لكل حضارة خصوصيتها التراثية والفلكلورية التي تميزها عن غيرها، وكلمة (تراث) مشتقة من إرث، أي ما يخلفه الأجداد، والشعبي يعني الفلكلوري، وأن يجمع هذا الفلكلور في قاموس، ذلك سعي ينمّي الحس الوطني الاجتماعي؛ كونه سيعمل على جلب الباحثين والمهتمين بالموروث الإنساني في البلاد.
الأستاذ حسين علي الجبوري، قدم لنا الجزء الأول من (قاموس التراث الشعبي العراقي) يبحث في المعارف والمعتقدات والعادات والتقاليد والتعابير المحنكة. ويرى الكاتب في مقدمته أن تطور جوانب الحياة أهمل الكثير من تلك التقاليد تبعاً لذلك التطور، فاندثر ما اندثر تحت تراب النسيان، لكن الواجب ان رفع التراب عنه لكونه يمثل شاهدا من شواهد تاريخ الشعب.
والكتاب تم تأليفه بطريقة ومنهجية (أحمد امين) في حيثيات الأسلوب، ونحن في هذه الجولة الانطباعية لا نستطيع ان نحتوي كل ابجديات العرض، لكننا سنسلط الأضواء على الذي يكون قريباً لحياتنا، فابتدأ الكتاب بالألف الممدودة:
)آب(:
يعتقد البعض ان أسماء الأشهر المتداولة هي من الأشهر الرومية، بينما هي من التراث العراقي القديم، وشهر آب يسمى في البابلية (آبو)، وهناك اقوال كثيرة كان يتمثل بها العراقيون لشهر آب: (آب يحرك البسمار بالباب.. بالنهار لهاب.. وبالليل جلاب).
وذكر القاموس عن الكثير من الأشياء التي انقرضت، وبقيت لنا ذكرياتها كـ(الابرو) وهو ورق ملون صقيل لماع، كان الناس يستخدمونه لنشرات الزينة، وقد انقرض اليوم هذا النوع من الورق، ومفردة أخرى (الآب نبات) أي السكر النباتي، يستخدم للمناسبات النذرية ويخصص دائما لنذر أم البنين (عليها السلام)، و(اثار لنبي، اجيلات، وتعني المكسرات، آح: هي لفظ الحزن احو.. آخ عند التوجع).
) آخر أربعاء من صفر
يعتبر عند العراقيين من الأيام النحسة، فيعمد الكثيرون منهم الى البقاء في منازلهم؛ بسبب ايمانهم بأن المصائب تقع على الانسان في هذا اليوم، وكان الكربلائيون لا يرتاحون الا يوم الأربعاء، فلا يسافرون فيه، ولا يتزوجون، ولا يعقدون صفقة مهما كانت، ومن تقاليد الكربلائيين التي كانت متبعة عندما يولي شهر صفر يشعلون النار، ويملؤون الجرار بالماء ويقومون بكسرها في الشوارع وهم يرددون:
(راح صفر.. جانه ربيع.. يا محمد يا شفيع)
وذكر العديد من الالفاظ الأخرى مثل: آخندي على الروزخون، والكلمة الفارسية (خوند) تعني الأمير.. ويرى البعض انها تابعة للغة الاتراك الشرقيين ولفظة (آدم).
) آس(:
نبتة معروفة بين عامة العراقيين وتسمى (ياس) لها قدسية كبيرة عند المسلمين وعند بعض اهل الديانات الأخرى: كالصابئة المندائيين العراقيين واليهود، توضع أغصانها في صينية زفة العروس تيمنا بما يعتقد انها تمنح البركة وأبدية العشرة الزوجية ودوام العهد، ولذلك توضع على قبور الموتى كرمز لتذكرهم، والآس ضرب من الرياحين، ويسمى أحيانا ريحان، وسبب استخدامه عند القبور يعود الى خضرته الدائمة وعطر ورقه النفاذ تعطيرا لقبورهم، وآس تعني في السومرية (الشجرة الطيبة الرائحة)، واعتاد المسلمون وضع الآس على جنائز الشهداء، وخاصة الشهداء الشباب غير المتزوجين.
ومن الالفاظ المستخدمة (اسقي)، وهي حمالة السراويل مطاطية اندثرت وانتهى استخدامها وحل محلها الحزام، والاسقي يربط السروال على البطن، وكانوا يستخدمه ذوو البدانة وللاسقي أربعة اطراف، يتدلى اثنان منها على صدر الرجل واثنان يتدليان على ظهره. ومن الالفاظ الأخرى التي ركز عليها الباحث (آشجي) كانت تطلق على الطباخ، وهي تركية وتذكر نسبة الى الآش الذي يعني الطعام، وذكر مفردات والفاظ كثيرة تداولها الموروث العربي مثل: (آصف، هو آصف بن برخيا وزير النبي سليمان (عليه السلام)، مفردة (آفة) مخلوق خرافي يخوف به الأطفال المشاكسون فيفهمونهم بأنه عملاق طويل ضخم يتغذى على لحوم الأطفال المشاكسين، ويقال للطفل الذي اعتاد على أكل الكثير من الطعام بوجود آفة في بطنه، والآفة في الفصحى هي الجائحة التي تهلك الثمار.
تعليق