بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
رُويَ عَنْ النَّبيِّ عيسَى بنِ مَريمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أنَّهُ قالَ: ( النومُ على الحصيرِ و أكلُ خُبْزِ الشَّعيرِ في طلبِ الفردوسِ يَسير )، مجموعة ورّام ،ج2 ،ص230.
نُلاحِظُ كيفَ أنَّ النَّبيَّ عيسَى مِنْ خِلالِ زُهْدِهِ في هذهِ الدُّنيَا يَطمحُ بفِردَوسِ الآخرةِ ،
وقدْ تَبرأَ الرَّسولُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) مِنَ الدُّنيَا، فقالَ في حديثِهِ المروي عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَ هُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبَيْهِ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اَللَّهِ لَوِ اِتَّخَذْتَ فِرَاشاً فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ): ( مَا لِي وَ لِلدُّنْيَا وَ مَا مَثَلِي وَ مَثَلُ اَلدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَ تَرَكَهَا )، مکارم الأخلاق ، ج1 ، ص25 ، وكَذلكَ الإمامُ عليُّ بنُ أبي طالبٍ كثيراً ما سفهَ هذه الدُّنيَا واسْتَهزأَ بِنَعيمِهَا وفيمَا يَلي رواياتٍ تتحدثُ عَنْهُمَا صلوات اللهِ عَليهِمَا وآلِهِمَا :-
فقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) : ( إِنَّ صَلاَحَ أَوَّلِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ بِالزُّهْدِ وَ اَلْيَقِينِ وَ هَلاَكَ آخِرِهَا بِالشُّحِّ وَ اَلْأَمَلِ )، وسائل الشیعة ج۲ ص 437 ، وقدْ مَدَحَ أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) الزُّهدَ في حَديثِهِ، قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : ( اَلزُّهْدُ ثَرْوَةٌ وَ اَلْوَرَعُ جُنَّةٌ وَ أَفْضَلُ اَلزُّهْدِ إِخْفَاءُ اَلزُّهْدِ اَلزُّهْدُ يُخْلِقُ اَلْأَبْدَانَ وَ يُحَدِّدُ اَلْآمَالَ وَ يُقَرِّبُ اَلْمَنِيَّةَ وَ يُبَاعِدُ اَلْأُمْنِيَّةَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصَبَ وَ مَنْ فَاتَهُ تَعِبَ وَ لاَ كَرَمَ كَالتَّقْوَى وَ لاَ تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ اَلصَّالِحِ وَ لاَ وَرَعَ كَالْوُقُوفِ عِنْدَ اَلشُّبْهَةِ وَ لاَ زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي اَلْحَرَامِ اَلزُّهْدُ كَلِمَةٌ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: لِكَيْلاٰ تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ وَ لاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاكُمْ فَمَنْ لَمْ يَأْسَ عَلَى اَلْمَاضِي وَ لَمْ يَفْرَحْ بِالْآتِي فَقَدْ أَخَذَ اَلزُّهْدَ بِطَرَفَيْهِ أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَلزَّهَادَةُ قَصْرُ اَلْأَمَلِ وَ اَلشُّكْرُ عِنْدَ اَلنِّعَمِ وَ اَلْوَرَعُ عِنْدَ اَلْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ اَلْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عِنْدَ اَلنِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اَللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَ كُتُبٍ بَارِزَةِ اَلْعُذْرِ وَاضِحَةٍ )، البحار، ج67، ص 316.
وسَيدُ مَنْ زَهْدَ في الدُّنيَا رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ، فقدْ أعرَضَ عنْهَا معَ قُدرَتَهُ عليْهَا، وقدْ عُرِضَتْ عليْهِ فرَفَضَهَا، فَفِي الحَديثِ المَرويِّ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) : ( جَاءَنِي مَلَكٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ رَبُّكَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ وَ يَقُولُ لَكَ إِنْ شِئْتَ جَعَلْتُ لَكَ بَطْحَاءَ مَكَّةَ رَضْرَاضَ ذَهَبٍ قَالَ فَرَفَعَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَأْسَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ فَقَالَ يَا رَبِّ أَشْبَعُ يَوْماً فَأَحْمَدُكَ وَ أَجُوعُ يَوْماً فَأَسْأَلُكَ )، بحارُ الأنوارِ ، ج16، ص283 ، وقدْ حَذا حذوهَ أميرُ المؤمنينَ وأبناؤهُ (عَلَيْهِم السَّلاَمُ) وهذه سيرتُهُ تشهَدْ لَهُ، فهذا جرابُهُ المَختومُ، وهذا قُرصُهُ الّذي إتخذَهُ مِنَ الشَّعيرِ، وهذا أدامُهُ الّذي إتخَذَهُ منْ جريشِ المِلحِ، هذا كُلُّهُ معَ قُدرتِهِ علَى تَحصيلِ مَا طابَ مِنَ المَطْعَمِ والمَلبَسِ، وقدْ أعربَ عَنْ قُدرتِه عَليْهِ، فقالَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( وَ لَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ اَلطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا اَلْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا اَلْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا اَلْقَزِّ وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ اَلْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ بالْحِجَازِ أَوْ بِالْيَمَامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي اَلْقُرْصِ وَ لاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَنْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَ أَكْبَادٌ حَرَّى فَأَكُونَ كَمَا قَالَ اَلْقَائِلُ:
وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ.............. وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى اَلْقِدِّ
أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ لاَ أُشَارِكَهُمْ فِي مَكَارِهِ اَلدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ اَلْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ اَلطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ اَلْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ اَلْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تقمهما [تَقَمُّمُهَا] تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ اَلضَّلاَلَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ اَلْمَتَاهَةِ وَ كَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ اِبْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ اَلضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ اَلْأَقْرَانِ وَ مُنَازَلَةِ اَلشُّجْعَانِ أَلاَ وَ إِنَّ اَلشَّجَرَةَ اَلْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَ اَلرَّوَاتِعَ اَلْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَ اَلنَّابِتَاتِ اَلْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُوداً وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَالصِّنْوِ مِنَ اَلصِّنْوِ وَ اَلذِّرَاعِ مِنَ اَلْعَضُدِ... الخبر)، بحار الأنوار ، ج40 ص340.
وتبرأَ مِنْهَا أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وطَرَدَهَا وطَلَّقَهَا، فقالَ: (يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي! أَ بِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ لاَ حَانَ حِينُكِ غُرِّيَ غَيْرِي لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ لِي فِيهَا فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ وَ خَطَرُكِ يَسِيرٌ وَ أَمْلُكِ حَقِيرٌ، آه! مِنْ قِلَّةِ اَلزَّادِ وَ طُولِ اَلطَّرِيقِ وَ بُعْدِ اَلسَّفَرِ وَ عِظَمِ اَلْمَوْرِدَ )، غرر الحکم ج1 ص804.
وبالجُّملةِ لَاُبَّد لِلسَّالكِ أنْ يقتصرَ في دُنيَاهُ علَى مَا تدعو لَهُ الحَاجَةُ وتقتضيهِ الضَّرورةُ، ويعرضُ عمّا سوَى ذلكَ إنقطاعاً إلَى اللهِ وإعراضاً عنْ غيرِهِ حتَّى يَجدُ حلاوةَ حُبِّ اللهِ.
ولَا يكونُ مِمَنْ هوَ مصدَاقاً للآيةِ الكريمَةِ : ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَئَابِ ﴾، سورة آل عمران، آية 14.
وأيضًا كَمَا وَرَدَ عَنْ اَلْأَصْبَغُ وَ أَبُو مَسْعَدَةَ وَ اَلْبَاقِرُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : ( أَنَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَتَى اَلْبَزَّازِينَ فَقَالَ لِرَجُلٍ بِعْنِي ثَوْبَيْنِ فَقَالَ اَلرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عِنْدِي حَاجَتُكَ فَلَمَّا عَرَفَهُ مَضَى عَنْهُ فَوَقَفَ عَلَى غُلاَمٍ فَأَخَذَ ثَوْبَيْنِ أَحَدَهُمَا بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ وَ اَلْآخَرَ بِدِرْهَمَيْنِ فَقَالَ يَا قَنْبَرُ خُذِ اَلَّذِي بِثَلاَثَةٍ فَقَالَ: أَنْتَ أَوْلَى بِهِ تَصْعَدُ اَلْمِنْبَرَ وَ تَخْطُبُ اَلنَّاسَ قَالَ أَنْتَ شَابٌّ وَ لَكَ شَرَهُ اَلشَّبَابِ وَ أَنَا أَسْتَحْيِي مِنْ رَبِّي أَنْ أَتَفَضَّلَ عَلَيْكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَقُولُ أَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَ أَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ فَلَمَّا لَبِسَ اَلْقَمِيصَ مَدَّ كُمَّ اَلْقَمِيصِ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ وَ اِتِّخَاذِهِ قَلاَنِسَ لِلْفُقَرَاءِ فَقَالَ اَلْغُلاَمُ هَلُمَّ أَكُفَّهُ قَالَ دَعْهُ كَمَا هُوَ فَإِنَّ اَلْأَمْرَ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ فَجَاءَ أَبُو اَلْغُلاَمِ فَقَالَ: إِنَّ اِبْنِي لَمْ يَعْرِفْكَ وَ هَذَانِ دِرْهَمَانِ رِبْحُهُمَا فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ قَدْ مَاكَسْتُ وَ مَاكَسَنِي وَ اِتَّفَقْنَا عَلَى رِضًى )، مستدرك الوسائل ، ج3 ، ص256.
والسَّالِكُ يجبُ أنْ يقتصِرُ في الزُّهدِ علَى نفسِهِ، ولَا ينبَغي أنْ يَفرضَ زُهدَهُ علَى عائلتِهِ، وأضيافِهِ، فَيجري لعائلتِهِ منَ النَّفقَةِ الأقلِّ مِمَّا يحتاجونَ إليِهِ، فإنَّ ذلكَ يُعَدُّ تقتيراً، وهو مُنافٍ لِمَا وَرَدَ مِنْ إستحبابِ التَّوسعَةِ علَى العيَالِ، فَفي الحَديثِ الوارَدِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَسْعَدَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو اَلْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : ( إِنَّ عِيَالَ اَلرَّجُلِ أُسَرَاؤُهُ فَمَنْ أَنْعَمَ اَللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُسَرَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْشَكَ أَنْ تَزُولَ عَنْهُ تِلْكَ اَلنِّعْمَةُ )، الأمالی (للصَّدوقِ) ، ج1 ، ص442، وهكذا الحالُ بالنِّسبَةِ إلَى الأضيافِ، فإنَّ التَّقليلَ فيمَا يُقدمَهُ إليهِم يُعَدُّ بُخلاً وهو مَذمومٌ .
تعليق