بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
عَبْدُ اَلرَّحْمَنِ بْنُ اَلْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ( أَفْطَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَشِيَّةَ خَمِيسٍ فِي مَسْجِدِ قُبَا فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَرَابٍ فَأَتَاهُ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيٍّ اَلْأَنْصَارِيُّ بِعُسٍّ مُخَلَّطٍ بِعَسَلٍ فَلَمَّا وَضَعَهُ عَلَى فِيهِ نَحَّاهُ ثُمَّ قَالَ شَرَابَانِ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ قَالَ لاَ أَشْرَبُهُ وَ لاَ أُحَرِّمُهُ وَ لَكِنْ أَتَوَاضَعُ لِلَّهِ فَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ وَ مَنْ تَكَبَّرَ خَفَضَهُ اَللَّهُ وَ مَنِ اِقْتَصَدَ فِي مَعِيشَتِهِ رَزَقَهُ اَللَّهُ وَ مَنْ بَذَّرَ حَرَمَهُ اَللَّهُ وَ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اَلْمَوْتِ أَحَبَّهُ اَللَّهُ وَ مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اَللَّهِ أَظَلَّهُ اَللَّهُ فِي جَنَّتِهِ )، مستدرك الوسائل ، ج11، ص303.
فكان (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) بالرغم من علو شانه وعظيم مقامه ، نموذجاً في التواضع ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ، وَ يَأْكُلُ عَلَى الْأَرْضِ، وَ يَعْتَقِلُ الشَّاةَ ، وَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَى خُبْزِ الشَّعِيرِ). وسائل الشيعة،ج 12 ،ص 108.
كان يبدو فرداً عادياً من الناس، لم يحط نفسه بهالة خاصة ولا بزخرفة المُلك ولا بألقاب خاصة كما يفعل الزعماء والسلاطين ، فقد كان يجلس بين أصحابه كواحد منهم فيأتي الغريبُ فلا يدري أيُّهُم رسولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) حتى يسأل عنه، وكان قريباً من قلوب الناس، سهلاً هيناً يلتقي بأبعد الناس وأقربهم: أصحابِهِ وأعدائِهِ وأهلِ بيته والسفراءِ والوفود بلا تصنع ولا تكلّف، فكلُ شيء كان يصدر منه كان طبيعياً على سجيته.
ومن تواضعه أنه (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) كان يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلاَمِ وَ مَنْ رَامَهُ بِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ اَلْمُنْصَرِفَ مَا أَخَذَ أَحَدٌ يَدَهُ فَيُرْسِلَ يَدَهُ حَتَّى يُرْسِلَهَا وَ إِذَا لَقِيَ مُسْلِماً بَدَأَهُ بِالْمُصَافَحَةِ .
وفي خطبة يصف الإمام عليه السلام تواضع النّبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) في حياته اليوميّة ، فيقول : ( ولَقَدْ كَانَ صلّى الله عليه وآله وسلّم يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ ، ويَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ ، ويَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ ، ويَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ ، ويَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ ، ويُرْدِفُ خَلْفَهُ ، ويَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ : يَا فُلَانَةُ ـ لإِحْدَى أَزْوَاجِهِ ـ غَيِّبِيهِ عَنِّي ، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وزَخَارِفَهَا )، نهج البلاغة ، ج 2 ، خطبة 160 ، ص 59.
ولم يكن يأنف من عمل يعمله لقضاء حوائجه أو حاجات الناس ، كان يذهب إلى السوق ويحمل أشياءه بنفسه ولم يستكبر عن المساهمة في أي عمل يقوم به أصحابه وجنده ، فقد ساهم في بناء المسجد في المدينة وعمل فيه بيده ، كما عمل في حفر الخندق في معركة الأحزاب ، وشارك أصحابه في جمع الحطب في أحد سفراته ، وعندما قال له أصحابه نحن نقوم بذلك ، قال (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ): ( عَلِمتُ أَنَّكُم تكفونني، ولكنّ أكره أَن أتَميَّز عليكم، فإنّ الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه مُتَميِّزاً بين أَصحابه)، سفينة البحار ج 1 ص 415 .
قَالَ اَلْإِمَامُ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : ( اَلتَّوَاضُعُ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ نَفِيسٍ وَ مَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ وَ لَوْ كَانَ لِلتَّوَاضُعِ لُغَةٌ يَفْهَمُهَا اَلْخَلْقُ لَنَطَقَ عَنْ حَقَائِقِ مَا فِي مَخْفِيَّاتِ اَلْعَوَاقِبِ وَ اَلتَّوَاضُعُ مَا يَكُونُ فِي اَللَّهِ وَ لِلَّهِ وَ مَا سِوَاهُ مَكْرٌ وَ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ شَرَّفَهُ اَللَّهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ وَ لِأَهْلِ اَلتَّوَاضُعِ سِيمَاءُ يَعْرِفُهَا أَهْلُ اَلسَّمَاءِ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ وَ أَهْلُ اَلْأَرْضِ مِنَ اَلْعَارِفِينَ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ - وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ وَ أَصْلُ اَلتَّوَاضُعِ مِنْ جَلاَلِ اَللَّهِ وَ هَيْبَتِهِ وَ عَظَمَتِهِ وَ لَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَادَةٌ يَقْبَلُهَا وَ يَرْضَاهَا إِلاَّ وَ بَابُهَا اَلتَّوَاضُعُ وَ لاَ يَعْرِفُ مَا فِي مَعْنَى حَقِيقَةِ اَلتَّوَاضُعِ إِلاَّ اَلْمُقَرَّبُونَ [مِنْ عِبَادِهِ] اَلْمُسْتَقِلِّينَ بِوَحْدَانِيَّتِهِ قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ - وَ عِبٰادُ اَلرَّحْمٰنِ اَلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى اَلْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذٰا خٰاطَبَهُمُ اَلْجٰاهِلُونَ قٰالُوا سَلاٰماً وَ قَدْ أَمَرَ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَعَزَّ خَلْقِهِ وَ سَيِّدَ بَرِيَّتِهِ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالتَّوَاضُعِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ اِخْفِضْ جَنٰاحَكَ لِمَنِ اِتَّبَعَكَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلتَّوَاضُعُ مَزْرَعَةُ اَلْخُشُوعِ وَ اَلْخُضُوعِ وَ اَلْخَشْيَةِ وَ اَلْحَيَاءِ وَ إِنَّهُنَّ لاَ يَأْتِينَ إِلاَّ مِنْهَا وَ فِيهَا وَ لاَ يَسْلَمُ اَلشَّرَفُ اَلتَّامُّ اَلْحَقِيقِيُّ إِلاَّ لِلْمُتَوَاضِعِ فِي ذَاتِ اَللَّهِ تَعَالَى )، بحار الأنوار ، ج72 ، ص121.
وَ قَالَ اَلْإِمَامُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ، عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ( أَعْرَفُ اَلنَّاسِ بِحُقُوقِ إِخْوَانِهِ وَ أَشَدُّهُمْ قَضَاءً لَهَا أَعْظَمُهُمْ عِنْدَ اَللَّهِ شَأْناً وَ مَنْ تَوَاضَعَ فِي اَلدُّنْيَا لِإِخْوَانِهِ فَهُوَ عِنْدَ اَللَّهِ مِنَ اَلصِّدِّيقِينَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَقّاً )، مستدرك الوسائل ، ج11، ص295.
(الذلة) لما عرفت أن كل فضيلة وسط له طرفان مذمومان، فأحد طرفي التواضع (الكبر) - كما عرفت - وهو من طرف الإفراط، وآخرهما (الذلة) والتخاسس، وهو من طرف التفريط. فكما إن الكبر مذموم، فكذلك المذلة والتخاسس أيضا مذموم، إذ كلا طرفي الأمور ذميم، والمحمود:
هو التواضع من دون الخروج إلى شئ من الطرفين، إذ أحب الأمور إلى الله أوسطها. وهو أن يعطي كل ذي حق حقه، وهو العدل، فلو وقع في طرف النقصان فليرفع نفسه، إذ ليس للمؤمن أن يذل نفسه، فالعالم إذا دخل عليه إسكاف فخلى له مجلسه وأجلسه فيه، وترك تعليمه وإفادته، وإذا قام عدا إلى الباب خلفه، فقد تخاسس وتذلل، وهو غير محمود، بل هو رذيلة في طرف التفريط. فاللازم إذا وقع فيه أن يرفع نفسه إلى أن يعود إلى الوسط الذي هو الصراط المستقيم
وللتواضع قيمتان ، فهو من جهة أفضل العبادة ، ومن جهة أخرى يزيد صاحبه رفعة في الدنيا والآخرة .
وَ عَنْ اَلْإِمَامِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُحِبُّ اَلرُّكُوبَ عَلَى اَلْحِمَارِ مُؤْكَفاً وَ اَلْأَكْلَ عَلَى اَلْحَضِيضِ مَعَ اَلْعَبِيدِ وَ مُنَاوَلَةَ اَلسَّائِلِ بِيَدَيْهِ )، بحار الأنوار ، ج16، ص 238.
قالَ تَعالَى في كِتَابِهِ الكَريمِ : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ ﴾، سُورَةُ القَلمِ ، الآية 4.
تعليق