لأول مرة وحالما وقع بصره عليها في فناء الجامعة شغلت فكره واحتلت مساحة من قلبه، أعجبه أدبها الجم وعباءتها الفضفاضة التي أضافت على محياها الكثير من الهيبة والوقار، ناهيك عن روح التعاون لديها وولعها الشديد في مساعدة طلاب المرحلة .
لم يكن من أخلاقه استراق النظر أو التلصص على النساء، لكن شغفا ما نما في وجدانه تجاهها جعله يواظب على متابعتها ويراقب حركاتها من بعيد، ولطالما حاول إخفاء نظراته التي تلاحقها إلا أنه لم يفلح وبان عليه غلبة الحب، حتى بادلته المحبة وشيئا فشيئا توطدت العلاقة بينهما .
قضيا معظم الوقت في مباحثة منهج الدراسة والتحاور فيما يخص مستجدات الوطن واهم المواضيع عصابة داعش الإجرامية التي عاثت في الأرض الفساد، ولأنه مازال في مقاعد الدراسة الجامعية لم يتسنى له تلبية فتوى الجهاد المقدس، لكنه بالرغم من ذلك عمد على عمل خيري له صلة بدرب الجهاد فقد انضم إلى حلقات شبابية عملها إيصال المؤونة إلى أبطال الحشد الأشاوس.
وهكذا نظم وقته بين الدراسة وبين مشروعه التطوعي بكل اجتهاد، وبين هذا وذاك ظل حبه يكبر لفتاة أحلامه التي أورقت كل الأماني المستقبلية، وبعدما شاع أمر حبهما أراد أن يتوج هذا الحب بعقد رسمي كي يدخل البيوت من أبوابها .
وهكذا توجه مع ذويه لخطبتها رسميا ليقتطف حلمه الجميل، لكن ذلك الحلم لم يتحقق حيث وضع والد الفتاة شرط التخرج معيارا مهما للموافقة، فلم يبقى له سوى إعلان الخطوبة رسميا في يوم التخرج كي يضع النقاط على الحروف ويعلم الجميع ان حبهما الشريف طريقه واحد هو الدخول في ساحة رضا الله وطاعته.
وهكذا مضت أيام الامتحانات ممزوجة بأحداث قاسية ومريرة على البلد من جراء عصابات داعش الإرهابية، ثم كان عليه أداء واجبه التطوعي الذي صار يرأسه والتوجه إلى الخطوط الأمامية لتسليم المعونة وبعض المستلزمات لصناديد الحشد.
ذلك بعد أن تم الاتفاق بإعلان الخطوبة في حفل التخرج الذي سيقام بعد أيام ثم الذهاب مباشرة إلى محافظة سكن الفتاة لإتمام الخطوبة رسميا هناك، وهكذا كانت الفتاة تستعد لحفل الخطوبة وتنتظر تلك اللحظات بكثير لهفة وشوق .
وسرعان ما اتصل ذويه بوالد الفتاة يخبرونه بأنهم قادمون إليهم في الحال برسالة مقتضبة، شعرت بوخز في قلبها وخوفا لا تعرف كنهه، إلا أن كل ذلك قد تلاشى أمام مراسيم التحضير، وما هي إلا ساعات حتى بانت المركبات الكثيرة التي حملت الزهور تتقدم نحوهم في موكب مهيب وأصوات الهلاهل تنتشر في ربوع الحي الصغير .
سكنت الأهازيج وتوقف الجمع عن الكلام فجأة، وتسمر الحاضرين في أماكنهم حيث لاح العلم العراقي يرفرف على جثمان الشهيد، سكنت الأنفاس للمشهد وتجمدت الكلمات في سماء البوح قبال حب الوطن الأكبر، ولبس الشهيد بدلة الشهادة قبل بدلة التخرج والزواج .
وراح الجميع يكبر ويهلل وتعالت الأهازيج من جديد وسط شهقة الفقد ووجع الغياب المرير.