(رزنه صالح)
دعونا نخلع رداء القوة هذا المساء ونتمرد على الصمت ونصنع ثورة لثرثرة، من هذا المكان الواسع من هذه الصالة التي تحتوي تسعة كراسي بلونها الأزرق من بين أنامل البلاط الأبيض، نرتب السطور؛
هذه الليلة تبدو عرجاء والعكاز كُسر وأنا أصعد على الدرج، لا أعلم ماذا يحل على قلبي كلما طرق الليل باب السماء، هل الحنين إلى الحياة في البعيد أم الذعر من الرحيل!
تبدو الأيام بين جذور الوقت دقائق منفصلة، أرَى العابرين يحملون المدينة على أكتافهم، أسمع قلب المدينة ينبض بصمت، ولا يسمعه إلا المتسول الذي يرتدي ثوبًا بنيا، دثرني الصمت، زملني الحنين وباتت عينيا تذرف أطفالها الصغار على الطرقات، أتسأل هل طفل العين عاق؟
كيف يتخلى عن والديه؟
مُغلفة بأوشحة من صبر، أنظر إلى الجميع بصمت، تتسع عيني كلما كبرت أظنها تحمل الكثير من الكلمات الخرساء لِذلك تتحدث على هيئة نظرات.
الليلة فقط وددت لو سألني أحدهم مآبها عينيكِ ممتلئة بالموت!
ما كنت سأتحدث بثغري، كُنت سأجهش بالبكاء؛ ولكن كالعادة لا أحد يعلم ماذا تحمل هذه المضغة الصغيرة المكفنة بالنحيب، وها أنا أحتضن تابوت صمتي وأغفو في مخاض بين اللحاف والتراب!
&&&
(القراءة)
(علي حسين الخباز)
سعت الكاتبة (رزنه صالح) أن تثري نصها النثري بالبعد الجمالي، فاستخدمت لغة انزياحيه مختزلة خارجة عن المألوف حولت بها النص إلى مدلولات خارجة عن اللفظ إلى معانٍ أخرى متخيلة ، تمنح متلقيها أفكارا جديدة وحبكة رصينة وأبعاد تأويلية، تخلع بها (رداء القوة) انزياح أقرنته بالتمرد على الصمت، وشاءت أن يكون هذا الصمت ثرثرة، نتأمل المكان، الكراسي، الالوان لتعرفنا أنها تهدف بلغتها الإيحائية إلى زيادة تأثيرية على المتلقي، تخلق تواصليتها بواسطة فكر المتلقي نفسه، جمل مختزلة مكثفة تمزج الحقيقة بالخيال، (لا أعلم ماذا يحل على قلبي كلما يطرق الليل باب السماء، هل الحنين إلى الحياة في البعيد أم الذعر من الرحيل) تميل الناصة رزنه صالح في مضامينها إلى البنية الفلسفية وسعة الخيال وشعرية التركيب الجملي (جذور الوقت) لتضفي على نصها الشعرية العالية بالعديد من المدلولات ومنها دلالية الصوت، عند ايقاع قلب المدينة النابض بصمت، الطيف التضادي بين (اسمع ـــ الصمت) يندمج هذا الصوت بمدلول لوني اللون البني ثوب المتسول، التسعة كراسي تمثل عظمة انتظار الطفل في بطن أمه وتمثل عظمة الأم بالتحمل لمنح الحياة لابنها، ولو تأملنا في البنية اللونية لوجدنا الازرق بين أنامل الأبيض عند المشفى والصالة وملابس الاطباء، الأزرق البحر وزرقة السماء وزرقة الحبر الذي به نكتب والأبيض الفضاء ــ الشمس ـــ الحليب، وتعيد ترتيب السطور، وما قبل السطور وما بعدها، والثوب البني الذي هو لون التراب، واللون البني هو اللون الحقيقي المستقر كاستقرار باطن الأرض من منظور علم النفس، كما يدل على الدعم مع وجود شعور قوي بالواجب والمسؤولية والالتزام، وأحد الألوان الحارة وهو بني نسبة للبن، فهي تعمل على خلق جو من الشعرية وقوة الانزياح، ولو تأملنا في الانزياح الاستفهامي (هل طفل العين عاق؟) وابتدعت علاقات دلالية بين الألفاظ أدت إلى خلق صور ورموز وإيحاءات، مثلا لو تأملنا في (النظر إلى الجميع بصمت) تمازج مبتكر بين الحواس (العين تحمل الكلمات) والكلمات خرساء تتحدث على هيئة نظرات، فضاءات مجازية، استخدامات فلسفية تصويرية في بنية النص، مجازيتها أوسع وأعقد من الصورة نابضة بالبعد الخيالي، فالعين عند هذه المبدعة ممتلئة بالموت وكلامها بكاء وتحتضن تابوت الصمت والمخاض تراب، قدمت الناصة رزنة صالح نصا ينبض بالحياة كونه من النصوص التي لا تموت