بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
قَالَ الإمامُ عَلِيّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عَنْ الصِّفَاتِ الّتي يُوصَفُ بِهَا النَّبيُّ الأكرَمُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): ( أَرْسَلَه بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ والْعَلَمِ الْمَأْثُورِ، والْكِتَابِ الْمَسْطُورِ والنُّورِ السَّاطِعِ، والضِّيَاءِ اللَّامِعِ والأَمْرِ الصَّادِعِ، إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ واحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ، وتَحْذِيراً بِالآيَاتِ وتَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ )، نَهجُ البَلاغَةِ ، ج 1 ، ص 187.
نحنُ في زَمانِنَا هذا بِأَمَسِ الحَاجَةِ إلَى خِطاباتِ الإمامِ عَليٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في مَعرفَةِ جُهودِ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في إصلاحِ الأنسانِ والمُجتمَعِ بَعدَ أنْ عَصَفَتْ بِهِ الوَثنيَّةُ المُختلطَةُ بالأسطورَةِ العَالميَّةِ مِنَ الشَّرْقِ والغَربِ لَيستْ حاجَةً عقديَّةً وشَرعيَّةً فحسبُ، وإنّمَا حاجَةٌ أخلاقيَّةٌ وتربويَّةٌ وبنائِيَّةٌ لِلنَّفسِ والأُسرةِ والمُجتمَعِ، فضلاً عَنْ كَاشفيَةِ هذه الخطاباتِ العَلويَّةِ في جَعلِ المُسلمينَ مصدَاقَاً لِقَولِهِ تَعَالَى : ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾، سُورَةُ آلِ عِمرانَ ، الآية 110.
فخطابُ الإمامِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قدْ كشَفَ عنْ جهودِ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في إصلاحِ المُجتمعِ العَربيِّ، بعدَ أنْ مُنيَ العربُ بِقِيَمِ الجَاهليَّةِ والبؤسِ والتَردي الأخلاقي والإجتماعي والعقائِدِ المُختلفَةِ المُرتكزَةِ علَى الوثنيَّةِ والمَشوبَةِ بالخَوفِ مِنَ الجِنِّ والشَياطينِ فضلاً عَنِ الصَّلَفِ والجَلَفِ في وسائِلِ العَيشِ في مُختلَفِ المَناطِقِ لَاسيمَا أرضِ مَكةَ.
أَرْسَلَه بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ والْعَلَمِ الْمَأْثُورِ : المُرادُ بالدِينِ المَشهورِ هو الإسلامُ الحَنيفِ والعلمِ المأثورِ أي المعجزاتِ .
والْكِتَابِ الْمَسْطُورِ والنُّورِ السَّاطِعِ، والضِّيَاءِ اللَّامِعِ والأَمْرِ الصَّادِعِ،
" فالْكِتَابُ الْمَسْطُورِ ":هو القرآنُ الكريمِ ،
" والنَّورُ السَّاطعِ": هيَ علومُ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ،
"والضِّيَاءُ اللَّامِعِ": سُنَتُّهُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ،
"والأَمْرُ الصَّادِعِ": ـ بقرينَةِ قَولِهِ تَعَالَى في الآيةِ الشَّريفَةِ : ﴿ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ﴾، سُورَةُ الحِجْرِ ،الآية 94 ـ تركُ التَّقيَّةَ وإظهارُ التَّوحيدَ في مقابلِ المُشركينَ والكَافرينَ .
ثُمَّ يخوضُ الإمامُ عَلِيّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في الهدفِ النِّهائِيِّ لِرسَالَةِ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) والقُرآنِ والمُعجزاتِ والقَوانينَ والأحكامِ الشَّرعيَّةِ، فيوضِحَ أهدافَ النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في ثلاثِ مَحاورٍ: إزالةُ الشُّبهاتِ بالأدلَّةِ والبَراهينِ وإستقطَابُ الخُصومِ مِنْ خلالِ إرشادِهَا بالآياتِ البيّناتِ وتحذيرَهُمْ مِنَ العِقابِ الأليمِ إنْ هُمْ تَمادوا في غيّهِمْ وعِصيانِهِمْ .
وَلَمَّا أشرقتِ الأرضُ بنورِ نبيِّ الإسلامِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) في السَّابعِ عشرٍ مِنْ شهرِ ربيعِ الأوّلِ في العامِ الّذي عُرِفَ بعامِ الفيلِ، وسجّلَ التاريخُ طيلةَ ثلاثٍ وستينَ عاماً مسيرَ إنسانٍ أخذَ بيدِ قومِهِ مِنَ الضَّلالِ إلَى الهُدَى. وتَشيرُ هذهِ الكلماتُ إلَى الأهدافِ الّتي كَانتْ غايةَ البِعثةِ النبويّةِ والرِّسالةِ المُحمّديَّةِ:
"إِزَاحَةٌ لِلشُّبُهَاتِ": يُمكنْ أنْ يكونَ المُرادُ مِنْ قولِهِ « إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ » الحقَائقَ الّتي تُعَزِّزُهَا البَراهينُ والأدلَّةُ الرَبانيّةُ والّتي لَا تَدَعُ مجالاً لِشَكٍ أو شُبهَةٍ ،
وَلقَدْ عَميَ الحَقُّ علَى النَّاسِ عَلَى الرَّغمِ مِنْ شِدّةِ ظُهورِهِ، وذلكَ لِعظيمِ الشُّبهاتِ الّتي أحَاطتْ بأذهانِ النَّاسِ، فمنعتْهُمْ مِنْ صحيحِ الرُّؤيةِ والنَّظرِ، ولِذا كَانَ لَا بُدَّ وأنْ تُزاحَ حُجبُ الشُّبهاتِ حتّى تَرى النَّاسُ بعينِ البَصيرةِ حَقائقَ الأشياءِ، وهذا مَا قامَ بِهِ النَّبيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، وقدْ وردَ عَنْ أميرِ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يصفُ النَّاسَ آنذاكَ فقالَ: ( بَيْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّه بِخَلْقِه أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِه ، أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِه ، فَهَدَاهُمْ بِه مِنَ الضَّلَالَةِ وأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِه مِنَ الْجَهَالَةِ )، نهج البلاغة، الخطبة 1.
"الاحْتِجَاجُ بالبيِّناتِ": المُعجزاتُ الحِسِّيَّةِ بالنِّسبَةِ لاُولئكَ الّذينَ لَا يُسَلِّمونَ سِوَى لِلإستدلَالَاتِ العقليَّةِ والّتي مِنْ شأنِهَا سَوقهِمْ نحوَ الإيمانِ واليقينِ ،
وَلمْ يَتركَ اللهُ عزَّ وجلَّ النَّاسَ دونَ طريقِ هدىً بل كانتْ الدلالاتُ الواضحةُ على وجودِه وتوحيدِه أمامَهم، فللَّهِ عزَّ وجلَّ الحجَّةُ البالغةُ، وعندما أرسلَ اللهُ أنبياءَه جعلَ من وظائفِهم تذكيرَ الناسِ بتلك الدلالاتِ وبيانَ أنّهم لا حجّةَ لهم في إنكارهِم للهِ عزَّ وجلَّ أو الشركِ به، قالَ أميرُ المؤمنينَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( أَرْسَلَه بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ ومَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ )، نهج البلاغة، الخطبة 161.
" التَحْذِيرُ بالآيَاتِ": الوعيد بالعذاب الاُخروي ،
فالمعجزاتُ الحاسمةُ والتجاربُ الشافيةُ كلُّها من الشواهدِ المحقَّةِ التي تدفعُ الناسَ إلى الإيمانِ والتوحيدِ وهي من المؤكداتِ والمذكراتِ التي توقظُ الإنسانَ الغافلَ الذي يضلُّ الطريقَ فإنَّ وجودَ هذه الآياتِ في كلِّ وقتٍ أمرٌ لازمٌ، ومن هذه الآياتِ ما وردَ من تذكيرِ الإنسانِ بأصلِ خلقتِه، قالَ تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾، سُورَةُ الرُّومِ ،الآية 20 ، أو دعوتِه إلى النظرِ في خلقِ السمواتِ والأرضِ، قالَ تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾، سُورَةُ الرُّومِ ،الآية 22.
"التَخْوِيفُ بالمُثُلَاتِ": الوعيدُ بالعَذابِ الدُّنيويِّ كمَا وردَ ذلكَ في بعضِ الآياتِ القُرآنيَّةِ كقولِهِ سُبحَاَنُه وَتَعَالَى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّـيِّـئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ المَثُلاتُ ﴾، سُورَةُ الرَّعْدِ ، الآية 6.
لمزيدٍ مِنَ الإحتجَاجِ علَى النَّاسِ تبقى المشاعرُ والأحاسيسُ باباً لا يُستهانُ به، يهزُّ الذاتَ ويُحرِّكُها حين يرى الإنسانُ تجاربَ الآخرينَ ومصيرَ المنكرينَ والضالّينَ، ولذا فعلى سبيلِ المثالِ إنَّ السيرَ في تجاربِ الغابرينَ وما جرى عليهم نتيجةً لكفرِهم وعنادِهم فيه من العبرةِ ما يكفي وفيه من الأمثلةِ ما يُطمئنُّ إليه، فما جاءَ في القرآنِ الكريمِ من تكرارِ أحداثِ ما جرى على الأممِ السابقةِ يجعلُ في الإنسانِ الخوفَ من أنْ يكونَ مصيرُه كمصيرِهم ، قالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَٰكِنِهِمْ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَٰاتٍۢ لِّأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ ﴾، سُورَةُ طَه ،الآية 128.
وقدْ حَكَى عَنْ قِصَةِ فرعونَ والظُّلمِ الّذي تَمادَى بِهِ حتّى نزلَ بِهِ العِقابُ الإلهيِّ لِيبقَى عبرةً لِمَنْ يأتي بَعدَهُ وتَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ ، فَقالَ تَعَالَى: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ ﴾، سُورَةُ يُونسَ ،الآية 128.