]
عاشوراء مشروع تصحيح فكري وسلوكي متكامل، وفي ظل هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي في ايصال المعلومة تتأكد المسؤولية في تصحيح التراث العاشورائي وبعض الروايات الموضوعة حديثا والتي بدأت تظهر مؤخرا كظاهرة مستفحلة بنشر روايات مجعولة بعيدة عن العقل والمنطق مستغلين الوهج العاطفي للموالين من ذوي الثقافة المحدودة بنشر تلك الروايات وسنمر عليها تباعا بتوفيق الله ومشيئته ومنها هذا السؤال الذي وردني من احدى الاخوات فأجبت حسب اطلاعي البسيط
السؤال :ما مدى صحة رواية إعتذار عزرائيل عن قبض روح الامام الحسين(عليه السلام) وأن الله تعالى هو من قبض روح الامام الحسين(عليه السلام)؟ وهل لهذه الرواية مصدر موثوق؟
الجواب : لم ترد الرواية التي أشرتم اليها في أي مصدر من مصادرنا الروائية المعتبرة ولا في مصادر العامة مطلقاً
وإنما هي من الروايات المذكورة في كتاب (اكسير العبادات في اسرار الشهادات) للفاضل الدربندي وهو كتاب يتكلم عن مقتل الحسين عليه السلام وهو كتاب غير معتبر واغلب الاخبار فيه ضعيفة وغير مسندة اضافة الى كونها غير مقبولة عقلا ومنطقا وقد نقد الكتاب العديد من علمائنا الاجلاء لذلك لا يمكن الاخذ من هذا الكتاب والتعويل على مروياته، والراي السائد ان اغلب مروياته من الموضوعات وللاسف فان اعداء المذهب يروّجون لهذا الكتاب وكأنه مصدر مهم من المصادر الشيعية المتكلمة عن مقتل الحسين عليه السلام ويعيدون طباعة الكتاب كثيرا وينشرونه على نطاق واسع لتوهين عقيدة الشيعة ومع الاسف الشديد فان هذه الروايات الضعيفة وغير المقبولة قد وجدت الطريق معبّداً للانتشار عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والأدهى من ذلك أنها وصلت لمنابر الامام الحسين (عليه السلام) ومجالسه رغم الطعون الكثيرة في مرويات هذا الكتاب.
ومن العلماء الذين نقدوا هذا الكتاب حسين النوري الطبرسي وهو أول من انتقد كتاب إكسير العبادات نقداً كتابياً واسعاً إذ تناول ذلك في كتابه الفارسي لؤلؤ و مرجان.
انتقد محمد بن سليمان التنكابني كتاب إكسير العبادات وذلك في كتابه الفارسي قصص العلماء، وقال: «الأخبار غير المعتبرة في هذا الكتاب كثيرة وضعيفة ، بل بعضها مظنون الكذب ، بل يبدو أنّ بعضها قطعي الكذب ، ممّا أدّى إلى الحطّ من قدر الكتاب».
تابع آغا بزرگ الطهراني أستاذه النوري الطبرسي، ونقد الكتاب نقداً عابراً عند ذكره له في موسوعته الذريعة إلى تصانيف الشيعة إذ قال: «ومن شدة خلوصه وصفاء نفسه، نقل في هذا الكتاب أموراً لا توجد في الكتب المعتبرة، وإنما أخذها عن بعض المجاميع المجهولة اتكالاً على قاعدة التسامح في أدلة السنن مع أنه لا يصدق البلوغ عنه بمجرد الوجادة بخط مجهول»، ثم أحال إلى كتاب أستاذه وقال: «وقد تعرض شيخنا في اللؤلؤ والمرجان إلى بعض تلك الأمور فلا نطيل بذكره».
انتقد مرتضى المطهري كتاب إكسير العبادات في كتابه الفارسي حماسهٔ حسينيه الذي تُرجم إلى العربية بعنوانالملحمة الحسينية، واستند في بعض ذلك إلى انتقادات النوري الطبرسي بنقل عبائره. وقد قال ضمن ما قال: «بعد ذلك ظهر علينا قبل حوالي ستين أو سبعين عاماً المرحوم ملا آقا الدربندي، وقام بجمع كتاب روضة الشهداء، مضيفاً إليه بعض القصص الأخرى، وألف كتابه المعروف أسرار الشهادة، وإنني يجب أن أقول الحقيقة بأن محتويات هذا الكتاب تدفع الإنسان للبكاء على الإسلام».
أجاب علي الحسيني الميلاني حول سؤال وجّه إليه حول الكتاب فأجاب بكون المؤلف من الأكابر المحترمين غير أنّ ذلك لا يمنع كون بعض مطالب الكتاب محل كلام ونظر.(١)
وقال الشيخ حسين الخشن في مقاله (الكتب غير المعتبرة للثقافة العاشورائية) كتاب «إكسير العبادات وأسرار الشّهادات » للدّربندي، والمعروف اختصاراً بأسرار الشهادة، وهو من الكتب التي أدخلت إلينا العديد من الأخبار التي لا أصل لها، وأعتقد أنّ المحدث النوري المعاصر لهذا الشيخ قد أوضح الأمر بشكل جلي حول شخصية الدربندي وذهنيته وكيفية جمعه لكتابه المذكور، مؤكداً أنّه لا يمكن الوثوق بكتابه، وإن كان هو رجلاً صالحاً في نفسه، ومن أهم الدلائل التي ذكرها المحدث النوري لإثبات عدم الوثوق بكتاب «أسرار الشهادة» أنّ الدربندي اعتمد كمصدر لكتابه على بعض المجاميع المجهولة التي نهى بعض كبار الفقهاء آنذاك عن نشرها أو قراءتها، لما تضمنته من الأكاذيب. والغريب أنّ هذا الكتاب وأمثاله لا يزال في محل التداول ويطبع مراراً وربما اعتمد البعض عليه، «مع أنّ فيه الغث والسمين بما لا يخفى على نقّاد فنّ الحديث»، كما قال العلامة الخبير السيد الخونساري الصفائي).(٢)
كما يمكننا بحث وتحليل هذه الرواية من عدة جهات أولها ببيان نظرية التفويض الالهي لبعض مخلوقاته للقيام بأعمال معينة والتي قسّمها العلماء بدورهم إلى قسمين مقبولة وغير مقبولة ، فغير المقبولة منها هو ما يجعل لله شركاء في خلقه وتدبير أمور الكون والخلق والرزق وهي نظرية مرفوضة جملةً وتفصيلاً ، أما المقبولة
باقر سجاد علي حسن الاول متوسط ب٢ عبير المنظور, [14.08.21 05:02]
منها فتنصّ على أن الله تعالى قد أعطى بعض الصلاحيات _إن صحَّ التعبير_ لبعض مخلوقاته للقيام ببعض الأعمال بإذنه ومشيئته وهو معنى الولاية التكوينية التي أثبتها القران الكريم في العديد من الآيات التي أقرّت بالولاية التكوينية للانبياء والمرسلين (على نبينا وآله وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم) وكذلك لبعض الأولياء والصالحين فقد ثبّت القران الكريم شفاء الأمراض وإحياء الموتى للنبي عيسى (عليه السلام) وكذلك تسخير الريح للنبي سليمان (عليه السلام) وقدرته على تكليم الحيوانات وايضا
ً قصة عرش بلقيس الذي تعرّض القران الكريم فيها إلى تثبيت مفهوم الولاية التكوينية للعفريت من الجن ولآصف بن برخيا الذي عنده علم من الكتاب وغيرها من الشواهد القرآنية الكثيرة في هذا المجال .
كما أقرَّ القران الكريم التفويض الالهي للملائكة بقوله عزوجل (فالمدبِّرات أمرا)(٣) ومن هذه الملائكة ملك الموت عزرائيل (عليه السلام) الذي وكل الله تعالى اليه قبض الارواح وقد ذكر القران الكريم ذلك في قوله تعالى (قل يتوفاكم ملك الموت)(٤) ، كما وصف القرآن الكريم الملائكة بالطاعة له تعالى بقول عز من قائل (ولله يسجد ما في السماوات وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون* يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون)(٥) ، وقال تعالى ايضاً في بيان صفة الملائكة (....... بل عباد مكرمون* لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون(٦) ، فمن غير المنطقي على ضوء هذه الآيات الكريمة أن يخالف عزرائيل (عليه السلام) أمر الله سبحانه وتعالى ويعتذر عن قبض روح الامام الحسين (سلام الله عليه) بل يجب عليه أن يمتثل طائعاً لأمره تعالى ، وهو دليل عقلائي كافٍ لبطلان رواية إعتذار عزرائيل عن قبض روح الامام الحسين(عليه السلام) على الوجه الذي ذكرناه.
ومن جهة اخرى فإن سؤالكم هل ان الله تعالى هو من قبض روح الامام الحسين (عليه السلام) فلا يخلو من وجهة نظر صحيحة خاصة إذا ما علمنا بورود رواية صريحة في ذلك في كتبنا الروائية وهي رواية طويلة توضح عظمة الامام الحسين وأصحابه (سلام الله عليهم اجمعين) وتضحياتهم يوم عاشوراء التي ثمّنها الله تعالى وأثابهم عليها بالثواب الجزيل الذي ذكرته الرواية بشكل مفصل ومن ضمن ما أثابهم الله تعالى عليه هو أن يقبض أرواحهم الكريمة بيده والرواية كما قلنا طويلة إقتطفنا منها موضع الحاجة وإن شئتم الإطلاع عليها كاملة فراجعوا مصادرها التي أثبتناها في الهامش وهذا موضع الشاهد من الرواية (......فاذا برزت تلك العصابة الى مضاجعها تولى الله قبض أرواحها بيده.....)(٧) وهو أمر ليس ببعيد عن أولياء الله الصالحين وعباده المكرمين الذين يكرمهم الله تعالى بقبض أرواحهم بيده . وقدر وردت روايات اخرى في هذا المعنى في قصة الإسراء والمعراج مفادها بان الله تعالى يقبص روح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وروح الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) بيده وقدرته(٨) ، ولا يعارض ذلك أنه تعالى أوكل مهمة قبض الارواح الى عزرائيل بإذنه ومشيئته تعالى (قل يتوفاكم ملك الموت)(٩)مع قوله تعالى (الله يتوفى الأنفس حين موتها.....)(١٠) في قبض الله تعالى لأرواح عباده المخلصين والمقربين بيده وقدرته تكريماً لهم ما دام الله عزوجل هو المحيي وهو المميت وما ملك الموت إلا واسطة لتنفيذ الأمر الالهي بقبض أرواح العباد .
وبلحاظ ما تقدم يتبين لنا عدم صحة إعتذار عزرائيل عن قبض روح الامام الحسين (سلام الله عليه) روائياً وعقلائياً على ضوء ما اوردنا من أدلة قرآنية وأيضاً يتبين لنا مقام وعظمة الامام الحسين وأصحابه (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار رواية أن الله تعالى قد قبض أرواحهم بيده وقدرته.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
الهوامش
(١) انظر اكسير العبادات واسرار الشهادات على موقع ويكيبديا
https://ar.m.wikipedia.org/wiki/إكسير_العبادات_في_أسرار_الشهادات
(٢) انظر
https://www.alnaeem.tv/?p=48337
(٣) سورة النازعات /5
(٤)يورة السجدة/11
(٥)سورة النحل/49_50
(٦)سورة الانبياء/26_27
(٧)راجع بحار الانوار ج28 ص59
بحار الانوار ج45 ص182
مستدرك سفينة البحار ج6 ص182
شجرة طوبى ص420
(٨) انظر مائة منقبة من مناقب امير المؤمنين علي بن ابي طالب والائمة من ولده عليهم السلام من كتب العامة ضمن هامش المنقبة 13
وايضا نوادر المعجزات ص66 حديث 31
(٩)سورة السجدة/11
(١٠)سورة الزمر/