بسم الله الرحمن الرحيم
ارتد الناس الا ثلاثة !
هذا الموضوع من أكثر المواضيع التي تُثار بين الفينة والأخرى، وهو ناتج عن اساءة فهم للنظرية الشيعية حول الصحابة، وقد يكون الأمر متعمدا لصد الناس عن الحق، سأبين هنا وجهة نظر الشيعة الإمامية وهي مأخوذة عن أئمة أهل البيت ع ، سنبين المقصود بالردة و قضايا أخرى مرتبطة بالموضوع.
روى الشيخ الكليني : ( عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلاثة. فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، رحمة الله وبركاته عليهم، ثم عرَف أناسٌ بعدَ يسير. وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا، حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرَهاً فبايع، وذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾) روضة الكافي: 213-214.
وردت عبارات عديدة في الروايات حول ارتداد الناس، منها : (( كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله ) (ارتد الناس إلا ثلاثة نفر)...
هذه العبارات لها شبيه في مصادر أهل السنة، ومنها ما قاله ابن هشام : ( قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم : أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الاسلام وأرادوا ذلك)
سيرة ابن هشام، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية ،ج 5 - ص 300.
وجاء في القرآن الكريم بشأن أهل مكة قوله تعالى : ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون) سورة يس، 7.
أي استحقوا العذاب !
وروى البيهقي : (قبض رسول الله فارتدت العرب واشرأب النفاق بالمدينة ) السنن الكبرى البيهقي ،ج:8 ص:200 .
وقد ذكر البخاري ومسلم حديث الحوض وأنه يؤخذ بالصحابة إلى النار، فينادي رسول الله ( فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)
صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب اثبات حوض نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفاته.
وفي صحيح البخاري : ( فأقول أصحابي أصحابي فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) وفي رواية : ( (قلت ما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقري فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم ) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب في الحوض، و ج 4 - ص 110.
قال ابن حجر في تفسير همل النعم : (قوله (فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم ) يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه والهمل بفتحتين الإبل بلا راع وقال الخطابي الهمل مالا يرعى ولا يستعمل ويطلق على الضوال والمعنى انه لا يرده منهم الا القليل لان الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره )
فتح الباري ج 11 - ص 414
معنى الأرتداد
ارتد الناس ... قد يرتد المرء عن الإسلام وقد يرتد بمعنى يرجع عن العمل ببعض الواجبات أو الأركان، لأن أصل الارتداد هو الرجوع .
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾
سورة يوسف: 96.
وقال سبحانه :﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾
سورة النمل: 40.
قال الطبري بعد أن ذكر معنيين للأية : (وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : قبل أن يرجع إليك طرفك من أقصى أثره ، وذلك أن معنى قوله يرتد إليك يرجع إليك البصر)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج 19 - ص 200
فيكون معنى ارتد الناس أي رجع الناس، والمعنى أنهم رجعوا عن بيعة الإمام علي ع، والذي يدل على ذلك رواية الشيخ الكليني التي ذكرناها .
روضة الكافي، ص 213-214.
فالردة في الأحاديث لا تعني الرجوع عن الإسلام وإنما عن بيعة خاصة لأمير المؤمنين ع وهكذا فسرها العلماء.
قال الشيخ المفيد رحمه اللَّه : ( واجتمعت الشيعة على الحكم بكفر محاربي أمير المؤمنين ، ولكنهم لم يخرجوهم بذلك عن حكم ملَّة الإسلام ، إذ كان كفرهم من طريق التأويل كفر ملَّة ، ولم يكفروا كفر ردّة عن الشرع مع إقامتهم على الجملة منه وإظهار الشهادتين . وان كانوا بكفرهم خارجين عن الإيمان ... )
الجمل ، ص 30
وقال الشيخ محمد حسن المظفر : ( معنى الارتداد ؛ والظاهر أنّ له معنيين : حقيقيا : وهو الانقلاب عن الدين بمخالفة بعض أصوله ؛ كالشهادتين عند الجميع ، والإمامة عند الإماميّة . ومجازيا : وهو مخالفة بعض أحكام الدين المهمّة )
دلائل الصدق لنهج الحق، ج 5 - ص 80.
قال الإمام الخميني : ( والظاهر عدم إرادة ارتداد جميع الناس ؛ سواء كانوا حاضرين في بلد الوحي أو لا . ويحتمل أن يكون المراد من " ارتداد الناس " نكث عهد الولاية ولو ظاهراً وتقيّة ، لا الارتداد عن الإسلام ، وهو أقرب) .
كتاب الطهارة ، ج 3 - ص 446
قال السيد الگلپايگاني : ( ان قلت : فما تصنع بما قاله الامام أبو جعفر عليه السلام : ارتد الناس بعد رسول الله الا ثلاثة نفر سلمان وابوذر والمقداد .
نقول : ان هذا الارتداد ليس هو الارتداد المصطلح الموجب للكفر و النجاسة والقتل ، بل الارتداد هنا هو نكث عهد الولاية ، ونوع رجوع عن مشى الرسول الاعظم ، وعدم رعاية وصاياه ، ولو كان المراد منه هو الارتداد الاصطلاحي لكان الامام عليه السلام - بعد ان تقلد القدرة وتسلط على الامور - يضع فيهم السيف ويبددهم ويقتلهم من اولهم إلى آخرهم خصوصا بلحاظ ان توبة المرتد الفطري لا تمنع قتله ولا ترفعه بل يقتل وان تاب)
نتائج الأفكار ، الأول، ص 196
لقد فسر بعض علماء أهل السنة أحاديث ارتداد الصحابة، بما لا يخرجهم عن الإسلام وهو ما يتوافق مع تفسير الإمامية، فقد نقل الحافظ ابن حجر عبارة عن الإمام البيضاوي في توجيه معنى الارتداد ما نصه: (ليس قوله (مرتدين) نصا في كونهم ارتدوا عن الإسلام، بل يحتمل ذلك، ويحتمل أن يراد أنهم عصاة المؤمنين المرتدون عن الاستقامة يبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة)
فتح الباري، ج11 ص 334.
وقال ابن الجوزي نقلا عن الخطابي : ( ليس معنى الارتداد الرجوع عن الدين ، إنما هو التأخر عن بعض الحقوق اللازمة ، والتقصير فيها )
كشف المشكل من حديث الصحيحين ، ج 2 - ص 356 - 357
وجاء في نهاية ابن الأثير ولسان ابن منظور : ( وفي حديث القيامة والحوض: (فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم القهقرى): أي متخلِّفين عن بعض الواجبات، ولم يُرِد ردَّة الكفر...)
النهاية في غريب الحديث 2/214، لسان العرب 3/173.
لقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقتتال الصحابة نوعا من الكفر، فقد روى البخاري : ( عن جرير ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع استنصت الناس فقال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )
صحيح البخاري ، ج 1 ص 38، صحيح مسلم، كتاب الأيمان، باب تسمية العبد الآبق كافرا.
من كتاب : اضاءات في الطريق قراءة في أحاديث عقائدية للعبد الفقير .
منقوووول عن الأخ الصديق مروان خليفات للفائدة
تعليق