حدثيني يا أمّي عن جذر الوجع الذي ينهكنا كل يوم، وكأن الـ(وإن) حاضرة معنا، تأكل وتشرب، بأي حق انتهكوا حرمة الله يا أمّي؟ وكم صغر العالم يومها في عين الانسان؟ وكيف سمعت حينها الخبر يا أمّي؟ قالت المرأة التي تتنامى في رأسي:ـ أنا لم أسمع شيئاً، بل رأيت الحدث بكل تفاصيله.
جاء بعض الصحابة الى بيتها المبارك (عليها السلام)، أنا واحدة من الناس، اعتقدت انهم جاءوا ليعزوا سيدة النساء بوفاة أبيها النبي (ص)، قلت لها:ـ لكن يا أمّي .. التواريخ تحدثت عن سيوف وأكداس من الحطب وضعوها في قلب الباب.
أجابتني: كان أهل البيت (عليهم السلام) منشغلين بمراسيم تجهيز النبي (ص)، فتفاجؤوا بأن عدداً من الصحابة الذين تركوا جنازة النبي (ص) وذهبوا خلسة عنهم الى السقيفة، قلت:ـ عذراً يا أمّي، أنا لا أفهم معنى أن تحرق باب الدار، ولا يتسع لها عقلي وأرى أن المسألة معدة حتى قبل وفاة النبي (ص).
أجابت المرأة التي تتنامى في رأسي كل حين:ـ إن الجواذب المهمة في حياة الزهراء من وعي وعفة وعصمة تخيف أهل العروش، فهذا البيت يا ابنتي مثل مركز القيادة وغرفة العمليات لإدارة شؤون الامة، ولذلك خافوه.
أتعرفين يا ابنتي، كان بيت الزهراء هو اول حوزة واقعية ناطقة خصت مسار الثورة، قلت لها:ـ يا أمّي، مولاتي الزهراء (عليها السلام) أسست اول تأسيس شجاع كسر طوق الخنوع والذل، وأنا عشت عمري وأنا خائفة، أمام من يقرأ التاريخ بغير صورته او ان يفسر بواقع اخر بعد ان تدخل الاذرع الشيطانية في تأويله، وأخشى ايضاً أن يأخذ بعض المنبريين بأشلاء الحكاية، ويصوروها للناس على انها حالة انكسارية، بينما هذا الموقف هو من أشجع المواقف الإنسانية التي واجهت الزهراء (عليها سلام الله) رموز الطغيان وساسة الفلتات.
لقد تجلت مواقف مولاتي الزهراء بقيادية الوعي والشجاعة الرسالية التي خرجت من أطر الأنوثة السلبية الى المرأة القادرة على انجاز تكليفها بقوة وحزم، ولذلك كانت (وإنْ) مليئة بالحقد والضغينة.
أنا عشت تلك الواقعة وعشت مآسيها مطلعة على كل التفاصيل، أدركت حينها أن تلك السيدة التي تتنامى في رأسي هي مولاتي (فضة) (رضوان الله عليها)، قلت أسألها: مولاتي ألا تحدثيني بما رأيت؟
فقالت:ـ تغير موقف بعض المسلمين مع بيت أهل الرحمة، ولم يراعوا حرمة السيدة الزهراء (عليها السلام)، ولا حرمة بيت (قدسه الله تعالى) دخلوا عنوة بيتها المبارك، رأيت معه قنفذاً، وزيد بن اسلم، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم يحملون الحطب الى باب دارها، فقيل له: فاطمة في الدار، فقال: وإنْ..! ذاكرة اتعبها الصمت يا بنيتي، رفس قنفذ مع مولاه الباب، استنجدت بي وهي تنادي: الحقي فضة اليك فخذيني، والله لقد قتلوا ما في أحشائي، احتضنت مولاتي لأحملها، ولكن سقط الجنين قبل وصولها الحجرة، ارتفعت أصوات النساء الواقفات في الطريق بالبكاء والعويل، لكن قلوب القوم لا تلين لصرعات مفجوعة، عسى دمي يفيض عند سطوع هذا النقاء، فقد كنت عند الباب، أرى كيف تغزو النتانة شذى الاقحوان، هذه هي حقيقة مشهد ينسف شرعية حكم الطغاة، وأنا غير معنية بما يروي الرواة؛ لأني غير مستعدة أن أكذب عيني أبداً، ثم ودعتني المرأة التي تتنامى في رأسي.