التأمل في أمور التأريخ، يحرك أفق الادراك لفهم حيثيات المكون التاريخي، موضوع الامام الحسين (عليه السلام) من المواضيع التي تتنامى فاعليتها، ويتسع اثرها، كلما تشظت منظومة الوعي العام بالبحث في ثنايا كل خطوة، وقد تكون القراءة التأملية لها خصوبة وحيوية، وتستلهم الكثير من المضامين النهضوية.
كتاب (الامام الحسين يختار الشهادة) قراءة الأستاذ مرتضى علي الحلي، يبدأ من المحنة التي ستبقى تلامس الوجدان وتتفاعل في الذهن الواعي، حيث جسد رسالة الإسلام العزيز فكراً وعملاً ومنهجاً، كان مدخل الكاتب الى مدركات عقل التاريخ باعتبار الشهادة سعياً لإدامة المدد الإلهي ورحمة الإسلام، فلا بد من تعريف شخصية الحسين (عليه السلام) كرمز من رموز القداسة والعصمة، فهو من أهل الكساء ومن أهل المباهلة، وممن اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والمشمول بآية المودة والولاية وهو الذي قال فيه رسول الله (ص): ((حسين مني وانا من حسين)).
القراءة سعي في قدرة الانتماء الى المعنى مع مفهوم الآية: ((ووالد وما ولد)) البلد مكة المكرمة، ولأن فتح مكة المكرمة هو اول خطوة في حركة ظهور الدين الإسلامي وانطلاقته عالمياً.
الروايات الصحيحة تؤكد ان اول ظهور للإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) يكون في مكة بين الركن والمقام، وفاتحها الأول نبينا نبي الإسلام محمد (ص)، وفاتحها الأخير الامام المهدي رفع الله لواءه المبارك.
القضية قضية انتماء مؤمن للميل الروحي الى الحقيقة، حاول البعض ان يفسرها بآدم (عليه السلام) وذريته، وآخرون قالوا: ان المقصود هو إبراهيم (عليه السلام) وولده وجميع هذه المشاكل المتبلورة في عقول المحرفين لغرض ابعاد النبي محمد (ص) وذريته عن مراد النص القرآني.
السؤال الذي هو محور من محاور المواجهة: ما علاقة آدم وابراهيم (عليهما السلام) في السياق القرآني؟ على تفسير الوعد للنبي (ص) بفتح مكة، القراءة المؤمنة تنفتح دائما على حضور خطاب الأئمة (عليهم السلام)، وأصحاب الائمة المعصومين يقولون انه امير المؤمنين وما ولد من الائمة وامير المؤمنين هو نفس محمد (ص).
والإمام علي (عليه السلام) سعى لتحرير الوعي الإنساني ليستوعب مفهوم هذه الاية فقال (عليه السلام): الوالد رسول الله صلوات ربي عليه وعلى اهل بيته المبارك وانا، وأما (وما ولد) يعني هؤلاء الاحد عشر وصيا (صلوات الله عليهم).
وفي الفصل الأول كتب الأستاذ مرتضى علي الحلي عن البنى الارتكازية الشرعية لنهضة الامام الحسين (عليه السلام) ضد طاغية وقته, الوعي في مفهوم ما حدث يؤدي بنا الى يقين النهضة وفكر الحسين (عليه السلام) النهضوي، فهو يمتلك المشروعية والحقانية في تصويب نهضته الشريفة ضد الطاغية.
امام معصوم الهيا ونبويا ومنصوص على امامته قرآنيا, وصاغ الانتماء الرسالي من الحديث النبوي: ((الحسن والحسين امامان ان قاما وان قعدا)). نحن نرى ان مثل هذه التأملات تقدم الموضوع الفكري الى العالم ليكون على بنية من المؤثرات الموضوعة من قبل آليات الاعلام الاموي من تزييف الحقيقة او تحويل الغدر الاموي الى عاديات السياسة.
لا احد يركز على قضية النكث والكذب والزور، الدجل اصبح يوصف عند البعض بالدهاء او الفطنة وعملية استخدام القوة لتصفية المعارضة الفكرية والشرعية مع العرش السلطوي، كان معنى الرفض هوية ووعيا، علم الامة كيف تصون كرامتها: ((ومثلي لا يبايع مثله)) حكمة جوهر الانتماء, الهوية التي ميزت اهل الكرامة عن سواهم يرى بعض النقاد العراقيين من المنصفين انه لا بد من استحضار الانا المعصومة، لنؤكد بها حضور الوعي المؤمن للتاريخ.
شرعية النهضة الحسينية لا بد ان تدخل في مفاهيم الواقع كثقافة معرفية او طبيعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي غيبتها السلطات وتشخيص نبي كريم يقول: ((من رأى منكم سلطانا جائرا...)) الى آخره.. جاءت نهضة الحسين (عليه السلام) ملبية لنداء ربها.
يرى بعض النقاد أن أساس استنهاض الفكر لا بد أن يخضع البنية الماضوية لعملية غربلة لإنصاف الحقيقة من اجل تقويم التاريخ المدون من صور الانحراف الاموي، في قضية التتويج السري للفجور ومحاربة كل من يرفض المبايعة الجائرة وقراءة معاني الرفض الحسيني للبيعة.
البيعة تعني إعطاء الصفة الشرعية والقانونية في حكمه للمسلمين، مطلب المعصوم (عليه السلام) هو العودة بالمجتمع الإسلامي الى منهج الحق القويم، والعودة المنهجية يراها الكاتب مرتضى علي الحلي تتطلب الايثار والتضحية، ولهذا عاد الحسين (عليه السلام) بذاته الى ربه شهيدا حتى يعود بشهادته على المجتمع عودا جديدا.
أليست هذه من معاني الفكر الثور وإعطاء ما تمكنه القدرة على تغيير الفكر وفقا لمستوى الالتزام العام والامام الحسين اختار الشهادة من اجل الناس..؟