بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ اللهِ وَبَرَكآتُهْ
اٰللـــٌّٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْم عَلْيُكّمٌ ورَحَمُةّ اللهِ وَبَرَكآتُهْ
عَاصَرَ الإمامُ الحَسنِ العَسكريِّ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فترةً حرجِةً منَ الصِّراعِ معَ السُّلطَةِ العَبَّاسيَّةِ، تَمَيَّزَتْ بتراخي قبضَةِ الخِلافَةِ علَى السُّلطَةِ، وتصعيدِ الضَّغطِ والتَّضيِّيقِ علَى الإمامِ المَعصومِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وقاعدتِهِ الشَّعبيَّةِ، لِخوفِهَا مِنْ تَعَلُّقِ النَّاسُ بِهِ لِهذا، حيثُ سَعَتْ السُّلطَةُ العَبَّاسيَّةُ آنذاكَ جَاهدةً إلَى عَزلِهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)عنِ النَّاسِ، والحَدِّ منْ أيِّ نشاطٍ قدْ يقومُ بِهِ في التَّصدي لِلسُّلطَةِ المُستبِدَةِ ولِحياةِ البَذخِ والَّلهو في قصورِ الخُلفاءِ العَبَّاسيِّينَ وأنصَارِهِم وأعوانِهِم، يُقابِلَهُ في الوقتِ نَفسِهِ مُجتمَعُ العَلويِّينَ وأنصارُهُم حيثُ تسودَهُ حالاتُ الفَقْرِ، والجُوعِ، والمَرضِ، والإرهابِ، كَمَا هو حالُ الكثيرِ منَ البِلادِ الإسلاميَّةِ اليومَ .
وفي ظِلِّ تلكَ الظُّروفِ العَصيبَةِ كانتْ هُناكَ مَهامٌ أساسيَّةٌ تنتظرُ الإمامَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) باعتبارِهِ حلقَةِ الوَصْلِ بينَ عَصريِّ الحَضورِ والغَيبَةِ بِكُلِّ مَا يَزخرانِ بِهِ مِنْ خَصائِصِ وسمَاتِ، الأمرُ الّذي دَفَعَ بِسُلطَةِ بني العَبَّاسِ إلَى إتخاذِ إجراءاتِ مُراوغَةٍ تِجَاهَ الإمامِ العَسكريِّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) تَضليلاً لِلأمَّةِ حيثُ أقدموا علَى تَقريبِ الإمامِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) مِنَ البِّلاطِ والتَّظاهرِ بإكرامِهِ في العَلنِ فيمَا زَادوا مِنَ المُراقَبَةِ الشَّديدَةِ والمُستَمَرَةِ لِكُلِّ أحوالِ الإمامِ(عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، إلَى جانبِ الإيعازِ بِإتخاذِ الصَّرامَةِ في مُواجَهَةِ الإمامِ العَسكريِّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) إذا تَطلّبَ الأمرُ ذلكَ مِثلَ سِجنِهِ أو مُداهمَةِ بيتِهِ أو إغتيالِهِ، فحُوصِرَ الإمامُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) في عَهْدِ الطَّاغيَّةِ المُتوكِلِ العَبَّاسيِّ، وأعُتقِلُ مَراتٍ عِدَّةٍ في عهدِ مَنْ جاءَ بَعْدَهُ، مِنَ المُستعينِ الى المُعتَزِّ إلَى المُهتدي إلَى المُعتَمَدِ العَبَّاسيِّ الّذي أجمعَ رأيَهُ علَى الفَتْكِ بالإمامِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)، وإغتيالِهِ فَدَّسَ لَهُ سُّمَّاً قَاتِلاً، لِسبَّبِ الحَسدِ الكبيرِ الّذي كانَ يَكَنَّهُ العَبَّاسيونَ لِلإمامِ أبي مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ)علَى مَا يَتمتَعُ بهِ مِنْ شَعبيَّةٍ هائلَةٍ وإحترامٍ بَالِغٍ مِنْ جميعِ الأوساطِ .
وفي شَأنِ شَهَادَتهِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ):-
قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ : ( دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي اَلْمَرْضَةِ اَلَّتِي مَاتَ فِيهَا وَ أَنَا عِنْدَهُ إِذْ قَالَ: لِخَادِمِهِ عَقِيدٍ وَ كَانَ اَلْخَادِمُ أَسْوَدَ نُوبِيّاً قَدْ خَدَمَ مِنْ قَبْلِهِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ وَ هُوَ رَبَّى اَلْحَسَنَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فَقَالَ لَهُ: يَا عَقِيدُ أَغْلِ لِي مَاءً بِمُصْطَكَى فَأَغْلَى لَهُ ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ صَقِيلُ اَلْجَارِيَةُ أُمُّ اَلْخَلَفِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَلَمَّا صَارَ اَلْقَدَحُ فِي يَدَيْهِ وَ هَمَّ بِشُرْبِهِ فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْتَعِدُ حَتَّى ضَرَبَ اَلْقَدَحَ ثَنَايَا اَلْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فَتَرَكَهُ مِنْ يَدِهِ وَ قَالَ لِعَقِيدٍ اُدْخُلِ اَلْبَيْتَ فَإِنَّكَ تَرَى صَبِيّاً سَاجِداً فَأْتِنِي بِهِ قَالَ أَبُو سَهْلٍ قَالَ عَقِيدٌ فَدَخَلْتُ أَتَحَرَّى فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٍّ سَاجِدٍ رَافِعٍ سَبَّابَتَهُ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَوْجَزَ فِي صَلاَتِهِ فَقُلْتُ إِنَّ سَيِّدِي يَأْمُرُكَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ إِذَا جَاءَتْ أُمُّهُ صَقِيلُ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ وَ أَخْرَجَتْهُ إِلَى أَبِيهِ اَلْحَسَنِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ أَبُو سَهْلٍ فَلَمَّا مَثُلَ اَلصَّبِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ وَ إِذَا هُوَ دُرِّيُّ اَللَّوْنِ وَ فِي شَعْرِ رَأْسِهِ قَطَطٌ مُفَلَّجُ اَلْأَسْنَانِ فَلَمَّا رَآهُ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بَكَى وَ قَالَ يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتِهِ اِسْقِنِي اَلْمَاءَ فَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي وَ أَخَذَ اَلصَّبِيُّ اَلْقَدَحَ اَلْمَغْلِيَّ بِالْمُصْطُكَى بِيَدِهِ ثُمَّ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ ثُمَّ سَقَاهُ فَلَمَّا شَرِبَهُ قَالَ هَيِّئُونِي لِلصَّلاَةِ فَطُرِحَ فِي حَجْرِهِ مِنْدِيلٌ فَوَضَّأَهُ اَلصَّبِيُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَ قَدَمَيْهِ قَقَالَ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَبْشِرْ يَا بُنَيَّ فَأَنْتَ صَاحِبُ اَلزَّمَانِ وَ أَنْتَ اَلْمَهْدِيُّ وَ أَنْتَ حُجَّةُ اَللَّهِ عَلَى أَرْضِهِ وَ أَنْتَ وَلَدِي وَ وَصِيِّي وَ أَنَا وَلَدْتُكَ وَ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَلَدَكَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَنْتَ خَاتَمُ اَلْأَوْصِيَاءِ اَلْأَئِمَّةِ اَلطَّاهِرِينَ وَ بَشَّرَ بِكَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَمَّاكَ وَ كَنَّاكَ وَ بِذَلِكَ عَهِدَ إِلَيَّ أَبِي عَنْ آبَائِكَ اَلطَّاهِرِينَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَى أَهْلِ اَلْبَيْتِ رَبُّنَا إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَ مَاتَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ وَقْتِهِ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ )، الغيبة (للطوسی) ج1 ص272.
وذكر الشيخ المفيد في كتابهِ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد : ( أخْبَرَنِي أَبُو اَلْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلْأَشْعَرِيِّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَ غَيْرُهُمَا قَالُوا: كَانَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ خَاقَانَ عَلَى اَلضِّيَاعِ وَ اَلْخَرَاجِ بِقُمَّ فَجَرَى فِي مَجْلِسِهِ يَوْماً ذِكْرُ اَلْعَلَوِيَّةِ وَ مَذَاهِبِهِمْ وَ كَانَ شَدِيدَ اَلنَّصْبِ وَ اَلاِنْحِرَافِ عَنْ أَهْلِ اَلْبَيْتِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ وَ لاَ عَرَفْتُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى رَجُلاً مِنَ اَلْعَلَوِيَّةِ مِثْلَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلرِّضَا فِي هَدْيِهِ وَ سُكُونِهِ وَ عَفَافِهِ وَ نُبْلِهِ وَ كِبْرَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ بَنِي هَاشِمٍ كَافَّةً وَ تَقْدِيمِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى ذَوِي اَلسِّنِّ مِنْهُمْ وَ اَلْخَطْرِ وَ كَذَلِكَ كَانَتْ حَالُهُ عِنْدَ اَلْقُوَّادِ وَ اَلْوُزَرَاءِ وَ اَلْعَامَّة ............................................... وَ لَقَدْ وَرَدَ عَلَى اَلسُّلْطَانِ وَ أَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَعَجَّبْتُ مِنْهُ وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ وَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اِعْتَلَّ بَعَثَ إِلَى أَبِي أَنَّ اِبْنَ اَلرِّضَا قَدِ اِعْتَلَّ فَرَكِبَ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى دَارِ اَلْخِلاَفَةِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلاً وَ مَعَهُ خَمْسَةٌ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ كُلُّهُمْ مِنْ ثِقَاتِهِ وَ خَاصَّتِهِ فِيهِمْ نِحْرِيرٌ وَ أَمَرَهُمْ بِلُزُومِ دَارِ اَلْحَسَنِ وَ تَعَرُّفِ خَبَرِهِ وَ حَالِهِ وَ بَعَثَ إِلَى قَاضِي اَلْقُضَاةِ فَأَحْضَرَهُ بِمَجْلِسِهِ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ عَشَرَةً مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَ وَرَعِهِ وَ أَمَانَتِهِ فَأَحْضَرَهُمْ فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى دَارِ اَلْحَسَنِ وَ أَمَرَهُمْ بِلُزُومِهِ لَيْلاً وَ نَهَاراً فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتَّى تُوُفِّيَ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا ذَاعَ خَبَرُ وَفَاتِهِ صَارَتْ سُرَّ مَنْ رَأَى ضَجَّةً وَاحِدَةً وَ عُطِّلَتِ اَلْأَسْوَاقُ وَ رَكِبَ بَنُو هَاشِمٍ وَ اَلْقُوَّادُ وَ سَائِرُ اَلنَّاسِ إِلَى جَنَازَتِهِ وَ كَانَتْ سُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَئِذٍ شَبِيهاً بِالْقِيَامَةِ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تَهْنِئَتِهِ بَعَثَ اَلسُّلْطَانُ إِلَى أَبِي عِيسَى بْنِ اَلْمُتَوَكِّلِ فَأَمَرَهُ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ فَلَمَّا وُضِعَتِ اَلْجَنَازَةُ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ دَنَا أَبُو عِيسَى مِنْهُ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَعَرَضَهُ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ مِنَ اَلْعَلَوِيَّةِ وَ اَلْعَبَّاسِيَّةِ وَ اَلْقُوَّادِ وَ اَلْكُتَّابِ وَ اَلْقُضَاةِ وَ اَلْمُعَدَّلِينَ. وَ قَالَ هَذَا اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ[بْنِ]اَلرِّضَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلَى فِرَاشِهِ وَ حَضَرَهُ مِنْ خَدَمِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ ثِقَاتِهِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ وَ مِنَ اَلْقُضَاةِ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ وَ مِنَ اَلْمُتَطَبِّبِينَ فُلاَنٌ وَ فُلاَنٌ ثُمَّ غَطَّى وَجْهَهُ وَ صَلَّى عَلَيْهِ وَ أَمَرَهُ بِحَمْلِهِ وَ لَمَّا دُفِنَ جَاءَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخُوهُ إِلَى أَبِي وَ قَالَ اِجْعَلْنِي عَلَى مَرْتَبَةِ أَخِي وَ أَنَا أُوصِلُ إِلَيْكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِينَ أَلْفَ دينارا[دِينَارٍ]فَزَبَرَهُ أَبِي وَ أَسْمَعَهُ مَا كَرِهَهُ. وَ قَالَ لَهُ يَا أَحْمَقُ اَلسُّلْطَانُ أَطَالَ اَللَّهُ بَقَاءَهُ جَرَّدَ اَلسَّيْفَ فِي اَلَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ أَخَاكَ وَ أَبَاكَ أَئِمَّةٌ لِيَرُدَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ كُنْتَ عِنْدَ شِيعَةِ أَبِيكَ وَ أَخِيكَ إِمَاماً فَلاَ حَاجَةَ بِكَ إِلَى اَلسُّلْطَانِ يُرَتِّبُكَ مَرَاتِبَهُمْ وَ لاَ غَيْرِ اَلسُّلْطَانِ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ اَلْمَنْزِلَةِ لَمْ تَنَلْهَا بِنَا وَ اِسْتَقَلَّهُ أَبِي عِنْدَ ذَلِكَ وَ اِسْتَضْعَفَهُ وَ أَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي اَلدُّخُولِ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ أَبِي وَ خَرَجْنَا وَ هُوَ عَلَى تِلْكَ اَلْحَالِ وَ اَلسُّلْطَانُ يَطْلُبُ أَثَرَ اَلْوَلَدِ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى يَوْمِنَا وَ هُوَ لاَ يَجِدُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً وَ شِيعَتُهُ مُقِيمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ وَ خَلَّفَ وَلَداً يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اَلْإِمَامَةِ )، الإرشاد ج2 ص321.
وكانتْ وفاةُ أبي مُحَمَّدٍ الحَسنِ بنِ عليٍّ (عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ) بِسُرَّ مَنْ رَأى في يومِ الجُمُعَةِ لِثمانٍ خلونَ مِنْ شهرِ ربيعٍ الأولِ سَنَةِ ستينَ ومائتينِ للهِجرَةِ، وَدُفِنَ في البَّيتِ الّذي دُفنَ فيهَ أبوهُ بِدارِهِمَا مِنْ سُرَّ مَنْ رَأى ولَهُ يومئذٍ منَ العُمرِ ثمانٍ وعشرونَ سَنَةٍ، وكانتْ مُدَةِ إمَامَتِهِ سنتينِ تَقريبَاً كانت في بَقيَّةِ مُلكِ المُعتَزِّ بنِ المُتوكِلِ ( 255 هـ )، ثُمَّ مُلكَ المُهتدِي بنِ الواثِقِ (256 هـ ) ثُمَّ مُلكِ المُعتمِدِ علَى اللهِ أحمدُ بنُ المُتوكِلِ ثلاثٍ وعشرينَ سَنَةٍ (279 هـ )، ماتَ في أوائِلِ دولتِهِ .
خلفَ أبو مُحَمَّدٍ الحَسنِ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) مِنَ الوُلدِ إبنِهِ الحُجَّةِ القَائمِ المُنتظَرِ(عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ) لِدولَةِ الحَقِّ، وكانَ قَدْ أُخفيَ مَولدَهُ وَسَتَرَ أمرَهُ لِصُعوبَةِ الوقتِ وخوفِ السُّلطَانِ وتَطلُبُهُ لِلِّشيعَةِ وحَبَسَهُم والقبضِ عَليْهِم.
قَالوا: ثُمَّ أخَذَ وَلَدَهُ الحُجَّةِ (عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ)، وضَمَّهُ إلَى صَدرِهِ الشَّريفِ وجعلَ يُقبّلَهُ ويودَّعَهُ ويبكي, ويوصِيهِ بوصاياهُ وسَلَّمَهُ ودائعَ الإمامَةِ، ثُمَّ سَكَنَ أنينَهُ، وعَرِقَ جَبينَهُ، وغَمَّضَ عينيِهِ، ومَدَّ يَديهِ ورجلَيِهِ، وفَاضتْ رُوحَهُ الطَّاهرَةِ.
وقامَ الإمامُ الحُجَّةِ (عجَّلَ اللهُ فرَجِهِ الشَّريفِ) بتجهيزِ أبيهِ الإمامِ العَسكريِّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ، ولمّا وضعَ الإمامُ في نَعشِهِ مُكفّناً تَقدَّمَ جعفرُ بنُ عَليٍّ لِيُصلّيَ علَى أخيهِ، يقولُ الرَّاويُّ: فَلمَّا هَمَّ بالتَّكبيرِ خرجَ صَبيُّ بِوجهِهِ سُمرَةٍ، بِشعرِهِ قَطَطٌ، بأسنانِهِ تفليجٌ، فَجَبذَ بِرِداءِ جعفرِ بنِ عليٍّ وقالَ: تأخّرَ يَا عَمُّ, فأنَا أحَقُّ بالصَّلاةِ علَى أبي، فتأخّرَ جَعفرُ، وقدْ أربَدَّ وجهَهُ وأصفَرَّ. فتَقدّمَ الصَبيُّ وصَلّى عليهِ ودُفنَ إلَى جانبِ قبرِ أبيهِ (عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ)..
لمّا مضَى الإمامُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) صَارتْ سُرَّ مَنْ رَأى ضَجَّةٌ واحدةٌ- ماتَ أبنُ الرِّضَا- وبعثَ السُّلطانُ إلَى دارِهِ مَنْ يُفتّشَهَا ويفتّشَ حِجْرهَا، وخَتمَ علَى جميعِ مَا فيها ، ثُمَّ أخذوا بعدَ ذلكَ في تَهيئتَهُ، وعُطّلَتْ الأسواقُ ورَكِبَ بنو هَاشِمٍ والقُوّادُ والكُتّابُ وسائرُ النَّاسِ إلَى جَنازتِهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ، فكانتْ سُرَّ مَنْ رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة..
عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ: قَالَ لِي: ( لاَ بُدَّ مِنْ فِتْنَةٍ صَمَّاءَ صَيْلَمٍ تَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ بِطَانَةٍ وَ وَلِيجَةٍ وَ ذَلِكَ عِنْدَ فِقْدَانِ اَلشِّيعَةِ اَلثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي يَبْكِي عَلَيْهِ اَلسَّمَاءُ وَ أَهْلُ اَلْأَرْضِ وَ كُلُّ حَرَّى وَ حَرَّانَ وَ كُلُّ حَزِينٍ لَهْفَانَ ثُمَّ قَالَ بِأَبِي وَ أُمِّي سَمِيُّ جَدِّي شَبِيهِي وَ شَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَيْهِ جُيُوبُ اَلنُّورِ تَتَوَقَّدُ بِشُعَاعِ ضِيَاءِ اَلْقُدْسِ كَمْ مِنْ حَرَّى مُؤْمِنَةٍ وَ كَمْ مُؤْمِنٍ مُتَأَسِّفٍ حَيْرَانَ حَزِينٍ عِنْدَ فِقْدَانِ اَلْمَاءِ اَلْمَعِينِ كَأَنِّي بِهِمْ آيِسٌ مَا كَانُوا قَدْ نُودُوا نِدَاءً يَسْمَعُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُ مَنْ قَرُبَ يَكُونُ رَحْمَةً عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ وَ عَذَاباً عَلَى اَلْكَافِرِينَ )، عيونُ أخبارِ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)، ج2، ص6.
أبا الحجّة:
إليكَ وأنتَ تقودُ الاُمّةَ وسطَ أعاصيرِ الجَورِ وعتوِّ بني العبّاسِ.
إليكَ وعيونُ الطُّغَاةِ تُحدِّقُ كي تَجهَضُ مِنْ مُنقذِنَا الأنفاسُ.
إليكَ وصَرخَةُ « هيهاتَ » تَعلو إذْ أرَسَى البَّاري خيرَ أسَاسِ:
﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ ﴾، سُورَةُ القَصَصِ، الآية 5.
إليكَ أنثُرُ رياحينَ الوَلاءِ مِنْ أعماقٍ أنْتُم لَهَا مقباسُ.
آياتٌ مِنَ الحُزنِ والمُصَابِ بمناسبَةِ إستشهادِ الإمامِ الحادي عشرِ الحسنِ بنِ عليٍّ العَسكريِّ (عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ) .
تعليق