بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
في حديثٍ يَنقُلُهُ الشَّيخُ الصَّدوقُ رَحِمَهُ اللهُ في عِلَلِ الشَّرايع: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ثَابِتِ بْنِ دِينَارٍ اَلثُّمَالِيِّ ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ اَلْبَاقِرَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : ( يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ ، لِمَ سُمِّيَ عَلِيٌّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ، وَ هُوَ اِسْمٌ مَا تَسَمَّى بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَ لاَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ مِيرَةُ اَلْعِلْمِ، يُمْتَارُ مِنْهُ، وَ لاَ يُمْتَارُ مِنْ أَحَدٍ سِوَاهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ ، فَلِمَ سُمِّيَ سَيْفُهُ ذَا اَلْفِقَارِ . فَقَالَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): لِأَنَّهُ مَا ضَرَبَ بِهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِ اَللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) إِلاَّ أَفْقَرَهُ فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا مِنْ أَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ، وَ أَفْقَرَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنَ اَلْجَنَّةِ . قَالَ: فَقُلْتُ: يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ، أَ لَسْتُمْ كُلُّكُمْ قَائِمِينَ بِالْحَقِّ؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: فَلَمْ سُمِّيَ اَلْقَائِمُ قَائِماً؟ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ جَدِّيَ اَلْحُسَيْنُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ضَجَّتِ اَلْمَلاَئِكَةُ إِلَى اَللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ) بِالْبُكَاءِ وَ اَلنَّحِيبِ، وَ قَالُوا: إِلَهَنَا، وَ سَيِّدَنَا، أَ تَغْفُلُ عَمَّنْ قَتَلَ صَفْوَتَكَ وَ اِبْنَ صَفْوَتِكَ وَ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ؟ فَأَوْحَى اَللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) إِلَيْهِمْ: قِرُّوا مَلاَئِكَتِي، فَوَ عِزَّتِي وَ جَلاَلِي، لَأَنْتَقِمَنَّ مِنْهُمْ وَ لَوْ بَعْدَ حِينٍ. ثُمَّ كَشَفَ اَللَّهُ (عَزَّ وَ جَلَّ) عَنِ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) لِلْمَلاَئِكَةِ، فَسُرَّتِ اَلْمَلاَئِكَةُ بِذَلِكَ، فَإِذَا أَحَدُهُمْ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالَ اَللَّهُ (تَعَالَى) بِذَلِكَ اَلْقَائِمِ أَنْتَقِمُ مِنْهُمْ )، بحار الأنوار ، ج37،ص294.
في زَمَنِ العولَمَةِ وشبكاتِ التواصلِ الاجتماعي والقنوات التلفزيونيَّةِ الفضائيَّةِ كَثُرَتْ التشكيكاتُ والأسئلةُ العقائديَّةِ النَاتِجَةِ عَنْ مُحاربي الدينِ الإسلامي بِكُلِّ هذهِ الوسائل الّتي أُستخدمَتْ لترويجِ أفكارِ الشيطانِ وأتباعِهِ ،وَمِنْ هذهِ الأسئلَةِ السؤالُ التالي:-
أنْتُمْ تَصرخونَ في عاشوراءَ مِنْ كُلِّ عَامٍ يَا لِثاراتِ الحُسينِ بإشارَةٍ واضِحَةٍ مِنْكُمُ للإنتقَامِ مِمَّنْ قتلَ الحُسينَ ! السؤالُ هُنَا : لِمَاذا لَمْ يأخذُ الأئمَةُ بثأرِ أبيهِم مِنْ قَتَلتِهِ كَمَا تَزعمونَ ؟! .
والجَوابُ هوَ: إنَّ ألأخذَ بثأرِ الإمامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) لَا يَعني : قتلَ الشَّخصَ الّذي تَولَى قَتلَهُ ، بَلْ يَعني : إسقاطَ البَّاطلَ الّذي أقامَ يزيدُ صَرحَهُ ، وإحياءَ الحَقَّ والدِّينَ الّذي أرادَ يزيدُ إماتَتَهُ بِقتلِ الإمامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) .
ليسَ شِعارُ يَا لِثاراتِ الحُسينِ ـ إنْ صَحَّ أنَّ أحداً قدْ صَرَخَ بِهِ في يومِ عَاشوراءَ ـ جُزءاً مِنَ المَراسمِ العَاشورائيَّةِ الّتي تَدورُ عَليْهَا تِلكَ المَراسمُ ، أو لَا تقومُ إلَّا بِهَا . .
ولَا هوَ مِنْ مُكَونَاتِهَا الأساسيَّةِ ، أو غيرِ الأساسيَّةِ . . بَلْ المُكونُ الأساسيُّ لِعاشوراءَ : هوَ إظهارُ الحُبَّ والولاءَ للحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) مِنْ جِهَةٍ ، ورفضُ البَاطِلَ وإدانَتَهُ وتقبيحُ ممارساتِ الظَّالمينَ ، وإدانَةُ العُدوانَ علَى الدِّينِ وأهلِ الدِّينِ ، في كُلِّ مَكانٍ وزمانٍ . . فَلَمْ يبقَ مَعنى للسؤالِ عنْ سَبَّبِ عَدَمِ أخذِ الأئمةِ بثأرِ أبيهِمْ . .
وإنَّمَا يَتحقَّقُ ذلكَ حينَ تَمتلىءُ الأرضُ قِسطاً وعَدلاً كمَا مُلئَتْ ظُلماً وجَوراً . . وذلكَ علَى يَدِ المَهديُّ الّذي وَعَدَ اللهُ بِهِ أمَّةَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهٌ وَسُلَّمٌ) ، لِيُنْقُذُهَا منْ براثنِ أعدائِهَا ، ويُحْيِّ اللهُ بِهِ الأرضَ بعدَ مَوتِهَا ، ويُتِّمُ نِعمتَهُ علَى الإنسانيَّةِ كُلِّهَا .
والثَّأرُ نَوعانِ ثأرٌ شَخصيٌّ يقومُ بِهِ ولِيِّ دَمِ المَقتولِ ظُلماً وثأرٌ دينيٌّ ربّانيٌّ وكِلَّاهُمَا مِنْ صَلاحياتِ الإمامِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فَهوَ إبنُ الإمامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وهوَ أولَى بأخذِ الثَّأر مِنْ غيرِهِ . وأيضاً الثَّأرُ الدِّينيُّ الأساسيُّ وهوَ الحَقُّ العَّامُ للهِ عَزَّ وَ جَلَّ .
وقدْ جَعلَ اللهُ ثَأرَ الإمامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) هدفاً للإمامِ المَهديِّ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) لأنَّهُ تَجمّعَتْ فيهِ ظُلامَاتُ الأنبياءِ والأئمَةِ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) كمَا تَجمّعَتْ في أعداءِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) صِفاتُ الطُّغاةِ فقَدْ ورَثَ يزيدُ وأبوهُ الطُّغاةِ مِنْ قَابيلَ وفرعونَ وهامانَ الَى آخرِهِم .
قالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾، سُورَةُ الإسراءِ، الآية: 33 .
الإِمَامُ الحُسينُ و الإِمَامُ المَهديُّ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ)، كِلَاهُمَا إمامينِ معصومينِ بالعِصمَةِ التَّكوينيَّةِ، فالإِمَامُ الحُسينُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) هوَ الإِمَامُ الثَّالثُ، و الإِمَامُ المَهديُّ(عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ)هو الإِمَامُ الثَّاني عَشَرِ، وفقَ المَذهبِ الإماميِّ وهُمَا مُفترَضَا الطَّاعَةِ علَى البَشريَّةِ.
الإِمَامُ الحُسينُ و الإِمَامُ المَهديُّ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ)، كِلَاهُمَا ثَائرانِ ضِدَّ الظُّلمِ والطُّغيانِ، فالحُسينُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ثارَ ضِدَّ الظُّلمِ الأمويِّ والوَضعِ الإجتماعيِّ في حِينِهِ، حيثُ عَمِلَ يزيدُ شَاربُ الخُمورِ إلَى طَمسِ معالِمِ الدِّينِ الحَنيفِ ويُريدُ إرجاعَ النَّاسِ الَى الجَاهليَّةِ، و الإِمَامُ المَهديُّ (عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ) ثائِرٌ ضِدَّ الظُّلمِ والجَورِ الّذي سَيملأُ الأرضَ فُيحرِّرُهَا مِنَ القُيودِ المَاديَّةِ ويُبسِطَ القِسطَ والعَدلَ فيهَا.
فإنَّ لِظهورِ الإِمَامِ المَهديِّ (عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ) ولِنهضَةِ الإِمَامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) مفهومينِ إساسيَّينِ هُمَا ( العَدْلُ والحَقُّ) وهُمَا عِبارةٌ عَنْ مَرحلتينِ تَتكاملُ فِيهِمَا فَلسفةُ هذهِ العَقيدَةُ، وتَرشُدُ سُلوكياتُ الأفرادِ وأخلاقِهِم بمَا يتلائَمُ معَ الشَّرعِ الحَنيفِ والأهدافِ الإنسانيَّةِ، وحينئذٍ يُصَارُ إلَى خَلقِ مُجتمَعٍ فَاضِلٍ مُتحضِرٍ يَسعَى إلَى تمثيلِ القِيَّمِ والمُثُلِ في حَرَكَتِهِ العَامَّةِ.
وهَكَذا فإنَّ كُلٍّ مِنَ الإنتماءِ للمَنهَجِ الحُسينيِّ والإنتظارِ، يُمثلانِ تَحديَّاً لِسلبِيَّةِ الواقعِ المُنغَمِسِ في الشَّهواتِ، فالأنتماءُ جاءَ لِيمثِلَ إنعتَاقَاً مِنْ سَلبيَّةِ الوَعي المَهدويِّ ويُحرِّرَ العَقلَ ويُعيدَ معايِّيرَ القِيَّمِ إلَى المَسارِ الصَّحيحِ، إذْ إنَّ الفِكرَ الإصلاحيَّ يَعيَ إمكانيَةَ الخُروجَ بالوعي مِنْ حَالَةِ السُّكونِ إلَى حالَةِ الإبداعِ والإنتظارِ .
إنَّ ثورةَ الإِمَامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) كانتْ مُقدمَةٌ للثَّورةِ المَهدويَّةِ، و الإِمَامُ المَهديُّ (عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ) سيكملُ هذهِ الثَّورةِ ويرفعُ رايةَ ( يالثاراتِ الحُسينِ) فَكمَا للإِمَامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فَضلاً في إصلاحِ الدِّينِ وتَطبيقِ الإسلامِ المُحَمَّدِيِّ، أيضاً الإِمَامُ المَهديُّ (عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ) سيقومُ بتطبيقِ الإطروحَةِ الإسلاميَّةِ علَى أتَمِّ وأكمَلِ وجْهٍ.
بالفعلِ أنَّ ثورةَ الإِمَامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ، وقيامَةَ الإِمَامِ المَهديِّ (عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ) تمثلُ وحدةَ هدفٍ وتكاملَ أدوارٍ، فكمَا كانتْ لثورةِ الإِمَامِ الحُسينِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) في واقعةِ الطَّفِ جولةً داميةً إنتصرَ فيها الدَمُ علَى السَّيفِ، كذلكَ نهضةُ الإِمَامِ المَهديِّ (عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ) هي الحاسمَةُ المُتمِّمَةُ لِهذهِ الجَولَةِ الّتي ينتصرُ فيهَا الحَقُّ علَى البَاطلِ ويطبقُ الدِّينَ الالهيَّ في أرجاءِ المَعمورَةِ، وينتشرُ العَدلُ وتَتحقَّقُ السَّعادةُ المَنشودةُ في مَسيرةِ التَّكاملِ البَشريِّ .
تعليق