لم تكن حكايات أم جاسم لتقضية الوقت، مثلما كنا ندركها، وانما كانت للتذكرة وترسيخ مفاهيم الخير ونبذ الشر، أغلب تلك الحكايات الآن تتداولها الأندية والمنتديات مع تغييرات قد تمس جوهر المعنى.
أم جاسم كانت تغرف من الموروث المحكي حكايات تغني عقلية الطفل وتنمّيها بمعرفة الفطرة الإنسانية فأتذكر إحدى حكاياتها قالت:
كان هناك ملك اسمه ميداس يحب المال وتخزين الذهب بطريقة جشعة، وذات يوم عثر في خزينته على فانوس ذهب دلكه واذا بمارد عظيم يقول له سوف أحقق لك امنية واحدة اخترها بدقة.
وبدون أن يفكر الملك كثيراً أجاب بسرعة وهو في قمة الحماس والسعادة: أيها المارد، أريد ان يتحول كل شيء ألمسه إلى ذهب، قال له المارد: هل أنت متأكد من هذا الطلب؟ فردّ الملك عليّ الفور وهو يلهث لمجرد تخيل الفكرة: طبعاً طبعاً انا متأكد جداً من طلبي ورغبتي.
فقال له المارد: إذن، بدءاً من صباح الغد ومع شروق الشمس ستجد أن كل شيء تلمسه يتحول فوراً ذهباً، قضى الملك ليلته فرحاً غير مصدق أن أمنيته ستتحقق وسوف تتحول كل حياته إلى ذهباً.. لم يستطع النوم ليلتها وظل مستيقظاً حتى الصباح منتظراً شروق الشمس عليّ أحرّ من الجمر، غلبه النوم لمدة خمس دقائق فقط ليستيقظ الملك، وقد تحول فراشة ووسادته وملابسة إلى ذهب.
انتفض الملك من فراشه غير مصدق ما يحدث، فذهب مسرعاً إلى نافذة غرفته فوجد ابنته الاميرة الصغيرة تلعب في حديقة القصر، فقرر أن يفاجئها بهذه الهبة الرائعة التي أعطاها له المارد، ذهب إلى حمام القصر ليغسل وجهه وجسده، إلا انه تفاجأ أن الماء قد تحوّل إلى ذهب، خرج من الحمام متعجباً وذهب إلى غرفة الطعام يتناول فطوره، ولكن بمجرد أن لمس الطعام والفواكه وحتى كوب الماء تحول كل شيء إلى الذهب، شعر الملك بالجوع والعطش وقال في نفسه: الآن أنا لا أستطيع أن آكل او اشرب الذهب فماذا أفعل؟!
وقبل أن يجد الملك الإجابة، دخلت عليه ابنته الجميلة تجري لتحتضنه كعادتها، وبمجرد أن لمسته تحولت إلى تمثال من الذهب، واختفت ابتسامة الاميرة الجميلة، انحنى الملك برأسه إلى الأسفل، وبدأت دموعه تنهمر، وقد أحسّ بنتيجة ما فعل وبالخطأ الذي ارتكبه.
جاءه المارد ليسأله إن كان سعيداً بهذه الهبة العظيمة والثورة الرائعة، فقال له الملك البخيل في حزن شديد: أنا أتعس إنسان على وجه الأرض، فابتسم المارد وسأله: هل علمت الآن أيهما أغلى ابنتك الجميلة والطعام أو كنوز الدنيا من الذهب والمال؟ اشتد بكاء الملك وطلب من المارد أن يسامحه على جشعه وطمعه، وأن يعيد له ابنته، تقول ام جاسم: انه وعده أنه سيتخلص من كل هذا الذهب المتراكم في مخزن القصر وأنه سيوزعه على الفقراء والمحتاجين.
فقال المارد للملك: الآن أصبحت أكثر حكمة ومقدرة على حكم البلاد، وقد تعلمت درسك جيداً، وأشار إليه فبطل مفعول التعويذة، ورجعت حياة الملك والابنة الجميلة طبيعية من جديد، فاحتضنها الملك بشدة، وقد تعلمنا من عمّتنا أمّ جاسم درساً لن ننساه طوال حياتنا.