بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
القلب والعقل يلتقيان في هذه الليالي، القلب هو وعاء المشاعر كالحب والحزن والفرح، ووعاء الميول كميل الإنسان للفن أو ميل الإنسان للرياضة، أو ميل الإنسان للبحث، ووعاء الغرائز كغريزة الجنس، والتملك، والغضب، فالقلب هو وعاء المشاعر والميول والغرائز.
والعقل وعاء الإدراك سواء كان إدراكاً وهمياً أو خيالياً أو حدسياً أو فكرياً، العقل مجمع الإدراكات، وقد يفترق القلب عن العقل وقد يجتمعان، أحيانا العقل يختلف عن القلب، مثلاً يقول العقل للمدخن التدخين مضر، لكن القلب لا يطاوع العقل لأنه يحب التدخين فيستمر فيه، هنا يفترق القلب عن العقل، جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام قال: سيدي إني أحب أكل الطين فلا أستطيع أن أتركه. قال: إنها عزمة من عزمات الرجال. أي إذا كنت رجلاً حقيقياً تتبين بعزمك ورجولتك وقوة إرادتك.
هناك من يقول لا أستطيع ترك بعض الذنوب، لدي معاصي لا أستطيع تركها مع أني إنسان مؤمن ملتزم وموالي لأهل البيت ولكن لدي بعض الذنوب لا أستطيع تركها، مهما تبت عنها رجعت إليها، وكلما تبت وأقلعت عنها رجعت إليها مرة أخرى، نقول له هذا لا يفيد، أنت لديك إرادة، ورجولتك وشخصيتك بقوة إرادتك، إنها عزمة من عزمات الرجال، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام: ”وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى“.
إذن قد يفترق القلب عن العقل ولهذا يقال القلب لا يفقه، القلب لا يعقل، يقول القرآن الكريم: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ [الحج: 46] ويكون القلب عاقلاً وفقهياً إذا خضع القلب للعقل، وأما إذا افترق القلب عن العقل فهنا الإنسان يعيش في متاهة وضلال لأن قلبه مفترق عن عقله ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14]
وليالي عاشوراء قد جمعت القلب والعقل معا وأحيت كلا منهما فعلى المؤمن أن يضع له برنامج يسير عليه فيما بعد ليالي عاشوراء لينال السعادة
كل إنسان منا يطلب السعادة، السعادة باطمئنان القلب، السعادة باستقراء هذه القطعة ألا وهي قطعة القلب، إذا كان قلبك مستقراً فأنت سعيد وإلا فكمن ثري وكمن عظيم يعيش توتراً وقلقاً ولا يعيش ذرة من السعادة، السعادة هي استقرار القلب، لذلك يقول الله تبارك وتعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الأنعام: 125] انشراح الصدر يعني إقبال القلب على العبادة، إذا وجدت قلبك هذه الليالي مقبلاً على العبادة ومطمئناً بها فأنت تعيش ذرة من السعادة، درجة من السعادة، ﴿وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: 125]
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
هذه هي السعادة الحقيقية وهذا هو المقصود بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا «2» وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ «3»﴾ [الطلاق: 2 - 3] اطمئنان القلب أعظم الرزق وأعظم السعادة في مسيرة الإنسان.
إذن أمامك هذه الليالي خطوات للوصول إلى السعادة الحقيقية وهي طمأنينة القلبي:
الخطوة الأولى: مبدأ المحاسبة.
حاول هذه الليالي أن تحاسب نفسك على ما مضى وتستعد لان تكون من الصالحين فيما بقي من أيام عمرك ، ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا“ ولو مقدار عشر دقائق تجلس بينك وبين نفسك وتحاسب نفسك على ما مضى من الشريط الأسود الذي تضمن الذنوب والمعاصي والأخطاء ”ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم فإن عمل حسنة استزاد الله منها، وإن عمل سيئة استغفر الله وتاب إليه“
الخطوة الثانية: التوبة.
بادر هذه الليالي إلى التوبة، حاول في هذه الليالي أن تبكي وتذرف الدمع على مصاب سيد الشهداء وتذرف الدمع من عيونك حزناً على معاصيك، حزناً على الأخطاء التي ارتكبتها ، وتطرق باب الحسين عليه السلام ليعينك على التوبة.
الخطوة الثالثة: طهارة القلب.
حاول هذه الليالي أن تعفو عمن ظلمك وعمن أخطأ عليك، تذكر من أساؤوا إليك ومن ظلموك فاغفر لهم واستغفر لهم، ادعو لهم، تصدق عنهم، هذه نهاية التقرب
إلى الله بالعفو عمن أساء إليك وظلمك، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10] ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134] طهارة قلبك علامة قبول أعمالك وحسناتك وقربك من مولاك الحسين الشهيد .
الخطوة الرابعة: زيارة الحسين ع والمواظبة على زيارته .
عن أبا عبد الله عليه السلام يقول : مَن أراد أن يكون في جوار نبيّه صلّى الله ععليه وآله وسلم وعلي وفاطمة فلا يدع زيارة الحسين عليه السلام.