بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ اللهِ وَبَرَكآتُهْ
إشْتَهَرَ الإمَامُ اَلْحَسَنُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بالحِلْمِ حتَّى لُقِبَ بـ(حليمُ أهلِ البيتِ) لِكَثرَةِ حِلْمِهِ، وعَدَمِ إنْفِعَالِهِ، وقُدرَتِهِ العَجيبَةُ علَى ضَبطِ النَّفسَ ضِدَّ مُهيجاتِ الغَضَبِ .
الحِلْمُ خُلُقٌ مِنْ أخلاقِ الإسلامِ، وهو مِنْ مَكارِمِ الأخلاقِ، وأعزَّ الخِصَالِ، وأجمَلَ الصِّفاتِ، وأشرَفَ السَّجايَا، وأنْفَعَ الأعمَالِ في جَلْبِ المَودَةِ والمَحبَةِ والأُلفَةِ .
وقدْ ذُكِرَ الحِلْمُ في القُرآنِ الكَريمِ نَحو عِشرينَ مَرَّةٍ في سِورٍ مُتعدَّدةٍ، وقدْ مَدحَ اللهُ تعالَى الحُلَمَاءَ والكَاظمينَ الغيظَ، وأثنَى عَلَيْهِم كَمَا في قولِهِ تَعالَى: ﴿ ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ سُورَةُ آلِ عِمرانَ، الآية 134، وقولُهُ تَعالَى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾، سُورَةُ الفُرقَانِ، الآية 63.
هو ضَبْطُ النَّفسِ تِجَاهَ مُسبِّباتِ ومُثيراتِ الغَضَبِ، والتحكم الإيجابي في الانفعالات الناتجة من حالة الغضب والهيجان، ولذلك اعتبر الإمَامُ اَلْحَسَنُ أن الحلم زينة يتزين به الإنسان، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: ( اِعْلَمُوا أَنَّ اَلْحِلْمَ زِينَةٌ وَ اَلْوَقَارَ مُرُوَّةٌ وَ اَلصِّلَةَ نِعْمَةٌ اَلْخَبَرَ )، مستدرك الوسائل، ج11،ص 288.
وإليكَ نَمَاذجَ مِنْ حِلمِ الإمَامِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ):-
مِنْهَا :فهذا مروانُ بنُ الحَكَمِ المَعروفُ بعدائِهِ للإمامِ ، يَقِرُّ بأنَّ حِلْمَهُ يوازنُ الجِبالَ
يقولُ نَصُّ الرِّوايَةِ: ( لَمَّا ماتَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) أخرَجوا جِنازَتَهُ، فَحَمَلَ مَروانُ سَريرَهُ، فَقالَ لَهُ الحُسَينُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( أتَحمِلُ سَريرَهُ؟ أما وَاللَّهِ لَقَد كُنتَ تُجَرِّعُهُ الغَيظَ)،فَقالَ مَروانُ: إنّي قَد أفعَلُ ذاكَ بِمَن يُوازِنُ حِلمُهُ الجِبالَ )، بحار الأنوار، ج 44 ص 145 ح 13.
وَ مِنْهَا : مَا رَوَى اَلْمُبَرَّدُ وَ اِبْنُ عَائِشَةَ : ( أَنَّ شَامِيّاً رَآهُ رَاكِباً فَجَعَلَ يَلْعَنُهُ وَ اَلْحَسَنُ لاَ يُرَدُّ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَ ضَحِكَ وَ قَالَ: ( أَيُّهَا اَلشَّيْخُ أَظُنُّكَ غَرِيباً وَ لَعَلَّكَ شُبِّهْتَ فَلَوِ اِسْتَعْتَبْتَنَا أَعْتَبْنَاكَ وَ لَوْ سَأَلْتَنَا أَعْطَيْنَاكَ وَ لَوْ اِسْتَرْشَدْتَنَا أَرْشَدْنَاكَ وَ لَوْ اِسْتَحْمَلْتَنَا حَمَّلْنَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ جَائِعاً أَشْبَعْنَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ عُرْيَاناً كَسَوْنَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ مُحْتَاجاً أَغْنَيْنَاكَ وَ إِنْ كُنْتَ طَرِيداً آوَيْنَاكَ وَ إِنْ كَانَ لَكَ حَاجَةٌ قَضَيْنَاهَا لَكَ فَلَوْ حَرَّكْتَ رَحْلَكَ إِلَيْنَا وَ كُنْتَ ضَيْفَنَا إِلَى وَقْتِ اِرْتِحَالِكَ كَانَ أَعْوَدَ عَلَيْكَ لِأَنَّ لَنَا مَوْضِعاً رَحْباً وَ جَاهاً عَرِيضاً وَ مَالاً كَبِيراً ) فَلَمَّا سَمِعَ اَلرَّجُلُ كَلاَمَهُ بَكَى ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ خَلِيفَةُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ اَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ وَ كُنْتَ أَنْتَ وَ أَبُوكَ أَبْغَضَ خَلْقِ اَللَّهِ إِلَيَّ وَ اَلْآنَ أَنْتَ أَحَبُّ خَلْقِ اَللَّهِ إِلَيَّ وَ حَوَّلَ رَحْلَهُ إِلَيْهِ وَ كَانَ ضَيْفَهُ إِلَى أَنِ اِرْتَحَلَ وَ صَارَ مُعْتَقِداً لِمَحَبَّتِهِمْ )، بحار الأنوار ، ج 43 ، ص 344.
وَ مِنْهَا :أنَّ اَلْحَسَنُ بنَ عَليٍّ كانَ يُغضي عمَّن أساءَ إليهِ ويُقابِلُهُ بالإحسَانِ فَقَدْ وَرَدَ: (كانتْ عندَهُ شَاةٌ فَوجدَهَا يومًا قَدْ كُسرَتْ رِجلُهَا فقالَ لِغُلامِهِ: مَنْ فَعَلَ هذا بها؟ قَالَ الغُلامُ : أنَا، فقالَ اَلْحَسَنُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): لِمَ ذلكَ؟ قَالَ الغُلامُ: لِأحْلِبَ لَكَ الهَمَّ والغَمَّ ، فتبسَّمَ اَلْحَسَنُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وقال: لَأُسِرَّنَّكَ فَأَعْتَقَهُ وأجْزَلَ لَهُ العَطاءَ )، حياة الإمَامِ اَلْحَسَنِ لباقر شريف القرشي، ج1 ،ص214.
وَ مِنْهَا قَالَ: ( وَذَكَرُوا أَنَّ الْحَسَنَ رَأَى غُلَامًا أَسْوَدَ يَأْكُلُ مِنْ رَغِيفٍ لُقْمَةً وَيُطْعِمُ كَلْبًا هُنَاكَ لُقْمَةً، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ فَقَالَ: إِنِّي أَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ آكُلَ وَلَا أُطْعِمَهُ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: لَا تَبْرَحْ مِنْ مَكَانِكَ حَتَّى آتِيَكَ، فَذَهَبَ إِلَى سَيِّدِهِ فَاشْتَرَاهُ وَاشْتَرَى الْحَائِطَ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَأَعْتَقَهُ وَمَلَّكَهُ الْحَائِطَ، فَقَالَ الْغُلَامُ: يَا مَوْلَايَ قَدْ وَهَبْتُ الْحَائِطَ لِلَّذِي وَهَبَتْنِي لَهُ ). البِداية والنِّهاية لابن كثير الدِّمشقي، ج8، ص38.
وَ مِنْهَا قَالَ: ( مَرَّ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عَلَى فُقَرَاءَ وَ قَدْ وَضَعُوا كُسَيْرَاتٍ عَلَى اَلْأَرْضِ وَ هُمْ قُعُودٌ يَلْتَقِطُونَهَا وَ يَأْكُلُونَهَا فَقَالُوا لَهُ هَلُمَّ يَا اِبْنَ بِنْتِ رَسُولِ اَللَّهِ إِلَى اَلْغَدَاءِ قَالَ: فَنَزَلَ وَ قَالَ: إِنَّ اَللَّهَ لاٰ يُحِبُّ اَلْمُسْتَكْبِرِينَ وَ جَعَلَ يَأْكُلُ مَعَهُمْ حَتَّى اِكْتَفَوْا وَ اَلزَّادُ عَلَى حَالِهِ بِبَرَكَتِهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى ضِيَافَتِهِ وَ أَطْعَمَهُمْ وَ كَسَاهُمْ )، بحار الأنوار ، ج43 ،ص351.
وَ مِنْهَا : ( وَ جَنَى غُلاَمٌ لَهُ جِنَايَةً تُوجِبُ اَلْعِقَابَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُضْرَبَ فَقَالَ: يَا مَوْلاَيَ ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾ ، قَالَ: خَلُّوا عَنْهُ فَقَالَ: يَا مَوْلاَيَ ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾،قَالَ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ قَالَ: يَا مَوْلاَيَ ﴿ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾،سُورَةُ آلِ عِمرانَ، الآية 134، قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اَللَّهِ وَ لَكَ ضِعْفُ مَا كُنْتُ أُعْطِيكَ )، كشف الغمة ، ج2،ص31.
وَ مِنْهَا: قَالَ الإمَامُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( إِنَّ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ قُوَّةً فِي دِينٍ، وَكَرَماً فِي لِينٍ، وَحَزْماً فِي عِلْمٍ، وَعِلْماً فِي حِلْمٍ، وَتَوْسِعَةً فِي نَفَقَةٍ، وَقَصْداً فِي عِبَادَةٍ، وَ تَحَرُّجاً مِنَ الطَّمَعِ، وَبِرّاً فِي اسْتِقَامَةٍ، لَا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ، وَلَا يَدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ، وَلَا يَجْحَدُ حَقّاً هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يَهْمِزُ وَلَا يَلْمِزُ وَلَا يَبْغِي، مُتَخَشِّعٌ فِي الصَّلَاةِ، مُتَوَسِّعٌ فِي الزَّكَاةِ، شَكُورٌ فِي الرَّخَاءِ، صَابِرٌ عِنْدَ الْبَلَاءِ، قَانِعٌ بِالَّذِي لَهُ، لَا يَطْمَحُ بِهِ الْغَيْظُ، وَلَا يَجْمَعُ بِهِ الشُّحُّ، يُخَالِطُ النَّاسَ لِيَعْلَمَ، وَيَسْكُتُ لِيَسْلَمَ، يَصْبِرُ إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ إِلَهُهُ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ )، نزهة الناظر و تنبيه الخاطر،76.
وَ مِنْهَا: قَالَ الإمَامُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( أَوْسَعُ مَا يَكُونُ الْكَرِيمُ بِالْمَغْفِرَةِ إِذَا ضَاقَتْ بِالْمُذْنِبِ الْمَعْذِرَةُ )، بحار الأنوار ،ص 78 ،ج 115 ،ح 12.
وَ مِنْهَا: قَالَ الإمَامُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( إِذَا سَمِعْتَ أَحَداً يَتَنَاوَلُ أَعْرَاضَ النَّاسِ، فَاجْتَهِدْ أَنْ لَا يَعْرِفَكَ فَإنَّ أَشْقَى الْأَعْرَاضِ مَعَارِفُهُ )، بحار الأنوار ،ج 74 ،ص 198 ،ح 34.
قَالَ الإمَامُ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ فِيهِ مَصَابِيحُ النُّورِ، وَ شِفَاءُ الصُّدُورِ، فَلْيَجْلُ جَالٍ بَصَرَهُ، وَ لْيُلْجِمِ الصِّفَةَ قَلْبُهُ، فَإِنَّ التَّفْكِيرَ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ، كَمَا يَمْشِي الْمُسْتَنِيرُ فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ )، بحار الأنوار ،ج 74 ،ص 198 ،ح 34.
أعظم اللهُ لكم الأجر بشَهادَةِ مولانا الإمام اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلامُ).
تعليق