أستحضر البروف عبد الإله الصائغ صاحب الاثنين والعشرين مؤلفاً في التأريخ والأدب والشعر، درس وحاضر في الكثير من الجامعات العراقية والعربية والعالمية.. لأقرأ ما كتب في مقدمته التي كتبها عن حياة الشهيد زيد بن علي، للكاتب علي آل قطب الموسوي، فهو يرى أن زيداً الشهيد ليس فرعا من دوحة النبوة حسب..! ولا ثائراً ضد الحاكم الكاذب الدعي حسب..! ولا إماماً كرس خطابه للحديث عن الحلال والحرام حسب..! بل كان أيضاً مفكراً اسلامياً دعا الى التحديث دون مزايلة السبيلين الاسلاميين: العقل والنقل..! ولم تكن دعوته لتحديث الخطاب الاسلامي دعوة قول، بل كانت دعوة قول وعمل معاً..! دعوة اشتبك فيها المداد بالدماء..!
والحديث عن بلاغته فقد وصفها الدارسون المختصون بأنها نهج بلاغة جديدة..! زد على ذلك اشعاره التي تحتاز شعريتها (جاذبيتها) من ادخال الواقع في بودقة الخيال؛ لتثمير الصور الفنية، وانتقاء المعنى، أولاً، ومن ثم إلباسه المبنى.. ولكل من هذين فعله وجمالاته.
إن زيد بن علي رغم انه عمّ الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)، بيد انه كان يستشيره في معضلات الأمور، وكان بينهما من الود والتوالف ما يكون نموذجاً بين ذوي الرحم، والصادق يثني على زيد، ويحفظ له مقامه، ويقدر اجتهاده، ورغم عروبة زيد وهاشميته، فإنه لا يفرق بين المسلمين على أساس العرق أو المكان أو اللون أو اللسان، وكان غريمه الخليفة الاموي يعيّره بأنه ابن امرأة غير عربية، فيسخر زيد من قوله، ويذكر عدداً من الانبياء ممن كانت امهاتهم غير عربيات، فيحتدم غيظ هشام، ويطلب الى جلاده أن يقطع رأسه، الا انه يتراجع مرتبكاً، فيتهامس الحاشية أن زيداً سحر الخليفة.
إنّ خيبات هشام بن عبد الملك الحوارية مع زيد بن علي جعلت هشاماً وفي مجلسه وبين بطانته بمنزلة المتهم، فتساءل هشام مع بطانته قائلاً: "إذا كنا ونحن نفقه علوم القرآن والكلام والبلاغة والتاريخ والأنواء وتعبير الرؤيا غير قادرين على مواجهة حجج زيد بن علي، فكيف بالناس السوقة؟
يقيناً أن زيداً قد استحوذ على محبة الرعية من وراء ظهري، فوالذي نفس هشام بيده، لأجعلن زيداً أثراً بعد عين، فمن لا تقدر عليه في الكلام، تقدر عليه بالحسام..!".
وذلك يفسر كمية الحقد الذي يحمله هشام لزيد، فقتله، وقطع رأسه، ومثّل به، ثم صلبه على حائط سوق كناسة الكوفة قرابة العامين، ثم أنزله فأحرقه، ثم ذرّ رماده في النهر..! هذا يفسر مقدار الرعب الذي يستشعره الحاكم الغاشم من القول والحرية، فليرحم الله زيداً (عليه السلام).
تعليق