بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ اللهِ وَبَرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ اللهِ وَبَرَكآتُهْ
تحتوي على مضامين عالية ونقاط سامية يجدر بكل المؤمنين الموالين معرفتها والانتباه إليها لأن فيها دروساً وعِبَر نافعة لا يستغني عنها المؤمنون .
ومن خلال هذه الزيارة والبحث في مضامينها يتم التأكيد على أمرين مهمين فيها وهما:
الأمر الأوَّل:أنَّ زيارةَ الأربعين هي من خصائص الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) حيث لم يرد استحباب زيارة أحد من الأنبياء والأوصياء والأولياء في يوم الأربعين بعد وفاته أو شهادته بينما ورد النّص في استحباب زيارة الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) في يوم الأربعين ـ كما سنشير إليه ـ وهذا من خصائصه (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وما أكثر خصائص الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) .
الأمر الثَّاني:أنَّ بعضَ علمائِنَا ( رضوان الله عليهم ) قد وفّقهم الله تعالى لشرح بعض زيارات الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) كزيارة عاشوراء إلّا إنَّهُ قليلٌ مَنْ تعرّض لشرح زيارة الأربعين مع العلم أن فيها معانٍ سامية ومعارف قيّمة ، فقدْ وَرَدَ عنْ جابرِ عنْ أبي جَعفرٍ عنْ أبيهِ عنْ عمِّهِ الحسنِ بنِ عليّ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) :كُنّا مَعَ أميرِ المُؤمِنينَ أنَا وحارِثٌ الأَعوَرُ ، فَقالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّه ِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقولُ : ( يَأتي قَومٌ في آخِرِ الزَّمانِ يَزورونَ قَبرَ ابنِيَ الحُسَينِ مَن زارَ الحُسينَ عارفاً بحقّهِ فهو كمَن زارَ اللهَ في عَرْشه..)، كامل الزيارات،ص149.
والمعرفة على ثلاثة أنحاء : جلالية وجمالية وكمالية ، ونذكر مثالاً لتقريب المعنى : فإنك لو رأيت جبلاً عن بُعدٍ فإنك ستعرفه بحدوده ، وإنه ليس شجراً ولا حيواناً ولا إنساناً وإنما هو جبل ، فهذه المعرفة يقال لها معرفة جلالية ، ولكن لو اقتربت منه ورأيت جماله وصلابته وشموخه فهذه معرفة جمالية ، وعندما تصعد عليه وترى كنهه وواقعه فهذه معرفة كمالية ، وهكذا معرفتنا نحن للأئمة الأطهار(عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ)
وقد ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة : ( حَتّى لا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نَبِىٌّ مُرْسَلٌ، وَلا صِدّيقٌ وَلا شَهيدٌ، وَلا عالِمٌ وَلا جاهِلٌ، وَلا دَنِىٌّ وَلا فاضِلٌ، وَلا مُؤْمِنٌ صالِحٌ، وَلا فِاجِرٌ طالِحٌ، وَلاجَبّارٌ عَنيدٌ، وَلا شَيْطانٌ مَريدٌ، وَلا خَلْقٌ فيما بَيْنَ ذلِكَ شَهيدٌ اِلاّ عَرَّفَهُمْ جَلالَةَ اَمْرِكُمْ )، أي حتى عدوّهم يشهد بفضلهم لأنه يعرفهم معرفة جلالية .
وهناك من يعرف أمير المؤمنين والإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) بمعرفة جمالية ، فلذلك استحق سلمان أن يكون من أهل البيت (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ)،وهو الذي أشار عَلَى رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بحفر الخندق لما جاءت الأحزاب، فلما أمر رَسُول اللَّهِ بحفره احتج المهاجرون والأنصار في سلمان، وكان رجلًا قويًا، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، فقال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): ( سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ )، بحار الأنوار ، ج10، ص121 ، وَكَذلكَ قَالَهَا أمير المؤمنين والأئمةُ الأطهارِ(عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) ، وهوحديث مشهور عن النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وأيضاً ورد في الدرجات الرفيعة عن أبي جعفر (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وفي البحار عنه أيضاً (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)ومراد الأئمة (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ)وسيّدهم أنّ سلمان منهم أي على نهجهم وفكرهم وسلوكهم ويطابقهم القدم بالقدم والنعل بالنعل، بل ورد عن أمير المؤمنين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) إنّه خلق من طينتنا وروحه مقرونة بروحنا... ، فمعرفة سلمان بالإمام معرفة جمالية .
وهناك معرفة أُخرى لأمير المؤمنين والإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وهي المعرفة الكمالية ، فمن اراد الوصول الى معرفة الكمال لا بد من ان يعرف ان للعالم خالق قادر عليم حكيم، فهذه المعرفة يتكفل ببيانها العقل فهو يدرك وجود الباري تعالى معرفة وجودية من انه يوجد خالق لهذا النظام وما عليه من انظمة تدل على وجود المنظم ومن الاثار على وجود المؤثر قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.... ﴾، سُورَةُ فُّصِّلت ، الآية 53، سُئِلَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَنْ إِثْبَاتِ اَلصَّانِعِ فَقَالَ: ( اَلْبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى اَلْبَعِيرِ وَ اَلرَّوْثَةُ تَدُلُّ عَلَى اَلْحَمِيرِ وَ آثَارُ اَلْقَدَمِ تَدُلُّ عَلَى اَلْمَسِيرِ فَهَيْكَلٌ عُلْوِيٌّ بِهَذِهِ اَللَّطَافَةِ وَ مَرْكَزٌ سُفْلِيٌّ بِهَذِهِ اَلْكَثَافَةِ كَيْفَ لاَ يَدُلاَّنِ عَلَى اَللَّطِيفِ اَلْخَبِيرِ)، بحار الأنوار ، ج3،ص55،فأشار (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ،على انه كل اثر لا بد له من مؤثر وكل مصنوع يحتاج الى صانع وهذا واضح بالوجدان ، ولهذا اشار مولانا امير المؤمنين عليه السلام في كلمة بليغة هي من عيون الكلام يؤكد فيها هذا المعنى في قوله: ( أَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ، وَمُسْلِّمَةً لَهُ )، وقال في موضع آخر(لَمْ يُطْلِعْ العُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ، وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ)، نهج البلاغة، الخطبة ،39.
فهو سبحانه حجب العقول عن تحديد اوصافه ولم يحجبها عن التعرف على وجودها عقلا .
فعلى هذا الكلام تكون معرفتنا نحن بالأئمة (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) معرفة جماليّة لا كماليّة ، فكلّما ازدادت معرفتنا بهم زاد حبُّنا لهم ، وإذا زدنا حباً زدنا أدباً ، ومن خلال الأدب والحب نزداد علماً ونوراً في ساحتهم وروضتهم ، لأن العلم ليس بكثرة التعلم وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء
وَقالَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ (يَعْنِي أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ): ( لَيْسَ العِلْمُ في السَّماءِ فَيَنْزِلَ إلیْكُمْ، وَلاَ فِي تُخُومِ الاَرْضِ فَيَخْرُجَ لَكُمْ؛ وَلَكِنَّ العِلْمَ مَجْبُولٌ فِي قُلوبِكُمْ. تَأَدَّبُوا بِآدَابِ الرُّوحَانِيِّينَ يَظْهَرْ لَكُمْ!)، الكلمات المكنونة، ص 219، وَفي كَلاَمِ عِيسَي عَلَی نَبِيِّنَا وَآلِهِ وَعَلَیْهِ السَّلاَمُ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ.
وهو نظير قول النبي (صلىاللهعليهوآله) : ( مَا أَخْلَصَ عَبْدُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ أَربَعِينَ صَباحا إِلاّ جَرَتْ يَنابِيعُ الحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسانِهِ )، بحار الأنوار ، ج 67، ص 242.
فلابد للإنسان الذي يريد الترقّي في سُلَّم الكمال من المعرفة فإن الفضل بالمعرفة قَالَ اَلنَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) : ( أَفْضَلُكُمْ إِيمَاناً أَفْضَلُكُمْ مَعْرِفَةً)، بحار الأنوار، ج3،ص14 ، وهي التي تقود إلى العبادة الحقة الخالصة ، ومن هنا صار نوم العالم أفضل من قيام الجاهل لأن قيمة الإنسان بالمعرفة .
ولهذا فالواجب على شيعة أهل البيت (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) أن يزدادوا معرفة بأهل البيت (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) ومعرفة كلامهم وأدعيتهم وزياراتهم ، لأن الزيادة في معرفتهم (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ) تمنح الإنسان الأدب والخضوع والخشوع والمودّة والاطاعة ، ومن ثَمَّ ينال الإنسان القرب من الله ويفوز بسعادة الدارين ، ومن هذا المنطلق تعتبر زيارة أربعين الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) خطوةً في طريق معرفة ائمة أهل البيت (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ)،فبهذه المعرفة يزداد الإنسان عملاً فقد جاء في الحديث الشريف : عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اَلصَّيْقَلِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: ( لاَ يَقْبَلُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَمَلاً إِلاَّ بِمَعْرِفَةٍ وَ لاَ مَعْرِفَةَ إِلاَّ بِعَمَلٍ فَمَنْ عَرَفَ دَلَّتْهُ اَلْمَعْرِفَةُ عَلَى اَلْعَمَلِ وَ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلاَ مَعْرِفَةَ لَهُ إِنَّ اَلْإِيمَانَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ )، الأمالی (للصدوق) ، ج1،ص422.
فعلى هذا القول يتضح لنا أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين معرفة الإنسان وبين عمله فالمعرفة الجلالية هي المعرفة التي يعرفها الوضيع والشريف والجاهل والعالم ، تجد الجميع عندما يدخل حرم الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) يعظّمه ويحترمه حتى ولو كان إنساناً غير متأدب بالآداب الدينية ، فتراه يُقبِّل الضريح والباب حبّاً وتعظيماً ولكن هذه الزيارة السطحيّة غير كافية في أن تمنع هذا الانسان من المعصية ، لأنها بنيت على معرفة جلالية لا جمالية
ولذلك تجد منَ المُسلمينَ والمسيحيينَ وغيرهم من بقيَّةِ الأديان عندما يكتبون عن أمير المؤمنين ـ وغيره الذين كتبوا عن الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ـ ويعرفون أن علياً(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) رجل عظيم شديد العدل ، ولشدّة عدله قُتل في المحراب ، لكنهم لا يتركون معتقداتهم ولم يتمسّكوا بنهج علي (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) مع أنَّهُم يعترفونَ بعظمة الإمام علي وسموّه وجلاله ، لأن معرفتهم بالإمام معرفة جلالية ، فلا يوالونَ أمير المؤمنين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) في عقيدته ولا يقتدونَ في سلوكه وأفعاله ، فهذا دليل على أنّ معرفتهم لم تصل إلى رتبة المعرفة الجمالية التي لها الأثر الكبير في علاقة العارف بأهل البيت (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ،
فهكذا معرفة البعض بالإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فإنَّهُ يعرفه حق المعرفة بأنَّ له الدور الكبير في إحياء الدين ، وأنَّهُ إبنُ رسول الله ، وضحى بكل ما لديه لاجل الدين وهداية البشرية ، ولكن مع ذلك لا يتورّع عن النظر إلى المرأة الأجنبية وهو في حرم الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ، فهذا دليل على أنه لا يرى للحرم حُرمةً ولا يراه شريفاً وإلّا كيف يجرء على المعصية ، فهذا ينطبق على كل عارف بالإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) معرفة جلالية ، فإنها غير كافية عن منعه عن ارتكاب المعصية
أمّا الشيعي الحقيقي العارف بحقّه معرفة جمالية فإنّه يقدّس الحرم والمدفون في الحرم غاية التقديس والتعظيم ، فتراه يدخل الحرم الشريف خاشعاً متأدّباً بآداب الزيارة والمكان .
فبالمعرفة يكتسب المؤمن أدباً وخضوعاً وحباً ، لأن الإمام الحسين (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) هو باب الله الذي منه يؤتى ووسيلته التي إليه ترجى ونوره في أرضه .
تعليق