بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
قَالَ أميرُ المؤمنينَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): (حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ إِلَى مُحَمَّد (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وَأَعَزِّ الأرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ، وَانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ، عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ، وَأُسْرَتُهُ خَيْرُ الأسَرِ، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَم، وَبَسَقَتْ فِي كَرَم، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ، وَثَمَرٌ لاَ يُنَالُ )، نهجُ البَلاغَةِ، 182 – 183.
مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ:-
نرى هنا تمثيل رائع من أمير المؤمنين(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وتسلسل جميل من خلال ما يشاهد الإنسان من حوله وفي أغلب المناطقِ التي يسكنها في وجودهِ الدُّنيويِّ ، مخلوق لطيف يشارك في دورة الحياة من خلال جماله المتمثل باللون الأخضر الغالب والأشكال الجميلة والمريحة للنظر وسحب الغاز السام ثاني أوكسيد الكاربون من الجو وإبداله بالأوكسجين وهو غاز التنفس أي غاز الحياة ، وكثيرٌ منَ الفوائدِ يطول المقام بذكرها ، فمن أهم ما يأنسُ به الإنسان في حياته الشجرة ويعتبرها زينة مكملةٌ لسيرهِ الكمالي الحياتي ، والدليل شدَّةِ الاهتمام بها من قِبَلِهِ ، فهناكَ شجرٌ أصيلٌ معمرٌ يشارك في إستمراريَّةِ الحياة وهناك فروع من هذا الشجر يزرع وينمو على مَرِّ الزمانِ ، فالأمير(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بتمثيلِهِ هذا أرادَ أنْ يَجعلنَا نبحثُ في الآية الشريفة 24 من سورةِ إبراهيمَ ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ ، ففي هذهِ الآية أطنب المفسرون لبيان معناها وتأويلها بِمَا يُنَاسبُ توافقاً معَ الرِّوايات الّي بيَّنَتْ التأويل لها ، فمِمَّا ذُكِرَ بتفسيرها :
والآن يجب أن نفتش، أين نجد هذه الخصائص والبركات؟
نجدها بالتأكيد في كلمة التوحيد ومحتواها، وفي الإنسان الموحد ذي المعرفة، وفي البرامج الحية النظيفة، وجميعها نامية ومتحركة ولها أصول ثابتة ومحكمة وفروع كثيرة وعالية بعيدة عن التلوث بالأدران الجسدية والدنيوية، وكلها مثمرة وفياضة
وما من أحد يأتي إليها ويمد يده إلى فروعها إلا ويستفيد من ثمارها اللذيذة العطرة، وتتحقق فيه الخصال المذكورة، فعواصف الأحداث الصعبة والمشاكل الكبيرة لا تزحزحه من مكانه، ولا يتحدد، وافق تفكيره في هذه الدنيا الصغيرة، بل يشق حجب الزمان والمكان ويسير نحو المطلق اللامتناهي سلوكهم وبرامجهم ليست تابعة للهوى والهوس، بل طبقا للأوامر الإلهية وبإذن ربهم، وهذا هو مصدر الحركة والنمو في حركتهم
الرجال العظام من المؤمنين هم كلمة الله الطيبة، وحياتهم أصل البركة، دعوتهم توجب الحركة، آثارهم وكلماتهم وأقوالهم وكتبهم وتلاميذهم وتاريخهم.. وحتى قبورهم جميعها ملهمة وحية ومربية .
نعم ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ ، سُورَةُ إبراهيمَ ، الآية 25.
وهناك سؤال مطروح بين المفسرين وهو: هل لوجود هذه الشجرة وصفاتها واقع خارجي؟
يعتقد البعض بوجودها وهي النخلة، ولذلك اضطروا إلى أن يفسروا كل حين بستة أشهر
ولكن لا حاجة إلى الإصرار في وجود مثل هذه الشجرة، بل هناك تشبيهات كثيرة وليس لها وجود خارجي أصلا
وعلى أية حال، فالهدف من التشبيه هو تجسيم الحقائق والمسائل العقلية وصبها في قالب الحواس، وهذه الأمثال ليس فيها أي إبهام، بل هي مقبولة ومؤثرة وجذابة .
ورد في الكافي عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى : ﴿ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ ﴾ ، سُورَةُ إبراهيمَ ، الآية 24، فَقَالَ(عَلَيْهِ السَّلَامُ) : ( رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَصْلُهَا ، وأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرْعُهَا ، والْأَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا أَغْصَانُهَا ، وعِلْمُ الْأَئِمَّةِ ثَمَرَتُهَا ، وشِيعَتُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ورَقُهَا ، هَلْ فِيهَا فَضْلٌ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لَاوَ اللَّهِ ، قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُولَدُ ، فَتُورَقُ ورَقَةٌ فِيهَا ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَمُوتُ ، فَتَسْقُطُ ورَقَةٌ مِنْهَا )، الكافي ، ج 2، الشيخ الكليني، ص 404.
وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ،قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ سَلاَّمِ بْنِ الْمُسْتَنِيرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً الْآيَةَ، قَالَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( الشَّجَرَةُ رَسُولُ اللَّهِ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَأَصْلُهَا نَسَبُهُ ثَابِتٌ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَفَرْعُ الشَّجَرَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)،وَ غُصْنُ الشَّجَرَةِ فَاطِمَةُ(عَلَيْهَا السَّلاَمُ)،وَ ثَمَرُهَا الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ(عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ)،وَ شِيعَتُهُمْ وَرَقُهَا، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ شِيعَتِنَا لَيَمُوتُ فَتَسْقُطُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَرَقَةٌ ،وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُولَدُ فَتُورِقُ الشَّجَرَةُ وَرَقَةً )، تفسیر البرهان ، ج3،ص298.
قُلْتُ:أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: تُؤْتِي أُكُلَهٰا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهٰا ؟قَالَ: ( يَعْنِي بِذَلِكَ مَا يُفْتِي بِهِ الْأَئِمَّةُ شِيعَتَهُمْ فِي كُلِّ حَجٍّ وَ عُمْرَةٍ مِنَ الْحَلاَلِ وَ الْحَرَامِ ، ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ لِأَعْدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ مَثَلاً،فَقَالَ: وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مٰا لَهٰا مِنْ قَرٰارٍ )، تفسير القمّيّ،ج 1،ص369.
وأخرج الحسكاني أيضاً وكذا ابن عساكر ـ من أبناء السُّنة ـ في تاريخه بإسناده عن أبي هارون العبدي قال سألت أبا سعيد الخدري عن عليِّ بن أبي طالب خاصةً، فقال: سمعت رسول الله (عَلَيْهِمُا السَّلاَمُ) وهو يقول: ( خُلِق الناسُ من أشجار شتى، وخُلقتُ أنا وعليٌّ من شجرة واحدة، فأنا أصلُها وعليٌّ فرعُها )، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، ج 1، الحاكم الحسكاني، ص 377، ورواه أيضا الحاكم في تفسير " بسم الله الرحمن الرحيم " في أوائل كتاب التفسير من كتاب المستدرك ، ج 2، ص 241 وصححه .
فأيُّ ثباتٍ كان أُريد لتلك الشجرة الطيبة المباركة، والتي ما اهتزَّ غصنُها وكم ريحٍ عَتَتْ، والتي ما فتئ فرعُها لا يسبِقُه سابقٌ، ولا يطمع في إدراكه طامعٌ، مع أنَّ أحداً من أعدائهم لم يُقصِّر في محاربتِهم وإخفاءِ فضائلهم ومناقبهم، وفي إبعاد الخلق عنهم وعن التعرُّفِ إليهم والتمسكِ بهم، بل نري أنَّ أصلَهم لا يزيد إلا ثباتاً، وفرعَهم لا تزيدُه كثرةُ الإحراق إلا طيباً .
فكان هذا من آيات الله تعالى الخالدة، وكان هذا بيِّنةً صادقةً وشهادةً لا تقبل البطلان، على أنَّ ذاك البيتَ الرفيعَ قد أذِن اللهُ له أن يُرفع، وأن ترسخ أصولُه كلما مرَّ الزمان وتجدَّد
وارجع إلى التاريخ، فهل ترى لشجرة بني أمية الخبيثة من فرع، وأراك تعلم يقيناً أنه لا أصل لتلك الشجرة الملعونة
وكم حاول أهلُ البدع والأهواء من إقامتها وتثبيتها، ولكنه تعالى أبى أزلاً أن لا يجعلَ للخبث قراراً، وللبُطْل ثباتاً
أَوَ لا يقودك بعضُ التأمل في الآية إلى اليقين، بأنَّ الشجرة الطيبة هي شجرةُ آل محمد (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ)، وأنَّ تلك الخبيثةَ هي شجرةُ الباطل والنفاق والتي اجتثت من فوق الأرض، ولم يكن لها أيُّ قرار وثبات؟
ومن خلال المقابلة التي أرادها الله عَزَّ و جَلَّ أكمل الآيات بهذا الشكل تبيانناً وتوضيحاً للمراد من الشجرة الطيبة لقولهِ تَعَالَى : ﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍۢ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍۢ ﴾ ، سُورَةُ إبراهيمَ ، الآية 26.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ الْأَشَلِّ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ الْآيَتَانِ،قَالَ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) : (هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ،وَلِمَنْ عَادَاهُمْ هُوَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مٰا لَهٰا مِنْ قَرٰارٍ )، نور الثقلين ، ج 2 ،ص 537 ،ح 66.
تعليق