بماذا كان أهل الجاهلية يصدرون كتبهم؟
إننا قبل أن ندخل في الموضوع الأساس هنا تحسن الإشارة بإيجاز إلى موضوع آخر يرتبط به نحوا من الارتباط ويتصل به نوعا من الاتصال، وهذا الموضوع هو:
أنه قد جاء في السيرة الحلبية عن الشعبي قال: كان أهل الجاهلية يكتبون "باسمك اللهم" فكتب صلى الله عليه وآله أول ما كتب باسمك اللهم، وتقدم أنه كتب ذلك في أربع كتب حتى نزلت ﴿بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ فكتب باسم الله. ثم نزلت ﴿ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ﴾ فكتب بسم الله الرحمن. ثم نزلت: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فكتبها1.
ونقل المحدث القمي عن كتاب "المقتصر في شرح المختص" لابن فهد عن الصادق عليه السلام قال: "لا تدع البسملة ولو كتبت شعرا". وكانوا قبل الإسلام يصدرون كتبهم بـ "باسمك اللهم" فلما نزل قوله تعالى ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ صدروا بها2. هذا ما ذكروه.
مناقشة ما قيل
ولكن هذا مما لا يمكن القبول به ولا المساعدة عليه، لأننا نقول: إن النبي صلى الله عليه وآله كان يعرف (بسم الله الرحمن الرحيم) من أول أمره وبدء بعثته، لأنه حينما بعث وجاءه الوحي من ربه كان مصدرا ببسم الله الرحمن الرحيم، سواء قلنا إن أول ما نزل هو ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ أو هو سورة فاتحة الكتاب، أو غيرهما من السور التي قيل إنها أول ما نزل عليه صلى الله عليه وآله لأنها كلها مصدرة بالبسملة، كما يشهد له ما بأيدينا من المصاحف الشريفة التي لا شك في موافقتها لمصاحف الصحابة.
خط البسملة والمصحف سواء
ويلاحظ أيضا أنهم قد كتبوا البسملة بنفس خط المصحف، وأدخلوها في ضمن الأجزاء ولم يميزوا بينها وبين سائر القرآن، وذلك يدل على أنها جزء من السورة كسائر أجزائها، إذ لو كانت خارجة عن السورة وليست جزء منها لمنعوا من كتابتها بخط المصحف، كما منعوا من كتابة ما ليس منه عن أن يكتب بنفس خطه، وذلك كأسماء السور والأعشار والأحزاب القرآنية ونحوها، حيث قد كتبت فوق الصفحات أو في الهوامش، متميزة عن غيرها من الأجزاء القرآنية.
ويشهد لما ذكرناه من جزئية البسملة للسورة وليست للفصل أو التبرك أنهم لم يكتبوا البسملة بين البراءة والأنفال، ولو كانت للفصل أو للتبرك لكتبوها بينهما.
الفاتحة نزلت بمكة
يضاف إلى ذلك أن الصلاة قد شرعت بمكة في أوائل أمره وبعثته، ولا شك أن الفاتحة جزء منها والبسملة في الفاتحة أيضا، الأمر الذي يدل على أنه صلى الله عليه وآله كان يعرف "بسم الله الرحمن الرحيم" من ذلك الحين، كما أنه يدل ضمنا على أن الفاتحة قد نزلت في مكة.
قال بعض المحققين دام ظلهم: إن الصلاة شرعت في مكة، وهذا ضروري لدى جميع المسلمين، ولم تعهد في الإسلام صلاة بغير فاتحة الكتاب، وهذا الحديث منقول عن طريق الإمامية وغيرهم3.
وقال الواحدي: ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا مما لا تقبله العقول4.
معرفة الرسول صلى الله عليه وآله البسملة من أول البعثة
وبعد هذا، فإنه قد روي عن أبي جعفر عليه السلام قوله: "أول كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم"5.
انقضاء السورة بنزول البسملة
وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "ما نزل كتاب من السماء إلا أوله بسم الله الرحمن الرحيم"6.
وروى السيوطي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "كان جبرئيل إذا جاءني بالوحي أول ما يلقي علي بسم الله الرحمن الرحيم"7.
وعن الواحدي من وجه آخر أن ابن عمر قال: نزلت بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة8.
وبعد أن عرفنا أنه صلى الله عليه وآله كان يعرف البسملة من أول البعثة، وأن ما قيل من أنه لم يكن يعرفها حتى نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ...الخ﴾ غير صحيح، فلنعد إلى بحث الموضوع الأساس الذي نحن بصدده، وهو: متى يكون انتهاء السورة وابتداء غيرها؟ فنقول:
إن ذلك لما كان أمرا تعبديا فلابد من التطلع إلى الروايات، وما هو مفادها، وقد رأينا أن مفادها هو أنه إذا نزل جبرئيل وقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" عرف النبي صلى الله عليه وآله أنها سورة جديدة، وأن السورة السابقة قد انتهت.
فعن أبي عبد الله عليه السلام: ما أنزل الله من السماء كتاباً إلا وفاتحته "بسم الله الرحمن الرحيم" وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول "بسم الله الرحمن الرحيم" ابتداء للأخرى9.
وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا جاءه جبرئيل فقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" علم أنها سورة10.
وعن ابن عباس أيضا قال: كان النبي صلى الله عليه وآله لا يعلم ختم السورة حتى تنزل "بسم الله الرحمن الرحيم"11.
وعن ابن عباس كذلك قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإذا نزلت "بسم الله الرحمن الرحيم" علموا أن السورة قد انقضت.
قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين12.
وقال البيهقي: قال الشيخ رحمه الله: فالنبي صلى الله عليه وآله قرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" عند افتتاح سورة، ولم يقرأها عند افتتاح آيات لم تكن أول سورة، وفي ذلك تأكيد لما روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأنها إنما كتبت في المصاحف حيث نزلت، والله أعلم 13.
وأخيرا فإن المستفاد من هذه الروايات أن جعل السورة سورة ابتداء وانتهاء كان في عصر النبي الأمي صلى الله عليه وآله.
لماذا اختلفوا في عدد سور القرآن؟
وإذا كان التعيين في السورة مقدارا وعدداً مرتبطاً بوجود البسملة وعدمه فإن عدد سور القرآن حينئذ يكون 113 سورة، وذلك لأن البراءة (التوبة) على هذا لابد وأن تلحق بالأنفال، لعدم وجود البسملة في أول البراءة.
إلا أن يقال: إن عدم وجود البسملة فيها ليس من جهة أن البراءة (التوبة) ليست سورة مستقلة بل كان لعدم المناسبة بين "بسم الله الرحمن الرحيم" وبين الآيات في أول البراءة.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: سألت علي بن أبي طالب عليه السلام: لم لم تكتب في براءة "بسم الله الرحمن الرحيم"؟ قال: "لأنها أمان، وبراءة نزلت بالسيف"14.
هذا، وربما ينعكس الأمر، فتقع البسملة بين جزئي سورة واحدة كما في الضحى وألم نشرح، وكذا الفيل والإيلاف15 فإن المعروف أنهما سورة واحدة، ويشهد لاتحادهما هذا ارتباط مضمونيهما بعضه ببعض، وقد أشار العلامة بحر العلوم إلى ذلك في منظومته حيث قال:
والضحى والانشراح واحدة بالاتفاق والمعاني شاهدة
كذلك الفيل مع الإيلاف وفصل بسم الله لا ينافي
وعلى هذا يكون عدد السور 112 سورة.
ولكن من الواضح أن دعوى عدم منافاة الفصل بالبسملة إنما تصح لو كان الجمع وجعل السورة سورة ابتداء وانتهاء كما وكيفا من غير المعصوم. ويؤيده ما روي عن أبي بن كعب أنه لم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة.
وأما إذا كان التسوير من النبي صلى الله عليه وآله نفسه - كما هو المختار - فمشكل جدا، ولا محيص لنا عن القول بأنهما سورتان لوجود البسملة بينهما في المصاحف المعروفة بين المسلمين.
وقد جزم في المدارك بتعددها، تمسكا بوجود البسملة بينهما في المصاحف16.
وعلى هذا فيكون عدد السور القرآنية 114 سورة، كما هو ظاهر، والحمد لله وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى.
*بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، آية الله السيد أبو الفضل مير محمدي الزرندي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، ص57-62.
1- راجع سفينة البحار: مادة " سما ".
2- البيان في تفسير القرآن: ص 293 طبع النجف.
3- أسباب النزول للواحدي: ص 11.
4- راجع وسائل الشيعة: ج 4 ص 746 و 747 ب 11 من أبواب القراءة ح 8 و 12.
5- راجع وسائل الشيعة: ج 4 ص 746 و 747 ب 11 من أبواب القراءة ح 8 و 12.
6- الإتقان: ج 1 ص 79.
7- الإتقان: ج 1 ص 79.
8- تفسير العياشي: ج 1 ص 19.
9- المستدرك على الصحيحين: ج 1 ص 23، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
10- المستدرك على الصحيحين: ج 1 ص 23، أسباب النزول للواحدي: ص 9، السنن الكبرى للبيهقي: ج 2 ص 42، إلا أنه عبر بكلمة " فصل " بدل كلمة " ختم ".
11- السنن الكبرى: ج 2 ص 43، الإتقان: ج 1 ص 80، المستدرك على الصحيحين: ج 1 ص 231.
12- السنن الكبرى: ج 2 ص 43.
13- الإتقان: ج 1 ص 67.
14- شرائع الإسلام للمحقق الحلي: كتاب الصلاة باب القراءة، الإتقان: ج 1 ص 67.
15- مدارك الأحكام: ج 3 ص 378.
16- الشورى: 52.
إننا قبل أن ندخل في الموضوع الأساس هنا تحسن الإشارة بإيجاز إلى موضوع آخر يرتبط به نحوا من الارتباط ويتصل به نوعا من الاتصال، وهذا الموضوع هو:
أنه قد جاء في السيرة الحلبية عن الشعبي قال: كان أهل الجاهلية يكتبون "باسمك اللهم" فكتب صلى الله عليه وآله أول ما كتب باسمك اللهم، وتقدم أنه كتب ذلك في أربع كتب حتى نزلت ﴿بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ فكتب باسم الله. ثم نزلت ﴿ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ﴾ فكتب بسم الله الرحمن. ثم نزلت: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فكتبها1.
ونقل المحدث القمي عن كتاب "المقتصر في شرح المختص" لابن فهد عن الصادق عليه السلام قال: "لا تدع البسملة ولو كتبت شعرا". وكانوا قبل الإسلام يصدرون كتبهم بـ "باسمك اللهم" فلما نزل قوله تعالى ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ صدروا بها2. هذا ما ذكروه.
مناقشة ما قيل
ولكن هذا مما لا يمكن القبول به ولا المساعدة عليه، لأننا نقول: إن النبي صلى الله عليه وآله كان يعرف (بسم الله الرحمن الرحيم) من أول أمره وبدء بعثته، لأنه حينما بعث وجاءه الوحي من ربه كان مصدرا ببسم الله الرحمن الرحيم، سواء قلنا إن أول ما نزل هو ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ أو هو سورة فاتحة الكتاب، أو غيرهما من السور التي قيل إنها أول ما نزل عليه صلى الله عليه وآله لأنها كلها مصدرة بالبسملة، كما يشهد له ما بأيدينا من المصاحف الشريفة التي لا شك في موافقتها لمصاحف الصحابة.
خط البسملة والمصحف سواء
ويلاحظ أيضا أنهم قد كتبوا البسملة بنفس خط المصحف، وأدخلوها في ضمن الأجزاء ولم يميزوا بينها وبين سائر القرآن، وذلك يدل على أنها جزء من السورة كسائر أجزائها، إذ لو كانت خارجة عن السورة وليست جزء منها لمنعوا من كتابتها بخط المصحف، كما منعوا من كتابة ما ليس منه عن أن يكتب بنفس خطه، وذلك كأسماء السور والأعشار والأحزاب القرآنية ونحوها، حيث قد كتبت فوق الصفحات أو في الهوامش، متميزة عن غيرها من الأجزاء القرآنية.
ويشهد لما ذكرناه من جزئية البسملة للسورة وليست للفصل أو التبرك أنهم لم يكتبوا البسملة بين البراءة والأنفال، ولو كانت للفصل أو للتبرك لكتبوها بينهما.
الفاتحة نزلت بمكة
يضاف إلى ذلك أن الصلاة قد شرعت بمكة في أوائل أمره وبعثته، ولا شك أن الفاتحة جزء منها والبسملة في الفاتحة أيضا، الأمر الذي يدل على أنه صلى الله عليه وآله كان يعرف "بسم الله الرحمن الرحيم" من ذلك الحين، كما أنه يدل ضمنا على أن الفاتحة قد نزلت في مكة.
قال بعض المحققين دام ظلهم: إن الصلاة شرعت في مكة، وهذا ضروري لدى جميع المسلمين، ولم تعهد في الإسلام صلاة بغير فاتحة الكتاب، وهذا الحديث منقول عن طريق الإمامية وغيرهم3.
وقال الواحدي: ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا مما لا تقبله العقول4.
معرفة الرسول صلى الله عليه وآله البسملة من أول البعثة
وبعد هذا، فإنه قد روي عن أبي جعفر عليه السلام قوله: "أول كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم"5.
انقضاء السورة بنزول البسملة
وعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "ما نزل كتاب من السماء إلا أوله بسم الله الرحمن الرحيم"6.
وروى السيوطي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "كان جبرئيل إذا جاءني بالوحي أول ما يلقي علي بسم الله الرحمن الرحيم"7.
وعن الواحدي من وجه آخر أن ابن عمر قال: نزلت بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة8.
وبعد أن عرفنا أنه صلى الله عليه وآله كان يعرف البسملة من أول البعثة، وأن ما قيل من أنه لم يكن يعرفها حتى نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ...الخ﴾ غير صحيح، فلنعد إلى بحث الموضوع الأساس الذي نحن بصدده، وهو: متى يكون انتهاء السورة وابتداء غيرها؟ فنقول:
إن ذلك لما كان أمرا تعبديا فلابد من التطلع إلى الروايات، وما هو مفادها، وقد رأينا أن مفادها هو أنه إذا نزل جبرئيل وقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" عرف النبي صلى الله عليه وآله أنها سورة جديدة، وأن السورة السابقة قد انتهت.
فعن أبي عبد الله عليه السلام: ما أنزل الله من السماء كتاباً إلا وفاتحته "بسم الله الرحمن الرحيم" وإنما كان يعرف انقضاء السورة بنزول "بسم الله الرحمن الرحيم" ابتداء للأخرى9.
وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا جاءه جبرئيل فقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" علم أنها سورة10.
وعن ابن عباس أيضا قال: كان النبي صلى الله عليه وآله لا يعلم ختم السورة حتى تنزل "بسم الله الرحمن الرحيم"11.
وعن ابن عباس كذلك قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإذا نزلت "بسم الله الرحمن الرحيم" علموا أن السورة قد انقضت.
قال الحاكم: هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين12.
وقال البيهقي: قال الشيخ رحمه الله: فالنبي صلى الله عليه وآله قرأ "بسم الله الرحمن الرحيم" عند افتتاح سورة، ولم يقرأها عند افتتاح آيات لم تكن أول سورة، وفي ذلك تأكيد لما روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأنها إنما كتبت في المصاحف حيث نزلت، والله أعلم 13.
وأخيرا فإن المستفاد من هذه الروايات أن جعل السورة سورة ابتداء وانتهاء كان في عصر النبي الأمي صلى الله عليه وآله.
لماذا اختلفوا في عدد سور القرآن؟
وإذا كان التعيين في السورة مقدارا وعدداً مرتبطاً بوجود البسملة وعدمه فإن عدد سور القرآن حينئذ يكون 113 سورة، وذلك لأن البراءة (التوبة) على هذا لابد وأن تلحق بالأنفال، لعدم وجود البسملة في أول البراءة.
إلا أن يقال: إن عدم وجود البسملة فيها ليس من جهة أن البراءة (التوبة) ليست سورة مستقلة بل كان لعدم المناسبة بين "بسم الله الرحمن الرحيم" وبين الآيات في أول البراءة.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: سألت علي بن أبي طالب عليه السلام: لم لم تكتب في براءة "بسم الله الرحمن الرحيم"؟ قال: "لأنها أمان، وبراءة نزلت بالسيف"14.
هذا، وربما ينعكس الأمر، فتقع البسملة بين جزئي سورة واحدة كما في الضحى وألم نشرح، وكذا الفيل والإيلاف15 فإن المعروف أنهما سورة واحدة، ويشهد لاتحادهما هذا ارتباط مضمونيهما بعضه ببعض، وقد أشار العلامة بحر العلوم إلى ذلك في منظومته حيث قال:
والضحى والانشراح واحدة بالاتفاق والمعاني شاهدة
كذلك الفيل مع الإيلاف وفصل بسم الله لا ينافي
وعلى هذا يكون عدد السور 112 سورة.
ولكن من الواضح أن دعوى عدم منافاة الفصل بالبسملة إنما تصح لو كان الجمع وجعل السورة سورة ابتداء وانتهاء كما وكيفا من غير المعصوم. ويؤيده ما روي عن أبي بن كعب أنه لم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة.
وأما إذا كان التسوير من النبي صلى الله عليه وآله نفسه - كما هو المختار - فمشكل جدا، ولا محيص لنا عن القول بأنهما سورتان لوجود البسملة بينهما في المصاحف المعروفة بين المسلمين.
وقد جزم في المدارك بتعددها، تمسكا بوجود البسملة بينهما في المصاحف16.
وعلى هذا فيكون عدد السور القرآنية 114 سورة، كما هو ظاهر، والحمد لله وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى.
*بحوث في تاريخ القرآن وعلومه، آية الله السيد أبو الفضل مير محمدي الزرندي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، ص57-62.
1- راجع سفينة البحار: مادة " سما ".
2- البيان في تفسير القرآن: ص 293 طبع النجف.
3- أسباب النزول للواحدي: ص 11.
4- راجع وسائل الشيعة: ج 4 ص 746 و 747 ب 11 من أبواب القراءة ح 8 و 12.
5- راجع وسائل الشيعة: ج 4 ص 746 و 747 ب 11 من أبواب القراءة ح 8 و 12.
6- الإتقان: ج 1 ص 79.
7- الإتقان: ج 1 ص 79.
8- تفسير العياشي: ج 1 ص 19.
9- المستدرك على الصحيحين: ج 1 ص 23، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
10- المستدرك على الصحيحين: ج 1 ص 23، أسباب النزول للواحدي: ص 9، السنن الكبرى للبيهقي: ج 2 ص 42، إلا أنه عبر بكلمة " فصل " بدل كلمة " ختم ".
11- السنن الكبرى: ج 2 ص 43، الإتقان: ج 1 ص 80، المستدرك على الصحيحين: ج 1 ص 231.
12- السنن الكبرى: ج 2 ص 43.
13- الإتقان: ج 1 ص 67.
14- شرائع الإسلام للمحقق الحلي: كتاب الصلاة باب القراءة، الإتقان: ج 1 ص 67.
15- مدارك الأحكام: ج 3 ص 378.
16- الشورى: 52.
تعليق