سأل الإمام جعفر الصادق ذات يوم تلميذه محمد بن النعمان المعروف بمؤمن الطاق وكانت مهمته نشر تعاليم الإسلام ومعارف أهل البيت سأله الإمام ذات يوم: كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟ فأجاب قائلاً: والله إنهم لقليل. فقال الإمام الصادق : (عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير)
الإمام الصادق يؤكد لنا في هذه الكلمة أن الشباب هم الأسرع إلى كل خير، وذلك ينافي الفكرة السائدة بأن الشاب بطبيعته يكون متمرداً وعازفاً عن الالتزام الديني، ومسترسلاً مع اللهو واللعب. هذه الرؤية للإمام تؤكدها مسيرة الأنبياء والأئمة في التاريخ. حيث نجد أن أوائل من آمن بالأنبياء في الغالب كانوا من جيل الشباب، كما نقرأ في القرآن الكريم، حين يحكي قصة نبي الله نوح (على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام) يقول تعالى على لسان الكفار: ? مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ?
*يعني صغار السن الذين لم تنضج أراؤهم، ونبي الله موسى*يقول الله تعالى عنه: ?فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِمْ?، *ذرية : *يعني أبناء وأولاد. وفي سيرة نبينا محمدa نجد أن المشـركين وعتاة قريش جاءوا إلى عمه أبي طالب *قائلين له: إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وسفَّه أحلامنا وأفسد شبابنا!
وقد ورد عن رسول الله *أنه قال: (أوصيكم بالشبان خيراً فإنهم أرق أفئدة، وإن الله بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشبان وخالفني الشيوخ، ثم قرأ قوله تعالى ?فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ?
وهذا ما نقرأه في حديث الإمام الصادق عليه السلام لتلميذه بأن يتجه إلى الشباب.
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: (وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته).
وثبت علمياً أن الإنسان في مرحلة شبابه تتفتق عنده جميع الميول والتوجهات، تنضج عنده الحالة الغريزية وكذلك الميول الروحية والمعنوية، فيكون مهيأ لكلا الاتجاهين: اتجاه الشـر والخير، وهو بدافع الفطرة يكون أكثر تهيئاً لاتجاه الخير. وهناك بحوث لعلماء نفس يؤكدون فيها: أنه في مرحلة الشباب تبرز عند الشاب استعدادات للنزوع الديني، وهذا نشهده بالفعل، فأغلب المبادئ والأفكار والنظريات والمعتقدات إنما تروج أولاً في أوساط الشباب، ولو رصدت حركة الثائرين والمعارضين في مختلف المجتمعات والشعوب، لوجدت أنها تترعرع وتنمو في وسط الشباب، لماذا؟ لأن الشباب هم الأسرع تقبلاً، ولأنهم بعدُ لم تجبل صفاتهم ونفوسهم وسلوكهم على أشياء يتشبثون بها، وعندهم استعداد للتغيير ولقبول الجديد. تبقى مسألة ترجيح هذه الكفة على تلك، وهنا يأتي دور البيئة التي يعيشها الشاب، فإذا عاش في بيئة تُنمّي عنده الميول الخيرة فإنه يكون في اتجاه الخير، وإذا عاش في بيئة تدفعه نحو الشر، تنمو لديه النوازع الشريرة.
من هنا تأتي أهمية المبادرة نحو الشباب، إلا أن الناس في الغالب يهملون أبناءهم فإذا برزت ظواهر سلبية يلتفت البعض نحوهم. لذلك نجد التحذير من الإمام جعفر الصادق حيث يقول: (بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة)، والمرجئة: فرقة من الفرق المنحرفة فكرياً في ذلك الوقت.
*
مشكلتنا في كثير من الأحيان أننا نعيش ضمن حالة ردّات الفعل، فننتظر أن تظهر سلوكيات سلبية عند الشاب أو الفتاة وعندها يبدأ جرس الإنذار لدينا.
وفي أيام العطلة الصيفية أبناؤنا وبناتنا يعيشون فراغاً، فإذا لم تفكر العائلة والمجتمع في ملئ هذا الفراغ بالبرامج الصالحة والنافعة، فإن الشاب والفتاة سيملآن هذا الوقت بأشياء أخرى، خاصة ونحن نعيش في عصرٍ تطورت فيه الوسائل والأساليب، فالكمبيوتر موجود، والإنترنت متاح، والجوال في الجيب، ومختلف الوسائل الحديثة متوفرة، إضافةً إلى شلل سيئة فاسدة لا يخلو منها أي مجتمع، وغالباً ما يُمارس هؤلاء بعض المظاهر السلبية خصوصاً في أوقات العطلة الصيفية، والتي يكثر حولها الحديث في المجالس، وتُسلّط الأضواء على مسؤولية رجال الأمن في البلاد لردع هؤلاء الشباب، وبكل تأكيد فإن الردع وحده لا يكفي، وإنما نحتاج إلى ملء الفراغ عند أبناءنا، وهذا يؤكد لنا دور المبادرة لتوجيه أبنائنا وتوعيتهم وتثقيفهم.
العائلة لها دور أساس، إضافة لحاجتنا الماسة للبرامج العامة في المجتمع، كل إنسان عليه أن يطالب نفسه أيام العطلة الصيفية بدور ومسؤولية تجاه الجيل الشاب. وخصوصاً العلماء والخطباء ورجال الأعمال والمثقفون، حيث ينبغي أن تتظافر الجهود من أجل أن يستفيد أبناؤنا من وقت الفراغ في العطلة الصيفية، وإلا أصبح الفراغ سبباً للفساد والانحراف، وجميعنا يدفع الثمن.
حتى من لم يكن له أولاد عليه أن يُساهم في هذا الجانب المهم، ذلك لأن أي خلل يُصيب وسط الشباب يؤثر على أمن المجتمع الأخلاقي والاجتماعي.
لهذا أدعو الجميع إلى التفاعل مع البرامج القائمة في الصيف، من مراكز ولجان ودورات وبرامج ودروس، بعضها رسمية وبعضها أهلية، فينبغي الدفع والتشجيع بهذا الاتجاه، لا أن تنتظر أن أحداً يطلب منا الدعم، علينا أن نمسك بزمام المبادرة.
وعلى الولاة على المساجد والحسينيات والأماكن العامة أن يبذلوها للشباب، ليُمارسوا فيها مختلف الأنشطة الهادفة، والبرامج الصالحة. وعلى العلماء أن يقدموا الدعم من الحقوق الشرعية والتبرعات، كما يجب أن يبذلوا من أوقاتهم في تدريس هؤلاء الشباب، والالتقاء بهم، والحوار معهم.
وأخص بالذكر الفتيات، لأنهنّ يعشن ظلامة حقيقة، بعكس الشباب الذين يجدون متّسعاً لهم خارج فناء البيت، أما البنات فيعشن غالب أوقاتهن بين جدران البيت، ومع وجود الفراغ القاتل، لا يُؤمن أن تتسلل إليهن بعض المظاهر السلبية، مما يُخشى منه على مستقبلهن.
هناك قصور وتقصير في برامج الفتيات في مجتمعنا، فعلى كل واحدٍ أن يلتفت إلى بناته، وأن يفسح أمامهن الفرصة، خصوصاً في العطلة الصيفية، باتجاه استثمار أوقاتهنّ بما ينفعهن وينفع المجتمع.