الأثر المكاني المقدس..
قراءة انطباعية في كتاب
توجيه الجهد الأكاديمي لدراسة جغرافية الأمكنة، وخاصة المقدسة منها، دليل وعي على حيوية تلك الأمكنة، واحتجاجنا الطبيعي الى إحاطة أوسع وأشمل وأعمق، ليكون لدينا مرجعيات موثوقة عن الأمكنة المقدسة، وكتاب المزارات الشيعية من خلال معجم البلدان لياقوت الحموي، من تأليف الأستاذ الدكتور هاشم داخل حسين الدراجي، الذي قدم دراسة تحليلية موجزة تتبع فيها الأثر المكاني المقدس في العراق والبلدان العربية، وعالج بعض القضايا الشائكة التي وقعت لصاحب معجم البلدان.
فهو يرى في مقدمته أن هذا الكتاب من الكتب المهمة والمعالجة كانت للتحقق من أماكن بعض المزارات التي تعرضت لعوامل الزمن، والدافع الحقيقي لمثل هذا المنجز هو امتلاك المؤلف لروح الانتماء واستقلاليته الفكرية لإعادة روح البحث، مما يمنح المنجز التاريخي روحية الحضارة والفكر.
قدم الباحث مبحثاً عن السيرة الذاتية لياقوت الذي أسر وهو صغير السنّ، وحمل الى بغداد فاشتراه تاجر، ودرس مراحل علمية متنوعة. يحقق الدكتور هاشم الدراجي في هويته المذهبية؛ لكونه اتهم بكونه خارجياً يرى فيه الميول الشيعية، فهو يلعن الخوارج، ويلعن عبد الرحمن بن ملجم، وينتقد كل من قاتل الامام علياً (عليه السلام)، وبحث في مزارات الشيعة، فالكتاب جغرافية تحتوي مادة تاريخية.
وقد دوّن عن مزارات الشيعة في العراق في بابل وبغداد مثل قبر موسى بن جعفر (عليه السلام)، وقبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين (عليه السلام)، ومشهد الامام علي بن أبي طالب، وقبر سلمان المحمدي، وفي مدينة بلد مشهد عمر بن الحسين بن علي، وقبر محمد بن الامام علي الهادي (عليه السلام).
وفي سامراء قبر الامامين الهادي وابنه الامام الحسن العسكري(عليهما السلام)، ومشاهد ومقامات الامام المهدي (عجل الله فرجه) وفي كربلاء والنجف. وأشار الى قبر نبي الله صالح وهود (عليهما السلام)، وقبر مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام).
ويلمح ياقوت الحموي الى مدفن بعض الأشخاص تلميحاً: كاستشهاد هاني بن عروة في الكوفة ومسجد السهلة فيه رفع ادريس الى السماء، ومنه كان إبراهيم (عليه السلام) يخرج الى العمالقة، وفيه موضع الصخرة التي عليها صورة الأنبياء، وهو مقام الخضر.
وفي محافظة ميسان، يرى المؤلف أن ياقوت الحموي أخطأ في ذكر قبر عبيد الله بن علي، فسماه عبد الله بن علي، وقتل مع جيش المختار في الحرب التي قامت بينه وبين جيش مصعب بن الزبير.
يحشد المؤلف جميع القدرات المعلوماتية التاريخية ليصل الى مفهومه المحوري المزارات الشيعية، وتصحيح الكثير من المدون في معجم ياقوت الحموي، ويدون معلومات عن قبر محمد بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن ابي طالب (عليه السلام)، وذكر أن هناك قبراً يزعمون انه قبر عزرا بن هارون بن عمران يزوره المسلمون واليهود، وقبر سعيد بن جبير (رضي الله عنه)، فيرى المؤلف أن ياقوت الحموي زرع الشك في صحة هذا القبر، لكنه لم يعزز شكه بالأدلة الكافية.
وشخص في الموصل قبر عمرو بن الحمق الخزاعي من صحابة النبي (ص) ومن شيعة امير المؤمنين علي (عليه السلام)، شهد المواقع كلها (الجمل, صفين, النهروان) هرب في زمن زياد بن أبيه الى الموصل، وقتل هناك على يد عبد الرحمن بن أم الحكم، فأخذ عامل الموصل رأسه وحمله الى زياد، فبعث به زياد الى معاوية، وكان رأسه اول رأس حملت في الإسلام، وأول من شيد قبره هو سعيد بن حمدان ابن عم سيف الدولة.
القضية التي بحثها السيد المؤلف هي قضية القيمة التاريخية الموالية والتي عانت من ويلات السلطات تباعاً، وكثرت عليها محاولات التجهيل، ويعني هذا ان الكتاب هو انتماء لأهل البيت (عليهم السلام) انتماء شيعي انساني، فبحث في مبحثه الثالث عن المزارات الشيعية في الشام، ففي الأردن مثلاً أشار الى موضع قبر جعفر بن ابي طالب في مؤته الأردن.
الغريب في الامر لم يذكر الحموي شيئاً عن قبر زيد بن حارثة مولى رسول الله (ص) ويرى المؤلف ربما يعود السبب الى عدم وجود آثار او إشارات لقبر زيد في عصر المؤلف او ربما لشهرة جعفر بن ابي طالب طغت على ذكر الآخرين.
وأشار الحموي بوجود قبر مالك بن الاشتر في بعلبك، لكنه عاد وشك في صحة وجوده، بينما يؤكد الورداني وجوده في مدخل القاهرة المرج ضمن مدينة عين شمس القديمة شهرته محدودة بين المصريين يلقبونه بالشيخ العجمي، ويزيد المؤلف صحة ما ذهب اليه الورداني.
وفي مدينة حلب مشهد الامام علي بن ابي طالب ومشهد الامام الحسين (عليه السلام) على سفح جبل جوشن، وقبر المحسن (عليه السلام)، وهذا الخبر حاوره السيد المؤلف بما يدل على عدم قبول نسب الرواية.
علي حسين الخباز, [٢٧/٠٤/٢٠٢٢ ٠٧:٥٠ م]
في مدينة حمص قبور ومشاهد الهاشميين والمتشيعين مثل قبور أولاد جعفر بن ابي طالب (عليه السلام) لكنه لم يذكر الحموي كما يذكر المؤلف أيا من أولاد جعفر، ويتبين انه حميد وحسين وعبد الله، وبحمص قبر سفينة مولى رسول الله(ص) واسمه مهران، وقبر قنبر مولى علي بن ابي طالب، ولكنه عاد وشك في وجود قبره.
وميثم التمار لم يقتل كما يقول الحموي على يد الحجاج، وانما على يد عبيد الله بن زياد، صلبه قبل قدوم الحسين بعشرة أيام، وهناك مشهد ابي ذر الغفاري وهو جندب بن جنادة الغفاري.
وفي مدينة دمشق هناك عشرات العلويين مشاهد منها مشهد الامام علي بن ابي طالب ومشهد الامام الحسين بدمشق في باب الفراديس، ومشهد الامام الحسين (عليه السلام) قرب مسجد عمر ومشهد الامام زين العابدين ومسجد امير المؤمنين قرب مسجد عمر بن الخطاب وقبر محمد بن علي (عليه السلام)، وقبر محمد بن عبد الله بن الحسين وهو من احفاد جعفر الصادق (عليه السلام)، وقبر احمد بن الحسين (عليه السلام) من سلالة الباقر (عليه السلام)، وقبر أويس القرني (رضي الله عنه)، وقبر فضة جارية الزهراء ومثل قبر ام الحسن بنت علي، ويشك المؤلف بأن تكون مدفونة هناك، والسبب انها تزوجت من قبل عبد الله بن الزبير بن العوام، ولم يرحل الى الشام لوجود صراع بينه وبين الامويين. وهناك قبر سكينة بنت الحسين (عليها السلام) ذكرها ياقوت الحموي، لكنه أشار فيما بعد الى ان الصحيح انها في المدينة.
وقبر خديجة بنت زين العابدين، ومشهد ام الحسن بنت جعفر الصادق (عليه السلام)، وفي مدينة عكا مشهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) موضعه على عين ماء. منظومة من المعلومات يرتكز عليها المؤلف من سجل ياقوت الحموي، فهناك في المبحث الرابع يبحث عن المزارات الشيعية في مصر مثل: مشهد رأس الحسين (عليه السلام)، وهناك من يرى انه مدفون في دمشق، وقيل في عسقلان، وقيل في المدينة الى جنب قبر أمه فاطمة بنت رسول الله (ص) وقيل في مرو، وقيل انه دفن بجنب امير المؤمنين علي بن ابي طالب في النجف، غير ان الشيعة يرون ان الرأس الشريف قد رُدّ الى جسده الطاهر في كربلاء.
امتاز المؤلف الدكتور بالوعي العالي في التاريخ وإمكانية التحقيق فهو يشخص سبب اختلاف المسلمين في تحديد المكان الذي دفن فيه الرأس الشريف، هو أن شيعة آل البيت كانوا يبنون أماكن رمزية برأسه الشريف، وخاصة في بعض الأماكن التي حمل فيها او مر منها، وبمرور الزمن اصبح الاعتقاد بأن الراس مدفون بها، وقبر علي بن الحسين بن علي زين العابدين (عليه السلام) وهذا غير دقيق؛ لأن الامام علي بن الحسين (سلام الله عليه) توفى في المدينة ودفن في البقيع.
ومشهد فيه قبر علي بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق (عليه السلام) وقبر عيسى بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر الصادق يطلق عليه اسم الشبيه، ومشهد فيه قبر يحيى ابن الحسين بن زيد.
والملاحظ ان ياقوت الحموي اسقط اسم علي زين العابدين بن علي (عليه السلام) من نسب يحيى، ومشهد مدفن رأس زيد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) وقبر ابن طبطبا نقيب الطالبيين في مصر.
وقبر علي بن محمد بن عبد الله بن الحسن، ويرى انه كان في مصر في أيام المنصور العباسي، وقبر السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن (عليه السلام) قبرها في مصر. وقال ابن حجر في كتاب (تهذيب التهذيب) ان زوجها إسحاق بن جعفر الصادق هو زوج السيدة نفيسة، كان قد ذهب الى مصر ومات بها، ومشهد فاطمة بنت محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ومشهد يقال أن فيه قبر فاطمة وهو غير متأكد من وجودها، وقبر آمنة بنت محمد الباقر (عليها السلام)، وقد شك محسن الأمين في نسبة هذا القبر الى آمنة بنت محمد الباقر، حيث قال: وليس في أولاد الباقر (عليه السلام) من اسمها آمنة، ومشهد فيه قبر رقية بنت علي بن ابي طالب، وهي متزوجة بمسلم بن عقيل، وله ولد منها يسمى عبد الله قُتل في يوم كربلاء، ولا يعرف على وجه التحديد سبب او كيفية انتقالها الى مصر.
وقبر آمنة بنت موسى الكاظم، وقبر أم عبد الله بنت القاسم بن محمد، ولم نعثر على ترجمتها في المصادر، ومشهد فيه قبر كلثم بنت محمد بن جعفر الصادق، وقبر عبد الله بن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه).
وفي افريقيا قبر دعبل بن علي الخزاعي هو دعبل بن علي بن رزين بن عثمان اصله من الكوفة ويقال من قرقيسيا، هرب من المعتصم أشار الى انه يقع في مدينة زويلة وفي المزارات الشيعية في بلاد فارس قبر محمد بن الحنفية (عليه السلام) والتواريخ تأبى ذلك ويلاحظ ان ياقوت الحموي شكك في نسبة هذا القبر الى محمد بن الحنفية، والأستاذ الدكتور يتفق معه على ما ذهب اليه.
إذن، إن بعض المصادر اشارت الى انه دفن في البقيع ومشهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) في مدينة عبادان، ومشهد سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في مدينة أصفهان.
وفي الخاتمة، هناك مجموعة نتائج منها ان ياقوت الحموي لديه ميول شيعية على عكس ما ذكرته بعض المصادر، فهو يصف الامام الحسين بالشهيد، ويستخدم عبارة (عليه السلام) عند ذكره الامام علياً، واهتمامه بمشاهد ومزارات الشيعة، واهتمام ياقوت الحموي بالمشاهد المقدسة يتوجه اليها الناس للزيارة والتبرك والعبادة، فهذا يعني انه يعتقد بزيارة القبور العلويين وتقديم النذور، ويعتقد بأن لهم شأناً عند الله سبحانه وتعالى.
وأشار ياقوت الحموي الى بعض القبور التي كانت تزار والتي لا يوجد لها موضع الان كما أشار في الوقت نفسه الى قبور ومشاهد كانت قد اندرست في عهده، لذا ينبغي البحث عن أماكن هذه القبور وإعادة بناء مشاهدها وتجديدها.
أشار ياقوت الحموي الى بعض مواضع قبور الشيعة في بعض المناطق المختلفة في انحاء العالم وقد وقعت في السهو في ذكره نسب بعض الشخصيات العلوية، كما انه يخلط بين المشاهد العلوية، وبلغ عدد المزارات الشيعية التي ذكرها الحموي في معجم البلدان 66 مزارا موزعة على بلدان العالم الإسلامي.