آداب التفاهم بين الناس حاجة اجتماعية مستمرة، وتنوع تلك الاحتياجات الغرضية، تفرض علينا حسن التعامل الذي يرتقي الى مشاعر انسانية واعية، فترى الانسان يعتز بعلاقاته مع الآخرين عبر وسائل التواصل الانساني، ومنها الكلام الذي هو الطريق لمعظم النشاطات التي يؤديها المرء، لذا فإنه لا عجب أن توليه الشريعة عناية فائقة في أحكامها وآدابها.
ومن هذا المنطلق، سنتحاور مع الباحثة الاجتماعية (أم ياسين الخزرجي):
- ما هو الرأي، وكيف يتم التعبير عنه، ودوره في ثقافة الفرد والمجتمع، وآثاره في حياة الانسان بشكل عام، والطفل بشكل خاص؟
الحديث أو الكلام كما هو معروف عن الألفاظ التي تصدر من الانسان، لكن ليس هذا هو المراد في بحثنا بل في مسائل آدابه وتهذيبه وتأثيره على الانسان؛ كونه ليس مجرد أصوات أو نغمات تصدر من الانسان، بل إن الحديث ينم عن أفكار تجيش في خاطره، في نفسه؛ لأن الانسان كمفكر خلقة الله (عز وجل) لديه قوة عقل، لديه أحاسيس يتأثر ويؤثر بالآخرين، في ذهنه تدور الكثير من الأفكار ولديه ثقافات.
هذه الأحاديث تعبر عما في داخله من أفكار، ومن نوازع نفسية أيضاً، فإن كان مسرورا تنطبع على أحاديثه نبرة الصوت، وان كان حزيناً، فيظهر في طريقة كلامه، في سرعة الكلام وبطئه، في كثرته، في قلته، كلها دلالات، ودلالات الألفاظ تدل على المعاني؛ لأن ألفاظ الإنسان يختارها ليس فقط لأنها ألفاظ، وإنما لامتلاكها معاني تدل عليها، لهذا فإن الحديث هو الوسيلة التي ينفرد بها الانسان عن بقية مخلوقات الله تعالى، بالتعبير عما في نفسه، والتواصل مع الآخرين، حتى يقولون "دلالة الأقوال أقوى من دلالة الأفعال"، بمعنى أنك قادر أن تؤثر بالإنسان بأقوالك أكثر مما تؤثر في أفعالك، قد يصدر منك سلوك معين يأتي شخص معاتباً أو يسألك: لماذا تصرفت معي بهذا الاسلوب؟ حسب ردة الفعل، وحسب الكلام، حسب المنطوق الذي أنت تتحدث فيه مع هذا الانسان، اذا كان حسناً فهذا سيخفف من وطأة الفعل أو السلوك الذي صدر منك، اذا كان سيئاً فمن الممكن ان يزيد الموقف سوءاً، وهذا سوف سيؤثر سلباً، ويجعل الحالة أسوأ.
قد يسأل البعض: لماذا يتكلم الانسان؟ نقول: يتكلم الانسان مرة لأجل أن يفهم المقابل ماذا لديه، لهذا فان الكلام هو تعبير عما في داخل الانسان، وله أهمية باعتبار أن الانسان عندما يتكلم سوف يعرف ما في داخله، يقول الامام علي عليه السلام: ((تكلموا تعرفوا، فالمرء مخبوء تحت لسانه).
اليوم يحدث هذا مع الكبار أيضاً، عندما يتكلم تستطيع ان تعرف شخصيته، وعلى الأمهات أن يحدثن أطفالهن على التكلم، ينبغي ان تستمع له دائماً، ونحن بحاجة الى التركيز على هذه المسألة؛ كونها مهمة، ومن الضروري ان تحدث الأم ابنها، ويحدث الأب أبناءه، وإن كان طفلاً يصعب عليه النطق نستنطقه، نحاول أن نجعله يظهر عما في داخله؛ لكي نعرف شخصيته؛ لأنه بالكلام يستطيع الانسان أن يعرف ما يجيش في خاطره.
وحين يريد أن يعبر عما في داخله نفسياً، سيكون مرتاحاً؛ لكون الانسان عندما يكبت ما في داخله، ولا يعبر عن مشاعره وعن أحاسيسه، يصبح مثل البركان الذي لا نعرف متى سينفجر..! لهذا نقول: لابد للإنسان أن ينفث، ومعنى النفث حالة اخراج ما في داخله، كحالات التأفف، التضجر، أن يظهر ما في داخله لأجل ان يستريح ..صحيح انه يحتاج إلى تهذيب، يحتاج إلى كيفية اخراج هذه الكلمات، لكن في النتيجة يعبر عما يريد.
- ما هي نوعية هذه الآداب التي لابد أن يتحلى بها المتحدث أثناء الكلام؟
عندما يريد الانسان أن ينفس عما في داخله، ينبغي أن يختار الكلمات المناسبة التي لا تجرح الآخرين، ممكن أن يتكلم على شكل شكوى، يعني يشتكي عما في داخله، وما يؤذيه، وما يشعر به للشخص المناسب، يتكلم بعبرات، أو يتكلم في مواضيع أخرى إن كان لا يريد أن يتكلم في نفس الموضوع الذي يؤذيه؛ لكون الكبت والسكوت يولدان للإنسان عادات سيئة، تجعله انطوائياً انعزالياً، تجعل منه شخصاً عدوانياً؛ لكونه يكبت داخله، وهنا تتحول أفكاره الى أفكار سلبية، بعكس الحالة التي سيعيشها حين يعبر بها عما يريد، ممكن أن تكون طريقة التعبير بما يجيش في خاطر الانسان، فان كان لا يريد أن يؤذي مشاعر احد، هناك وسائل العبادة، وهي لجوء الانسان الى الدعاء، يلتجئ الى القرآن، يلتجئ الى قراءة أبيات من الشعر أو الى قراءة القصص، لينفس عما في داخله، ليس شرطاً أن يتكلم في نفس القضية التي يشتكي منها، هذه تجعله يتشبث في شيء ما، يرتاح نوعاً ما، لهذا يحاول أن يتكلم؛ لأن السكوت في كثير من المواضع تجعل من الانسان يتعب نفسياً، والطفل كذلك أيضاً، هناك بعض الأمهات تقول: طفلي هادئ، وهنا كثير من الامهات ترتاح لهذه المسألة أن يكون الطفل هادئاً، تعتبرها حالة جيدة..!
كلا من الضروري عند عودة الطفل من المدرسة او الحضانة، أن تسأل الطفل: ماذا أخذ من دروس، عليها أن تحدث الطفل؛ لأجل أن يخرج ما في داخله، وتعرف ما هي المواقف التي مر بها؛ لأن الطفل لا يشبه الكبير، اليوم الكبير أيضاً عندما يرجع الى البيت يحب أن يتكلم مع الأم أو مع الأخت، أو مع الأخ، مع الزوج، مع الابن؛ لكونها حاجة فطرية يحتاجها الانسان، يحتاج أن يتكلم مع أحد، وخصوصاً الانسان المتقارب بالفكر؛ لكونه من الانس والاستئناس مع غيره، فالكلام احد وسائل التواصل، وهو يبين مدى ثقافة الانسان؛ لكون الشخص الذي لا يتكلم لا تستطيع أن تعرف مدى ثقافته، وقد يصبح لديك حسن ظن به، أو عندك سوء ظن به، لهذا السبب، السكوت يجعل من الانسان غامضاً، فبالكلام يعرف الانسان فكره وثقافته، وما يغمره في نفسه.