بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
قَالَ أميرُ المؤمنينَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى، وسِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ، وَشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَزَنْدٌ بَرَقَ لَـمْعُهُ; سِيرَتُهُ الْقَصْدُ، وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَكَلاَمُهُ الْفَصْلُ، وَحُكْمُهُ الْعَدْلُ; أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ، وَغَبَاوَةٍ مِنَ الأُمَمِ )، نهجُ البَلاغَةِ، 183.
وَكَلاَمُهُ الْفَصْلُ: وكلامُهُ فصلٌ بين الحقِّ والباطل؛ لأنَّ كلامَهُ وحيٌ يوحَى مِن عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾، سُورَةُ النَّجْمِ ، الآيات 3-5.
قَولُهُ تَعالَى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ المُرادُ بِالهَوَى هَوَى النَّفسِ ورأيَهَا، والنُطْقَ وإنْ كانَ مُطلقاً وَرَدَ علَيْهِ النَّفيُ وكانَ مُقتضَاهُ نَفيُ الهَوَى عنْ مُطلَقِ نُطْقِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لَكنَّهُ لَمَّا كانَ خِطاباً لِلمُشركينَ وهُمْ يَرمونَهُ في دعوتِهِ ومَا يَتلو عَلَيْهِم منَ القُرآنِ بأنَّهُ كاذبٌ مُتَقولٌ مُفتَرٍ علَى اللهِ سُبحانَهُ ، كانَ المُرادُ بِقَرينَةِ المَقامِ أنَّهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مَا ينطقُ فِيمَا يَدعوكُمْ إلَى اللهِ أو فيمَا يتلوهُ علَيْكُم منَ القُرآنِ عنْ هَوَى نَفْسِهِ ورأيِهِ بلْ ليسَ ذلكَ إلَّا وحياً يُوحَى إليهِ مِنَ اللهِ سُبحانَهُ .
وَقَولُهُ تَعالَى: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ ضميرٌ ﴿ عَلَّمَهُ ﴾ لِلنَّبيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أو لِلقُرآنِ بِمَا هَوَ وحيٌ أو لِمُطلقِ الوَحي والمَفعولُ الآخرُ لِعِلْمِهِ محذوفٌ علَى أيِّ حالٍ والتَّقديرِ عِلْمُ النَّبيِّ الوحيِ أو علمُ القُرآنِ أو الوَحي إياهُ . تفسيرُ المِيزانِ ، السَّيدُ الطباطبائي ، ج 19 ، ص 27.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ أي ومَا يَنطقُ صَاحبُكُم وهَوَ الرَّسولُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، والمُرادُ بِالهَوَى هَوَى النَّفْسِ ويُقالُ ذلكَ لِكُلِّ مَا تَميلُ إليْهِ النَّفْسُ وَلَا يَختَصُّ بِالشَّهوَةِ أو بِمَا هَوَ بَاطِلٌ كَمَا قيلَ وَمِنْهُ قَولُهُ تَعالَى: ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾،سُورَةُ إبراهيمَ ، الآية : 37.
والحَاصلُ أنَّ الآيةَ تَنفي أنْ يكونَ مَا يَنطقُ بِهِ الرَّسولُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) نَاشئاً عنْ مَقاصِدٍ شَخصيَّةٍ وإنَّمَا هَوَ وَحيٌ مِنَ اللهِ تَعالَى والضَّميرُ في قَولِهِ: (إِنْ هُوَ) يعودُ الَى مَا يَنطقُ بِهِ وَهَوَ مَذكورٌ بِالمعنَى في قولِهِ: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ ﴾ و﴿ إِنْ ﴾ نافيةٌ وتُفيدُ مَعَ ﴿ إِلَّا ﴾ الحَصْرَ ايْ ليسَ مَا يَنطقُ بِهِ شيئاً خَارجاً عنْ الوَحيِ الإلهي وَوَرَدَ قَولُهُ:
﴿ يُوحَى ﴾ مَبنياً لِلمجهولِ تَعظيماً لِلمُوحي وهَوَ اللهُ تَعالَى .
وقَولُهُ: ﴿ مَا يَنْطِقُ ﴾ يشملُ كُلَّ مَا يُنبئَهُ عَنْ اللهِ تَعالَى عَنْ طريقِ الوَحي سواءٌ كانَ قُرآناً أو حُكماً شَرعيَّاً أو خبراً غيبيَّاً أو غيرَ ذلكَ ويبعدُ جداً أنْ يُرادُ بهِ خُصوصَ القرآنِ الكريمِ كَمَا يُقالُ إذْ ليسَ كُلُّ مَا إُخبرَ بِهِ منْ أحكامِ اللهِ تَعالَى وغيرِهَا وارداً في الكتابِ العزيزِ وهُناكَ رواياتٌ كثيرةٌ مضمونُهَا أنَّهُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كانَ يقولُ: هذا أخي جبرئيلُ يُخبرُنِي بِكَذا وكَذا وقدْ ورَدَ في بَعضِ الرِّواياتِ التَّصريحَ بِشمولِ هذهِ الآيةُ لِمَا كانَ يَقَولُهُ الرَّسولُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) غيرَ القُرآنِ ،
فقدْ رَوَى الكُليني في حَديثٍ طَويلٍ عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿ وَ اَلنَّجْمِ إِذٰا هَوىٰ ﴾، قَالَ: ( أَقْسَمَ بِقَبْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا قُبِضَ مٰا ضَلَّ صٰاحِبُكُمْ بِتَفْضِيلِهِ أَهْلَ بَيْتِهِ ﴿ وَ مٰا غَوىٰ `وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ ﴾، يَقُولُ: مَا يَتَكَلَّمُ بِفَضْلِ أَهْلِ بَيْتِهِ بِهَوَاهُ، وَ هُوَ قَوْلُ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ ﴾..) الكافي ج8 ص380، وروى الصدوق في الامالي عَنْ صَالِحٍ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ اَلصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في حديث طويل قوله (أَ لَمْ يَنْسُبُوهُ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوَى فِي اِبْنِ عَمِّهِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى كَذَّبَهُمُ اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ * `إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ ﴾..)، الامالي ، ج1،ص102.
وَرَوَى الصَّدوقُ "قدس سره" حديثاً طَويلاً عنْ الإمامِ العَسكريِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عنْ أبيهِ عنْ آبائِهِ (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) وفيهِ خِطابٌ منْ الرَّسولِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لإبنِ مسعودٍ: (يَا اِبْنَ مَسْعُودٍ إِيَّاكَ أَنْ تَجِدَ فِي نَفْسِكَ حَرَجاً مِمَّا أَقْضِي فَتَكْفُرَ فَبِعِزَّةِ رَبِّي مَا أَنَا مُتَكَلِّفٌ وَ لاَ نَاطِقٌ عَنِ اَلْهَوَى فِي عَلِيٍّ وَ اَلْأَئِمَّةِ مِنْ ولدهم - [وُلْدِهِ]ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ إِلَى اَلسَّمَاءِ - اَللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَى خُلَفَائِي وَ أَئِمَّةَ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُمْ وَ اُنْصُرْ مَنْ نَصَرَهُمْ وَ اُخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَ لاَ تُخْلِ اَلْأَرْضَ مِنْ قَائِمٍ مِنْهُمْ بِحُجَّتِكَ ظَاهِرٍ مَسْهُورٍ أَوْ خَافٍ مَغْمُورٍ لِئَلاَّ يُبْطِلُوا دِينَكَ وَ حُجَّتَكَ وَ بَيِّنَاتِكَ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَا اِبْنَ مَسْعُودٍ قَدْ جَمَعْتُ لَكُمْ فِي مَقَامِي هَذَا مَا إِنْ فَارَقْتُمُوهُ هَلَكْتُمْ وَ إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ نَجَوْتُمْ وَ اَلسَّلاٰمُ عَلىٰ مَنِ اِتَّبَعَ اَلْهُدىٰ )، بحارُ الأنوارِ ، ج36، ص246.
وهذا المَعنَى رُويَ في بعضِ كُتبِ العَامَّةِ أيضاً فَفي الدُّرِ المَنثورِ في ذَيلِ الآيةِ المُبَارَكَةِ أخرَجَ إبنُ مَردويهٍ عَنْ أبي الحَمراءِ وَعَنْ حَبَّةَ اَلْعُرَنِيِّ : ( لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِسَدِّ اَلْأَبْوَابِ اَلَّتِي فِي اَلْمَسْجِدِ شَقَّ عَلَيْهِمْ قَالَ حَبَّةٍ إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَ هُوَ تَحْتَ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ وَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ وَ يَقُولُ: أَخْرَجْتَ عَمَّكَ وَ أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ اَلْعَبَّاسَ وَ أَسْكَنْتَ اِبْنَ عَمِّكَ فَقَالَ: رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ مَا يَأْلُو فِي رَفْعِ اِبْنِ عَمِّهِ فَعَلِمَ رَسُولُ اَللَّهِ أَنَّهُ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَدَعَا اَلصَّلاَةَ جَامِعَةً فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَلَمْ يُسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ خُطْبَةٌ كَانَ أَبْلَغَ مِنْهَا تَمْجِيداً وَ تَوْحِيداً فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَا أَنَا سَدَدْتُهَا وَ لاَ أَنَا فَتَحْتُهَا وَ لاَ أَنَا أَخْرَجْتُكُمْ وَ أَسْكَنْتُهُ وَ قَرَأَ ﴿ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾..)، كشفُ الغُمَةِ ، ج1، ص320.
ولَا تشملُ الآيةُ مَا يتحدّثُ بهِ الرَّسولُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) عنْ نَفسِهِ منْ شؤونِهِ الخَاصَّةِ كَمَا وَرَدَ منْ تَفضيلِهِ لِبعضِ الطَّعامِ أو حُبِّهِ لِلطِّيبِ ونَحو ذلكَ علَى تَقديرِ صِحَةِ الأحاديثِ بَلْ لَا يَشمِلُ مَا يُحكَمُ بِهِ حُكمَاً مَولوياً في موردٍ خَاصٍّ وذلكَ بِقرينَةِ الحَصْرِ في الوَحيِ في قَولِهِ تَعالَى ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ .
وَأمَّا مَا يحكمُ بهِ كَشَرعٍ ودينٍ حتَّى لَوَ كانَ مِنْ تَشريعِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فهَوَ بالنِّهايَةِ وحيٌ مِنَ اللهِ ولَو مِنْ جِهَةِ تنفيذِهِ تَعالَى لأحكامِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) حيثُ ورَدَ في بعضِ الرِّواياتِ أنَّ اللهَ تَعالَى فَوَّضَ إلَى رسولِهِ التَّشريعَ في بعضِ الشَّؤونِ كَإضافَةِ الرُّكعَةِ والرُّكعتينِ في الفَرائِضِ حيثُ كانَتْ في الأصلِ مَفروضَةٌ منَ اللهِ تعالَى رُكعتينِ رُكعتينِ وكَوضعِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) الزَّكاةَ في تسعةِ أشياءٍ وعفوِهِ عمَّا عَدا ذلكَ معَ أنَّ الفَرضَ منَ اللهَ تعالَى كانَ مُطلقاً وغيرَ ذلكَ مِنَ السُّنَنِ الوَاجبَةِ الّتي شَرَّعَهَا الرَّسولُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ومعَ ذلكَ فإنَّهُ تَعالَى نَفَّذَ تَشريعَ رَسولِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فيكونُ أيضاً منَ الوَحيِ ، فَقَدْ رَوَى الكُلينيُّ "قدس سره" عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ قَيْسٍ الْمَاصِرِ: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَدَّبَ نَبِيَّهُ فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الْأَدَبَ، قَالَ: ﴿ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَالْأُمَّةِ لِيَسُوسَ عِبَادَهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَانَ مُسَدَّداً مُوَفَّقاً مُؤَيَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ لَا يَزِلُّ وَلَايُخْطِئُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الْخَلْقَ فَتَأَدَّبَ بِآدَابِ اللَّهِ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ فَأَضَافَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَإِلَى الْمَغْرِبِ رَكْعَةً فَصَارَتْ عَدِيلَ الْفَرِيضَةِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُنَّ إِلَّا فِي السَّفَرِ وَأَفْرَدَ الرَّكْعَةَ فِي الْمَغْرِبِ فَتَرَكَهَا قَائِمَةً فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ كُلَّهُ فَصَارَتِ الْفَرِيضَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) النَّوَافِلَ أَرْبَعاً وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ذلِكَ وَالْفَرِيضَةُ وَالنَّافِلَةُ إِحْدى وَخَمْسُونَ رَكْعَةً مِنْهَا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ جَالِساً تُعَدَّانِ بِرَكْعَةٍ مَكَانَ الْوَتْرِ وَفَرَضَ اللَّهُ فِي السَّنَةِ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) صَوْمَ شَعْبَانَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مِثْلَيِ الْفَرِيضَةِ فَأَجَازَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ذلِكَ وَحَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا وَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) الْمُسْكِرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَأَجَازَ اللَّهُ لَهُ ذلِكَ وَعَافَ َرسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَشْيَاءَ وَكَرِهَهَا لَمْ يَنْهَ عَنْهَا نَهْيَ حَرَامٍ إِنَّمَا نَهى عَنْهَا نَهْيَ إِعَافَةٍ وَكَرَاهَةٍ ثُمَّ رَخَّصَ فِيهَا فَصَارَ الْأَخْذُ بِرُخَصِهِ وَاجِباً عَلَى الْعِبَادِ كَوُجُوبِ مَا يَأْخُذُونَ بِنَهْيِهِ وَعَزَائِمِهِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ وَلَافِيمَا أَمَرَ بِهِ أَمْرَ فَرْضٍ لَازِمٍ فَكَثِيرُ الْمُسْكِرِ مِنَ الْأَشْرِبَةِ نَهَاهُمْ عَنْهُ نَهْيَ حَرَامٍ لَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ لِأَحَدٍ وَلَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لِأَحَدٍ تَقْصِيرَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ضَمَّهُمَا إِلى مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَلْ أَلْزَمَهُمْ ذلِكَ إِلْزَاماً وَاجِباً لَمْ يُرَخِّصْ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذلِكَ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَخِّصَ مَا لَمْ يُرَخِّصْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم فَوَافَقَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَهْيُهُ نَهْيَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَجَبَ عَلَى الْعِبَادِ التَّسْلِيمُ لَهُ كَالتَّسْلِيمِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى)، الكافي ، ج1 ، ص267، وسندها صحيح.
﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾... الضَّميرُ المَفعولُ في ﴿ عَلَّمَهُ ﴾ يعودُ الَى ﴿ صَاحِبُكُمْ ﴾ والفَاعلُ ﴿ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ والمفعولُ الثَّانيُ ضميرٌ مُستَّترٌ يعودُ الَى مَا عادَ إليهِ ضميرُ (هو) أيْ مَا يَنطقُ بهِ أيْ عَلَّمَ شَدِيدُ الْقُوَى الرَّسولَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) مَا ينطقُ بهِ ، والمشهورُ بينَ المُفسرينَ أنَّ شَدِيدَ الْقُوَى صِفَةٌ لِجبرئيلَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) واستشهدَ بَعضُهُم بقولِهِ تَعالَى في وَصْفِهِ ﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ ، سُورَةُ التَّكويرِ، الآية : 20.
وَلَكنَّ التَّعبيرَ يختلفُ وهُناكَ فرقٌ شاسعٌ بينَ التَّوصيفَ بشديدِ القُوَّى والتَّوصيفُ بأنَّهُ ذي قُوَّةٍ، وَلَمْ يَردُ شَدِيدُ الْقُوَى في القرآنِ إلَّا هُنَا وَوَرَدَ شَدِيدُ الْمِحَالِ في سُورَةِ الرَّعدِ منْ صفاتِ اللهِ، قالَ تَعالَى: ﴿ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾ ، سُورَةُ الرَّعدِ، الآية : 13، وَفَسَّرَهُ بَعضُهُم بِالقُوَّةِ وفيهِ إختلافٌ .
وَوَردَ ﴿ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ في الأدعيَةِ المَأثورَةِ مِنْ صِفاتِهِ تَعالَى ، وَوَردَ في رواياتِ كثيرَةٍ عَنْ أئمةِ أهلِ البيتِ (عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ) أنَّ قولَهُ تَعالَى ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴾ يصفُ دُنُو الرَّسولُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) منَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وعليهِ فالظَّاهرُ أنَّ المُرادَ بشَدِيدِ الْقُوَى هَوَ اللهُ تَعالَى وَهَوَ الّذي عَلَّمَهُ القُرآنَ وجبرائيلُ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كانَ واسطَةٌ في إيصالِ الوَحيِ والعلمِ إليهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في الدُّنيَا وأمَّا في هذا المُوردِ ، فقدْ تَلَّقَى العلمَ منْ رَبِّهِ بِلَا واسطةٌ .
و الْقُوَى جمعُ قُوَّةٌ والظَّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِهَا القُّدْرَةَ والمَصْدَرُ لَا يُجمَعُ فَلَا بُدَّ منْ حَملِهِ علَى إرادةِ شِدَّةِ قُدرتِهِ تَعالَى بِحَسبِ المَوارِدِ أيْ هَوَ قَوِّيّ في عِلْمِهِ وفي إرادتِهِ وفي سَمعِهِ وبَصرِهِ وبطشِهِ وكُلِّ أفعالِهِ ومعنَى قُوَّةُ سَمعِهِ وبصرِهِ إحاطتِهِ بِكُلِّ المُبصراتِ والمَسموعاتِ ومعنَى شَدَّةِ قِواهُ تَعالَى كَونِهَا شَديدَّةٌ في حَدِّ ذاتِهَا لَا بالقياسِ إلَى غيرِهَا إذْ لَا يُقاسُ بِهِ أحَدٌ في أيِّ شيءٍ منْ صفاتِهِ تعالَى ومَعنَى الشِّدَّةِ المُطلَقَةِ أنَّهَا غيرُ مُتناهيَّةٌ وليسَ لَهَا حَدٌّ فلَا يُمكنُ أنْ تَتخلفُ قُدرَتَهُ في أيِّ شيءٍ يُريدَهُ ،
وَلَعَلَّ السِّرَّ في ذِكرِ هذا الوَصفِ هُنَا التَّنبيهَ علَى أنَّ الّذي عَلَّمَهُ شديدُ في قُدرتِهِ العلميَّةِ فَلَا حَدَّ لِعلمِهِ وشديدٌ في قُدرتِهِ علَى التَّعليمِ فلَا يَبقَى شيءٌ مِمَّا أرادَ تَعليمَهُ إياهُ إلَّا وصلَ إليهِ وأدركَهُ بإقوَى وجهٍ بحيثُ لَا يَبقَى نقصٌ فيهِ وشديدٌ في قُدرتِهِ علَى طردِ الشَّياطينِ فَلَا يُمكنُ أنْ يتدخَلَ أحدٌ منْهُم بأدنَى وجهٍ وشديدٌ في قُدرتِهِ علِى حفظِ مَا تَعَلَّمَهُ الرَّسولُ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) كَمَا قالَ تَعالَى ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾، سُورَةُ الأعلَى ، الآية: 6،إلَى آخرِ مَا يَتَطلبَهُ هذا التَّعليمُ منَ القُّدرَةِ .
تعليق