بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهم صلّ على محمد وآل محمد
((إِلَهِي هَدَيْتَنِي فَلَهَوْتُ، و وَعَظْتَ فَقَسَوْتُ، وأَبْلَيْتَ الْجَمِيلَ فَعَصَيْتُ، ثُمَّ عَرَفْتُ ما أَصْدَرْتَ إِذْ عَرَّفْتَنِيهِ، فَاسْتَغْفَرْتُ فَأَقَلْتَ، فَعُدْتُ فَسَتَرْتَ، فَلَكَ إِلَهِي الْحَمْدُ))..
هذه الفقرة الشريفة هي بداية الدعاء التاسع والأربعين من الصحيفة السجادية ويعرف بدعاء (دفع كيد الأعداء)..
انّ أحد الأسباب المهمة التي تتسبب في وقوع البلاء هو من عند الانسان نفسه، سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي، فاذا كان الأول وقع البلاء على الشخص نفسه دون غيره، ولكن الكارثة الكبرى عندما يصبح أغلب المجتمع لاهياً في ملاهي الدنيا الزائفة، غافلاً عن عبادة الله تعالى وطاعته، ناسياً لأجل أي شيء قد خُلق، فيكون عندئذ البلاء جمعياً..
والقرآن الكريم حافل بذكر وقوع العذاب على مجتمعات بأكملها، كهلاك قوم نوح، وعاد، وثمود، وصالح، وموسى.. وانّ الله تعالى لا يعذّب أمة الإسلام بتلك العذابات التي سلّطها على الأمم السابقة كرامة لنبيه الأكرم صلّى الله عليه وآله، ولكن هذا لا يمنع من أن يسلّط عليهم بعض البلاءات نتيجة أعمالهم وعصيانهم، ومنها تسليط الأعداء عليهم.. عسى أن ينتبهوا ويعودوا الى رشدهم..
فالامام عليه السلام من خلال هذه الفقرة الشريفة يبيّن لنا بعض أسباب وقوع ذلك البلاء، من لهو وغفلة وقساوة وعصيان..
فمن خلال دعائنا هذا نحن نقرّ بأنّ الله سبحانه وتعالى لم يتركنا بعد أن خلقنا، فأرسل الرسل والبيّنات، فكانت كافية للهداية والتعريف بالله الواحد ووجوب طاعته، فاستلزم الأجر والثواب والحساب والعقاب بعد أن عرفنا انّ هناك حياة أخروية باقية قد أعدّت بعد هذه الحياة الفانية..
ولكن مع ذلك فقد انشغلنا باللّهو واللعب في هذه الدنيا، فغفلنا عمّا خُلقنا من أجله، فتدانت أنفسنا بدلاً من تساميها ((الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)) (الأعراف: 51).. مع انّ الله تعالى قد صرّح قائلاً: ((وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)) (الأنبياء: 16).. وكلّ هذا لم يمنع سيبه وفضله علينا، وبالرغم من تلك الجرأة عليه من قبلنا لم يمنعه ذلك من الرحمة والإحسان الينا، فما زال يتلطّف بنا ويغدق علينا من جميل نعمه وعطائه..
ولكن جذوة الايمان وإن خبت لكنها لم تنطفئ في داخل الروح، فبعد أن كنّا لاهين غافلين انتبهنا من نومتنا تلك بتوفيق منك يا الهي.. فبدّلت الظلمة الى نور والجهل الى معرفة من خلال تعريفك لنا بمساوئ أعمالنا ونعمك الدائمة التي لا تنقطع عنا، وقد سبق أن عرّفتنا بأنّ هناك باب مفتوح دائماً وقد أسميته التوبة، فكان لزاماً علينا أن نطرق ذلك الباب فنتوب اليك ونستغفرك عن معاصينا.. وأيضاً تستمر عطاياك ومننك التي لا تنتهي بأن تغفر لنا بلطفك وحلمك، وكأننا لم نعصك أبداً..
ولكن هذا العفو والصفح وتوالي النعم قد سوّغ لنا الرجوع الى ما كنا عليه من اللّهو واللّعب، ومع ذلك فانّك أعطف من الأم على وليدها فما كان منك يا الهي إلا أن تستر علينا ولم تفضحنا بين العباد ((وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَورَة وَاَنَا اَعْصيهِ))..
وهذا كلّه يستلزم أن نتوجّه لك يا الهي بالشكر والثناء، فلك الحمد على سترك عليّ والحمد لله على حلمك والحمد لله على عفوك بعد قدرتك والحمد لله طول أناتك في غضبك بفضل احسانك انّك جواد كريم..
تعليق