بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
قَالَ أميرُ المؤمنينَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى، وسِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ، وَشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَزَنْدٌ بَرَقَ لَـمْعُهُ; سِيرَتُهُ الْقَصْدُ، وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَكَلاَمُهُ الْفَصْلُ، وَحُكْمُهُ الْعَدْلُ; أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ، وَغَبَاوَةٍ مِنَ الأُمَمِ )، نهجُ البَلاغَةِ، 183.
سُنَّتُهُ الرُّشد: فسلوكُ النَّبيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وتصرّفاتُه التي هي حُجّةٌ على الناس، والتي سار عليها، هي الهدايةُ والصوابُ والحق، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( واقْتَدُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْهَدْيِ، واسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ؛ فَإِنَّهَا أَهْدَى السُّنَنِ )، نهج البلاغة ،ج1 ،ص163.
فتأس بنبيّك الأطيب الأطهر (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فإنّ فيه أسوةً لمن تأسّى، وعزاءً لمن تعزّى، وأحبّ العباد إلى اللهِ المتأسّي بنبيه، والمقتص لأثره، قضم الدّنيا قضماً، ولم يعرها طرفاً أهضم أهل الدّنيا كشحاً، وأخمصهم من الدّنيا بطناً، عرضت عليه الدّنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أنّ الله سبحانه أبغض شيئاً فأبغضه، وحقّر شيئاً فحقّره، وصغّر شيئاً فصغَّرهُ، ولو لم يكن فينا إلاّ حبّنا ما أبغض الله ورسوله، وتعظيمنا ما صغّر الله ورسوله، لكفى به شقاقاً لله ومحادّةً عن أمر الله .
فَقَالَ أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) بَعْدَ كَلاَمٍ لَهُ طَوِيلٍ : (......................وَ لَقَدْ كَانَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) يَأْكُلُ عَلَى اَلْأَرْضِ وَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ اَلْعَبْدِ وَ يَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ وَ يَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ وَ يَرْكَبُ اَلْحِمَارَ اَلْعَارِيَ وَ يُرْدِفُ خَلْفَهُ وَ يَكُونُ اَلسِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ تَكُونُ فِيهِ اَلتَّصَاوِيرُ - فَيَقُولُ يَا فُلاَنَةُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ غَيِّبِيهِ عَنِّي فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ اَلدُّنْيَا وَ زَخَارِفَهَا فَأَعْرَضَ عَنِ اَلدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً وَ لاَ يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً وَ لاَ يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً فَأَخْرَجَهَا مِنَ اَلنَّفْسِ وَ أَشْخَصَهَا عَنِ اَلْقَلْبِ وَ غَيَّبَهَا عَنِ اَلْبَصَرِ وَ كَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَ أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ وَ لَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) مَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسَاوِئِ اَلدُّنْيَا وَ عُيُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَ أَكْرَمَ اَللَّهُ بِذَلِكَ مُحَمَّداً أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ كَذَبَ وَ اَللَّهِ اَلْعَظِيمِ وَ أَتَى بِالْإِفْكِ اَلْعَظِيمِ وَ إِنْ قَالَ أَكْرَمَهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اَللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ اَلدُّنْيَا لَهُ وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ اَلنَّاسِ مِنْهُ فَإِنْ تَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ وَ اِقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ وَ إِلاَّ فَلاَ يَأْمَنُ اَلْهَلَكَةَ فَإِنَّ اَللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عَلَماً لِلسَّاعَةِ وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ خَرَجَ مِنَ اَلدُّنْيَا خَمِيصاً وَ وَرَدَ اَلْآخِرَةَ سَلِيماً لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ وَ أَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اَللَّهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ وَ اَللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اِسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا وَ لَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ أَ لاَ تَنْبِذُهَا فَقُلْتُ اُغْرُبْ عَنِّي فَعِنْدَ اَلصَّبَاحِ يَحْمَدُ اَلْقَوْمُ اَلسُّرَى )، مکارم الأخلاق ، ج1،ص8.
و أمّا الأمان الباقي فالإستغفار . قالَ اللّهُ تَعالَى : ﴿ وَ ما كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ اَنْتَ فِيهِمْ ، وَ ما كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾، سُورَةُ الأنْفَالِ ، الآية33.
قال تعالى : ﴿ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾، سُورَةُ الأحزابِ ، الآية21.
عندما نقول: إنَّ أخلاقه ليّنة عطوفة، إنَّما نقصد أنَّها كذلك في الأُمور الفرديّة والشخصيّة، لا في المسائل المبدئيّة الكلّيّة التي كان فيها أشدّ ما يكون صلابة، فقد يؤذي بعضهم شخص النَّبيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) بقولٍ أو بإهانةٍ أحيانًا، وقد يخالف بعضهم التعاليم الإسلاميّة، بسرقة مثلًا، فما القصد من قولنا: إنَّ النَّبيَّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كان هيّنًا؟ أيعني ذلك أنَّه إذا شرب أحد الخمر كان النَّبيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يغضّ الطّرف عنه، ولا يقيم الحدّ عليه، ولا يعاقبه؟ هذه المخالفة ليست ممَّا يتعلّق بشخص النَّبيِّ(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) نفسه، بل بتعاليم الإسلام، أو إذا سرق أحدهم، فهل كان النبي يتساهل معه ولا يقتصّ منه، أكان الأمر هكذا؟ كلّا، أبدًا؛ ففي الأُمور الشخصيّة والسلوك الفرديّ كان النَّبيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ليّنًا متساهلًا، ولكنَّه في الالتزامات والمسؤوليّات الاجتماعيّة كان في منتهى الشدَّة والخشونة ،
وإليكم هذا المثال: يزعم أحد اليهود أنَّ النَّبيَّ مدين له ببعض المال، فيسدّ عليه الطريق مطالبًا إيَّاه بتسديد الدَّين، فيقول له النَّبيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): إنَّ ادعاءك هذا غير صحيح، وإنِّي لست مدينًا لك بشيء، فاتركني أذهب إلى حال سبيلي، ثمّ إنِّي لا أحمل مالًا معي، فيردّ اليهودي: كلّا، لا أدعك تنقل قدمًا عن قدم، كان النَّبيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ذاهبًا إلى الصلاة إلّا أنَّ هذا اليهوديّ كان يصرّ على ألّا يدع النَّبيَّ يتحرّك قبل أن يدفع له دَيْنَه، وكلَّما أظهر النَّبيُّ اللّين واللّطف ازداد اليهوديّ فظاظة وخشونة، حتّى يبلغ الأمر بالرجل أن يأخذ بخناق النبيّ ويختطف عباءته من فوق كتفه ويلفّها حول رقبته بشدَّة بحيث يظهر أثرها على رقبته، ويسحبه في الطريق
وإذ يستبطئ المصلّون قدوم النَّبيَّ ، يقومون للبحث عنه، فيرون المشهد المذكور، ويحاولون التدخّل، إلّا أنَّ النَّبيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يمنعهم من ذلك، ويزداد في ملاينة اليهوديّ وملاطفته حتّى يحمله على النطق بالشهادتين، ويعترف له بالنبوّة، ويقول: إنَّ تحمُّلك هذا لا يقدر عليه الناس العاديّون، بل هو من شيم الأنبياء .
وثمّة مثال آخر عند دخول النَّبيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مكّة، والظاهر أنَّه كان عند فتح مكّة؛ امرأة من أشراف قريش ترتكب جريمة السرقة، والإسلام يقضي بقطع يد السارق، وقد ثبتت السرقة على المرأة واعترفت هي بها، فكان لا مندوحة من إنزال القصاص بها، وهنا تبدأ الوساطات بالعمل ويتقدّم الوجهاء بالتوصية والرجاء من رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ألّا يقيم الحدّ عليها، فهي ابنة فلان وهو شخص محترم، وإنَّ إنزال القصاص بابنته سوف يهدر كرامة القبيلة كلّها ،
فيردّ النَّبيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عليهم: لن يكون هذا أبدًا، فكيف يمكن أن أتغاضى عن إقامة حدود الإسلام؟! فلو لم تكن هذه المرأة من النخبة، ولو لم يكن لها قبيلة وعشيرة، لكنتم جميعًا تطالبونني بإنزال القصاص بها، فالفقير الذي قد يسرق لفقره يجب أن ينال العقاب، ولكنّ هذه المرأة ذات الأصل الشريف ينبغي أن تُعفى من العقاب لأنَّ ذلك يهين كرامة أهلها، لا، لا يمكن تعطيل حدود الله !
ورفض رسولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) الوساطات والشفاعات، إنَّه لم يكن يلين مطلقًا في قضايا المبدأ، ولكنَّه على العكس من ذلك كان في منتهى اللّين والتعطّف في القضايا الخاصّة، كثير العفو فيها ، ويؤيدُ ذلكَ قَولُهُ تَعَالَى في كتابِهِ المجيدِ :
﴿ فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ ﴾، سُورَةُ آلِ عمرانَ، الآية 159.
تعليق