فرح بلاد الشام بقتل الامام الحسين (ع) وتسميته بالخارجي .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
روي - 1 - عن سهل بن سعد الشهرزوري قال : خرجت من شهرزور ، أريد بيت المقدس ، فصادف خروجي أيام قتل الحسين - عليه السلام - ، فدخلت الشام ، فرأيت الأبواب مفتحة والدكاكين مغلقة ، والخيل مسرجة ، والاعلام منشورة ، والرايات مشهورة ، والناس أفواجا قد امتلأت منهم السكك والأسواق ، وهم في أحسن زينة يفرحون ويضحكون . فقلت لبعضهم : أظن حدث لكم عيد لا نعرفه ؟
قالوا : لا .
قلت : فما بال الناس كافة فرحين مسرورين ؟
فقالوا : أغريب أنت أم لا عهد لك بالبلد ؟
قلت : نعم فماذا ؟
قالوا : فتح لأمير المفسدين فتح عظيم .
قلت : وما هذا الفتح ؟
قالوا : خرج عليه في أرض العراق خارجي ، فقتله ، والمنة لله تعالى ، وله الحمد .
قلت : ومن هذا الخارجي ؟
قالوا : الحسين بن علي بن أبي طالب .
قلت : الحسين بن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله - ؟
قالوا : نعم .
قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وان هذا الفرح والزينة لقتل ابن بنت
نبيكم ، أو ما كفاكم قتله حتى سميتموه خارجيا ؟ !
فقالوا : يا هذا أمسك عن هذا الكلام ، واحفظ نفسك ، فإنه ما من أحد يذكر الحسين بخير ، إلا ضربت عنقه .
فسكت عنهم باكيا حزينا ، فرأيت بابا عظيما ، قد دخلت فيه الاعلام والطبول ، فقالوا : الرأس يدخل من هذا الباب ، فوقفت هناك وكلما تقدموا بالرأس كان أشد لفرحهم ، وارتفعت أصواتهم ، وإذا برأس الحسين - عليه السلام - ، والنور يسطع من فيه ، كنور رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، فلطمت على وجهي ، وقطعت أطماري ، وعلا بكائي ونحيبي ، وقلت : وا حزناه للأبدان البالية النازحة عن الأوطان ، المدفونة بلا أكفان ، وا حزناه على الخد التريب ، والشيب الخضيب . يا رسول الله ليت عينيك ترى رأس الحسين في دمشق ، يطاف به في الأسواق ، وبناتك مشهورات على النياق ، مشققات الذيول والأزياق ، ينظر إليهن شرار الفساق ، أين علي بن أبي طالب - عليه السلام - يراكم على هذا الحال ؟
ثم بكيت وبكى لبكائي كل من سمع منهم صوتي وأكثرهم لا يفطنون لكثرة الغلبة وشدة فرحهم ، واشتغالهم بسرورهم ، وارتفاع أصواتهم ، وإذا بنسوة على أقتاب الجمال بغير وطاء ، ولا ستر ، وقائلة منهن تقول : وا محمداه ، وا علياه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، لو رأيتم ما حل بنا من الأعداء .
يا رسول الله بناتك أسارى كأنهن بعض اليهود والنصارى ، وهي تنوح بصوت شجي يقرع القلوب على الرضيع الصغير وعلى الشيخ الكبير ، وعلى المذبوح من القفا ، ومهتوك الخباء العريان بلا رداء ، وا حزناه لما نالنا أهل البيت ، فعند الله نحتسب مصيبتنا .
قال : فتعلقت بقائمة المحمل ، وناديت بأعلى الصوت : السلام عليكم يا آل بيت محمد ورحمة الله وبركاته ، وقد عرفت أنها أم كلثوم بنت علي ، فقالت : من أنت أيها الرجل الذي لم يسلم علينا أحد غيرك مثل سلامك منذ قتل أخي وسيدي الحسين - عليه السلام - ؟
فقلت لها : يا سيدتي أنا رجل من شهرزور ، اسمي سهل ، رأيت جدك محمد المصطفى - صلى الله عليه وآله - .
قالت : يا سهل ألا ترى ما صنع بنا ؟ أما والله لو عشنا في زمان لم ير محمدا ، ما صنع بنا أهله بعض هذا ، قتل والله أخي وسيدي الحسين وسبينا كما تسبى العبيد والإماء ، وحملنا على الأقتاب بغير وطاء ولا ستر كما ترى .
فقلت : يا سيدتي يعز والله على جدك وأبيك وأمك وأخيك سبط نبي الهدى .
فقالت : يا سهل اشفع لنا عند صاحب المحمل ، أن يتقدم بالرأس من بين المحامل ليشتغل الناظر عنا بها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا .
فقلت : حبا وكرامة ، ثم تقدمت إليه وسألته بالله وبالغت معه ، فانتهرني ولم يفعل .
قال سهل : وكان معي رفيق نصراني ، يريد بيت المقدس وهو متقلد سيفا تحت ثيابه ، فكشف الله عن بصره فسمع رأس الحسين ، وهو يقرأ القرآن ويقول : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } ، فأدركته السعادة ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله .
ثم انتضى سيفه ، وشد به على القوم ، وهو يبكي وجعل يضرب فيهم فقتل منهم جماعة كثيرة ، ثم تكاثروا عليه فقتلوه - رحمه الله - ، فقالت أم كلثوم : ما هذه الضجة ؟ فحكيت لها الحكاية ، وقالت : وا عجباه ، النصارى يحتشمون لدين الاسلام ، وأمه محمد الذين يزعمون أنهم على دين محمد ، يقتلون أولاده ويسبون حريمه ، ولكن العاقبة للمتقين : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .
***********************
الهوامش :
1 - السيد هاشم البحراني قدس الله نفسه في كتابه (( مدينة المعاجز )) ، ج 4 ، ص 130 – 133 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
روي - 1 - عن سهل بن سعد الشهرزوري قال : خرجت من شهرزور ، أريد بيت المقدس ، فصادف خروجي أيام قتل الحسين - عليه السلام - ، فدخلت الشام ، فرأيت الأبواب مفتحة والدكاكين مغلقة ، والخيل مسرجة ، والاعلام منشورة ، والرايات مشهورة ، والناس أفواجا قد امتلأت منهم السكك والأسواق ، وهم في أحسن زينة يفرحون ويضحكون . فقلت لبعضهم : أظن حدث لكم عيد لا نعرفه ؟
قالوا : لا .
قلت : فما بال الناس كافة فرحين مسرورين ؟
فقالوا : أغريب أنت أم لا عهد لك بالبلد ؟
قلت : نعم فماذا ؟
قالوا : فتح لأمير المفسدين فتح عظيم .
قلت : وما هذا الفتح ؟
قالوا : خرج عليه في أرض العراق خارجي ، فقتله ، والمنة لله تعالى ، وله الحمد .
قلت : ومن هذا الخارجي ؟
قالوا : الحسين بن علي بن أبي طالب .
قلت : الحسين بن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله - ؟
قالوا : نعم .
قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وان هذا الفرح والزينة لقتل ابن بنت
نبيكم ، أو ما كفاكم قتله حتى سميتموه خارجيا ؟ !
فقالوا : يا هذا أمسك عن هذا الكلام ، واحفظ نفسك ، فإنه ما من أحد يذكر الحسين بخير ، إلا ضربت عنقه .
فسكت عنهم باكيا حزينا ، فرأيت بابا عظيما ، قد دخلت فيه الاعلام والطبول ، فقالوا : الرأس يدخل من هذا الباب ، فوقفت هناك وكلما تقدموا بالرأس كان أشد لفرحهم ، وارتفعت أصواتهم ، وإذا برأس الحسين - عليه السلام - ، والنور يسطع من فيه ، كنور رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، فلطمت على وجهي ، وقطعت أطماري ، وعلا بكائي ونحيبي ، وقلت : وا حزناه للأبدان البالية النازحة عن الأوطان ، المدفونة بلا أكفان ، وا حزناه على الخد التريب ، والشيب الخضيب . يا رسول الله ليت عينيك ترى رأس الحسين في دمشق ، يطاف به في الأسواق ، وبناتك مشهورات على النياق ، مشققات الذيول والأزياق ، ينظر إليهن شرار الفساق ، أين علي بن أبي طالب - عليه السلام - يراكم على هذا الحال ؟
ثم بكيت وبكى لبكائي كل من سمع منهم صوتي وأكثرهم لا يفطنون لكثرة الغلبة وشدة فرحهم ، واشتغالهم بسرورهم ، وارتفاع أصواتهم ، وإذا بنسوة على أقتاب الجمال بغير وطاء ، ولا ستر ، وقائلة منهن تقول : وا محمداه ، وا علياه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، لو رأيتم ما حل بنا من الأعداء .
يا رسول الله بناتك أسارى كأنهن بعض اليهود والنصارى ، وهي تنوح بصوت شجي يقرع القلوب على الرضيع الصغير وعلى الشيخ الكبير ، وعلى المذبوح من القفا ، ومهتوك الخباء العريان بلا رداء ، وا حزناه لما نالنا أهل البيت ، فعند الله نحتسب مصيبتنا .
قال : فتعلقت بقائمة المحمل ، وناديت بأعلى الصوت : السلام عليكم يا آل بيت محمد ورحمة الله وبركاته ، وقد عرفت أنها أم كلثوم بنت علي ، فقالت : من أنت أيها الرجل الذي لم يسلم علينا أحد غيرك مثل سلامك منذ قتل أخي وسيدي الحسين - عليه السلام - ؟
فقلت لها : يا سيدتي أنا رجل من شهرزور ، اسمي سهل ، رأيت جدك محمد المصطفى - صلى الله عليه وآله - .
قالت : يا سهل ألا ترى ما صنع بنا ؟ أما والله لو عشنا في زمان لم ير محمدا ، ما صنع بنا أهله بعض هذا ، قتل والله أخي وسيدي الحسين وسبينا كما تسبى العبيد والإماء ، وحملنا على الأقتاب بغير وطاء ولا ستر كما ترى .
فقلت : يا سيدتي يعز والله على جدك وأبيك وأمك وأخيك سبط نبي الهدى .
فقالت : يا سهل اشفع لنا عند صاحب المحمل ، أن يتقدم بالرأس من بين المحامل ليشتغل الناظر عنا بها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا .
فقلت : حبا وكرامة ، ثم تقدمت إليه وسألته بالله وبالغت معه ، فانتهرني ولم يفعل .
قال سهل : وكان معي رفيق نصراني ، يريد بيت المقدس وهو متقلد سيفا تحت ثيابه ، فكشف الله عن بصره فسمع رأس الحسين ، وهو يقرأ القرآن ويقول : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ } ، فأدركته السعادة ، وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله .
ثم انتضى سيفه ، وشد به على القوم ، وهو يبكي وجعل يضرب فيهم فقتل منهم جماعة كثيرة ، ثم تكاثروا عليه فقتلوه - رحمه الله - ، فقالت أم كلثوم : ما هذه الضجة ؟ فحكيت لها الحكاية ، وقالت : وا عجباه ، النصارى يحتشمون لدين الاسلام ، وأمه محمد الذين يزعمون أنهم على دين محمد ، يقتلون أولاده ويسبون حريمه ، ولكن العاقبة للمتقين : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .
***********************
الهوامش :
1 - السيد هاشم البحراني قدس الله نفسه في كتابه (( مدينة المعاجز )) ، ج 4 ، ص 130 – 133 .
تعليق