إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أُرْسِلَ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)وَأُنْزِلَ إِلَيْهِ اَلْكِتَابُ بِالْحَقِّ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أُرْسِلَ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)وَأُنْزِلَ إِلَيْهِ اَلْكِتَابُ بِالْحَقِّ


    بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
    اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
    السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ

    قَالَ أميرُ المؤمنينَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى، وسِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ، وَشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَزَنْدٌ بَرَقَ لَـمْعُهُ; سِيرَتُهُ الْقَصْدُ، وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَكَلاَمُهُ الْفَصْلُ، وَحُكْمُهُ الْعَدْلُ; أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ، وَغَبَاوَةٍ مِنَ الأُمَمِ )، نهجُ البَلاغَةِ، 183
    وَهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ، وَغَبَاوَةٍ مِنَ الأُمَمِ:-
    هذهِ العِبَارَةِ فيهَا مَعانٍ كَثيرَةٍ مُمكنْ بَيَانُهَا مِنْ خِلالِ كَلِماتِ أميرِ المؤمِنينَ في نَهجِ البلاغَةِ لأنَّ كَلامُهُ يُفسِّرُ بَعْضَهُا البَعضِ الآخَرِ فَقَال (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)في مُنَسَبَاتٍ عِدَّةٍ :-
    1- عن أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( أشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسَلَهُ وأعلامُ الهُدى‏ دارِسَةٌ ومَناهِجُ الدِّينِ طامِسَةٌ ، فصَدَعَ بالحَقِّ ، ونَصَحَ للخَلقِ)، نهج البلاغة: الخطبة 195.
    2- عن أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( بَعَثَهُ حِينَ لا عَلَمٌ قائمٌ، ولا مَنارٌ ساطِعٌ ، ولا مَنهَجٌ واضِحٌ )، الخطبة 196.
    3- عن أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( ثُمَّ إِنَّ اللهِ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)بالْحَقِّ حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الانْقِطَاعُ، وَأَقْبَلَ مِنَ الاْخِرَةِ الاْطِّلاَعُ، وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاق، وَقَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاق، وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ، وَأَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ، فِي انْقِطَاع مِنْ مُدَّتِهَا، وَاقْتِرَاب مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَتَصَرُّم مِنْ أَهْلِهَا، وَانْفِصَام مِنْ حَلْقَتِهَا، وَانْتِشَار مِنْ سَبَبِهَا، وَعَفَاء مِنْ أَعْلاَمِهَا، وَتَكَشُّف مِنْ عَوْرَاتِها، وَقِصَر مِنْ طُولِهَا )، نهج البلاغة: الخطبة 198.
    4- عن أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( بَعَثَهُ وَ اَلنَّاسُ ضُلاَّلٌ فِي حَيْرَةٍ وَ حَاطِبُونَ فِي فِتْنَةٍ قَدِ اِسْتَهْوَتْهُمُ اَلْأَهْوَاءُ وَ اِسْتَزَلَّتْهُمُ اَلْكِبْرِيَاءُ وَ اِسْتَخَفَّتْهُمُ اَلْجَاهِلِيَّةُ اَلْجَهْلاَءُ حَيَارَى فِي زَلْزَالٍ مِنَ اَلْأَمْرِ وَ بَلاَءٍ مِنَ اَلْجَهْلِ فَبَالَغَ ص فِي اَلنَّصِيحَةِ وَ مَضَى عَلَى اَلطَّرِيقَةِ وَ دَعَا إِلَى اَلْحِكْمَةِ وَ اَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ)، نهج البلاغة: الخطبة 95.
    5- وَعَنْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) : ( أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَرْسَلَ إِلَيْكُمُ اَلرَّسُولَ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَ أَنْزَلَ إِلَيْهِ اَلْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَ أَنْتُمْ أُمِّيُّونَ عَنِ اَلْكِتَابِ وَ مَنْ أَنْزَلَهُ وَ عَنِ اَلرَّسُولِ وَ مَنْ أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ «فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ » وَ طُولِ هَجْعَةٍ مِنَ اَلْأُمَمِ وَ اِنْبِسَاطٍ مِنَ اَلْجَهْلِ وَ اِعْتِرَاضٍ مِنَ اَلْفِتْنَةِ وَ اِنْتِقَاضٍ مِنَ اَلْمُبْرَمِ وَ عَمًى عَنِ اَلْحَقِّ وَ اِعْتِسَافٍ مِنَ اَلْجَوْرِ وَ اِمْتِحَاقٍ مِنَ اَلدِّينِ وَ تَلَظٍّ مِنَ اَلْحُرُوبِ عَلَى حِينِ اِصْفِرَارٍ مِنْ رِيَاضِ جَنَّاتِ اَلدُّنْيَا وَ يُبْسٍ مِنْ أَغْصَانِهَا وَ اِنْتِثَارٍ مِنْ وَرَقِهَا وَ يَأْسٍ مِنْ ثَمَرِهَا وَ اِغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا قَدْ دَرَسَتْ أَعْلاَمُ اَلْهُدَى فَظَهَرَتْ أَعْلاَمُ اَلرَّدَى فَالدُّنْيَا مُتَهَجِّمَةٌ فِي وُجُوهِ أَهْلِهَا مُكْفَهِرَّةٌ مُدْبِرَةٌ غَيْرُ مُقْبِلَةٍ ثَمَرَتُهَا اَلْفِتْنَةُ وَ طَعَامُهَا اَلْجِيفَةُ وَ شِعَارُهَا اَلْخَوْفُ وَ دِثَارُهَا اَلسَّيْفُ مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ وَ قَدْ أَعْمَتْ عُيُونَ أَهْلِهَا وَ أَظْلَمَتْ عَلَيْهَا أَيَّامُهَا قَدْ قَطَّعُوا أَرْحَامَهُمْ وَ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَ دَفَنُوا فِي اَلتُّرَابِ اَلْمَوْءُودَةَ بَيْنَهُمْ مِنْ أَوْلاَدِهِمْ يَجْتَازُ دُونَهُمْ طِيبُ اَلْعَيْشِ وَ رَفَاهِيَةُ خُفُوضِ اَلدُّنْيَا لاَ يَرْجُونَ مِنَ اَللَّهِ ثَوَاباً وَ لاَ يَخَافُونَ وَ اَللَّهِ مِنْهُ عِقَاباً حَيُّهُمْ أَعْمَى نَجِسٌ وَ مَيِّتُهُمْ فِي اَلنَّارِ مُبْلِسٌ فَجَاءَهُمْ بِنُسْخَةِ مَا فِي اَلصُّحُفِ اَلْأُولَى وَ تَصْدِيقِ اَلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلِ اَلْحَلاَلِ مِنْ رَيْبِ اَلْحَرَامِ ذَلِكَ اَلْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَ لَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضَى وَ عِلْمَ مَا يَأْتِي إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَ حُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ وَ بَيَانَ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَلَوْ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ لَعَلَّمْتُكُمْ)، الكافي،ج 1 ، ص 60 ، ح 7.
    وَمِنْ هذهِ الرِّوايَةِ نَشرحْ مُفرَدَاتِهِا فَيكونُ المَعنَى لرِوايتِنَا أعلاهُ واضِحَةٌ وَجَلِّيةٌ:-
    نِعمةُ الإرسالِ والإنزالِ بِكونِهَا في تلكَ الحَالةِ بياناً للواقعِ وإظهاراً لِقدرِ تلكَ النِّعمةِ ; لأنَّ النِّعمةَ يَتزايدُ قَدَرَهَا بِحسبِ تزايدِ مَنافعِهَا ولَا ريبَ في أنَّ خلوِ الزِّمَانِ عنْ رسولِ يَستلزِمُ وجودَ الشُّرورِ وإنْتِشارَ الجَورِ والظُّلمِ ووقوعَ الهَرجِ والمَرَجِ وتلكَ أحوالٌ مذمومَةٌ تُوجِبُ تَبُدِّدَ النِّظامِ وتَغَيَّرَ الأحكامِ وفسادَ أخلاقِ النَّاسِ وبُعدَهُم عنْ اللهِ ولُحوقَ الذَّمِ بِهِم بِمقدارِ مَا يَلحقَهُم منَ المَدحِ في حالِ الطَّاعَةِ والإنقيادِ ، فَمَنَّ اللهُ سُبحانَهُ عَلَيْهِم بِمَا يَنقذَهُم مِنْ وَرطَةِ الرَّدَى والهَلكاتِ ويَرشدَهُم في تيهِ العَمَى والجَهالاتِ، ويُنَجِيهِم مِنْ ظُلمَةِ الهوَى والشَّهواتِ، وتلكَ نَعمَةٌ لَا أعظمَ مِنْهَا ولَا يعرِفُ أحَدٌ قَدرَهَا ولَا يُؤدي أحَدٌ شُكرَهَا .
    (وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ) الهَجْعَةُ بفتحِ الهَاءِ وسُكونِ الجِيمِ طائفَةٌ مِنَ الَّليلِ وأيضاً نَومَةٌ خَفيفَةٌ مِنْ أولِهِ وهَي مِنْ الهُجوعِ كالجَلَسةِ مِنَ الجُلوسِ ، فَفي الكَلامِ علَى الأوَّلِ إستعَارَةٌ مُصَرَّحَةٌ وتَرشيحٌ بتَشبيهِ بِدعَةِ الأُمَمِ وجَهلِهِم وكُفرِهِم بِطائفَةٍ مِنَ الَّليلِ في الظُّلمَةِ وإستعَارَةُ الهَجعَةِ لَهَا، وَنسبَةُ الطَّولِ إليهَا وعلَى الثَّاني كِنايَةٌ عِنْ غُفولِهِم في أمرِ المَبدأِ والمَعادِ وسائرِ المَصالِحِ الّتي ينبغي لَهُم وَرقودُهُم في مَراقِدِ الطَّبيعَةِ وذهولِهِم عَمَّا خُلقوا لأجلِهِ .
    (وَانْبِسَاطٍ مِنَ الْجَهْلِ) أيْ مِنْ جَهلِ الأُمَمِ في مَصالِحِ الدُّنيَا والآخرَةِ وشُمولِهِ لِجميعِهِم إلَّا مَا شَذَّ وجريانِ أعمالِهِم وعَقائدِهِم علَى غيرِ قانونٍ عَدلي ونظامٍ شَرعيٍّ لأنَّهُ عَنْدَ بعثتِهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لمْ يَكنْ علَى التَّوحيدِ والشَّريعَةِ السَابقَةِ إلَّا قليلٌ مِمَّنْ عَصَمَهُ اللهُ مِنَ الجَهلِ والشِّركِ والتَّغيِّيرِ والتَّبديلِ وخِلسَةِ الشَّياطينَ وأمَّا أكثرَهُم فقدْ بدلَوا وغيروا وأشركوا وشَرَّعوا لأنْفُسِهم مَا سَولَتْهُ العربُ والعَجمُ وأهلُ الكتابِ، أمَّا العربُ فقدْ إتبَعوا عَمْرُو بنُ لُحَيِّ بنِ قَمَعَةَ بنِ خِنْدِفَ أبو خُزاعَةَ ، ولُحَيٌّ: اسمُه رَبيعةُ، وقَمَعةُ مَنْسوبٌ إلى أُمِّه، وإلَّا فأبوهُ اسمُه إلْياسُ بنُ مُضَرَ، وخِنْدِفُ هي لَيْلى بِنتُ حُلْوانَ بنِ عِمْرانَ بنِ الْحافِ بنِ قُضاعةَ، ولُقِّبَت بخِنْدِفَ؛ لمِشْيتِها، والخِنْدِفةُ الهَرْوَلةُ، واشتَهَر بَنوها بالنِّسبةِ إليها دونَ أبيهِم؛ لأنَّ زَوجَها إلْياسَ بنَ مُضَرَ والدَ قَمَعةَ لمَّا ماتْ حَزِنَت عليه حُزنًا شَديدًا، بحيثُ هجَرَتْ أهْلَها ودارَها، وساحَتْ في الأرضِ حتَّى ماتتْ، فكان مَن رَأى أوْلادَها الصِّغارَ يقولُ: مَن هؤلاء؟ فيُقالُ: بَنو خِنْدِفَ، إشارةً إلى أنَّها ضيَّعَتْهم، واشتَهَر بَنوها بالنَّسبِ إليها دونَ أبيهم ، « وأخبَرَ النَّبيُّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أنَّ عَمرَو بنَ لُحَيٍّ هو أبو خُزاعةَ، وسَببُ تَسميَتِهم خُزاعةَ: أنَّ أهلَ سَبأٍ لمَّا تَفرَّقوا بسَببِ سَيلِ العَرِمِ، نزَل بَنو مازنٍ على ماءٍ يُقالُ له: غسَّانُ، فمَن أقامَ به فهو غَسَّانيٌّ، وانخَزَعَت منهم بَنو عَمْرِو بنِ لُحَيٍّ عن قَومِهم، فنَزَلوا مكَّةَ، وما حَولَها، فسُمُّوا خُزاعةَ، وتَفرَّقَ سائرُ الأَزْدِ .
    ويُقالُ لخُزاعةَ: بَنو كَعبٍ، كما في رِوايةِ مُسلمٍ، نُسِبوا إلى جَدِّهم كَعبِ بنِ عَمْرِو بنِ لُحَيٍّ، وقيلَ: تُنسَبُ خُزاعةُ مرَّةً إلى اليَمنِ، ومرَّةً إلى مُضَرَ، وجمَع البعضُ بيْن القَولَينِ؛ فزعَم أنَّ حارِثةَ بنَ عَمرٍو لمَّا مات قَمَعةُ ابنُ خِندِفَ كانتِ امْرأتُه حامِلًا بلُحَيٍّ، فولَدَتْه وهي عندَ حارِثةَ، فتَبنَّاه، فنُسِبَ إليه، فعلى هذا فهو مِن مُضَرَ بالوِلادةِ، ومنَ اليَمنِ بالتَّبنِّي ، وسَببُ ذِكرِه ما ورَد رُوِيَ عَنِ اَلنَّبِيِّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) أَنَّهُ قَالَ: ( رُفِعْتُ إِلَي اَلنَّارِ فَرَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ رَجُلاً قَصِيراً أَحْمَرَ أَزْرَقَ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي اَلنَّارِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قِيلَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ الغيبة (للطوسی) ، ج ص125 ، وهي الأمْعاءُ؛ وذلك لأنَّ عَمْرَو بنَ لُحَيٍّ هو أوَّلُ مَن غيَّر دِينَ إبْراهيمَ في مكَّةَ، وجعَل الأصْنامَ حَولَ الكَعبةِ » ، وهو - كما قيل - أول من سن لهم عبادة الأصنام وشرع لهم الأحكام وبحر البحيرة وسيب السايبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي وانقادوا له في ذلك بطنا بعد بطن حتى كانت لقبائلهم حول البيت ثلاثمائة وستون صنما سوى ما كان لهم في مواضع استقرارهم فكانت لكنانة وقريش اللات بنخلة ولثقيف العزى بالطائف وللأوس والخزرج المناة بسيف البحر إلى غير ذلك من بيوتات الأعراب ثم لم يكتفوا بعبادة الأصنام حتى عبدوا الجن والملائكة وخرقوا البنين والبنات واتخذوا بيوتا جعلوا لها سدنة وحجاجا يضاهئون بها الكعبة وحسبك بما شرعت الأعراب وخرقت ما اشتملت عليه سورة الأنعام، وأما العجم فبعضهم كانوا يعبدون النيران وبعضهم كانوا يعبدون الشمس وبعضهم كانوا يعبدون البقر وبعضهم كانوا يعبدون الأصنام وبعضهم كانوا يقولون بإلهية بعض الأنبياء إلى غير ذلك من الملل الباطلة والمذاهب الفاسدة، وأمَّا أهلُ الكتابِ فَقَدْ بَيَّنَ عَزَّ وَ جَلَّ في كِتابِهِ الكَريمِ ذلكَ فَقَالَ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ)، سُورَةُ المَائدَةِ ، الآية 18، (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ)، سُورَةُ التَّوبَةِ ، الآية 30، (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا)، سُورَةُ المَائدَةِ – الآية 164، (وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ)، سُورَةُ التَّوبَةِ – الآية 30، وغير الجميع كتابهم وبدلوا شرائعهم وألحدوا في أسمائه تعالى وسموه بما لم يسم به نفسه ولم ينطق به كتابه .
    وبالجملة: ظُلمَةُ الكُفرِ والجَهلِ كانتْ مُحيطَةٌ بالرُّبعِ المَسكونِ فأرسلَ اللهُ تَعالَى في تلكَ الحَالَةِ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) رحمةً للعالمينَ وتَفضُلاً علَى عبادِهِ لِيُنجيِهِم منْ الجهلِ والشُّرورِ ويخرجَهُم مِنَ الظُّلماتِ إلَى النَّورِ .
    (وَاعْتِرَاضٍ مِنَ الْفِتْنَةِ) الفتنة الامتحان والاختبار ثم كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار للمكروه ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الحق ومعنى اعتراضها كما صرح به بعض شراح نهج البلاغة هو أن الفتنة لما كانت واقعة على غير قانون شرعي ونظام مصلحي ولذلك سميت فتنة أشبهت المعترض في الطريق من الحيوان الماشي على غير استقامة فلذلك استعير لها لفظ الاعتراض ففي الكلام استعارة مكنية وتخييلية، ويحتمل أن يكون نسبة الاعتراض إليها من باب التجوز في الإسناد لأن الاعتراض وصف للامم ناش من الفتنة وأن يكون اعتراض الفتنة بمعنى عروضها وانتشارها في الأقاليم .
    (وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ) أي المحكم من أبرمت الشيء أحكمته، فانبرم أي صار محكما، وقد أشار بالإبرام إلى ما كان الخلق عليه من نظام الأحوال بالشرائع السابقة واستحكام امورهم لمتابعة الأنبياء بانتقاضه إلى إفساد ذلك النظام وتغيير تلك الشرائع .
    (وَعَمًى عَنِ‌ الْحَقِّ) العمى إما مسند إلى الحق أو إلى الامم ففيه على الأول إشارة إلى التباس الحق بالباطل وانطماس نوره في ظلمة الشبهات، وعلى الثاني إشارة إلى فساد عقيدتهم وزوال بصيرتهم عن إدراك الحق بارتكاب الشهوات واقتراف الخطيئات .
    (وَاعْتِسَافٍ مِنَ الْجَوْرِ) الاعتساف الأخذ على غير الطريق، والمراد به ترددهم في طريق الضلالة وسيرهم في سبيل الجهالة لاستيلاء ظلمة الغواية على نفوسهم واستعلاء دين الغباوة على قلوبهم حتى قادتهم أزمة إرادتهم إلى المشي في غير سبيل نظام عدلي والجري في غير طريق قانون شرعي .
    (وَامْتِحَاقٍ مِنَ الدِّينِ) امتحق الشيء أي بطل وذهب أثره حتى لا يرى منه شيء وامتحاق الدين كناية عن خفائه واستتاره بانتشار سواد الكفر وظلمة الشبهات لأن الامم قد استزلتهم الآراء الفاسدة وأطارتهم العقائد الباطلة إلى أن تركوا دين الحق واخترعوا لأنفسهم أديانا .
    (وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ) تلظت الحروب التهبت واشتعلت من لظى وهي النار، شبه الحرب بالنار في الإفساد والإهلاك وأسند إليها التلظي وكني بها عن هيجانها ووجودها بينهم في زمان الفترة، ففي الكلام استعارة مكنية وتخييلية ومنشأ هذه الخصلة الذميمة أن ابتلاءهم بالحمية الجاهلية وعدم اهتدائهم إلى المصالح الدينية والدنيوية بعثهم على ما لا ينبغي من القتل والغارات وسبي بعضهم بعضا .
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X