب جمهورية النبأ العظيم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المفهوم الحقيقي للإشراك - كيف يعبد الشيطان - من كتاب جمهورية النبأ العظيم

    المطلب الأول
    المفهوم الحقيقي للإشراك
    كيف يعبد الشيطان
    من كتاب جمهورية النبأ العظيم -ج1
    حكومة الإمام الصالح

    كيف لنا أن نفهم بأن الإيمان بالشيطان ، يقتضي الإشراك به ، كما جاء في قوله تعالى : ( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ) ﴿١٠٠﴾ النحل .....

    فكيف يكون ذلك ، أي كيف يكون سلطان الشيطان علينا ، حين نتولاهُ ونشركُ به في آنٍ واحد ، هذه البذرة التي زرعناها في الكتاب الثاني ، وسنسقيها بحثاً ودراسة حتى تؤتى أُوكلها ، وتثمر في أذهاننا استبصاراً في دين الله -جل وعلا- ، لنرى بوضوح نهج
    أعداء الخليفة ، الذي يمثل الله -عزوجل- ، في منهاجه ، وســنكثّف المطلب مع الأمثلة ، للأهمية العظمى لهذا الموضوع ، فهو الحجر الأســـاس لكل المـــواضيع الدينية ،
    والصورة التي من المفترض أن تشرح نفسها بنفسها ، هي أن عليك عبادة أو تولّي مخلوقا ما ، من أهم صفات هذا المخلوق ، اتباعه لخطوات الشيطان ، لكي يقال إنك تعبدُ الشيطان ، فالشيطان طاقة من الشر ، متحررة ومتطيّرة ، تتمثل في كلّما ومن خُلق من دون نور الله ، أو من دون نور الله بالــــكليّة ، ويتجـــسّد في الميول الشهواني للمخلوقات ، فلا يمكن ايجاده في الطبيعة كذات ، إلا أن يكون هناك تجسيم وتجسيد له أو موالاة ، والتجسيد والتجسيم يمكن أن يطال كل حجر ومدر أو حتى فضاء ، ولا يتحقق إلا بقوى عظمى ، كأمرٍ من الله تعالى : -
    ( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) ﴿٨٣﴾ مريم .
    أو بسلطان بيد أحدٍ من الأنبياء : - كما جاء في الآية ﴿٨٢﴾ من سورة الأنبياء : -
    (وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَـــــن يَغُوصُونَ لَـــهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ) .
    أمّا التولي أو موالاة الشيطان ، فهو موضوع بحثنا هذا ، ويفترض في تحققه ثلاث عناصر ،
    العنصر الأول : وهو الشيطان ، والعنصر الثاني : وهو الولي أو الولاة الذين سنعبّر عنهم بــ( أ ) ، ومن ثم العنصر الثالث : وهو المكوَّن من الموالي ، أو مجموعة من الموالين ونعبر عنهم بــ( ب ) ، لذلك فسلطان الشيطان سلطان انتقالي ، وعبادته لا تكون إلا بالواسطة ، أي إن ذلك الولي (أ) ، يتبع شيطانه ، الذي يملي له تحريف آيات الكتب السّماويّة مثلاً ، ومن ثم خيانة الرسل ، وما إلى ذلك من انحرافات جسيمة ، تخل بسنة الله ، فيأتي الموالي أو الموالون (ب) ، ليجعلوا مــــن ذلك الشخص ولــــياًّ لهم ، يتبعونه اتباعاً حرفياً ، بما يعتقدونه من الدين ، وبذا يفضّلونه
    حتى على النبي ويقدمونه عليه ، فهؤلاء المجموعة هم من يملُك الشيطان سلطاناً
    عليهم ، وهم من يتولونه وهم به مشركون ، أي ولايتهم للولي (أ) جعلتهم يعبدون الشيطان من خلال مولاهم (أ) ، لأن الشيطان تمثل في شخص الولي (أ) وأشرك فيه ، فجعلوه والياً عليهم ، رغم علمهم أو عدم بذلهم الجهد المطلوب ، ليكتشفوا أن (أ) هو عدو الله ، لا ولياًّ من أوليائه ، وهذا الدليل الذي حملته الآية أعلاه من أعـــــــــــــظم الأدلة ، على أن الإشراك بالله ، يبدأ من ولاية من يخالف مــــــــنهاج الله ، لا
    عبادة إله مع الله ، لأن القول بعبادة الله ، ينافي عبادة غيره ، فحين يقال إن فلاناً يعبد الله ، فمنهاج عبادة الله ، هو توحيدهُ ، فمن غير المقبول ، أن نجد من يعبد الله ثم يعبد غيره في الوقت نفسه ، إلا من خلال تولّي من اتبع منهاجاً يغاير منهاج الله -جل وعلا- ، وعبادة الله إذا لم تكن بالتوحيد ، فهذا يعني أنه لم يعبد الله قط ، ليعبد معه إلهاً آخر ، ومن يعبد اِلهين ، فلا يمكن أن نتصور أن أحد الإلهين هو الله ، لأن عبادة الله تنافي عبادته دون توحيده ، لذا فمن يعبد اِلهين ، ليس بمشركٍ ، إنما كافر وملحد بالله -جل جلاله- ، لأن كلا الإلهين ليسا من الله في شيء ، كما تؤكد لنا الآية أعلاه ، على أن إبليس لم يكن الشيطان الذي زعموا أنه دخل في بطن الحية إلى داخل الجنة ، بل كان الشيطان في طينة آدم وزوجه ، وفي الوقت نفسه ، فإن هذا الدليل من الفوائد التي سنجنيها من التفريق بين الشيطان وإبليس ، إن كان هناك من يظن ، أن التفريق بينهما لا يجدي نفعاً ،
    وبعد ما تقدم فمن الطبيعي أن نشير إلى كل مخلوق من الإنس والجن على أنه الشيطان ، ما دام قد خالف شرع الله وسنته ، كما جاء في الآية التي ذكرت شياطين الإنس والجن ،
    ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) ﴿١١٢﴾ الأنعام .

    وقوله تعالى يؤكد استنتاجاتنا ، فالشيطان صفة تلازم المخلوق من الإنس أو الجن ، أمّا إبليس فهو جنس ، ولا يمكن ملازمة الجنسين ، أي القول بأن هذا الإنس جان ، أو هذا الجان إنس ، وهم قد قالوا الصدق ، في أن إبليس بعد معصيته ، أصــــبح اسمـــهُ الشيطان ، لأن كــــل من يعصي أمـــــر الله ، ويكون من المطرودين من رحمة الله ، هو شيطان ، لكنهم ظنوا أن إبليس هو نفسه الشيطان ، فمن أغوى إبليس ، ومن أدخل الكبر في نفسه ،
    عليه لابد لنا من العودة إلى الوراء حيث الأسس التي وضعناها في الكتاب الثاني ، لنتحدث بصورة مقتضبة عن الكيفية التي وجد بها الشيطان ،
    = وجد الشيطان منذ النشأة الأولى لهذا الكون ، فهو أول سكان هذا الكون ، وأول من خالف الصفات الملائكية للكون الملائكي ، فلمّا كان الكون الملائكي على يمين العرش ، اتخذ هذا الكون يسار العرش ، والذي يقع شمال الكون الملائكي ، فكان الظلم والظلام والشر والموت والاندثار وكل ما يخالف الطبيعة الملائكية ، صفة لهذا الكون المستحدث ، حتى كانت مشيئة الله أن يعبد في هذا الكون ، وجعل خلفاءً له يمثلون نهجه وشرعه ،
    فأشرقت السماوات والأرض بنورهم ، وبما حباهم الله من الهدى ، وما أن أرسل من نوره تعالى ، حدث الانفلاق الأعظم لهذا الكون ، ومثالنا في الكتاب الثاني ، هو أن الظلام الذي يسكن الكون ، حاول أن يتقي النور ، ونعلم أن النور لا يمكن صدّهُ إلا بأجسام سميكة ، فتجمع الغبار الكوني ليشكل أجراماً سماوية عظمى ، وليتقي بها نور الله ، فانفلقت ستة مراتٍ في لحظة واحدة وفي مكانٍ واحد ، بعد أن وصل نور الله منتصف هذا الكون ، إذ تكونت المجرات والأجرام السماوية ، مشتعلة بنيران الانفلاق الأعظم ، متخذة الشكل الكروي نتيجة لحركتها الدائرية ، التي نجمت عن شدة الانفلاق ، واتخذت أرضنا وسط هذا الكون مكاناً لها ، حيث استقر نور الله -جل جلاله- ، وبذلك فإن كل شيء في هذا الوجود ، يمتلك الحس الشيطاني ، إثر إقامة الشيطان فيه ، ويمتلك الحس النوراني ، إثر دخول نوره تعالى ، ويمكننا استنتاج ذلك من قوله تعالى : -
    ( ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) ﴿١١﴾ فصلت .
    فمن قوله تعالى نجد احتمال رفضهما متاح ، وفق ما أشار له تعالى ، فالحس الشيطاني موجود ، وإن أتيا طوعاً ، وهذا هو المتوقع علمياً ، لأن الحس الشيطاني لدى الجماد غير متحرك ، بمعنى أنه غير نشط ، لأن الجماد لا يملُك الحراك ، كما هو في النبات أيضاً ، والمكون الوحيد الذي لم يخالط الشيطان في هذا الكون ، هو الماء ، لأن الماء خلق إثر الانفلاق الأعظم ، فالانفلاق أحدث تفاعل الغازات المكونة للماء ، والذي تجمع على حدود الكون الملائكي ، ومن ثم أجراه الله على أرضنا ، حيث يقول تعالى : -
    ( وأنزل من السماء ماءً بقدرٍ فأسكناه في الأرض ) ﴿١٨﴾ المؤمنون .
    ( وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر ) ﴿١٢﴾ القمر .
    أمّا من يخالف نهج الشيطان في كل شيء ، فهو نوره تعالى ونور خلفاءه في الأرض ، ولكون هذا الوجود مادي النشأة ، فجلّ تعالى وتقدّس من أن يدخل فيه ، فحاشا لله ، لو دخل هذا الكون ، لاحتاج حيّز مكاني ، ولو كان محتاجاً لحيز مكاني ومادي ، وجب حاشاه أن يخلق الحيز المكاني قبل أن يظهر لأجل أن يظهر ، وأستغفر الله -جل وعلا- ، مما اخترناه من مثال ، لكننا نريك ، كيف أن عدم رؤية الله في هذا الوجود ، هو أعظم دليل على وجود الله وعظمته ، وكما أشرنا ، بأن من يرى الله حاشاه ، فليكن متأكداً ، بأن هذا ليس هو الله تقدست أسماءه ، وبفكرة مبسطة ، فإننا لا يمكن أن نصنع أي شيء ، قبل أن نهيأ الحيز المكاني الذي سيشغله ، لذا فكل ما سمعته وتسمعه عن مساحةٍ للعرش والكرسي كفر وبهتان ، وهذه فتوى علمية دون الحاجة لفقيه متبحر في الدين ، لأن من يجرؤ على تجسيد الله شخصاً وكذا مكاناً ، سيمُس الذات الإلهية والأسماء الحسنى له تعالى ، كمن يجعل له ولداً -حاشاه- أو زوجة ،
    والأهون من هذا ، هو تجسيدهم للشيطان ، على أنه هو إبليس ، وإكمالاً لحديثنا
    ، فلو كان الشيطان هو إبليس أي من الجن ، لجاز أن نقول جن من الإنس ، كما أن الوسواس والإيحاء بالباطل ، من صفات الشيطان ، لا من صفات إبليس ، وإلا كان للجن سلطة على عقولنا ، ومن ثم على أفعالنا وتصرفاتنا ، أي لكنا نعاني من التحريض لا مجرد الإلهام ، وهــــذا يعني أننا أدوات إبليس الذي خالــوه الشيطان ،
    وللتبسيط أكثر تعال لنأخذ آية أخرى لنفهم قضية عبادة الشيطان من خلال الإشراك به ، ولنعيد التمعن في قوله تعالى : -
    ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) ﴿١١٢﴾ الأنعام .

    فما معنى شياطين الإنس ، ولماذا أكد الله أن لكل نبي أعداءً من الإنس والجن ، بدل أن يبين لنا أن الملائكة تحرسهم وتنجيهم من كيد الشياطين .
    = شــــــياطين الإنس هــــــم الإنس الذين تصــــرفوا ، ومكروا مكر الشياطين ، من خــــلال
    اتباع خطوات الشيطان ، وهذه الخـــــطوات ، هي ما توحي لهُــــــم أذهانهـــــم ، من مكائد لتحقيق اطماعهم ،
    وكمثال حيٍّ ، ذكرتهُ الكتب السّماويّة عن إشــــراك بني إســــرائيل ، بعبادتهم العــــجل
    بناءً على تلفيقٍ من بعضهم ، على أن الربّ ، سيتجسّد بصورة العجل ليعبدوه ، ومثالنا الآن عمَّن يتبعون الوليّ الضّال ،
    فجرائم الإشراك بالله تعالى ، جرائم كثيرة ومتنوعة ، لكنَّها تحمل النتيجة نفسها والمقت الإلهي ، ولنرى ما فعله ( السامري ) ، في قضية العجل ، فقد قاموا بداية بعدم الإصغاء لأوامر هارون ، وترك طاعته : -
    ( وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا
    أَمْرِي ﴿٩٠﴾ قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ ) طه .
    وهـــــــــــذا هـــــــــــو الكفر ، والمـــراحل الأولى من الإشراك ، الذي ســــــــــــيحصل بعد قـــيامهم
    بالمضي على نهج السامريّ ، وما جاء به من بدعة ، وهذا هو الإشراك ، وهذه هي نتيجة الإشراك ، أي نتيجة تركهم ولاية هارون عليهم ، اتجهوا لتولِّي السَّامري ، والذي يعد العامل المشترك الأكبر بينهم وبين الشيطان ، والذي تجسّد في نهج السامري ، لأنه يعني عبادة السامريّ وطاعته ، وترك طاعة خليفة موسى ، لذا عشقوا العجل ، الذي جاء بمستوى تفكيرهم الســـــطحي لكُنْه الـــرب ، وجـــــــــــاء النص
    القرآني : ( قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ﴿٩٣﴾ البقرة .
    وحين نسأل ، لماذا قال سبحانه وتعالى ( بكفرهم ) ولم يقل بشركهم ، بالرغم من أنهم عبدوا العجل ، فماذا ننتظر لإدانتهم بالشرك ،
    وعلينا قبل كل شيء ، أن نفهم سمو اللغة القرآنية ، ودقة الألفاظ والتعابير ، فلو قال تعالى ( بشركهم ) ، فهذا يعني الجمع بين عبادة العجل وعبادة الله حاشاه ، ولمّا توصلنا إلى قاعدة ما فيها من شواذ ، وهي أن عبادة الله توجب توحيده ، ومن لم يوحّد الله في عبادته ، فقد خرج إلى الكفر والإلحاد ، لا إلى الإشراك ، لكنهم كما أوضحنا ، أشركوا لأتباعهم نهج السامري ، وتركهم نهج هارون -ع- ،
    ولو أخفينا شخصية هارون والسامريّ من القصة ، فقد نعتقد أن بني إسرائيل أبرياء جميعا مما جرى لهم ، وهذا عين ما يسمى لدى الحقوقيين ، تفسير الشك لصالح المتهم ، أي يمكننا حملهم على البراءة ، باعتبار أنهم وجدوا قوماً أضلوهم وأوهموهم ، بأنه من الممكن أن يكون لله صورة مجسدة ، للتقرب إليه وتقديم القربان ، والتوسل عنده ، وهذه الصورة قريبة مما جال في تفكير نبي الله إبراهيم ، وهو يبحث عن ربه :
    ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) ﴿٧٦﴾ الأنعام .
    ولو أدخلنا شخصية السامريّ في القصة ، فسيبقى الأمر كما هو ، عدى أن السامريّ ، سوف يتم تجريمه بما أغوى وما كذّب على بني إسرائيل ، ولكن بإدخال شخصية هارون في القصة ، تتبدل كل الموازين ، وتتغير كل أدلة الاتهام ، وتتحول المخالفة إلى جرم ، وهو جرم الإشراك بالله ، لأن الخليفة كان حاضراً وموجوداً ، وسبيل الهداية كانت حاضراً ، ولا مسوغ لهم بعبادة العجل ، فالأمر لم يكن صادراً من خليفة موسى ، وموسى وهارون يمثلان سبل الله لبني إسرائيل ، والذي مفردها سبيل ، أي أنهم باتباعهم السامريّ قد صدوا عن سبيل الله ،
    ( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ) ﴿٦٧﴾ الأحزاب .
    والسبيل هو طريق الله من خلال شرعه ، ولكن هل رأى من أحد منّا هذا الطريق ، وهل استطاع من أحد المشيَ عليه دون أن يقتدي بأحد أنبياء الله وأولياءه ، فمن يكتفي بالقول ، أن السبيل هو الهدى ، والشـــرع الذي أنزله الله في كــــلّ كتبـــــهِ
    السّماويّة ، فسيكتفي بجعل الرسالة السّماويّة ، مجرد فلسفة كلاميّة دونما تطبيق ، ولولا الأنبياء ومن اتبعهم من الأولياء ، لأصبحت الشرائع السّماويّة ، مجرد مثاليات ونظريات موقوفة على التطبيق ، وعند التطبيق فسيطبقها كل منّا على هواه واجتهاده ، ومن يتبع هواه أو يوالي من اتبع هواه ، فقد أشرك بالله ، وخير ما يبين لنا ذلك ، قـــول عن أبي جعفر -عليه السلام- عن الحسين بن مُــــحمد ، عن مــــعلى
    بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأرمني ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : -
    (( من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يؤدي عن الله -عز وجل- فقد عبد الله وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان)) - ﴿٥٠﴾ .
    وهذا النص هو خلاصة كل ما تقدم من حديث ، فكما استنتجنا مما تقدم في أعلاه
    ، لــذا فأن عبادة الشيطان لا تتمثل بقيام قـــــــوم مــــــوسى بعبادة العجل ، بل تتـــــمثل
    بإشراكهم في سبل الله ، كما أنه تعالى أشار إلى تلك الحالة وأهميتها في قضية طلب موسى أن يتعلم الرشد من معلمه ، إذ لم يكتف بتعلم ذلك الرشد عن طريق الحديث والمقال ، وكان من الأيسر على معلم موسى ، لو حدثه عن أنه سيضطر أن يحدث عيباً في سفينةٍ ، لو أن هناك من يريد أن يأخذها من أصحابها ، ولو قال ذلك لما أعترض موسى ، ولو أن موسى لم يعش حالة التخريب ، أو القتل ، أو أن
    .................................................. .................................................. ......
    ﴿٥٠﴾ - الكافي - الشيخ الكليني – ج { ٦ } – الصفحة [ ٤٣٤ ] .


    يقيم معلمه جداراً دون أن يطلب أجراً ، لما ستفهم وتساءل عن هذه الأفعال التي تحتاج إلى تعليل كي يعرف السبيل سبيلا حقا من معلمه ومرشده اليه ،
    وهذا ما يؤكد أن أحكام الله وآياته طبّقها المخلصون من عباده ، ولم تبقَ مجرد أحكام مكتوبة ، بل عرّض أنبياءه للتعامل معها بوصفها حقيقة حقة ثابتة، ومرّوا بضنك العيش قبل أن يقولوا للناس ، أن السرقة حرّمها الله ، لكن مشرع القوانين قد يكتب هذا التشريع ، وهو غير مُعَرَّضٍ لضنك العيش ، الذي يثبت أِنّهُ جَرّمَ السرقة وهو في أمس الحاجة لكي يسرق ،
    أما فيما يخص العرب فبالكاد استقبلوا النبي بالطاعة والامتثال لأوامره ، ولكن الخلف اتبعوا السلف حتى فيما خالف أحاديث النبي ووصاياه ، لأنهم أرادوا أن يضفوا على دينهم صبغة الطاعة المثالية لحكام الدولة الإسلامية ، وأعانهم على ذلك أن النبي خاتم الأنبياء ،
    فلولا أنه خاتم الأنبياء ، لعَلِمْنا ممن تلاه ، مدى انحراف أمة الرسول محمد ، من مدى اِلتزامها بوصايا الرسول الأكرم ، ولأنه خاتم الأنبياء ، ظن الكثير أنهم أفلحوا ونجحوا بحمل الرسالة التي أرادها الله ، وجعلوا ختام الرسالة ، الدليل الذي يؤكد أنهم أوصلوا ما لم تستطع الأنبياء ايصاله ، على مدى مئات وآلاف من السنين ، مع كل ذلك فقد جاءت في القرآن آيات طوال وإشارات كُثُر ، بشكل مباشر وغير مباشر تشير إلى جملة عظيمة من انحرافات أمة الرسول سواء الذين عاصروه (الصحابة) أم من لم يعاصروه (التابعون) : -

    ( لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴿٦﴾ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٧﴾ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ﴿٨﴾ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴿٩﴾ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) يس .

    والحقيقة المخيفة ، أن السبب في اخـــتتام النبوة ، وقطع التواصل مع الرب ، هو
    موعد تولي الخليفة مقاليد الولاية والحكم ، وهو اليوم الذي انتظرته السماوات والأرض طويلاً بكل مخلوقاتها ، وكان من ضمن هذه المخلوقات إبليس ، فمجيء الخليفة يعني القضاء عليه ، لذا جيّش جيوشه وحرّك خيوله لتأجيل مجيء الخليفة وممثل الله ، أي إن الخليفة (قد يكون) قد عاش بعد فَقْد الرسول وقبل بعثته ، لكنّهُ عاش سلطاناً من دون سلطنةٍ وحاكماً من دون ولاية ، لأن ميزان السنة يقضي بذلك ، ومعنى ميزان السنة ، هو عدالة الله ورحمته مع عباده ، في أن يمدهم بالرسل والرسائل ، التي توجههم وتقوّم مسيرتهم على الأرض ، حتى يدركوا صراطه المستقيم ، فمثلما وضع سبحانه لنا حاجاتنا على مدى آلاف وآلاف من السنين ، وكل ما نحن له حاجه له ، من هواء وماء وطعام ومواد أولية ، لنا ولكل مخلوقات هذه الأرض ،
    ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ) ﴿٥٣﴾ طه .
    نقول فمثلما وضع سبحانه حاجاتنا ، فهناك سبل وضعها الله لهدايتنا ، بالأهمية نفسها التي نحتاج فيها إلى الهواء والماء والطعام ، بل أهم منها بكثير ، لأننا من دونها ، قد تعرفنا على ما فعلناه بأنفسنا وبالأرض من مفاسد ، ناهيك عن الحروب العالمية والمحلية ، وأسلحة الدمار الشامل ، فإن هناك الكثير من الأوبئة التي قتلت الملايين ، وكنا نحن السبب المباشر لنشوئها ، أما عن طريق الإهمال والتجارة النفعية ، التي لا تهتم بمصائر الناس ،
    كما جرى في انتشار الطاعون والأمراض التي تطورت من جراء نقل الزنوج عن طريق البر والبحر ، وبطرق لا تليق حتى بنقل الحيوانات ، أو عن طريق التجارب الكيميائية والمختبرية ، عموماً ليس هذا بالأمر الذي نحتاج أثباته ، وإدراك إننا لا يمكن أن نكون مؤهلين لحكم الأرض ، إن لم يفتقر بعضنا حتى عن إدارة أسرته ، بشكل صحيح وآمن ، ما لم ننهج منهاج الشارع المقدس ،
    فهل سألنا الله يوماً وابتغينا فعلاً التوصل لحاكمٍ عادلٍ ، والعيش مع الآخرين وإن اختلفوا في الدين والقومية ،
    نحن غير عادلين حتى في التعامل الإنساني ، وليس فقط بالكره والعداء فنرى مثلاً
    ، حكام العرب ، أمّا أن يظهروا البغضاء لدرجة المقاطعة لمن حولهم من الدول العربية أو الأعجمية ، أو أنهم يتوددون لهم لدرجة العمالة لخدمتهم على حساب شعبهم ، أو على حساب شعوب أخرى معادية لتلك الدول العربية أو الأعجمية ، هذه هي خطوات الشيطان التي خطاها إبليس ، والتي منعتهُ من السجود لآدم والامتثال لأمر الله ، ولو كنت تظن بأن الملائكة احتجت ورفضت أن يكون خليفة الأرض فاسداً وسفّاكاً للدماء ، فعليك أن تكون متيقناً أننا رفضنا إلّا أن يكون الخليفة الذي يتولانا فاسداً وسفّاكا للدماء ،
    ومن المؤكد أن هذا اليقين لا يشمل كل البشر ، لكن الغالبية العظمى منّا من تمنوا ذلك وجاهدوا للقيام به ، في الوقت الذي علينا أن نفعل خلاف ذلك ،

    أي نجاهد في سبيل التوصل لسبل الله -جل جلاله- : -
    (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ﴿٦٩﴾ العنكبوت ........
    وكما قال الله فإننا الآن ، علينا أن نجاهد لمعرفة سبل الله ، والجهاد هنا في البحث عنهم والوصول إليهم ، لاتباعهم منهاجا وأشخاصا ،
    فما هي تلك السبل وكيف نقترب ولو بشيء بسيط من الفهم لمنهاجهم : -
    ( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ﴿١٦﴾ المائدة .
    ( سُـــــــبُل السّلام ) مـــــا أجمل ما صوره لنا تعالى من تعبير ، ومــــــــــا أشدّ حبّنا لهذه الصورة الرائعة والمُختصرة ، لخلفاء الله ومُـــمثلي منهاجه ، ولكن ألَا يُذكّرنا هذا الاسم بشيء سبق وأن مرّ علينا في القرآن الكريم أيضاً ، فلنتمعن في قــــــوله تعالى :
    ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ﴿٣٥﴾ النور .
    الشجرة المباركة ، التي نعتقد أنَّها العترة المباركة من آل المصطفى ، قد اختار لها الله نوعاً عرفناه وجعلناه رمزاً للسلام ، وهو الزيتون ، وهذا السلام ، لا هو بالسلام على وفق الفكر الشرقي ، الذي عُرف بالتشدد والإكـراه ، ولا هو بالسلام على وفق الفكر الغربي ، الذي عُرف بالتسويف والمكر ، وبالجمع بين فحوى الآيتين ، نجد كيف أن الله يهدينا لنورهِ ، ويخرجنا من الظلمات إلى النور بإذنه ، ذلك النور الذي أرسله الله مع الرسول المصطفى -ص وآله- ، وهم آل بيته الأشراف ، وفق قوله تعالى :
    ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ﴿١٥٧﴾ الأعراف .
    ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ) ﴿١٥﴾ المائدة .
    خلاصة مطلبنا هذا ، إن الإشراك بالله يبدأ من حيث نبدأ بالتعرف إلى الله ، وذلك من خلال من نتبعه من وليّ ، ليرشدنا عن كنه الله ، فيما يحمله من نهج ، إذ قال
    تعالى : - ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) ﴿٣٥﴾ المائدة ......
    فالإيمان بالله يبدأ وينتهي من حيث الوسيلة التي نبتغيها للإيمان به ، والوسيلة أو السبيل ، هو الولي الذي نتولاه ، قاضياً وحاكماً ومرشداً ، وهو من نأخذ عنه تركة
    الرســــــــول المُـــــصطفى صلوات الله عليه وعلى آله وسلّم ، ومـا ذخـــــــرهُ لنا مـــــن أثر ،
    فأهل قريش كانوا من المشركين ، لأنهم جعلوا الأصنام أولياء لهم ، واتخذوها الوسيلة والسبيل لعبادة الله -جل جلاله- ، وقوله تعالى : - ( لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً ) ﴿٣٨﴾ الكهف .
    قال ابن سعدي ﴿٥١﴾ ( حقيقة الشرك أن يُعبَد المخلوق كما يعبَد الله ، أو يعظَّم كما يعظَّم الله ، أو يصرَف له نوع من خصائص الربوبية والالوهية ) ،
    ونتفق تماماً مع هذا التعريف ، ونختلف فقط في مفردة ( يعبد ) لتكون يتّبع ، أي ( أن يتبع المخلوق كما يتبع الخالق ) وطبعاً اتباع المخلوق بنهج مخالف لمنهاج الله ، فهذا هو الإشراك بعينه ، وهذه أوضح صوره ، حتى لو أضفنا لها أن يعبد ، غير أننا لم نجدها كحقيقة تاريخية .
    وقال الدهلوي ﴿٥٢﴾ (( إن الشرك لا يتوقف على أن يعدِل الإنسان أحداً بالله ، ويساوي بينهما بلا فرق ، بل إن حقيقة الشرك أن يأتي الإنسان بخلال وأعمال – خصها الله تعالى بذاته العلية ، وجعلها شعاراً ، للعبودية – لأحد من الناس ، كالسجود لأحد والذبح باسمه ، والنذر له ، والاستعانة به في الشدة )) ،

    أمّا قضية قولهم (( الشرك على اسمه هو تشريك غير الله مع الله في العبادة ، كأن يدعو الأصنام أو غيرها ، يستغيث بها أو ينذر لها أو يصلي لها أو يصوم لها أو يذبح لها ، ومثل أن يذبح للبدوي أو للعيدروس أو يصلي لفلان أو يطلب المدد من الرسول -ص وآله- ، أو من عبد القادر أو من العيدروس في اليمن أو غيرهم من الأموات والغائبين ، فهذا كله يسمى شركاً )) ﴿٥٣﴾ ،
    فهذا كله كلام لا أساس له من الصحة أو من الواقع ، وهم أنفسهم يقرون بأن المشركين كانوا يعترفون بالله الواحد ، ويتقربون لله عن طريق الأصنام ،
    وأقوال السلف تنم عن فطرتهم ببغض من يعطه الله أي كرامة أو منزلة مشرفة ، ويرون حتى من طلب الشفاعة بالأنبياء والأولياء ، ضرباً من ضروب الشرك ، ولا يفهمون أو يتفهمون معنى الشفاعة ، ويرون أن لا شفيع عند الله إلّا هو ، رغم ما للآيات من دلائــــــــل وبراهـــــــــين على إنه تعالى يقبل الشفاعة من أولياءه المــقربين : -
    ( ............... مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ .........) ﴿٢٥٥﴾ البقرة .
    .................................................. .................................................
    ﴿٥١﴾ تيسير الكريم الرحمن ( ٢ / ٤٩٩ ) .
    ﴿٥٢﴾ - رسالة التوحيد (ص ٣٢، ٣٣) .
    ﴿٥٣﴾ - فتاوى ابن باز – موقع ابن باز الرسمي – توضيح معنى الشرك بالله .


    . (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَـــــسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) ﴿٨٥﴾ النساء .
    ولنا حديث عــــــــــــــــــن الشفاعة ، إذ سنرى أهمية الشفاعة ، في نهج الخليفة القادم ،
    ولكل ما تقدم فالشهادة بوحدانية الله ، يجب أن تكون كاملة مكتملة ، بالنبوة والولاية ، والشهادة المنقوصة هي ضرب من ضروب الإشراك بالله -جل جلاله- ، ومن أغرب ما سمعتُ من فتوى ، ما صرح بها وكيل أحد المراجع الشيعية ، بأن التشهد في الصلاة ، وهو الذي يقع بعد الركعة الثانية عقب السجود ، يجب أن يخلو من ذكر الولاية وإلا بطلت الصلاة ، ونحن لا ندعي الاجتهاد ، ولسنا من المتصديين أجارنا الله ، ولكننا ندّعي التفكر للوصول إلى حقائق السبل ، فكما وجب قول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وجب ركنها الثالث وهو الشهادة بالولاية ، فالنبوة والولاية متلازمتان كتلازم النبوة والوحدانية ، فإن كان التشهد بالولاية مبطلا للصلاة ، فكأنما نقول إن التشهد بالنبوة وبوحدانية الله مبطل للصلاة ، ولا أظنني اختلفت مع الأفاضل من رجال الدين ، سواء من الشيعة أم الجماعة ، مثل اختلافي معهم على هذه الفتوى ، التي تزعزع مفهوم الإيمان ، وتخالف صراحة قوله تعالى : -
    ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ﴿٥٥﴾ المائدة .
    فالتشهد هو تطبيق لهذه الآية من الناحية القولية ، واعتناق أيّ مذهب هو تطبيق لها من الناحية الفعلية ،
    ولو كان هناك من يتفكر بعدل وإنصاف ، سيجد أن الآية في أعلاه ، تعطي الولاية عظمة النبوة ، كما تعطي النبوة عظمة التوحيد بالله ، ولو استعرضت بعض الروايات التي ذكرت شخصيات زمن الرسول المصطفى ، إذ آمنت بالله ولكنها لم تؤمن بنبوة الرسول -ص وآله- ، إثر خلافات شخصية وأضغان عشائرية ، كما ذكر عن بجاد زوج الشيماء بنت الحارث ﴿٥٤﴾ ، فمثل هذا الإيمان يعد كــــــــفراً وعــــــــــــــداءً لله
    (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُــــــلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) ﴿٩٨﴾ البقرة .
    بل نص سبحانه وتعالى على ذلك بنص خاص ، يؤكد كفر من يؤمن ببعض ويكفر
    .................................................. .................................................
    ﴿٥٤﴾ - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد -ص وآله- - محمد بن يوسف الشامي .



    ببعض : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴿١٥٠ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَــــــقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ) النساء .
    لمّا كان إبليس من الفاسقين قبل تناسل بني آدم ، فهو كذلك من المؤمنين بوحدانية الله قبل تناسلهم كذلك ، والصورة الدقيقة التي أشار لها الباري -عزوجل- للإيمان والإشراك ، لم يتفهمها لحد هذه اللحظة الكثير ممن ينتسبون للإسلام ، بل وممن جعلوا أنفسهم من المتحدثين باِسم الإسلام ،
    فهم من جهة ، لم يتفهموا الإيمان ، ومن جهة أخرى لم يتفهموا الإشراك ، وظنُّوا كما ظنَّ إبليس ، أن الإيمان هو الوقوف عند وحدانية الله ،
    وبدافع التكبّر والترفّع عمّن يكرمهم الله بدرجات وكرامات ، حاربوا تشريف الأنبياء والأولياء ، بحجة أن العزّة لله جميعاً ، كما جاء في قوله تعالى : -
    ( وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ﴿٦٥﴾ يونس .
    ولو تجردوا عن الاستكبار لفهموا قوله تعالى ، كما أراد الله أن نفهم ، إذ إن العزة لا تجمع حتى تتوزع ، وحين تتوزع على الأشخاص ، يشار إليهم على ما لهم من عزة بالجمع ، لذا فمعنى قوله تعالى (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله) هو : إن العزة لله ولك أيّها الرسول ، ولأولياء الله جميعاً ، ولنعد لقراءة الآية مع ما سبقتها من آيات : -
    ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢﴾ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿٦٣﴾لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٦٤﴾ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) يونس .
    فــــــــــجميعاً هنا تنصرف لله ولأولياء الله جميعاً ، ولا تنصرف لمفردة العزة ، كما في
    ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) ﴿١٠٣﴾ آل عمران .
    وبذلك يكون معنى قوله تعالى : -
    (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُــــــــــــبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُــوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) ﴿١٦٥﴾ .
    لكن المفسرين الخمس يفسرون (جميعاً) بمعنى (فقط) ، أي إن القوة لله فقط ،
    فجاء في الطبري : -
    (( إن القوة لله جميعاً - في الدنيا والآخرة ، دون من سواه من الأنداد والآلهة وإن الله شديد العقاب – لمن أشرك به ، وأدعى معه شركاء وجعل له ندا )) ،
    من المصائب الكبرى ، تحويل وتحوير مفهوم الآية إلى ما يخالف المقصود ، لأنهم يخوضون لجعل مقصد الآية التفريق بين الله وبين أنبيائه وأوليائه ، بحجة أن العزة لله وحده ، في حين لم يترك له تعالى من سبيل لإفهامهم ، إذ نص بقوله : -
    ( يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) ﴿٨ المنافقون .

    أرأيت حقاً كيف أنهم لا يعلمون كما وصفهم الله ، بإن العزة لله ولأوليائه ، فكيف قالوا إن العزة لله فقط ، ولم يتكلفوا حتى الانتباه والإشادة بالآية من سورة (المنافقون) ومن جهة أخرى فتعال لنرى ما سطروه عن قوله تعالى : -

    ( وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ﴿٦٥﴾ يونس .
    أذ يقول الطبري ص ٢١٦ من تفسيره : -
    (( فإن الله هو المنفرد بعزة الدنيا والآخرة ، لا شريك له فيها ، وهو المنتقم من هؤلاء المشركين القائلين فيه من القول الباطل ما يقولون )) ،

    فما لا يفهمونهُ ، أنَّهُ تعالى جل عن أن يقوم بأي عمل ، إلّا بواسطة مخلوقاته من الملائكة والصالحين من بني آدم ، وحين نقول إن ميكائيل ، هو الذي يوزّع أرزاق الخلق بإذن الله تعالى ، فهذا ليس بإشراك ، إنما الإشراك ، هو اسناد العمل إلى عبدٍ من دون الله ، أي إن نقول حاشا لله وملائكته ، إن ميكائيل هو الرزاق من دون الله ، ومن المفروض أن تكون هذه المفاهيم ، من البديهيات التي لا تحتاج حتَّى لوقفةٍ عابرة ، ولكنَّ المؤسف أن من يريد اعتناق الدين الإسلامي ، فعليه أن يبدأ من جديد ، وأن يبحث في كلِّ مفردة من مفرداته التعريفيِّة ، وإلَّا وجد نفسه في طريق العودة للأديان السابقة (اليهودية والمسيحيَّة) ، لا بل من المؤكد أنَّه سيجد في الأديان السابقة ، ما لا يجده في الإسلام من سلام ، وبعد أن تخلص الإسلام من العهود الدمويَّة ( الأمويَّة والعباسيَّة والعُثمانيَّة ) ، عادت الحركات وليدة تلك العهود ، بالظهور باسم الدين الإسلامي ، وبأنهم ممثلي الإسلام ، فعادت الغدة الخبيثة للانتشار باسم القاعدة والتنظيم ، وحركات مماثلة لبعضها ، وإن اختلفت التسمية واختلفت الشخصيات ، وبات على الخليفة ، إذا ما ظهر في زمن استفحال هذه الحركات ، أن يتخلص منها ، قبل أن يتخلص حتى من الدول التي من المتوقع أن تكون ، من أبرز معاديه ، ونحن الذين ندعي مناصرة الخليفة نستصعب حتّى أن نعود لفهم الدين ، فمن ذا الذي سيقبل منَّا أن ندله على مفهوم الإشراك بالله ، قبل أن يدعي هو الإيمان به ، فما أن يولد المسلم منَّا ، حتى تراه يزعم فَهْم الدين على أتمِّه ، وعلى أتمِّ الاســــــــــــتعداد لتبليغه ونشـــــــــــــــــــــره .
    • المحامي علاء الصائغ –– سانت لويس ولاية ميزوري

  • #2
    اللهم صل على محمد وال محمد
    احسنتم ويبارك الله بكم
    شكرا لكم كثيرا
    مأجورين

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X