هناك طبيعة خارجية وهي المصنوعة، والطبيعة البشرية مجموع السمات الثابتة لديه، بينما الثقافة تأتي بتراكم المعارف والخبرات التي يكتسبها الانسان للاستفادة من الطبيعة، ترويض الطبيعة، والاستفادة منها، وتسخيرها، واستخراج خيراتها، والطبيعة مستودع الخيرات الكفيلة بالشبع، هي أيضاً كفيلة بتهديد الانسان (حر، برد، فيضان، زلزال، براكين)، تحفز الانسان على اكتساب الخبرة في مواجهة عتو الطبيعة، تصبح وظيفة الثقافة حماية الانسان من عسف الطبيعة وترويضها يمر عبر ترويض نفسه، ترويض الطبيعة يمر عبر ترويض الانسان نفسه وتسخيره لها.
دور الثقافة تهيئة الاليات الاجتماعية والنفسية، ترويض الكائن البشري لتستجيب لمتطلبات الثقافة، لكن الثقافة غالبا ما تصطدم بالطبيعة البشرية، هناك امكانية ان تتحول الثقافة من تعبير عن الانسان الى اداة لقمعه وكبت غرائزه، وهناك صراع بين الفطري الذي ينتمي الى الطبيعة وبين ما هو مكتسب، الى ما ينتمي الى المجتمع والثقافة، فهل الذكاء طبيعي أم مكتسب؟ هل العدوانية فطرية أم مكتسبة؟ وهناك تنوع بالاتجاهات والاراء بين القائلين بهما.
الطبيعة واقع تقيمه الارادة الالهية، وهناك فلاسفة استخرجوا قوانين الطبيعة من صفات ربانية، وقوانين الطبيعة نظام كبير تشرع له الذات الالهية. نحن في هذا الحقل غير معنيين بما توصلت اليه النظريات العلمية، وإلا فالرؤية العلمية الحقيقية هي التي ترفعنا الى مستوى الطبيعة الفاعلة (الله) سبحانه تعالى.
ترتبط بنية الشخصية ارتباطا وثيقا بالثقافة المميزة لمجتمع معين، الثقافة هنا تعني نظام القيم الاساسي للمجتمع، فكل نظام اجتماعي ثقافي يتميز بشخصية اساسية، الانا هي ترسب ثقافي، فبعض المجتمعات تجعل من الكمال قيمة مركزية.
يميل الثقافيون الى اعطاء وزن حاسم للمجتمعية التي تنقل بواسطتها القيم من جيل الى آخر، ومن تجمع الى آخر، حيث يمثل ثقافة مجتمع معين الى نظام في جملة من العناصر المتماسكة والمتكاملة، والسلوك المميز للكائن المتمدن يختلف عن غيره من المخلوقات مهما كانت ثقافة الانسان البدائي بسيطة، فهو يمتلك مجموعة من الادوات والاسلحة والمعدات المنزلية.
وقد تطور في وسط اجتماعي يساعده في نفس الوقت، يتواصل مع الاخرين بواسطة اللغة، الانسان فيه مجموعة من الممتلكات المادية ويحيا في نظام اجتماعي ويستقي حوافز سلوكية من منظومة القيم الروحية للجماعة.
أما الاخلاق فهي القوة التي بدونها لا يكون الانسان قادرا على الصراع ضد غرائزه، وهناك من يرى ان كلمة ثقافة فيها اكثر من معنى، ومنها المعنى الفني عند مؤرخي الثقافة لجمع كل عناصر الحياة البشرية ملازمة للانسان ذاته.
ولها معنى اكاديمي انطلاقا من عدد من المعارف والتجارب المتمثلة على مجموعة من ردود الفعل المصادق عليها من تراث معين، ومعنى آخر يعتمد على الممتلكات الروحية للفرد، حيث تقترب الثقافة من الروح.
ويرى بعض الفلاسفة ان مفهوم الثقافة يدل على اساليب السلوك التي تكتسب عن طريق العلم، بينما يصر بعض المثقفين على صعوبة تقديم تعريف دقيق لمفهوم الثقافة. وهناك عشرات التعريفات للثقافة، ولم يكن بينها تعريف واحد مقبول عند البعض، ووجد القصور ان الثقافة لا تميز بين المفهوم والاشياء التي يشير اليها.
ويرى بعضهم ان الثقافة تعني كل مخططات الحياة التي تكونت على مدى التاريخ، وتوجد كموجهات لسلوك الناس ولذلك نجد ان لكل مجتمع انساني ثقافته المميزة. ابرز الفكر سلطة الخطاب الى اللغة كاداة تمثيل اللغة، تقطع، تؤلف، تربط، وتفكك الاشياء، وتحول الاحاسيس الى لوحة، وحيث يوجد خطاب ودي تكون هناك شفافية، وتتكون الكائنات متمثلة بالنسبة للذهن، لذلك طالب الكثير من الفلاسفة بفكرة العودة الى الطبيعة؛ كونها حياة تتسم بالسلام والارادة الطيبة والتعاون والحماية المتبادلة.
بينما هناك فئة ترى عالم الطبيعة بأنه عالم تجريبي، حرب دائمة لكل الافراد ضد كل الافراد، وكانت حياتهم منعزلة، مقفرة، فقيرة، شريرة، عنيفة، ولكن الجميع ينظر الى ان الثقافة طريق الحرية، وبها سيطر الانسان على الطبيعة، الانتقال الى الثقافة يعني الانتقال الى السلوك الادبي الانساني الفعال والحرفية الانسانية المولدة للانسان والمكونة للفرد، وتاريخ واع بفرديته وحريته وتاريخه، تختلف عن الرغبة الحيوانية، وحتى يكون الانسان حقيقته الإنسانية، ولكي يتميز جوهريا وواقعيا عن الحيوان فانه ينبغي ان تطغى رغبته الانسانية فعليا على رغبته الحيوانية.