إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التائب في حضرة الشمس كاظم عبدالله عبد النبي/ عنوز

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التائب في حضرة الشمس كاظم عبدالله عبد النبي/ عنوز


    بعد وفاة أبيه، صار يُعاقرُ الخمرَ، ويقبع في دياجير الرذيلة، لا يسمع نصحاً ولا يعبأ بأحد يروق له التجوال في أزقةِ الضَّلال، ويتخطّفه التَّيه في أماني مشوشة، أرادتْ أُمُّهُ أن يطوي صحيفة ذلك الظلام، ويتنفس زهور الضوء وينعم بوهج الطهر وهو في ربيع عمره، فعرضت عليه فكرة الزواج لعلَّه يعودُ إلى رشده..
    - فقال: أنا أتزوج..! ومن هي تعيسة الحظّ التي تقبل بي وبتصرفاتي..؟
    - سأجد لك بنت الحلال التي تجعلك مستقيماً، وتعينك على دنياك، وضربت له الأمثال بفلان وفلان.. وعشرات غيرهم هداهم الزواج، وهم – الآن - آباءٌ محترمون.
    - اتركي هذا الأمر- يا أمي - فأنا منحرفٌ لا تقبل بي امرأة صالحة.
    - سنبحث عن الصالحات، ولا تخلو الدنيا منهنَّ، وأريدُ أنْ أطمئنّ عليك قبل رحيلي من الدنيا.. فأقنعته بالزواج واختارتْ له بعد عناءٍ طويل بنتاً صالحة، وفِي خُلدها أنّه سيقلع عمّا هو فيه، لكنه أوغل في مهاوي الزمن، فأصبحت سوداء سجاياه يسير بلا دروب.. طلبت منه أمّه وتاق هو أيضاً أن يكون أباً فقد طال الانتظار بعد أنْ مرت ثماني سنواتٍ على زواجه، فغاص في بحار الأطباء وسواحل المنجمات، ولم يعثرْ على بصيص من أملٍ يخفف عنه ذلك الضياع، حاول.. طرق النوافذ.. لا جدوى.. لا حياة تورق في أفق الصمت.
    وفي أحد الأيام الموغلة في الحزن، وفِي نشوة الخمر، قعدَ متكئاً يقلب قنوات التلفاز فرأى حشودا بملابس سوداء ترفع أعلاماً منوّعة تسير تحت أريج الشمس.. وقد جلسَ يتأمل انتقالات أقدامهم المضمخة بتراب العزِّ.. حدّق في تلك المشاهد بعمق..!! وتأمَّلَ مليًا فاتحاً عينيه كأنه يشربُ الضوء المنبعث من تلك الوجوه المتجه صوب النور.. ضرب جبينه، ثم صاح وجدت العلاج يا أمي.. هرع صاحيًا مهرولًا مفزوعًا كأنَّه نُقّع في لُجّة موج، صاحت أمه وزوجته إلى أين؟.. إلى أين؟
    - إلى حيثُ تنام الفضيلة ويسكن الفخر، وقف مبتعدًا متلعثمًا يتعثّرُ بأنفاسه المتقطعة في الشارع المواجه وعلى مسافة من الحسين وبإزاء باب رؤيته وخاطبه بإحساس الغريق الذي يتلمّس جرفَ الشاطِئ وعلى فطرته قال: ((سمعت أنّ كرمَك لكلِّ الناس، وبابك مفتوحٌ للبرِّ والفاجر، للمحسن والمجرم، وإنّ لك قلبا يسع الدنيا وما فيها وأنا - ها هنا يا سيدي - لا أستطيع الدخول أنا ما من شيءٍ حرامٍ الا فعلته أنا فاسق فاسدٌ.. أنا ساقط قذر لا استحق الوقوف حتى قرب بابك.. لكنني أُريد منك ولداً يا سيدي..)).
    أفصح عمّا في قلبه حتى بلَّلتْ دموعه صفحات خديه.. ورجع هادئاً تهجس في قلبه برودة الاطمئنان.. ولمْ تمضِ إلاّ أيام حتّى أحسّ بطعم الأبوة ورطوبة الشوق تتجلى بانتظار مولوده الجديد.. فأصبح في كلِّ خميس لا يغيب عن أرض كربلاء.​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X