إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هؤلاء بناتي / في مِحرابِ الأمير.. زينب العارضي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هؤلاء بناتي / في مِحرابِ الأمير.. زينب العارضي


    ما أثقلَها من ليالٍ وأيام، نكتوي فيها بنارِ الحزنِ والآلام، ولا نستلذُّ بطعامٍ أو منام، تتجمّعُ الدموعُ في العيونِ كسُحُبٍ مُثقلةٍ بمطرٍ لا يُطفَأ رغمَ تواليه لهب نارِ الفقدِ المُضطرمةِ في قلبِ كُلِّ من ينتمي إلى أهلِ البيتِ (عليهم السلام).
    إنّها ليالي الجراح، ليالي فقدِ أميرِ المؤمنين (عليه السلام) مرقاة الفلاح، ليالٍ تسيرُ ساعاتُها ببُطءٍ شديدٍ؛ لكأنّها تقلعُ دقائقُها من صخرٍ عنيد، لتُحرِقَ بآهاتِها قلوبَ المؤمنينِ على الإمامِ الغريبِ الوحيد.
    تبدأُ بليلةِ الجرحِ والمصاب، وتنتهي بليلةِ الرحيلِ والغياب، وما بينهما زفراتٌ وآهاتٌ وعذاب.
    فما عسانا نقولُ في ليالٍ توضّأتْ بالأحزان، وردّدَتْ على مسامعِ الدهرِ تراتيلَ الوداعِ المُرِّ لفقدِ نفسِ النبيّ العدنان، ليالٍ ارتشفتْ فيها جبهةُ الحقِّ غُصّةً من غدرِ الشيطان، فاظلمَّ لهولِ الفاجعةِ الزمان، وانطفأ نورُ المحرابِ حتى بكى القرآنُ غيابَ الإنسان.
    ما نقولُ في ليالٍ غابَ فيها مُحيّا الإمامِ عن صفحةِ الوجود، وتنفَّسَ النفاقُ لبُرهةٍ بعدَ طولِ خمود، وعلا مُجدّدًا صوتُ الجحود، حتى أخرسَه السبطُ الأكبرُ (عليه السلام) بإذنِ المعبود.
    ما نقولُ في ليالٍ انقطعَ فيها صوتُ الأبِ الحنون، وغابتْ يدُه الحانيةُ التي كانتْ تمسحُ على رؤوسِ الأيتامِ والمساكين، حتى تعالى منهم الأنينُ والحنين، ونَخَرَ الفقدُ الموجعُ أفئدةَ المُحبّين، وخيّمَ الحُزنُ كحالكِ سوادِ الليلِ البهيم على أرواحِ المؤمنين..
    ما عسانا أنْ نقولَ وقد أزِفَ الكربُ وحلَّ البلاء، واُغتيلَ غدرًا في ليلِ الصيامِ أميرُ الأتقياء، بعدَ أنْ أطلَّ إبليسُ بجُندِه الأشقياء؛ ليحثَّ ابنَ مُلجم اللعين، ليكونَ أشقى الأولين والآخرين، فاستجابَ الشقيُّ لنداءِ سيّدِه وهَمَّ بفعلِه الشنيعِ إشعالَ النارِ في قلوبِ كُلِّ الموالين على امتدادِ السنين، وها هو يتلوى في المحرابِ كالثعبان، قد امتلأَ بالوساوسِ والحقدِ والطُغيان، وقبعتْ بينَ طيّاتِ روحِه الخبيثةِ السمومُ القاتلةُ التي ستفتكُ بخيرِ عبادِ الرحمن؛ لتحتفل بإخمادِ صوتِ العدلِ والإحسانِ في دُنيا الإنسان.
    آهٍ يا علي، يا صرخةَ الحقِّ الجليّ، يا روعةَ القلبِ النقيّ، يا بلسمَ الجرحِ الخفيّ، يا نبرةَ الصوتِ الأبيّ...
    آهٍ أيُّها المولى الرؤوف، آهٍ لجُرحكَ حينَ اشتدَّ منه النزيف، وفاضتْ على ضِفّتيه الحتوف.
    آهٍ لشمسِك وهي تميلُ بعدَ إشراقِها للكسوف.
    آهٍ لرأسِك الخضيبِ كم تحمّلَ من حقدِ السيوف.
    آهٍ لبيوتٍ وأرواحٍ كُنتَ لها الحياةَ والماءَ والرغيف.
    آهٍ لأفئدةٍ ذابتْ وهي ترى ذلك الجبلَ الأشمّ والصرحَ الأعظمَ مُسجّى على فراشِ الموتِ يُعاني جهلَ الناسِ، ويذرفُ الدمعَ على مصيرِ الأُمّةِ التي تنكّبَتْ عن الصراطِ دونَ حياءٍ وخوف...
    سيّدي، إنّ محرابَك اليومَ حزين، يعلو في جنباتِه الأنين، يسألُ عنك، يبحثُ في ملامحِ القادمين عن إشراقةِ وجهِك، يفتقدُ صوتَك وعذبَ تهجُدِك، يحِنُّ إلى سجدتِك ودمعتِك وأنينِ شوقِك وابتهالاتِك... يُخاطِبُك في كُلِّ سَحَرٍ أيُّها المولى الأنور: إنَّ وقتَ التهجُدِ قد آن، وزمانُ المُناجاةِ الطويلةِ قد حان..
    أينَ تركتني يا عدلَ القرآن؟
    أينَ ذهبتَ يا صفوةَ الأولياء؟
    أتُراكَ هجرتني يا صاحبَ الكوثر عندَ اللقاء؟!
    ويأتيه الجوابُ من فناءِ المِحراب: لقد ماجَ المولى في دمائه، وآثرَ الرحيلَ إلى أحبّائه، لقد أعلنَ عن تلك النهايةِ المُرتقبة، عندَما علا صوتُه عندَ السجودِ بتلك الترنيمةِ العذبةِ:
    "فُزتُ وربِّ الكعبة!"
    لقد أفصحَ عن مكنونِ البدايةِ والنهايةِ عندما وقعَ صريعًا على أديمِ المسجدِ الكوفي، فاهتزّتْ له السماواتُ وعلا صوتُ الدويّ، ونعى مُصابَه العرشُ والكرسي، وأُطلِقتْ من ثغرِ الأيامِ زفراتُ الفراقِ الشجيّ، وفُجِعَ بذلك المُصاب الجلل قلبُ كُلِّ مؤمنٍ حُرٍّ تقيّ، وبكاهُ الحقُّ والعدلُ والتاريخُ بدمعٍ دائمٍ سرمديّ.
    وداعًا يا أميرَ القلوبِ وكُلِّ البقاع، وداعًا وأنتَ تعتزمُ الرحيلَ وتدعُ الأرواحَ بعدَك تذرفُ دمعَ الوداع، وداعًا وأنتَ تلوحُ لنا بيدٍ ما فتأتْ تنصرُ الحقَّ وتخوضُ مع الباطلِ الصراعَ تلوَ الصراع، حتى يستقيمَ الأمرُ وينتشرَ الدينُ ويُعبَدُ اللهُ (تعالى) ويوحَّدُ ويُطاع.
    سلامٌ على أرضٍ احتوتك، وتزيّنتْ بجثمانك حينَ وارتْك، وتلألأتْ بقبابِك حيثُ أنخْتَ، وبعثتْ إلى دُنيا الوجودِ رسائلَ حياتِك إذ حييت، ورسائلَ بقائك إذ عرجت.
    سلامٌ على حُسينك الشهيدِ وسبطِك المُنتجب، سلامٌ على قلبِ حبيبتِك زينب، سلامٌ على حفيدِك المُغيّب مهديّك المُرتقب.
    سلامٌ عليك يا صراطَ اللهِ الأقوم، سلامٌ على جراحِك النازفةِ التي تضعضعَ لها الكونُ ورُكنُ الدينِ تهدّم، سلامٌ لك من قلبِ كُلِّ شيعيٍ أو حُرٍّ يتألّم، حتى تحوّلَ فؤادُه إلى مجلسِ عزاءٍ دائمٍ واستحالتْ أيامُه ساحةَ مأتم.
    سيّدي ها نحنُ ننعاك، ونبكي غُربةَ الآخذِ بثأرِك في ذكراك، ها نحنُ نلتحفُ الأسى ونفترشُ الصبر، ونتجرّعُ بلوعةِ أثرِ الغياب المُرّ، ونبحثُ في سجلِّ الدهرِ عن عدالتِك التي ماتتْ يومَ رحلتَ وأبناؤك عن الدُنيا وغابَ وليّ الأمر، ونأملُ ونحنُ في غمرةِ الألمِ أنْ نرى محُيّاك في وجهه الأزهر، عندَما يأتي ليستأصِلَ بنورِ العدلِ والخيرِ جذورَ الفسادِ والظلمِ والجور.
    نعم، نترقّبُ نورَك في إشراقةِ شمسِ مُحيّاه، ونبحثُ عنك في نهجِه وعدالتِه وتقواه، ونقبضُ على الجمرِ بإصرارٍ في انتظارِه، ونُبلسِمُ الجراحَ الغائرةَ بمواعيدِ اللقاءِ واكتحالِ العينِ ببهاءِ مرآه حتى نراه بإذنِ اللهِ (جلّ في علاه).​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X